عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1759 - 2006 / 12 / 9 - 10:49
المحور:
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن
بداية لابد أن نقف بإجلال واحترام لموقع الحوار المتمدن وأصحابه الأخيار , فموقع الحوار المتمدن وبعد مرور خمس سنوات على انطلاقته المتميزة , والذي سعى ويسعى على أن يكون منبراً حراً وديمقراطياً جعل اللذين من هم على شاكلتي,من الذين وصلوا إلى حافة اليأس , يكتبون فيه , وأعاد إليهم شيئاً من إنسانيتهم , رغم كل ما يحيط بنا من بلاء , وهذه لوحدها , بادرة قل مثيلها للحوار المتمدن , حيث أن الصحف والمجلات وغالبية المواقع الالكترونية العربية , تعج بالمنافقين والدجالين , والوضعاء اللذين يبحثون عن لقيمات الذل عند سلطان أجرب , نكس العار انحطاطه وانحطاطهم , وراحوا يُسوّدون صفحات الورق بعدما سودوا أوجه مواقعهم المبتذلة , فكان الحوار المتمدن نبراساً للحرية وسعة الصدر , ففي الحوار المتمدن,وعى,الكثير من الكتاب أهمية الحوار , وأهمية الاختلاف , واحترام الرأي والرأي الآخر , لأن ذلك هو السبيل الوحيد والأوحد ليستمع البشر إلى بعضهم البعض , خاصة بعد أن تحول العالم إلى قرية واحدة , حيث أن لغة القوة لم تعد هي اللغة الأجدى لحل الخلافات على طريقة القرون الوسطى , ففي موقع الحوار المتمدن , تقرأ للكتاب اللذين لا تجمعهم سمة واحدة , وهذا هو أس الحوار , إذ أنه في المواقع الأخرى , يدّعون أن مواقعهم سقف حريتها السماء , ولكن أي سماء,وما هي سماءهم التي هي أوطى من قاماتهم بعدة أشبار , أو يدعون أن موقعهم حر وديمقراطي , فمواقعهم فعلاً هي حرة وديمقراطية كما حريتهم في جلب الخادمات ( السيرلانكيات أو الفليبينيات ) يا للمهزلة – المواقع الحرة – تحتاج إلى أحرار لا يرون الأشياء إلى بعين نسر , ولديهم الاستعداد أن يكونوا أضاحي على مذبح الحرية والديمقراطية , لا مجمّلين لوجه السلطان القبيح , ببعض من الجمل الخشبية التي عفى عليها الزمن , وأضحت موئلاً للغربان , فمن هنا تكمن أهمية موقع الحوار المتمدن , لا لأنك معه في كل ما يكتب , بل لأنه يثير الاختلاف الذي هو جوهر الوصول إلى الحقيقة , بل هو نبراس المعرفة , لأناس لا يريدون أن يدفنوا رؤوسهم في الرمل,خاصة ونحن نعيش في مجتمعات عربية , متناحرة , تحكمها وتتحكم بها سلطات مستبدة , مستندة في ذلك على مئات بل آلاف السنين التي أشاع أصحابها , فلسفة الموت بأشكاله المختلفة لدرجة أن تحولت بلدانهم إلى خراب لا يعبث إلا الشؤم بها , يُسمع في جنباتها نعيب البوم , هذه البلدان العربية والإسلامية التي لا زالت تسمع من تاريخها قعقعة السيوف,وصهيل الخيل , حيث تحول التناحر والاقتتال ديناً لدى الجميع , ولا تخجل هذه الشعوب بحكامها من أن تجعل , قيم الشر والطائفية والقبلية رمزاً وتفاخراً للاحتراب حتى بين أبناء العمومة أنفسهم , وكأن هؤلاء القوم قذفهم وحش اسطوري بوجه الزمن , ليعوا وفجأة ما حدث للعالم من علم وحضارة ومدن ومدينة,وطيران واتصالات وتحكم بالفضاء , فجاءتهم نخوة الجاهلية / باطل / وصاحوا كيف نسمح لهؤلاء الكفار بأن يشعلوا الكهرباء,بدلاً من الحطب , ويركبون الطائرات,بدلاً من الكد ش والحمير , ويتباهون