أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الباتع - ربوني .. وبعرف أهلي















المزيد.....

ربوني .. وبعرف أهلي


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 07:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا تخلو النفسية العربية المعاصرة من الكثير من الإحباطات المنبعثة من التناقض بين اعتقادنا الباطني بالتميز والتفوق مع ما نعيش من إخفاقات حضارية وإنسانية متواصلة في كثير من مناحي الحياة، ومن نافل القول أن حجم الإحباط يتناسب طردياً مع سقف الطموح، فكلما كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد.
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه!
وقدر النفس غير محصور بالمقدار وحده ولكنه يتعداه إلى الهوية والمزاج وطريقة التفكير وما إلى ذلك من محددات ثقافية تشكل بمجملها الماهية الخاصة لأي فرد أو مجتمع. وإذا أدرك المرء قدر نفسه فإنه يكون قد قارب أو حتى طابق بين إطاره الذاتي وإطاره الموضوعي وكان أقدر على اكتشاف نفسه وتقديمها للآخرين على حقيقتها، وكلما كان المرء منسجماً مع ذاته، كان من الأيسر عليه أن يفسر نفسه لغيره، وبالتالي أن يعفي نفسه من مسئولية سوء الفهم الحادث لدى الغير.
من هنا تتضح أهمية أن يكتشف الإنسان نفسه وأن يتقبلها ويتصالح معها، بل وأن يحبها، حتى يستطيع أن يكونها وأن لا يضطر إلى انتحال غيرها، فإذا لم يحب الإنسان ذاته لا يمكن أن يطالب غيره بحبها. ومفتاح الحب هو المعرفة، وكما يقول الإنجليز To love me is to know me) )، أو (أن تحبني يعني أن تعرفني)، وبالمثل فإن معرفة الإنسان لحقيقة نفسه وقبولها على ما هي عليه من سلبيات وإيجابيات، إنما يساعده على حبها، ويساعد غيره على فهمها كما هي وعلى حقيقتها، ومن ثم تقبلها والانطلاق منها إلى عوالم أخرى دون أن يضطر تحمل تبعات سوء الفهم من الآخر، وبالتالي إلى ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من خيبة أمل وإحباط، ومايلي ذلك من معاناة !
هل نجحنا أيها السادة كأفراد ومجتمعات في معرفة ذواتنا والتعرف على عناصر النجاح ومكامن الإخفاق فيها؟
أعتقد وبناءً على الشواهد أننا كعرب هذا الزمان لا نزال في مرحلة التخبط الطفولي على طريق استشراف ذاتنا العربية الحقيقية، وهذا هو السبب الأهم لفشلنا في إنجاز أي مشروع حضاري حقيقي نخرج به إلى العالم. لا شك أن لدينا سمات هامة من بذور ثقافية وإنسانية أساسية، ولدينا كذلك الكثير مما يستحق أن نحافظ عليه من قيم ومعاني تشكل في مجملها الملامح الخاصة التي يحق لنا أن نفخر بها كعرب. إن المشروع النهضوي العربي الذي أجهض في ما مضى كان يستند على قاعدة حقيقية من التراث الفكري والأدبي والإنساني، وما كان له أن يبوء بالفشل لولا التجاء بعض مثقفينا إلى التنظير الفلسفي والسياسي بعقلية غريبة عن بيئتنا، قاموا وكثيراً ما كان ذلك بحسن نية باستيرادها لنا من الشرق والغرب، وإحلالها قسراً محل العقلية التقليدية التي سادت إبان عصر النهضة العربية السالفة.
ليس المقصود بالتراث الإنساني والثقافي مجرد العقيدة الإسلامية (على أهمية دورها ) ولكنه ذلك المخزون الهائل من الأخلاقيات وقيم التسامح والتماسك الأسري التي أراها تدفع منفردة ضريبة الحداثة والعولمة، دون أن يتمكن الحداثيون العرب من ترسيخ أي مفهوم حداثي حقيقي للمجتمع العربي، ودون أن تتعدى مفاهيمنا عن العولمة المحددات الاستهلاكية لها. ليست الحداثة أو المعاصرة عيباً في حد ذاتها، ولكن العيب في طريقة تناولها وحصرها ببعض المأكل والملبس وبعض الأغاني التافهة، والتغاضي عمداً عن حداثة الفنون والآداب والكثير الكثير من العلوم الإنسانية والتطبيقية المعاصرة.
أضحكني في ما يشبه البكاء كلام ذلك القروي البسيط عشية الهجوم الأميركي على العراق والذي انتهى بالاحتلال المشئوم عندما قال في معرض تحديه للغارات الأميركية الوحشية ما معناه (ماذا تفيدهم طائراتهم في مواجهة من علموا الدنيا الكتابة؟) فتمنيت ساعتها لو سألته ( وهل أنت تجيد الكتابة يا عم؟ ).
من المؤكد أنه ليس من المفيد أن نقوم بجلد ذواتنا ومعايرة أنفسنا بنجاح من سبقونا بعد أن كانوا خلفنا، كما أنه من الضار التقوقع في شرنقة الماضي ومباهاة الآخرين بما كان لنا ولم يعد لدينا منه أثر يذكر، فالحديث عن آلاف السنين الغابرة من الحضارة وأمجاد الدول الإسلامية المتعاقبة بدءاً من دولة خلافة الصحابة وانتهاءً بدولة الخلافة العثمانية يبدو أمراً مضحكاً وليس ذو جدوى حقيقية في ظل ما نعيشه من واقع عربي غير مسبوق، وهو أننا دول ومجتمعات وليدة لا يتجاوز عمر أقدمها سبعين عاما لا غير، ضاع منها ستون عاماً حتى الساعة في معركتنا الحضارية مع المشروع الصهيوني الذي أريد له أن يكون مخلب قط لحضارة شمال المتوسط سليلة الإمبراطورية الرومانية العجوز، وذلك بعد الفشل التاريخي للحملات الصليبية وما تلاها من حملات استعمارية ومحاولات اختراق بذرائع وسبل شتى كان هاجسها الأساس ولا يزال هو تغيير هوية هذه البلاد التي أفرزت في الماضي تلك الحضارة العربية الإسلامية في الماضي.
نعم لا يزال القوم يخشون إفاقتنا من ذلك الخدر الذي حقنونا به بعد أن دانت لهم الدنبا في أعقاب فوزهم بغنائم الحرب العالمية، وما دعوات التغريب إلا إحدى وسائلهم في نزع وجهنا ولا يهم بعدها على أية هيئة نكون، فهل يفلحون؟
وعيت بعض شرائحنا مبكراً إلى ما يراد بنا، فآثرت الانكفاء والتقوقع على الذات متخذة من التطرف الشوفيني دينياً أو قومياً لتفرز لنا تلك التيارات المغرقة قي الظلامية والقسوة، وكانت نتيجة ردة فعلها تلك من العجز والخيبة ما قدم أجل الخدمات للمشروع التغريبي من حيث لا تعلم ولم تكن تقصد !
وهكذا أيها السادة ضاعت هويتنا بين التغريب والتطرف، وسيطول بحثنا عن وجهنا الحقيقي بين آلاف الوجوه المعروضة علينا، وما علينا إلا أن نعيد اكتشاف ذواتنا وفقاً للمعطيات الجديدة التي نعيشها، ولن تكون هناك جدوى من الحلم بانبعاث صلاح الدين أو خالد بن الوليد من جديد فهؤلاء لن يأتوا مهما بكيناهم وتوسلناهم، وما علينا حقيقة هو إيجادهم وغيرهم من داخلنا وبعثهم في أنفسنا، وإن أردنا لهم أن يعودوا فلنعيدهم في كل واحدٍ منا.
( إنتو ربوني ..، وأنا بعرف أهلي)، مثلٌ فلسطيني كانت تقوله جدتي عن قط لقيط قامت الأسرة باحتضانه وتربيته وما إن شب عن الطوق حتى هرب من المنزل والتحق بزمرة من بني جلدته من القطط . تذكرت هذا المثل عندما كنت أشاهد تلك المظاهرة الحاشدة لما يزيد عن نصف مليون من البشر فى أحد ميادين اسطنبول وهم يحتجون على زيارة بابا الفاتيكان إلمرتقبة إلى تركيا. عجيب أمر هؤلاء الأتراك الذين لم تفلح مائة سنة من عمليات التغريب والإثناء عن المضامين الثقافية والعقائدية في إبعادهم عن جذورهم التاريخية المرتبطة بعقيدتهم الإسلامية. وبغض النظر عن موقفي من تصريحات البابا وطريقة تفسيرها لدينا، أجدني مضطراً للاندهاش من ردة فعل هذه الفئة من الأتراك الذين يرفضون الإغراء الأوروبي بكل ما فيه من مشهيات لم تشترط منهم سوى التنازل عن هويتهم التركية الإسلامية التي نبذوها منذ قرن من الزمن، حتى يتمكنوا من قضم الكعكة الأوروبية اللذيذة. أليس هذا أمراً عجيباً، وهل كثيرٌ علينا أن نكون مثلهم؟



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل متوحش ولكن .. لماذا تتوحش المرأة ؟
- شرَّعتُ قلبي
- الجزيرة .. من الكافيار إلى الخبز
- فضيلة العجرمة
- أنا إسرائيلي مسالم
- مي زيادة بدون جبران
- فضوها سيرة
- على بلاطة
- لا أريد
- رجلٌ بِرَهْن الإنكسارْ
- حذاء المرأة
- آن لنا أن نعرف
- يا كلمةً هناك
- عزيزتي الأنثى ... كوني امرأة
- إسرائيل بعد الحرب
- هذيان
- بدولار إيمان لو سمحت
- خداع النفس
- عملية الدكتور حسن نصرالله
- تحجيب الحضارة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الباتع - ربوني .. وبعرف أهلي