|
انتخابات نزيهة .. ونتائج محيرة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1751 - 2006 / 12 / 1 - 11:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى انتخابات البحرين .. نجحت "العملية" ومات المريض. بعبارة أخرى تمت الانتخابات فى جو هادئ وجميل وانتهت على خير دون حدوث تزوير أو عنف أو مقاطعة (باستثناء حركة "حق" التى انشقت على الاجماع واختلف معها حتى حلفاؤها ورأوا أنه ليس معها حق). لكن النتيجة – فى الجولة الأولى على الأقل – أسفرت عن اكتساح جماعات الاسلام السياسى، الشيعية والسنية، وانتزاعها لأغلبية مقاعد المجلس النيابى. أما التيار الليبرالى واليسارى الذى تقدم فى هذه الانتخابات ببرنامج ممتاز ومحترم، يستند إلى تحليل موضوعى للواقع البحرينى، فقد خرج خالى الوفاض تقريباً ولم يعد له أمل سوى انتظار جولة الإعادة يوم السبت المقبل التى يتسابق فيها عدد من قادته لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة. هذه النتيجة تستحق التأمل، خاصة وأنها لم تحدث فى البحرين فقط، بل تكاد أن تكون القاسم المشترك بين معظم الانتخابات فى شتى البلدان العربية ومنها مصر، الأمر الذى يطرح تساؤلا حائراً عن سبب هذه الظاهرة العربية العجيبة. فلماذا يتميز العالم العربى بأنه يكاد أن يكون المنطقة الوحيدة فى العالم الذى توقفت فيها عجلة الديموقراطية عن الدوران عقوداً وقروناً، واذا تحركت فأنها تسير فى مستنقعات موحلة بالعنف والتزوير، واذا تجاوزت هذه المستنقعات ومرت بسلام فإنها تسفر فى الأغلب عن تفويض شعبى لجماعات دأبت على نفخ رياح الطائفية والمذهبية وتسييس الدين وتديين السياسة، وهذه كلها ممارسات منافية فى مضمونها لجوهر الديموقراطية أصلاً. أى أن عجلة الديموقراطية المعطلة فى العالم العربى، إذا دارت فانما تدور لمصلحة جماعات غير معروف عنها ارتباطها بالديموقراطية بعلاقات ودية او احترامها لحق الاختلاف ، بل معروف عنها بالعكس دعوتها إلى إقامة دولة دينية، والدولة الدينية – بحكم التعريف – تقوم على "الفتوى"، وبالتالى على السمع والطاعة، مما يعنى أن أى تغريد خارج السرب فى مثل هذه الدولة سيعتبر كفراً وإلحاداً والعياذ بالله وليس مجرد معارضة واختلاف فى الراى. أضف إلى ذلك أن التصويت لصالح "الطائفية" خطر شديد يهدد مستقبل وحدة التراب الوطنى ويهدر أهم مبدأ من مبادئ الديموقراطية، ألا وهو مبدأ "الموطنة". فما هى الأسباب التى تجعل شخصاً ما يعطى لمرشح ما ليس بصفته ممثلا عن الأمة وإنما باعتباره ممثلا للطائفة؟ ولماذا هذه الردة العجيبة من "الأمة" إلى "الملة" بينما المفروض أن حركة الشعوب تسير بالعكس من الدولة التقليدية التى تعلى من شأن "الملة" إلى الدولة المدنية الحديثة التى تعطى الاعتبار الأول للمواطنة بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو الدين؟ ولماذا يضع الناخبون ثقتهم فى أصحاب العمائم السوداء والبيضاء – رغم افتقارهم لبرامج يوثق بها لانقاذ البلاد والعباد ورغم مخاطر استغلالهم لآليات الديموقراطية للوثوب الى الحكم ثم الانقلاب على الديموقراطية ذاتها وتغيير قواعد اللعبة من أساسها – ويديرون ظهورهم للطبقة السياسية الحديثة التى تتبنى برامج موضوعية ومدروسة وتقدم حلولاً للمعضلاتً السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية! الأسباب كثيرة .. ربما يكون من بينها أن الطبقة السياسية الحديثة ، العلمانية ، أولت اهتمامهاً الأساسى فى السنوات الأخيرة لاعادة الاعتبار إلى "آلية" التحول الديموقراطي التى وضعت الأنظمة الاستبدادية العصى فى عجلتها عقوداً وقروناً. وركزت نضالاتها على هذه الآليات أى على "الشكل"، وبددت مجهوداتها فى ذلك ولم يتبق لها من مجهود تبذله فى إثراء "مضمون" العملية الديموقراطية ذاتها بينما أصحاب العمائم كانوا يملأون الفراغ الذى خلقته النظم الاستبدادية بتجريفها للسياسة فى المجتمع وقتلها لها قتلا بطيئاً عبر سنوات متصلة. وعندما أثمر كفاح الطبقة السياسية "العلمانية" فى تحريك آليات الديموقراطية المعطلة كان أصحاب العمائم هم الجاهزين للاستفادة منها. الخطأ الثانى لهذه الطبقة السياسية الحديثة أن قطاعات عريضة منها تحالفت مع النظم الاستبدادية خوفاً من ظلامية جماعات الاسلام السياسى، فخسرت مرتين: مرة بتشويه صورتها من جراء هذا التحالف غير المبدئى، ومرة ببيع النظم الحاكمة لها والتضحية بها فى اللحظات الحاسمة. وفى المرتين كانت الصورة لدى الجماهير سلبية والنتيجة لصالح أصحاب العمائم. الخطأ الثالث أن الطبقة السياسية الحديثة، ظلت طبقة "نخبوية" بعيدة عن الناس، وعن بناء جسور مع الجماهير، وعن خلق "مؤسسات" للحرية. الخطأ الرابع أن هذا الطابع النخبوى تلازم مع خطاب سياسى وثقافى متعالى، وغريب عن ذوق الجماهير .. التى نجحت جماعات الاسلام السياسى فى الوصول إليها باللعب على مشاعرها الدينية واستثمار فساد النخب الحاكمة. وقائمة الاخطاء مازالت طويلة .. لكن المأمول أن تستفيد الطبقة السياسية العلمانية من هذه الاخفاقات وأن تحول الاعشاب السامة إلى أسمدة .. وأن تستعيد زمام المبادرة، ويلوح لها – ولمجتمعاتها- ضوء فى نهاية النفق.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربيع المنامة 2
-
ربيع المنامة 3
-
ربيع المنامة 1
-
المصريون هم الأكثر ارتكابا للجرائم في الكويت
-
اطلبوا العلم.. ولو من سنغافورة
-
مرشد مصرى ومرشد سنغافورى .. وبينهما -حجاب- حاجز
-
مصر.. إلى أين ؟ 4-4
-
مصر.. إلي أين؟! 1
-
مصر .. إلي أين؟! 2
-
مصر.. إلي أين؟ 3
-
الدين والسياسة
-
العرب وأمريكا.. وتراجيديا الحب من طرف واحد
-
إسماعيل صبرى عبدالله .. فارس الفكر والثورة
-
ذئاب .. وأغنام .. وكلاب
-
تعديل التعديل
-
-إبسن- .. و-دنقل-
-
فراشة »كفاية«.. تحلق في أجواء ملبدة بالغيوم.. والنيران الصدي
...
-
..إلاّ الماء والهواء يا حكومة
-
باقة ورد إلى محمد عوده
-
وادى دجلة .. فى خطر
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|