الحركات المتطرفة تركب موجة مشتركة

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

الحوار المتمدن-العدد: 7915 - 2024 / 3 / 13 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ترجمة / محمد ناجي

إن التطرف اليميني آخذ في الازدياد ، وفي النقاش العام أصبحنا معتادين بشكل متزايد على الخطاب السياسي الذي يحض على الكراهية . وعندما يحدث هذا التطبيع ، يُسمح لحركات أكثر غرابة ومتشابهة جزئياً ، والتي تبدو هامشية بالنمو في ظل التطرف الأوسع . ولا ينبغي الاستهانة بالتهديد الذي تمثله أيضاً .

في السنوات الأخيرة ، ظهرت موجة جديدة من السياسات اليمينية المتطرفة ، سواء في شكل أحزاب أو حركات شعبوية . وهذه ، وفقا لمرجع في هذا المجال ، وهو عالم السياسة الهولندي كاس مود ، هي الموجة الرابعة من سياسات اليمين المتطرف التي تتميز بالانتشار الواسع والتطبيع لأفكار وأحزاب اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم . في الآونة الأخيرة ، شهدنا العديد من الأحداث المتطرفة تحدث نتيجة لذلك ، مثل اقتحام القصر الرئاسي والكونغرس والمحكمة العليا في البرازيل ، والهجوم المماثل على مبنى الكابيتول في واشنطن في يناير 2021 ، وفي ديسمبر 2022 الكشف عن خطة إرهابية لانقلاب في ألمانيا .

وفي حين أن هذه الأحداث تتصدر عناوين الصحف ، فإن تطبيع الخطاب اليميني المتطرف يسمح أيضاً للمجموعات الأخرى ذات القيم المماثلة لمثيري الشغب بالنمو في الظل . واحدة من هذه هي حركة incel ، وهي ثقافة فرعية عبر الإنترنت غالباً ما يتم تجاهلها كمجموعة من الأفراد غير المؤذين . ومع ذلك ، يظهر تحليل دقيق لهذه الظاهرة أن الجماعات التي تنمو في ظلال اليمين المتطرف قد تشكل تهديداً أكبر مما كان متصوراً في السابق .

الاتجاه اليميني المتطرف

في 7 ديسمبر 2022 ، صباح يوم أربعاء عادي ، أجرى الآلاف من ضباط الشرطة في جميع أنحاء ألمانيا عمليات تفتيش لمنازل المشتبه بهم في التخطيط لانقلاب . وتبين أن لبعضهم صلات بحركة Reichsbürger اليمينية المتطرفة . الفكرة المركزية للمجموعة هي أنها ترفض الاعتراف بشرعية الدولة الألمانية وتعتقد أن البلاد لا تزال تحكمها قوى الحلفاء التي تولت السلطة بعد الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفيتي/روسيا) . هدفهم هو إعادة تأسيس الرايخ الألماني الذي تم حله بعد الحرب . ومن بين المعتقلين أرستقراطي سابق وقاض وجندي نشط . إن اعتقال أشخاص من هذه الخلفيات هو بمثابة تذكير بمدى التهديد الذي تشكله المنظمات اليمينية المتطرفة ، التي يصل نفوذها إلى أروقة السلطة ، وحيث يمكن لأعضائها الوصول إلى الأسلحة .

الانقلاب المخطط له هو واحد من سلسلة أحداث عارضت فيها حركات اليمين المتطرف الدولة ، إما عن طريق الاحتجاج على شرعية مؤسسات الدولة ، أو كما في هذه الحالة ، من خلال التخطيط للإطاحة بها . في جميع أنحاء العالم ، وخاصة في أوروبا ، نشهد زيادة في الحركات السياسية الشعبوية اليمينية المتطرفة واليمينية ، داخل الدولة وخارجها . في إيطاليا ، فاز حزب "إخوان إيطاليا" ، وهو حزب له جذور فاشية ، في الانتخابات البرلمانية لعام 2022 . وفي ألمانيا ، يُشار إلى التطرف اليميني باعتباره أكبر تهديد للديمقراطية .

وفي السويد ، كما هو معروف ، اكتسب "ديمقراطيو السويد SD" نفوذاً متزايداً في السياسة السويدية في ظل الحكومة الجديدة ، على الرغم من أن المراجعة التي أجريت قبل انتخابات العام الماضي أظهرت أن 214 من مرشحي الحزب للانتخابات كانت لهم صلات بالتطرف اليميني والنازية . وخارج البرلمان ، هناك مجموعة أكثر تطرفاً آخذة في النمو ، وهي حركة المقاومة الشمالية (NMR) ، التي تشبه ايديولوجيتها أيديولوجية حركة مواطني الرايخ . تعتبر NMR ، وفقاً لـ"شرطة الأمن SÄPO" ، واحدة من أخطر الجماعات النازية في السويد ، والتي يتزايد عددها ويلجأ أعضاؤها بشكل متزايد إلى أعمال العنف .

