بندلي جــــوزي:رائد الاتجاه القومي الماركسي

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث
(Rasheed Alnajjab)

الحوار المتمدن-العدد: 7918 - 2024 / 3 / 16 - 16:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

ولد بندلي جوزي في القدس 1868، وثمة من يقول عام 1871، وتعلـّم في "دير المصلـّبّة" للأرثوذكس، ثم تابع دراسته في مدرسة "كفتين" قرب طرابلس الشام. وفي عام 1904 سافر إلى موسكو حيث التحق بجامعة "قازان" ودرس فيها الماجستير، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة موسكو وكانت أطروحته بعنوان: "من الحركات الفكرية في الإسلام"، عام 1928. والذي نشره كتابا في نفس العام أثناء زيارته للقدس، ثم تبع ذلك عدد من الإصدارات بعد نحو خمس عقود أولها الطبعة التي نشرتها دار صلاح الدين في القدس عام 1977.
تزوّج بندلي جوزي من سيدة روسية من أُسرة غرادوف، وتخصّص في الدراسات الشرقية واللغات السامية، وظل يعمل محاضراً في الأدب العربي في جامعتي "قازان" و"باكو" إلى أن توفي عام 1945.
يعتبر بندلي بن صليبا الجوزي من أهم أعلام المدرسة الاستشراقية واللغات السامية في روسيا، في النصف الأول من القرن العشرين، كما اشتهر كمؤرّخ وباحث لغوي. كتب في مجلات "المقتطف" و"الهلال" و"النفائس العصرية" وغيرها، وكان يجيد عدة لغات إلى جانب العربية والروسية، مثل العبريّة، واليونانية، والألمانية، والإنجليزية.
كان بندلي جوزي مرجعا للمستشرقين السوفيات، وقدم من خلال هذه الدور خدمة جليلة للفكر العربي من خلال حركة الاستشراق. ورأى حسين مروّه أن بندلي كان رائد حقل الدراسات التراثية، العربية – الإسلامية، في العصر الحديث. إذ انفرد بندلي جوزي مقارنة بالباحثين العرب العرب آنذاك من حيث شمولية الرؤية، فضلاً عن تفرّده من حيث منهجيته الجدلية التي أحاطت بأغلب جوانب أبحاثه. وربما كان لهذه المنهجية الأثر الأهمّ في تعزيز البُعدين النقديّ والعلميّ في دراسته للتراث.
جهد بندلي جوزي لدحض مقولة "أن الشرق شرق والغرب غرب" المنسوبة للشاعر الإنجليزي المولود في الهند "روديارد كيبلينغ"، وأن للشرق نواميس تطوّر مختلفة عن الغرب، وأن الشرق تحكمه الدولة المستبدة والدين، في حين تحكم الغرب قوانين مختلفة. أراد جوزي أن يثبت أن القوانين المحرّكة للمجتمعات هي هي، سواء في الشرق أم في الغرب، فقد قطعت أمم الشرق، في حياتها الطويلة، مسارات كثيرة وطرأت عليها تغيّرات عديدة، وذلك بفعل النواميس والعوامل التاريخيّة نفسها التي أثــّرت في الغرب في سياق تطوّره التاريخي. لذلك، يستدلّ بندلي جوزي أن الدول الشرقية تستطيع أن تتقدّم وتتطوّر، لأنها تستطيع أن تسلك الطريق نفسه الذي سلكه الغرب في رقيّه وتطوّره.
سعى بندلي جوزي إلى ترسيخ مفاهيم المادية التاريخيّة الماركسية بأمثلة من التاريخ. فقوانين المجتمعات مادية، ونشأة الإسلام في الجزيرة العربية لم تكن بسبب فكرة دينية محضة بل لها عوامل اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، لأن "مكة" آنذاك كانت ناضجة لاستقبال الدين الجديد.
عزّز بندلي الفكرة الأخيرة بأمثلة من الحركات الاجتماعية، ومنها الحركات الاشتراكية في الإسلام، ليثبت للقارئ أن الأمم الشرقية، والعربية الإسلامية منها خاصة، اجتازت في حياتها التاريخيّة الطويلة المراحل الاجتماعية والسياسية ذاتها التي اجتازتها أوروبا المسيحية. إذ سادت المجتمع صراعات اجتماعية وسياسية طبقية شكـّـلت فكر ذلك العصر وتوجّهه السياسي ومحرّكه التاريخي. هذه الدينامية الداخلية هي سمة من سمات المجتمعات كلها بلا استثناء، وهي المحرّك للتطوّر القادم من دون شك، ولا يمكن أن يكون ذلك محصوراً بمجتمع دون غيره.
وتلقي "موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر" للدكتور أيوب أبو دية الضوء على رأى بوعلي ياسين المتضمن أن بندلي جوزي هو أول من نظر إلى التاريخ العربي الإسلامي، في عشرينيات القرن الماضي، نظرة علمية مادية جدَلية، وركـّـز على مسألة أن الإسلام ليس مجرّد فكرة دينية بل مسألة اقتصادية اجتماعية معاً، فكان رائداً في هذا المضمار، إذ اقتدى بنظرة ماركس إلى التاريخ الأوروبي الحديث، فأخذ بنظريّة التطوّر الستالينية وحاول تطبيقها على التاريخ العربي الإسلامي، معتبراً أن المجتمع العربي الإسلامي، أسوة بغيره من المجتمعات البشرية، يخضع للقوانين الطبيعية والاجتماعية نفسها، ويمتلك المجتمع العربي الإسلامي القدرة الذاتية على التقدّم، أسوة بغيره من المجتمعات المتقدّمة. ولكنه خالف النظرية الستالينية بفهمه القومي لمسألة توحيد العرب بالإسلام، بقبوله الاتجاه الاشتراكي في الصراعات الطبقية. لذلك كان بندلي جوزي رائد الاتجاه الماركسي القومي في الفكر العربي الحديث.

#رشيد_عبد_الرحمن_النجاب (هاشتاغ)       Rasheed_Alnajjab#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات