|
حوار في الفكر الانساني المشرقي:الرعاع بين القلق والتلف.
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7911 - 2024 / 3 / 9 - 16:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في ظلمة الفجر ربما تختفي آخر معركة عمياء ظلت تتقلب في طابور يوم مضى قضيناه بين القلق والتلف .وكانما نقاتل في نومنا اولئك الرعاع ممن امسكوا باركان الحياة الاربعة : القوة والضعف والفرص والتحديات. انه هدير صامت يلامس يقظة الصباح لتطل معالم الدنيا علينا بفجر لاهب. هنا في بلاد المشرق العربي ينذرنا اكثر من عقل مفكر بان لا نكون فريسة لقهر معذب قوامه (القلق ) ثم يتبعه ( التلف) ليحصد ثماره ( الرعاع) ، والضحايا بلاشك هم مازالوا خلف قضبان ابواب نومهم الموصدة .فالجدية المثالية واجبة ولكن يحمل مفاتيح الحكمة فيها قادة الفكر والعقل كي تخفت الظلمة ،وتتهافت تحت اشراقات الوعي جل مخاوفنا وهمومنا . فالمفكر حسين العادلي ، يطرق بقوة ضياء الشمس أبواب (القَلَق ) بمفارقة فكرية جادة شخصت بحق سايكولوجيا اجتماعيات الانسان والسلطة التي تبنى على القَلق قائلاً فيها:
• مَن لا يَلسَعه لَظَى (القَلق) لن يتَلَذذ بِبَردِ (السَّكينة)!!
• إن مَلَكَكَ القَلَق (أشَلَّك)، وإن مَلَكته (قَوَّمَك).
• (العَقل) الذي لا يَقلَق خَشَبة، (النَّفس) التي لا تَقلَق جُثَّة.
• (القَلَق)، أوّله الهَاجِس، وأوسَطه الهَمّ، وآخِره الإضطِراب.
• إن كان كلّ شيءٍ مَدعَاة للقَلق استَحالت الدُّنيا جَحيماً. (إقلَق) وفقَاً للأهميَة والاستِحقاق.
• مَن (يَقلَق) لسَفَاسِف الأمور، فَرَّطَ في مَعاليها.
• (المُفَكِّر) يَبيع القَلَق، السِّياسيّ يتَلاعب بالقَلَق، و(الحَاكِم) يشتَري القَلَق!!
• قَلَق (السِّياسِيّ) الوصُول للسُْلطَة، قَلَق (الحَاكِم) مغَادَرة السُْلطَة، وقَلَق (الشَْعب) أدَاء السُّلطَة!! وهكذا لم اجد في السماء قبل ان غادر آخر الظلام وانا اتلمس (حكمة الشرق ) في مفارقة ( القلق) لاحدث نفسي متذكرا ًالقلق ، حينما رافقني في يوم ما قبل نصف قرن انسان بات متمرساً في ادارة عالمه الخاص الذي ركائزه واعمدته ويوميات تعاملاته قد بنيت على (القلق ). فازاء حوادث او قضايا ،كلما تصاغر حجمها ، اتسع قلقه ليدخل في عالم فضاءه الواسع لياخذ القلق متسلقاً تعاريج مكانه بشكل مريح ، ما يجعلنا في أتون معركة وشيكة الحدوث وجحيم انساني لايطاق ليخيف كل من حوله بالقادم المجهول . و ظلت تصرفات ذلك الشخص وكلماته لاتخلو من إطلاقات مغلفة بالهم والياس وفقدان الثقة واستحالة بلوغ الأهداف. كما تجده من فورك ، وانت تتحدث اليه ،انه يتقلب في صعوبة التركيز أو اتخاذ القرارات . وتراه احياناً منهمكاً في جو من الشعور بالغضب وان نصفه الايمن لايدرك نصفه الايسر وهما في غليان وبلونين مختلفين ،بين غضب عارم وتساؤل مبهم ، محدثاً نفسه بهما دون نهايات تذكر. وهو لا يغادر حالة الشعور بالغثيان أو التعرق أو الارتعاش أو الاهتزاز لتتشكل فيها شخصيته العامة بشكل متواتر. ويقال ان منزله هو الاخر في جحيم لمشكلة مزمنة تواجهه في النوم وارق ازلي يوقد نيران الشعور بالخطر الوشيك لديه وهو يتقلب بين الذعر والهلاك الذي (يقلق ) خوفاً ان يداهمه حالاً ،ربما يدرك انه قادم من عالم هيلامي مجهول الهوية. ثم لم تمضِ سوى لحظات قبل ان ينسكب سم القلق في نفسي كرةً اُخرى ، لاجد نفسي وانا اتعقب طلوع الشمس قبل غيابها بمفردة شاقة أُخرى عنوانها : ( التَّلَف) …! وهي واحدة من زوايا الحياة الانسانية التي تناولها المفكر حسين العادلي بعمق التحليل والمقارنة والمفارقة. فبعد ان ترهفك الاحاسيس ، وانت تطالع مفارقة (التلف ) تجدها بانها قوة منطقية تتصيد بعمق فكري وانساني تلك الفلتات والشوارد التي تسللت الى عقولنا في سبات ليلنا والتي تناولتها معركة عمياء مع مجاهيل الحياة . اذ يقول العادلي :
• تَلَف (المَرء) بالتَّرف. التَّرف طُغيان غِنى وبَطَر نِعمة.
• كَمَا (يُفسِد) الطَّمع البَصيرة، (يُتلِف) الطٌّمع الفِطنَة.
• تَلَف (المَمَرّ) ولا خَسَارة (المَقَرّ). مَن أصلَحَ في الأولى رَبِحَ في الآخِرة.
• العَزُوم (صَيَّاد) فُرص، والمُتَردِد (مُتلِف) فُرص.
• (المَوقِف)، يَتِيم لدى الإِمَّعة، وتَالِف لدى المُتَزَلِّف.
• مَن أَتلَفَ (ذِمّته) بالحَرَام لا يُصلِح (سَريرَته) الوَعظ.
• (القَابِل) للتَّلَف: المَال عند الغِرّ، القِيَم عند الشَّبِق، والسُّلطة عند النَاشِئ.
• (أفسِد) السَّاسَة (تَتلَف) السِّياسَة، و(اترِف) السُّلطَة (تَتلِف) الدَّولة.
وهنا لم اجد في معاول التحليل المحاسبي للحياة ما يماثل التلف الا ان ابحث عن ضالتي بالقول : سيبقى التلف اقرب الى الاسترخاء السالب في ادارة ميزانية الحياة ومن ثم تقليب (موجوداتها) لتنتهي صوب الفناء … فهناك قوى من البشر اتلفت حياتها في اللاشي فتحولت من جانب الاصول او الموجودات في تلك الميزانية البشرية لتضيع فرص (الربح ) وانتهت متمسكة بدنيا التلف وهي في حالة( مطلوبات ) او خصوم ، مجسدة (الخسارة ) في خضم الميزانية الحياتية وضياع توازناتها . فاما ان نكون اصلاً ثابتاً في الارض وفرعه في السماء او ان نسير بالتلف لنغدو (مطلوبات ) في طي النسيان ،ومَثلنا مثل شجرة اجتثت من فوق الارض لا نبت فيها ولا قرار . فبين هذا وذاك تريح الانسانية وجودها بمقاومة ( التلف ) بصلابة موجوداتها وهي محصنة من عالم اسمه المطلوبات على الدوام. فبالحفاظ على الاصل البشري كموجود صافي منتج ، تتوازن ميزانية الحياة العمومية فيه وتبلغ قمم ثباتها ونمائها وازدهارها بالاصول القوية .
وأخيراً ،فبين القلق والتلف لا بد من ان نكابد عموم ضوضاء الحياة الملونة ،والمتصدعة بموجة بشرية ،تحدوها :الغلبة والقهر وفراغ الحماقة وهم ( الرِّعَاع ) . ففي مُركب فكري نادر علت اشرعته في مرسى الحياة يباشرنا العادلي ،ومن دون ارتياب ، لينذرنا بان لانفقد استقرارنا الانساني ونقع فريسة قهر معذب يحيطه (الرعاع ) من كل صوب وفج عميق قائلا : • إذا (أَبطأَ) الأفَاضِل (عَجَّلَ) الرِّعَاع، ومَن (يفشَل) بالقِيادَة يخضَع.
• مُحَرِّك (الرِّعَاع) العَقل الجَّمعي، مُحَرِّك (النُخبة) العَقل الذّاتي، ومُحَرِّك (العُلمَاء) العَقل المَوضوعي.
• جَنَّة الرِّعَاع (الفوضَى). الفوضَى بالوعَة كُلّ أمَل!!
• (يَمين) الرِّعَاع الأَوبَاش، (وسَط) الرِّعَاع العَامّة، (يسَار) الرِّعَاع الغَوغَاء.
• كَمَا لِكُلِّ طَبقة اجتِماعية (ثَقافتها)، فلِكُلِّ فِئَة اجتِماعية (رعَاعها)!!
• (أخطَر) الرِّعَاع رعَاع الأيديولوجيات، و(أخَسّ) الرِّعَاع رَعَاع الحُكَّام.
• رَعَاع (السُّلطَة) ثلاث: جَهَلَة النِّظَام، وغَوغَاء الإدارة، وغِرّ المَنصِب.
• رعَاع (السِّاسَة) ثلاثة: مَن يُعرَف بالمِنصِب، ومَن تقذِف به الصُدفَة، ومَن هو خارِج السِّياسة لا يَستحِقّ الذِّكر.
وبهذا ،وانا اتحرك على ارض خلف الباب لألتمس ضياء الشمس قبل ان يدير الرعاع لعبة الحياة في مناخ من الفوضى العارمة بالاشتباك و العنف (الجمعي )المعلن .حيث تظهر الجريمة المنظمة من فورها ، وتاخذ دورها بانها قوة تبدو اكثر تماسكا وهدوءاً واختفاءً في بلوغ اهدافها وغاياتها الظلماء ، لتسلب المجتمع سعادته ، و لا يعلو صوتها سوى (مفردة ) تخرج من فوهتها نيران تحمل جريمتها . ختاماً ،فالرعاع وسواد فوضويتهم ما هي الا حاضنة ساخنة بلا شك لقوى الجريمة المنظمة ، و هنا يفقد الهدوء صوابه ، اذ يؤسس الرعاع متلازمة تصب افعالها (الصاخبة ) في شيطنة (الهدوء ) قوامه خفاء ناعم في جرم صامت . انتهى
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقديم لكتاب المفكر السياسي ابراهيم العبادي : الدولة الغائبة
-
ملامح المدرسة التفكيكية المشرقية -عند العادلي.
-
ادارة التعقيد والدولة القوية
-
متلازمة الاغتراب الديمقراطي والعقد الاجتماعي الموازي.
-
عقلية الضحية :بين الماضوية والقطيعة.
-
عقلية الضحية: أم دراما الامبريالية ؟
-
حوار فكري في ثقافة المشاركة السياسية
-
غزة و ثلاثية الابادة الجماعية
-
الثقافة السياسية الاغترابية : حوارات في العقل المشرقي.
-
الصندوق الديمقراطي: بين ثقافة الغنيمة وثقافة الاغتراب.
-
الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية
-
الحسابات الختامية للتوحش الامبريالي : غزة إنموذجاً
-
غزة والتاريخ الراسمالي للعنف.
-
حرب غزة : هنتغتون والامبريالية Huntington and imperialism
-
العراق والمسالة الفلسطينية: اغتراب التطبيع و حفر الدم
-
عنف اللادولة:غزة و الميكافيلية الجديدة.
-
المسألة الفلسطينية: المعادلة الايديولوجية .
-
الرأسمالية المركزية الموازية :بين الوجود والانصهار
-
المعادلة السياسية المشرقية في القرن العشرين : الحزب- الدكت
...
-
الاحزاب المشرقية من داخل وخارج مصفوفة نضالاتها السرية .
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|