إن ريبة الرأي العام العالمي وتشاؤمه بخصوص اجتماع الأسبوع الماضي بين بوش و شارون و محمود عباس كانت واقعية. فكيف يمكن التصديق بأن بوش, هذا الرمز الكريه للحرب و القتل، يصبح و على حين غرة "رسولاً للسلام"، او ان شارون، المسبب الاول والاخير لفشل عملية السلام والمسؤول المباشرعن فرض دورة جديدة من المذابح والفقر والفاقة على جماهير فلسطين، كيف يمكن التصديق بأنه وفي غفلة من الزمن يتحول الى حمامة سلام يمسك بغصن الزيتون بمنقاره ليطير بها في سماء فلسطين والشرق الاوسط. لم يكد يمضي اسبوع على ذلك الاجتماع، حتى كشفت دورة جديدة من التسابق الدموي بين ارهاب دولة اسرائيل وارهاب حماس و الجهاد الاسلامي وغيرها, بأن شارون ما زال على عادته وسياسته الفاشية السابقة و بأن رداء رجل السلام لا يليق ببوش ابداً.
لقد كان لـقمة العقبة, و قبل اي شيء, وقعاً مؤلماً على الناظر المتحسس لمآسي الفلسطينيين: فقد كانت المصافحات الدعائية في ختام الاجتماع تذكرالمرء بمصافحات ما قبل عشر سنوات بين كلنتون و عرفات و رابين في حديقة البيت الابيض. هل مضت عشر سنين و دارت عجلة الايام للتوقف في نفس النقطة؟ تمضي الايام والاشهر والسنين وعقارب الساعة تقف عند الالام و برك الدماء وضياع اعماروحياة اجيال؟ لماذا والى متى؟. كان من المؤمل ان تحل اتفاقية اوسلو قضية دامت اربعون ونيف من السنين وستخلص جماهير فلسطين وتضع نهاية لمأساتها, فما الذي حصل؟ ما هي ضمانات توقف عجلة الدم في ذلك البلد؟ هل ان سياسة بوش وشارون هي اكثرعملية من سياسات كلينتون ورابين؟. يعلم الجميع بأن سياساتهم هي الاكثر اثارة للمشاكل. هل أن محمود عباس اكثر كفاءة من ياسر عرفات لحلحلة العقد المستعصية بأتجاه تأسيس دولة فلسطين؟ من المعلوم انه ليس كذلك.
اذاَ هل نحن امام تكرارٍغيرمجدٍ للعبة القديمة. من المؤكد ان هدف سياسة بوش وشارون ليست حتى تكرار اللعبة. انها محاولة بأتجاه استثمار النصر العسكري لأمريكا في العراق لفرض نظام معين من العلاقات بين دول الشرق الاوسط و التي يجب ان تتضمن تأمين هيمنة امريكا و تقوية وتكريس مكانة اسرائيل في المنطقة. هذين المسألتين مرتبطتين ببعضهما البعض. ولكن لا يشكل تأمين الهيمنة الامريكية فقط الدافع الوحيد بل ان أي تقدم في سياسة امريكا في الشرق الاوسط، تعتمد و بشكل مباشر على حل مسالة فلسطين ويعني ذلك بلا ريب انشاء دولة فلسطين. وهنا نجد ان سياسة امريكا واسرائيل ليستا متطابقتين تماماً.
