|
النسوية وعي نسوي بالواقع و حركة للتغيير
إلزا ساسين
الحوار المتمدن-العدد: 7908 - 2024 / 3 / 6 - 12:13
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها
لان تحرر النساء من كل أشكال الاستلاب والعبودية ، و في مقدمتها الاستلاب العقائدي و العبودية الجنسية ؛ يبدأ من الوعي بأسباب دونية أوضاعهن الاجتماعية ، فلابد للمرأة من الوعي بأن تحررها كإنسان أنثى ، مرهون بتحررها من اشتراطات بنية مجتمع الاستبداد الذكوري الاستغلالي ، المتأسس على قواعد التمييز الجندري . فلا حرية حقيقية للمرأة إلا بوعي حقوقها الإنسانية أولا ، وبالتالي استقلال إرادتها وحريتها في الاختيار ، ثم باستقلالها اقتصاديا ، لتنفق من دخلها الخاص ، و لا تحتاج إلى الرجل و لا تعتمد عليه في تلبية حاجاتها المادية . و لا حرية حقيقية للمرأة إلا باستقلالية عقلها و تفكيرها ، بالقطيعة التامة مع كل موروث الفكر الديني الذي يزدري النساء و يشيطن الأنثى و يختزل كيانها في جسدها ، و يختزل جسدها في بعده الجنسي ، كأداة متعة للرجل ، الذي هو - في التراث الفكري الديني - سيد مصيرها والقوّام عليها ! إن الوعي هو شرط التحرر ، و تلك هي مهمة النسوية كحركة تحرر و تحرير ، فإن توعية النساء بأسس و أسباب دونية أوضاعهن في مجتمع الاستبداد الأبوي ، هي مسؤولية كل امرأة حرة وعت ذاتها كإنسان أنثى كامل الأهلية ، فاستقلت بتفكيرها عن عقلية القطيع ، و امتلكت إرادتها و قرارها ؛ وذلك انتقالا بالنساء من واقع الخضوع و التبعية ، إلى ثورة اجتماعية للتغيير ، تكون النساء المتحررات - من إرث الماضي و من قيود التابو - في طليعة قواها التغييرية ، وصولا إلى مجتمع المساواة التامة الناجزة على الأرض ، بين المرأة و الرجل . و مع الوعي و الإرادة لا شيء مستحيل . و إنّ الحركة النسوية بمنظورها العام فكريا واجتماعيا و حقوقيا وثقافيا ، هي حركة نضال لتحرير الإنسان و المجتمع ، من خلال تحرير الإنسان الأنثى ، فلن تكتمل حرية أي مجتمع إلا بتحرر المرأة . و النسوية في خطابها الفكري ، ليست على الاطلاق صراعا تخوضه الأنثى ضد الذكر ، بل ضد الهيمنة الذكورية ؛ في مجتمع اللامساواة ، وفي ثقافة التمييز ضد المرأة ، التي لا زالت بعض مظاهرها سارية حتى في أكثر المجتمعات تقدما .
النسوية في نضالها التحرري ، من أجل غد أفضل للنساء ، تتجاوز بفلسفتها و حراكها العام ، على مسرح الواقع ، سواء في المجتمعات المحلية أم على مستوى المجتمع الدولي ، مجرد السعي لتحصيل حقوق المرأة ، معزولة عن محيطها الاجتماعي ، إلى تحرر المرأة ضمن تحرر المجتمع كله من هيمنة قوى التسلط و الاستبداد السياسي و الاقتصادي و الثقافي ، المتجسدة سياسيا في الطبقة الحاكمة من البلوتوقراط ، و المتمثلة اقتصاديا في نظام السوق الاستغلالي المعولم ، و المعبرة عن مصالحها الطبقية ثقافيا - في مجتمعاتنا المتخلفة - من خلال المؤسسة الدينية الكهنوتية و الفكر السلفي التكفيري .
إن نضال الحركة النسوية التحررية ، مرتبط أوثق الارتباط بنضال الطبقات الشعبية و الحركات العمالية ، من أجل العدالة و المساواة و الحرية ، في مواجهة هيمنة و عسف نظم الاستبداد و الاستغلال الطبقي ، التي تسيطر فيها أقلية ضئيلة - من قوى الاستغلال الاجتماعي - على السلطة و تستأثر بالثروة ، بينما تعيش الاغلبية حياة البؤس و الحرمان ، و خاصة النساء و الأطفال و الأجراء .
