|
عندما يتم استبدال سيادة القانون بسيادة الخارجين عن القانون
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 7900 - 2024 / 2 / 27 - 15:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة: محمد ناجي
مع أخذ التطورات القانونية الجارية في الاعتبار ، سأركز هذا الأسبوع على دراسة الحالة عن الفظائع التي تنشأ عندما يتم استبدال سيادة القانون بسيادة الخارجين عن القانون . دراسة الحالة هذه هي شيلي في ظل الدكتاتورية العسكرية لأوغستو بينوشيه المدعومة من الولايات المتحدة . لقد استمرت سبعة عشر عاماً طويلة (1973-1990) ، لكن ندوب أولئك الذين تعرضوا للتعذيب وأجبروا على العيش في المنفى ، وآلام آلاف العائلات التي فقدت أحباءها بسبب القتل والاختفاء ، استمرت حتى مع استعادة الحرية .
كان القانون في قلب عملية تدمير الديمقراطية في شيلي : فقد حول القضاة والمدعون العامون المتواطئون ، القانون من "درع للحقوق الفردية إلى سلاح للاضطهاد" ، كما لاحظت باميلا كونستابل وأرتورو فالينزويلا . لكن ظلت هناك مساحة قائمة للمعارضة القانونية ، مثل الدعوى القضائية بالنيابة عن عائلات المختفين ، التي رفعها محامون مرتبطون بنيابة التضامن التابعة للكنيسة الكاثوليكية ، والتي كانت تعمل تحت سلطة البابا ورئيس أساقفة سانتياغو .
وبمجرد سقوط النظام ، حطمت الإجراءات القانونية الدولية والمحلية ، التي بدأت في عام 1998 حصانة بينوشيه وأسطورة أنه لا يقهر . وقد وُضِع قيد الإقامة الجبرية أثناء زيارته للندن بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية ، وعلى الرغم من أنه سُمح له بالعودة إلى وطنه بسبب اعتلال صحته ، فقد اتُهم شخصياً بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في دعوى قضائية رفعت عليه في شيلي .
ورغم أن بينوشيه توفي قبل إدانته بأي جريمة ، فإن مئات القضايا المفتوحة ضده جعلت من السهل كثيراً محاسبة العديد من المتعاونين معه . وبحلول عام 2007 ، تمت محاكمة العشرات من جنرالات الجيش وما يقرب من 500 ضابط وعملاء سابقون في وكالة الاستخبارات الوطنية ، وكان من المقرر أن يمثل 800 آخرون للمحاكمة في عام 2015 .
يمكن للقانون أن يجعل المستبدين غير قابلين للمساس بهم أثناء وجودهم في السلطة ، ولكن المحاكمات والإجراءات القانونية بمجرد خروجهم من مناصبهم يمكن أن توفر العدالة والراحة وقدر من العزاء للضحايا ، على الرغم من أن أولئك الذين قطع هؤلاء القادة حياتهم لا يمكن إعادتهم إلينا أبداً . ومن الأهمية بمكان أن نسلط الضوء على الكيفية التي برر بها القانون العنف الذي يمارسه المجلس العسكري في شيلي وقمع الإرهاب الحقوقي ، لأن بينوشيه يعد بطلاً لليمين المتطرف اليوم بسبب استخدامه للعنف خارج نطاق القضاء . ومنهم من يرتدي شعار مكتوب على قميصه "بينوشيه لم يرتكب أي خطأ" ، وهو يبيض جرائم المجلس العسكري ضد اليساريين الشيليين والمدافعين عن الديمقراطية ، بينما يعلن أيضا أن تلك الجرائم كانت مبررة تماما .
عندما ترفض دولة ما المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وتطور إطاراً قانونياً لإضفاء الشرعية على استخدام العنف ، فإن أولئك الذين يرتكبون أكثر الأعمال فساداً وغير قانونية في خدمة أهداف الدولة ، "لا يرتكبون أي خطأ" في هذا السياق السياسي المحدد .