وفي نفس الوقت الذي تزايد فيه المخاوف بشأن تصاعد التطرف اليميني ، تكتسب الحركات المزيد والمزيد من المؤيدين . ومع اتساع الفجوات الاقتصادية وتدهور الظروف المعيشية ، يلجأ المزيد من الناس إلى الحركات التي تنجح في استغلال عدم رضاهم عن وضعهم المعيشي . إن التطرف اليميني يشكل تهديداً يبدو أنه موجود ليبقى .

منظور جنساني على اليمين المتطرف
تُظهر التحليلات الجنسانية للأيديولوجية اليمينية المتطرفة أنها تستند إلى قيم محافظة للغاية . غالباً ما تعزز هذه الفكرة الثنائية للجنس حيث يتم تكليف النساء بأداء أدوار محددة مسبقاً بيولوجياً كأمهات ، بينما يُتوقع من الرجال تجسيد الأدوار الذكورية كحماة . وبما أن التطرف اليميني يحمي هذه القيم ، فإن هذه الأحزاب والحركات تُحشّد بشكل متزايد ضد المساواة والسياسات الرامية إلى تعزيز حقوق الأقليات الجنسية ، حيث يُنظر إليها على أنها تهديد .

ومع وجود أحزاب شعبوية يمينية ويمينية متطرفة متزايدة القوة في السلطة ، أصبح هذا الرفض لتطلعات المساواة السياسية حقيقة واقعة . على سبيل المثال ، عارضت المجر وبولندا استخدام مصطلح "المساواة" في إعلان الاتحاد الأوروبي ، وانسحبت تركيا من اتفاقية اسطنبول (اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة) وألغت المحكمة العليا الأمريكية ، التي يهيمن عليها المحافظون الحماية الفيدرالية للحق في الإجهاض المجاني التي كانت موجودة منذ عام 1973 .

إذا نظرت إلى مؤيدي الأحزاب والمنظمات اليمينية المتطرفة ، ستجد هنا بُعداً جنسانياً أيضاً . وعلى الرغم من أن النساء يتقدمن أيضاً إلى مثل هذه الحركات ، إلا أن غالبية أتباعها هم من الرجال .

ويرى الخبراء أننا بحاجة إلى أن نفهم ، وخاصة لدى الشباب ، الانجذاب إلى هذه القيم في سياق مجتمعي أوسع . إذا رجعنا في التاريخ إلى الوراء ، نجد أن امتيازات الذكور قد انخفضت بينما زادت المساواة بين الجنسين . يشعر بعض الرجال بالتهديد من التغيير السياسي والاقتصادي في المجتمع الذي يبتعد عنهم . يقول عالم الاجتماع مايكل كيميل إن الشباب الذين ينجذبون إلى التطرف اليميني العنيف مدفوعون جزئياً على الأقل بالحاجة إلى استعادة الرجولة واستعادة الشعور بالاستحقاق الذكوري .

أوجه التشابه مع incel *
تم العثور على هذه الحاجة ضمن ما يسمى بثقافة incel . ترمز Incel إلى العزوبة غير الطوعية وتصف الشخص الذي "يعتبر نفسه غير جذاب جنسياً بسبب القيم المجتمعية السائدة" . وفي السنوات الأخيرة ، أصبح هذا المصطلح يستخدم بشكل رئيسي للشباب الذين يعيشون في عزوبة لا إرادية ، وهو الأمر الذي يمكن أن يدفعهم إلى التعبير عن الكراهية تجاه النساء . على الرغم من أن الروابط المباشرة بين ثقافة Incel والحركات اليمينية المتطرفة لم تتم دراستها بعمق بعد ، إلا أن الباحثين لاحظوا وجود تداخل أيديولوجي .

لا يمثل مصطلح incel في حد ذاته معارضة للمساواة أو اعتناقاً للقيم التقليدية ، وهذا يشمل ايضا كل من يُعرف بأنه incel . ولكن داخل حركة هناك أولئك الذين هم أكثر تطرفاً في وجهات نظرهم ، الذين لا يعرّفون أنفسهم فقط على أنهم غير قادرين على أن يكون لديهم شريك جنسي أو شريك حب ، ولكنهم أيضاً يشعرون بالإحباط بشأن هذا الأمر . ويستند هذا الإحباط إلى حقيقة أنهم يعتبرون مثل هذا الشريك هو حقهم البيولوجي كرجال . تحمل الحجج المؤيدة لذلك تشابهاً صارخاً مع خطاب اليمين المتطرف حول النظرة الثنائية للنوع الاجتماعي المذكورة سابقاً . الفرق هو أن الإحباط الموجود في الأشخاص غالباً ما يتحول إلى كراهية تجاه النساء ، اللاتي يعتقدن أنهن مسؤولات عن افتقارهن إلى شركاء .