بالأبراج , بدلاً من بيوت الشعَر,والأجراس والزمامير بدلاً من الكلاب التي تنبح على الطرّاق , هكذا كأنهم فجأة خرجوا من كهوفهم , وإذ بهم بدل الرباب يسمعون أصواتاً غريبة مُحرمة , وصوراً مُحرمة , وأفلاماً متحركة مُحرمة , ونساء متبرجات,هذا هوالكفر بالله , إذن أين سيدي الشيخ الجليل قدس الله سره , لماذا سمح ( الأسياد ) باللذي جرى ويجري , عليهم اللعنة الكفار الزنادقة , / ما علينا إلا أن نُنفِّذ حكم الله فيهم , وهو قتلهم بلا رحمة والتلذذ بتقطيع أوصالهم 0 نعم هذا هو حال العبد لله البائس اللذي فاق من الكهف بعد أن نام آلاف السنين , وإذا باللذي يجري ليس منه , وليس له , فلا هو بالكابح حيوانيته للتماثل مع الآخرين , ولا هو بالقادر على فناءهم جميعاً,إذاً ما عليه إلا أن يستخدم كل شروره , لأنه فقد السيطرة على نفسه في التحاور مع الآخر,اللذي سبقه في فهم المفاهيم الجديدة بمئات السنين , وسخر العلم وعلم المنطق لصالحه , ولما يخدم مجتمعاته وإنسانيته ومصالح الشعوب الأكثر احتراماً للعلم والحضارة وإن كان ذاك بشكل نسبي , لذا فإن شعوب العالم العربي خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً , هي شعوب لا تؤمن بالحوار , وأغلب الذي يخص الآخر المختلف غير محترم , وهي في معظمها مجبرة على العيش مع الآخر المختلف , وهي فتانة نقاقة , تؤمن بالتشهير والتكفير , وتجعل من الحبة قبة , وهي شعوب لوّامة حوّامة , لا تؤمن بحضارة الغير , إذ هي تعيش ماضياً من الأوهام , وحاضراً لا يؤمن إلا بهذا الحاضر الموبوء , فهي ليست مخدّرة فقط , بل أيضاً لا تؤمن بالآخر المختلف,وتضع شمّاعة جهلها عليه , هي أمم تعيش عقداً مركبة , إلى درجة استجداء الرثاء , إذ أن الخطاب السياسي والديني السائد في العالم العربي , هو مهزلة المهازل , فهم يلوكون المفاهيم إلى درجة ممجوجة , فالعقل القائم على إلغاء الآخر , هو عقل يحتاج إلى إعادة تأهيل,لأنه خارج عن ركب التمدن , بل حتى القبول بالعيش مع الآخر المختلف,فهذا العقل اللذي يجلب الأوهام والخرافات ويحاول تصديرها على أنها هي المنقذ للبشرية , هو عقل ليس دوني فقط,بل هو شر على أصحابه قبل أن يكون شر على الآخرين , فالخطاب السياسي الديني السائد في العالم العربي الآن هو خطاب إقصائي مريض ومشوش , ولا يأخذ الحكمة إلا من أفواه الممسوسين اللذين تجذرت في قيمهم قيم الشر , وإن هكذا خطاب لا يُولّد إلا الكراهية والأحقاد , ولا ينشر إلا البلاء , لأنه يحلل لنفسه كل ما هو محرم من أجل غايته , حتى لو كان ذلك يؤدي إلى فناء مجاميع كبيرة ليس من الأعداء فقط بل أيضاً من الأصدقاء , فعدم احترام الأقليات الدينية والقومية والعرقية , يترك هذه المجتمعات أكثر تناحراً وانعزالية,ويظل الخاسر الوحيد في هكذا نظم أو مؤسسات هو,الشعب المغلوب على أمره, إذ لا أمان ولا استقرار طالما أن خطاب الهيمنة هو الذي يسود , فالمجتمعات التي لا تحترم المرأة , ولا تؤمن بالحريات العامة , والمعتقدات الدينية تظل وستظل مجتمعات مشوهة متناحرة,لا تجلب لشعوبها إلا البلاء 0