ووجدوا أن الأفضل من ذلك أن يعفو الدكتاتور عن "مرتكبي" الجرائم و"المتواطئين فيها" والذين"يخفون" تلك الجرائم - أولئك الذين يزيلون انتهاكات حقوق الإنسان من سجلات الأجهزة العسكرية والشرطة . وهذا ما فعله بينوشيه بالعفو الذي صدر في عام 1978 . ومن ثم فإن ادعاء "عدم ارتكاب أي خطأ" من الممكن أن يصبح جزءاً من الذاكرة الجماعية للديكتاتور وأعوانه .
وكان تفكك سيادة القانون في شيلي صادماً بشكل خاص لأن الشيليين تصوروا أنهم أفلتوا من مصير جيرانهم في أميركا اللاتينية ، فقد ظلت شيلي ديمقراطية مع حدوث عمليات استيلاء استبدادية في غواتيمالا وباراغواي في عام 1954 ، والبرازيل وبوليفيا في عام 1964 ، والأرجنتين في عام 1966 .
كل هذه الانقلابات تم تبريرها بعقيدة الأمن القومي في الحرب الباردة التي تبنتها الديمقراطيات المناهضة للشيوعية مثل الولايات المتحدة ، والتي أضفت الشرعية على تغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية ، إلى جانب التعذيب والقتل الجماعي لليساريين ، بحجة احتواء النفوذ السوفيتي .
وقال بينوشيه للصحفيين بعد عشرة أيام من انقلاب 11 سبتمبر 1973 "هدفنا هو تطبيع البلاد وتضميد الجراح" مضيفا أنه لا يستطيع تحديد موعد انتهاء حالة الطوارئ . "إنه مثل بتر ذراع شخص مريض ، من الصعب التنبؤ بالمدة التي يستغرقها للتعافي ."
بطبيعة الحال ، لم يكن من الممكن أن يتعافى عدد كبير من الأشخاص الذين قتلوا أثناء الأشهر الأولى من حكم الإرهاب في شيلي . ومع ذهاب عشرات الآلاف من الشيليين إلى المنفى ، علق المجلس العسكري الحقوق المدنية وقام باعتقالات جماعية لليساريين . امتلأت السجون ومعسكرات الاعتقال ؛ وأحصى الصليب الأحمر 7000 شخص في الملعب الوطني في سانتياغو ، حيث تحولت غرف تبديل الملابس إلى غرف تعذيب .
برر المجلس العسكري حملة القمع بأنها دفاع الدولة ضد "المحرضين الأجانب" الذين كانوا "في البلاد بشكل غير قانوني" ، لكن الشيليين ، وليس الأجانب ، كانوا يشكلون الغالبية العظمى من المستهدفين . وسافر الجنرال مانويل كونتريراس ومسؤولون آخرون بطائرات هليكوبتر لمطاردة شخصيات بارزة من حكومة الزعيم الاشتراكي المخلوع سلفادور الليندي ، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 شخص . وقاموا بإخفاء جثث الضحايا في ممرات المناجم أو ألقوا بها من المروحيات في البحر .
أعادة "قافلة الموت" بعضا من أوائل ما كان "مختفياً" في أمريكا اللاتينية ، وهو سياق نكات "ركوب المروحية" الشائعة بين اليمين المتطرف اليوم .. ومؤخراً ، نشر النائب مايك كولينز (جمهوري عن ولاية جورجيا) ، وهو عضو في تجمع الحرية ومتعصب مناهض للمهاجرين ، نشر هذا عن أحد المهاجرين على حسابه الرسمي للحكومة الأمريكية : "أو يمكننا أن نشتري له تذكرة على متن (طائرة بينوشيه) لركوب طائرة هليكوبتر مجانية للعودة" (تم حذف المنشور لاحقا) . إذا عاد ترامب إلى منصبه ، فمن المرجح أن يكون كولينز مدافعا في الخطوط الأمامية عن تطبيع العنف خارج نطاق القضاء لاستخدامه ضد "أعداء الدولة" .
