نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 07:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رؤى لصباح جديد
حين كتب أمبرتو إيكو روايته الشهرية ( إسم الوردة ) ، فهم العالم ثقافة الرؤية من خلال طلاسم المكان الذي تنام فيه الكتب بشتى معرفياتها . وكان الكتاب يفسر قدرة الرائي على استخلاص البحث لانتاج طريقة اخرى لتفسير العالم من أرث لم ينتبه اليه حتى اشهر تقاة المكاتب والمتاحف . لهذا تأتي الوردة لتنقلنا الى مايعتقده ايكو كشف المعرفيات الجديدة من خلال تجفير النص وحل لغزه وتحرره من تراكمات الأزمنة بعد ذلك . وذلك يحتاج الى مستويات لاتحصى من القراءة في داخل المتن وحواشية ومايقابله ويجافيه ويرغبه .
أقارن أسم الوردة بإسم الطين . فاجد إنني التقي بهاجس الرواية لايكو في المكان العراقي بنقطة واحدة فقط . هي لوح الطين . وبين الطين والوردة لاشيء غير الحياة وهي تولد وترينا الشكل المتغير للوجود . ومن رؤى هذه المتغيرات يكون للثقافة النصيب الكبير ، فهي ديمومة لوعي البشر ، وقدرتهم على تفسير الامر بطريقة متحضرة .
وعليه اجد اللوح والوردة في نقطة تاريخية واحدة فيما يتعلق بتاريخ الكون وازليته وماكان وسيكون على الاديم الارضي منذ هبوط آدم بمظلة التفاحة وحتى يومنا هذا .
كان اللوح يسجل عاطفة الانسان وهاجسه ، عبر تبادل الحدس والهاجس والفكرة والمشاهدة ، كان يصنع يومه بشتى اشتغالاته من خلال جدولة الفكرة ليصنع للقرية قانونها الجديد وللمدينة حياتها وللمعبد طقوسه ولخلوده الأساطير . لتكتشف إن المعرفية العراقية الاولى هي معرفة طينية ، فُخرت بذاكرة التأريخ من خلال شواء النار . ومع النار تتصلب الاشياء وتقوى وبالتالي تعمر طويلاً .
الوردة لها ذات ذاكرة الطين ولكنها تقترن بفصل تنبعث فيه لهذا لم يكن بمقدورها ان تحدث ثباتا في الذاكرة التاريخية للمكان الذي تلد فيه وكان على العاشق ان ينتظرها بعد تسعة اشهر لتولد من جديد وليقيم معها مودة قراءة أُخرى متغيرة عن عام مضى .
الطين عكس الوردة رغم إنه وسادتها وسريرها ولحظة الخطوة المندفعة إلى الأعلى إلا إنه واحدا من الشهادات الحية لوجود الحضارات وتراثها ، كما في مكتبة آشور بانبيال . الذي تمنيت فيها تجوالا لأكتشف وردة البلاد التي تعيش الآن قدرا صعبا غير ذلك القدر الذي دونه سومري فقير بقوله : أنت صاحبة الورد وصاحبة الآلهة ، ولايمكن ان تحظى بلادا غيرك بمثل هذا الشرف .
لهذا بقيت امنيتي قائمة لو إن احدا من كتاب العراق ومبدعيه سبق إيكو برؤاه وكتب كتابا بعنوان ( إسم الطين ) ....
* صحيفة الصباح الجديد / الخميس 23 / 11 / 2006 .ضمن عمود الكاتب الاسبوعي لكل خميس تحت عنوان ( رؤى لصباح جديد )
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