فالأنظمة المستبدة في العالم العربي , استطاعت أن تدجن شعوبها مستفيدة من الماضي العريق في هذه المسألة , لأساليب الحكم عبر التاريخ , فالشعوب العربية أو التي تعيش في العالم العربي , وعبر أزمان طويلة لم تمارس أصول الحكم , عدا عن أنها عاشت متناحرة متنافرة تحت ظل نظم قبائلية وطائفية , واستبداد ديني , مما جعلها تظل خارج منظومة فهم الدولة , وأساليب الحكم , عدا عن أن الحكام من أتراك وغيرهم,حكموا هذه الشعوب باسم الدين , وأخذوا من الدين ما يناسب الحكم القائم , مثل تقديس الحاكم , وجعله الحاكم بأمر الله , أو خليفة المسلمين الخ 0 مما عمم عند الرعية ولأزمان طويلة,أن يكون الحكم هكذا , لأن هذا هو الشكل الوحيد الذي عرفته شعوب المنطقة,وهذه أهم الأسباب 0جعلت المنطقة تعادي كل ما هو جديد 0
, خوفاً على دينها , أي خوفاً على شكل الحكم المتعارف عليه , لذا فإن الأنظمة في العالم العربي , استوعبت الدرس جيداً واستفادت من هذا الإرث الكبير في الجهل وتجهيله , مما جعل المعارضة أية معارضة وخاصة اليسارية منها , تظل ضعيفة في مشاريعها وبرامجها , وعرضة للإتهام من قبل السلطات , بدلاً من أن تكون تاهمة 0طبعاً هذا يعود لعدة أسباب منها ما ذكر من مفاهيم,وتاريخ ونمط وأشكال تفكير هذه الشعوب , والسبب الآخر أن اليساريين والديمقراطيين في هذه البلدان هم أسيري برامجهم السياسية,والثقافية,التي تعتمد إما على تجارب ومفاهيم الغير , أو النظريات العامة التي كُتبت لشعوب وأمم تختلف عن شعوبنا,بشكل جذري,في كل شيء , بدءاً بالإرث الثقافي وانتهاءاً بالحياة الاقتصادية والثقافية , والأكثر بؤساً أن غالبية,الأحزاب اليسارية في العالم العربي , يفر من حولها بشكل دائم كبار المثقفين والمفكرين , وذلك لعدم استيعاب هذه التنظيمات لهم , كونها تقع في مفهوم ضيق الأفق, والبيروقراطية, والحزبية الضيقة , وبعد أن أثبتت الكثير من المفاهيم والنظريات اليسارية حاجتها إلى التطوير , وعدم ملامسة الواقع , لذا فهي مصابة بضيق الأفق وفروغ الصبر الثوري , وبما أن برامج الأحزاب اليسارية في العالم العربي, خُصصت لمساحات محدودة , فإنها لا تقبل الرأي الآخر , أو أنها أضحت جمعيات لخدمة الحاكم , وأدخلت أعضاءها في مشاريع الحكام , فأنا لا أتصور أن الأحزاب اليسارية في العالم العربي ستكون بخير إذا لم تتحرر من الشللية , وتدخل في حوارات جريئة في تنظيماتها, وتدرس الظروف الموضوعية والذاتية لبلدانها , وتتفانى في خدمة ذلك , وتقبل الرأي المختلف , وتجدد مشاريعها وبرامجها, بالشكل الذي يكون أكثر شمولاً, وبعداً لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الناس ضمن مفاهيمها وليس بالضرورة ضمن تنظيماتها 0
أما بما يخص مدى مساهمة وسائل الإعلام بمختلف أشكالها في نشر وترسيخ ثقافة الحوار والاختلاف , فإن أغلب وسائل الإعلام في العالم العربي قامت بدور سلبي جداً , إذ البعض منها عزز المفاهيم الطائفية , والتطرف , وإثارة الأحقاد والكراهية في العالم العربي ’ وساهمت في انتشار النزعات القومية والدينية المتطرفة , إذ لعبت قناة الجزيرة ولا زالت تلعب دوراً مشبوهاً مملؤاً بالكراهية والأحقاد , وأججت النعرات الطائفية , وكانت لسان حال الشر في هذه المنطقة من العالم , وتبعتها الكثير من القنوات الأخرى في ذلك , فكل من يملك المال من سذج القوم , بدلاً من أن يقوم بمشروع