و بهذا المفهوم اليساري النضالي التحرري للنسوية ، فإنه لا لقاء للنساء من الطبقات الوسطى و ما دونها ، مع نساء الطبقة الاستغلالية المستبدة بالسلطة و الثروة . و لا مجال للحديث عن قاعدة نضال نسوي مشترك مع نساء الطبقة المترفة اللواتي يعشن حياة استهلاكية خيالية في القصور المحصنة و في المعتزلات السياحية الخاصة ، فهن لا يكابدن ولا يعين معاناة و شقاء أغلبية النساء من الطبقات الوسطى و ما دونها . و إن المرأة من الطبقة المترفة ، التي تتمتع بحريات كثيرة لا تتوفر لنساء الطبقات المحرومة من حقها في الثروة العامة ، و التي ترتدي فستانا يتجاوز ثمنه مجموع مداخيل عشرات الاسر - المتوسطة - لعام كامل ، لا يمكن لها أن تشعر بثقل الواقع الظالم الذي ترزح تحته نساء الاغلبية الشعبية ، المحرومات من كل الحقوق . لا لقاء مصالح وحقوق بين نساء أحياء الهاي كلاس و المنتجعات السياحية و نساء الريف و الاحياء الشعبية . و لا ارضية مشتركة للنضال النسوي ، بين نساء الطبقة العليا المترفة و نساء الطبقات الوسطى و المعدمة .
والنسوية بمفهومها اليساري التحرري كحركة نضالية ، تسعى إلى التغيير الجذري للعلاقات الاجتماعية القائمة على أساس ميراث الثقافة البطريركية ، التي بدورها تقوم ، تاريخيا ، على أساس أفضلية الذكر على الأنثى ، بتأثير الغيبيات التي صاغها العقل الذكوري الأسطوري منذ آلاف السنين . و هي بذلك حركة نضال ثوري تقدمي في مواجهة قوى التخلف و الشد الى الوراء ، تنطلق من وعي معطيات واقع دونية وضع المرأة في المجتمع الذكوري ، و هي – من ثّم – دليل على الوعي و نضج الفكر و استيعاب حركة التاريخ و الانفتاح على مستقبل افضل للنوع البشري . و ليست كما يتوهم مَن في قلوبهم مرض ، أو يحاولون الإيهام ، بأنها دليل على " الشعور بالنقص " . بل إن محاولاتهم تلك ما هي إلا شكل من أشكال التعبير عن الشعور بالنقص .
ارفعوا أيدكم عن النساء ، أيها الموتورون المأزومون نفسيا و المشوشون فكريا مناهضو حركة التحرر الإنساني النسوية . فلقد أفاقت المرأة من غيبوبة قرون الهيمنة الأبوية لمجتمع الذكور الاستبدادي ، و لم يعد بمقدوركم إعادتها إلى الصندوق ، فعصر الحريم ذاهب إلى غير عودة ، و لن تستطيعوا إيقاف عجلة التاريخ بضجيج فتاوى القوامة والتحريم أو بمزايدات الأهلية العقلية للذكور مقارنة بالإناث أو بمبرر الفروق البيولوجية بين الجنسين ، فالتجربة تثبت كل يوم وفي كل مكان ومجال ، أن القدرات العقلية للنساء لا تقل بل قد تتفوق عن نظيرتها لدى الرجال ، وأن الفروق الفردية لا البيولوجية هي محك قدرات الأداء واتخاذ القرار على المستويات كافة . والمسألة أصلا هي مسألة تمييز أو مساواة ، و مسألة ثقافة إقصاء تستهدف النساء أو ثقافة مشاركة وتمكين للنساء . وإن المرأة قد وعت قواعد اللعبة .
#إلزا_ساسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهد تظهر لحظة إفراج حماس عن 3 رهائن إسرائيليين في غزة
-
حماس.. لوحة خلف الرهائن لحظة إطلاق سراحهم تثير تفاعلا
-
الحكومة الإسرائيلية تعلق على -الصور الصادمة- للرهائن الثلاثة
...
-
خامنئي خلال لقائه قادة -حماس-: تغلبتم على الولايات المتحدة و
...
-
ترامب يعلن نيته فرض رسوم جمركية إضافية الأسبوع المقبل
-
البرازيل على خطى أوروبا وأمريكا.. قيود صارمة على استخدام اله
...
-
ترامب يعيد تشكيل سباق الذكاء الاصطناعي في العالم
-
مشاركة عزاء للرفيق ابراهيم العبسي بوفاة ابنة عمته
-
-النواب الليبي-: تهجير سكان غزة جريمة ضد الإنسانية وتصريحات
...
-
-لف وارجع تاني-.. تعليق نجل مبارك على تصريحات ترامب حول غزة
...
المزيد.....
|