ان "خارطة الطريق"، تعطي لامريكا وكخطوة اولى امكانية ان تجعل من اخذ زمام المبادرة في عملية تأسيس دولة فلسطين و تحجيم دور روسيا واوروبا ودول المنطقة في العملية، قوة دفع لسياساتها الاخرى في المنطقة وضمان هيمنتها في الشرق الاوسط والتي تمثل عماداً مهما لـ" النظام العالمي الجديد" من وجهة نظرالادارة الامريكية. وكخطوة ثانية, تعطي هذه الخطة لأسرائيل امكانية ان تطمأن لمكانتها في اطار نجاح السياسات الاقليمية لأمريكا، سواء في مواجهة دولة فلسطين المستقبلية او في مواجهة الدول الاخرى في الشرق الاوسط. ان انشاء دولة فلسطين هي ضرورة موضوعية ولا يمكن لأمريكا وأسرائيل التخلص منها. لقد استخدم اليمين المتطرف الاسرائيلي ممثلاً بشارون كل طاقاته الفاشستية من قمع و اعادة احتلال و اراقة الدماء وفرض الحرمان والفقرعلى جماهير فلسطين دون ان يتمكن من توفير الامن "الموعود" للمجتمع الاسرائيلي. ان الهيئة الحاكمة في اسرائيل مع او بدون شارون مضطرة للتسليم بأنشاء دولة فلسطين. ان "خارطة الطريق" هي في الاساس خريطة امريكا واسرائيل للسير في هذا الطريق بتنسيق عام وبأختلاف جزئي.
من المقرر ان تنتهي هذه الخطة الى انشاء دولة فلسطينية بحد ادنى من الصلاحيات. ان مسألة تحقيق هذا الوعد من عدمه لا تشغل امريكا، انها ستأتي كمحصلة لتصارع مصالح امريكا الاكثرجوهرية وعمومية مع مصالح اسرائيل الخاصة. السلطات الفلسطينية او بالاحرى الممثلين السياسيين للبورجوازية الفلسطينية، ولكي يحصلوا على اسهمهم في السلطة تلك التي يتصورون بانها متوفرة لهم في ظل الاوضاع العالمية والاقليمية الراهنة، اضطروا الى قبول "خارطة الطريق" المصاغة من قبل امريكا بدون قيد او شرط. ان صراع السلطة بين الحركات القومية والاسلامية ضمن صفوف البورجوازية الفلسطينية والنزاعات الداخلية في صفوف تلك الحركات نفسها، تشكل تعقيداً مضافاً على معضلة فلسطين و تزيد من احتمال تكرار المآسي الدموية اليومية لجماهير فلسطين. لقد ساومت التيارات القومية ودفعت بمحمود عباس كرمز مقبول لدى امريكا واسرائيل ولكن هذه المساومة تم احتوائها بتقوية مكانة ونفوذ التيارات الاسلامية في ظل تداعيات الحرب الامريكية الاخيرة. لقد وفرت حرب امريكا الامكانيات التعبوية وفرص المناورة للارهاب الاسلامي مما يوفر لدولة شارون المبررات لكي تقف بوجه زخم "خارطة الطريق" واسلوب تنفيذها. تلك هي في الواقع آلية استمرار الدوران في الحلقة المفرغة وابقاء جماهير فلسطين بين رحى طواحين الدم واعادة انتاج المآسي والالام لطرفي الصراع.
ان المخرج من هذه الحلقة المفرغة مرهون بتطور الاشتراكية والتحرر في كلا المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني وتضامن البشرية التحررية مع جماهير فلسطين في مواجهة السياسة الامبريالية لأمريكا، وفاشية وارهاب الدولة لأسرائيل وكذلك في مواجهة الجماعات الارهابية الفلسطينية. ان نضال جماهير فلسطين من اجل الخلاص من الحرمان والفقر والاحتلال الاسرائيلي، تستحق اعظم تضامن. ينبغي للجماهير التحررية على صعيد العالم المطالبة بالايقاف الكامل و الفوري والغيرمشروط للمذابح الاسرائيلية ضد جماهير فلسطين وانهاء الاحتلال. ان الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين والتعايش السلمي وبحقوق متساوية مع دولة اسرائيل هو السبيل الانساني الوحيد والفوري لأنهاء الاوضاع الراهنة وضمان حياة مدنية في فلسطين واسرائيل وخلق الفرص لجماهير اسرائيل وفلسطين لكي يقررا مصيرهما السياسي بعيداً عن سيطرة النعرات الدينية والقومية. ان مآسي جماهير فلسطين لا تنهيها سياسات بوش و شارون، بل تنتهي بضغط البشرية التحررية.
*عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي الايراني