خيري , أو معمل إنتاجي يخدم بلده فيه , ينشئ قناة ويجمع بعض المجاميع من- الأرجوزات , ينشرون في الناس مفاهيمهم البالية وانحطاطهم الثقافي , وشعائر الكره لديهم , مما خلق جواً من الفتنة والكره والحقد , وإثارة النزعات الدينية والطائفية والتطرف , خاصة بين الناس البسطاء اللذين يتصورون أن هذه الوسائل الإعلامية لا تنطق عن الهوى , أما الحوارات التي تجري على شاشات الأقنية العربية فهي مملوءة بالكره والعداء , وهذه الغوغاء التي يسمونها بالحوارات, وهي تنضح كرهاً وجهلاً ونفاقاً, إنما تنم عن هذا العقل العربي المتعفن, اللذي صادرته الحياة , رغم استمراره بتوسيخ العالم بالروائح الكريهة , عندما يتحاور اثنان , أو مجموعة , من بلد عربي واحد , أو من أكثر من بلد عربي , شيء منطقي أن يكون بينهم خلاف , وشيء صحيح أن يحترم كل منهم رأي الآخر, حتى لو كان النقيض هو السائد , لأنهم ليسوا تماثيل من ورق, وهم بحكم بلدانهم وإنسانيتهم محكومون بالحوار , وليس بالتخوين , والأكثر بؤساً أن الفضائيات العربية قد ثقفت الناس ( بحوار الكراهية ) ولعبت دوراً قذراً في تجهيل الناس , وكأن النقاش هو قلة أدب, كما يحدث في برنامج الاتجاه المشاكس لصاحبه – فيصل القاسم وشركاه , فكلما كان البرنامج صياحاً تزينه الشتائم كان البرنامج ناجحاً , لماذا ؟ لكي يستمر الإنسان العربي البسيط في الضياع , ويسهل توظيفه مع حظائر التطرف والجهل , فبدلاً من أن تنهض القنوات والصحف العربية , والمواقع الإلكترونية من خلق وإشاعة جو حضاري ديمقراطي , كاشفة بذلك أستار الجهل والتخلف والارتزاق , بل على الضدد من ذلك نراها تساهم في تضليل الناس , وتعادي كل ما هو ثقافي علماني , وتكرس قيم الجهل والكراهية 0
أما موقع الحوار المتمدن – فكان نبراساً حضارياً لإشاعة جو الثقافة والمعرفة , واحترام وجهات النظر المختلفة , والاهتمام بالآخر المختلف , فمن هنا ترى أهم كتاب العالم العربي يكتبون في موقع الحوار المتمدن , مما جعل أعداء الحرية والديمقراطية , يرتعدون خوفاً من قدرة هذا الموقع الإبداعي على تعريتهم , فإنني افتخر أنني كنت وما زلت من كتاب الحوار المتمدن , حيث فضاء الحرية يجعلك تكون أكثر إنسانية وأنت تكتب, في الحوار المتمدن , بينما عندما تكتب للصحافة أو في بعض المواقع الأخرى فإنك تجعل رقابة على ذاتك , أو أصحاب هذه الموقع أو الصحف لا ينشرون لك, لأنك تجاوزت الخط الأحمر , وكأن عيونهم أحمرت لدرجة أنها لاترى إلا اللون الأحمر , أما هنا في الحوار المتمدن / فاللون هو قوس قزح , والهم الأكبر لدى إدارته هو تعزيز الحوار الراقي المتمدن , ودعم المرأة في تحقيق شروط إنسانيتها, ومن أجل مجتمع مدني تسوده العدالة , وعنوانه حرية الفرد والمجتمع , واحترام جميع العقائد والأديان , والكل متساوون في مجتمع ٍ خال ٍ من الكره والاستغلال , فتحية إجلال واحترام لموقع الحوار المتمدن , وكل المحبة لجميع أبناءه اللذين تعبوا كثيراً لإنجاح هذه العمل العظيم 0
كل الاحترام والتضامن مع الحوار المتمدن – وللرائع – ريزكار وأصحابه الأخيار0 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن , شعلة الحرية 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