وهذا ما حدث في شيلي ، حيث سرعان ما أصبحت المؤسسة العسكرية المعروفة بـاستقامتها خاضعة لأجندة بينوشيه المتمثلة في تحويل القانون إلى حليف لقمع الدولة . إن الواجب العسكري في خدمة رئيس البلاد ، مهما فعل ، لعب دورا في الامتثال . وكذلك الخوف من التطهير ، حيث يحب الطغاة "أن يكونوا قدوة" ، وفي عام 1974 تم إحضار ضباط القوات الجوية المتهمين بالخيانة إلى المحكمة بالسلاسل لزيادة التأثير النفسي .
رحب العديد من القضاة والمحامين المحافظين بالانقلاب ، وقبلوا حالة الحصانة القانونية التي تضمنت استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين على جرائم سياسية . كما حصل بينوشيه على ولاء النخب من خلال منح القضاة وأعضاء المحكمة العليا المهمين سيارات وسائقين ، وحصل ضباط القوات المسلحة على قروض التعليم والإسكان .
وبعد سنوات ، تحدث مدعٍ عسكري سابق عن هذا التواطؤ الجماعي . قد تكون كلماته بمثابة تحذير لنا اليوم ، بالنظر إلى رغبة ترامب المعلنة في استخدام الجيش الأمريكي ضد المدنيين .
"لقد آمنا بنص القانون وحاولنا القيام بعملنا بشكل جيد ، ولكن بدا أن النظام برمته قد أصيب بالجنون . كان الناس يحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم حرب على الرغم من أننا لم نكن في حالة حرب ... لقد مضينا جميعاً قدماً معها ، لأننا كنا خائفين من فقدان وظائفنا... أصبحنا جميعاً جزءاً منها . لم يفلت أحد" .
من الممكن أن يتم توطيد الأنظمة القانونية الاستبدادية بشكل تدريجي ، كما حدث في المجر في حكم فيكتور أوربان ، أو بسرعة ، كما حدث في أعقاب الانقلاب في شيلي . ولكن بمجرد تحويل القانون إلى أداة للاستبداد ، فإن سيادة القانون تفسح المجال لحكم الخارجين عن القانون ، وقد يستغرق الأمر سنوات لاستعادة نزاهة العدالة ومحاسبة الجناة .
روث بن غياث - كاتبة أمريكية 8 شباط/فبراير 2024
https://youtu.be/R-4TNjvZ63s?si=JN4c_j5PHnRoMq_b مثال عربي/عراقي (من المترجم) على كيف يتعامل الدكتاتور مع القانون ، فإذا قال صدام … قال العراق !
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعاية السينمائية في ايطاليا الفاشية
-
استغرق الأمر شهرا واحدا فقط لسحق عالم الأدب الألماني
-
رسالة أليكسي نافالني للعالم في فيلم -نافالني- و -قصر بوتين-
-
وقفة مع العوار … ثقافة الاعتذار !
-
جريمة كل الجرائم
-
وقفة مع العوار ... كلب ابن الكلب !
-
-سنكون معا حتى القبر-
-
وقفة مع العوار … السقوط المدوّي !
-
سامعين الصوت... !
-
إمبريالية بوتين -المناهضة للاستعمار- تتماشى مع التاريخ الاست
...
-
توقع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية
-
- رجال أقوياء : من موسوليني حتى الوقت الحاضر-
-
وقفة مع العوار ... 14 تموز الباب المشرعة للعنف والدكتاتورية
...
-
موقف حزب اليسار السويدي من عضوية الناتو
-
انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيغير البنية الأمنية لشمال
...
-
العضوية في الناتو لن تجعل السويد أو العالم أكثر أمنا
-
عودة الفرع للأصل ... قضي الأمر الذي فيه تستفتيان !
-
مقترحات أوكرانيا في مفاوضات اسطنبول
-
لا للحرب … *
-
(عقلية خندق العشيرة) … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر !
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|