ويمتد الإحباط إلى المجتمع ، حيث يشترك المتعصبون أيضاً في معارضة الأيديولوجية اليمينية المتطرفة للمساواة وحقوق المثليين مثل زواج المثليين . بنفس الطريقة التي يدفع بها التقدم في المساواة بين الجنسين الشباب عديمي الهوية إلى الحركات اليمينية المتطرفة ، هناك دوافع مماثلة بين Incel ، كما يشير لوكاس جوتزين ، الذي يبحث في الذكورة والعنف . في دراساته لمنتديات Incel ، يشير جوتزين إلى أن هناك شعوراً بين المشاركين في المنتديات بأن التقدم في مجال المساواة بين الجنسين قد أضعف الدور الذكوري التقليدي وجعل بعض الشباب غير آمنين .

كما نرى ، هناك العديد من أوجه التشابه بين الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة الأكبر والأكثر وضوحاً وثقافة incel الفرعية عبر الإنترنت . وبما أن الموجة الحالية تتميز بتطبيع الأفكار والقيم اليمينية المتطرفة ، فهناك خطر من السماح للمنصات المتطرفة بالنمو دون أن يلاحظها أحد في الظل . ومن خلال تبادل القيم والخطابات المماثلة ، فإن التعود على السياسة اليمينية المتطرفة يخلق بشكل غير مباشر منصة لتطبيع القيم التي تميز ثقافة Incel .

لماذا هذا التهديد ؟
فلماذا يجب أن نقلق ؟ غالباً ما يتم استبعاد أتباع Incel باعتبارهم أفراداً وحيدين يجلسون أمام الكمبيوتر . ولكن بعد التحليل الدقيق ، نرى أن الإحباط وكراهية النساء التي أعربوا عنها يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة . تبين أن مرتكبي سلسلة من الهجمات القاتلة في العقود الأخيرة ينشطون في منتديات Incel . في حين تميل الحركات اليمينية المتطرفة إلى استهداف مؤسسات الدولة أو الأقليات وتشكل تهديداً للديمقراطية ، فإن أعمال العنف التي يرتكبها أشخاص مرتبطون بالحركة غير التقليدية تميل إلى استهداف النساء .

في كتابها "الرجال الذين يكرهون النساء" ، تصف الصحفية البريطانية لورا بيتس سلسلة من الهجمات المميتة التي كان مرتكبوها نشطين داخل دوائر Incel واستخدموا خطابهم لتبرير جرائمهم . ومن الأمثلة المعروفة إليوت رودجر ، الذي قتل في عام 2014 ستة أشخاص وأصاب أربعة عشر آخرين في إيسلا فيستا ، كاليفورنيا . قبل ارتكاب الجريمة مباشرة ، نشر بياناً يبرر أفعاله على أنها انتقام من النساء اللاتي يفضلن باستمرار رجالاً آخرين عليه .

مثال آخر هو جيك دافيسون ، الذي أطلق النار وقتل خمسة أشخاص في بليموث البريطانية في عام 2021 . وكان قد نشر سابقاً مقاطع فيديو على يوتيوب أشار فيها إلى حركة Incel واستخدم كلمات عامية نموذجية لها. وقد تم الاحتفاء بهؤلاء القتلة في منتديات incel كنماذج يحتذى بها بعد جرائمهم .

وعلى الرغم من أن هذه الأعمال قد حدثت في الخارج ، فقد تم الربط بين الهجمات المميتة وحركة "incel" في السويد أيضاً . في حلقة من برنامج Kalla fakta على قناة TV4 في عام 2021 ، حذرت "شرطة الأمن SÄPO" من أن حركة المتطرفين تشكل تهديداً متزايداً للمجتمع ، وأن الحركة مرتبطة بعشرات الهجمات المميتة على مر السنين . أظهر تحليل عدد من منتديات الدردشة الخاصة بـ incel أيضاً أنه على الرغم من أن عدد الجرائم المبلّغ عنها أكبر في الولايات المتحدة ، إلا أن السويديين كانوا أكبر مجموعة أعضاء من حيث نصيب الفرد في هذه المنتديات . هذه محادثات تحتفي بمرتكبي جرائم العنف والقتلة المشهورين .

كل هذا يشير إلى أن حركة incel تشكل تهديداً أكبر للمجتمع السويدي مما يمكن أن يعطيه الانطباع عن أفراد يجلسون على جهاز كمبيوتر . تتداخل أيديولوجية وخطاب ثقافة incel وقيمها التقليدية مع تلك التي يستخدمها اليمين المتطرف . وبالتالي فهو يعتمد على الصعود العام والتطبيع لخطاب اليمين المتطرف وقيم اليمين المتطرف ، ويمكن أن ينمو في ظلها .

جنيفر بيرجمان
معهد السياسة الخارجية للسياسة والأمن العالميين

من المترجم :
* مفهوم Incel هو مختصر involuntary celibacy ومعناها العزوبة اللاإرادية …. صاغ مصطلح incel طالبة جامعية كندية في عام 1993 . أنشأت قائمة بريدية مفتوحة للجميع ، بغض النظر عن الجنس والتوجه الجنسي ، للذين عانوا من الوحدة وفشلوا في إقامة أي علاقات رومانسية أو جنسية .
وقد حذرت أجهزة الأمن في العديد من البلدان من التهديد المتزايد النابع من بيئة incel .

#محمد_ناجي (هاشتاغ)       Muhammed_Naji#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات