غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو لنا وكأن ليل لبنان طويل جدا مع هذا البكاء وهذا الصخب والشحن المتعدد الرؤوس والوجوه والاقنعة للخطاب السياسي فيه. لكننا الان نلاحظ جيدا ان الفرز القائم الان في لبنان يختلف كثيرا في طبيعته وطبيعة القوى القائمة فيه الان وداخله , وهنا لابد من الاشارة الى ان الراحل رفيق الحريري قد اسهم في تغيير اللوحة اللبنانية من خلال مشروعه الذي حاول تأسيسه كمشروع عابر للطوائف ربما هنالك الكثير مما يقوله المرء عن هذا المشروع ولكن علينا الاعتراف من وجهة نظرنا بان الحريري هو اول مشروع برجوازي عابر للطوائف في لبنان بغض النظر عن وسائله وتكتيكاته في مراحله التأسيسية, ويذكرنا جيدا بما كان يسمى في مرحلة ما بغياب مشروع برجوازية وطنية عابرة للطوائف في لبنان . هذه المؤسسة التي حاول الراحل بناءها هي التي كما نعتقد كانت سببا في اغتياله .
لان هنالك كثيرا من الاطراف ليس من مصلحتها قيام مثل هذا المشروع , وربما الطرف السوري وملحقاته في لبنان هي الاكثر تضررا من هذا المشروع الذي كان يسير فيه كمن يسير في حقل الغام ولم يتسن له رؤية نتائج مشروعه هذا , وهو بالتأكيد ليس مشروعا نابعا من طبقات المجتمع الكادحة منها والشعبي , بل علينا رؤيته كمشروع برجوازي اصيل . كي نرى اللوحة بعيدة عن الاحكام المسبقة للترميزات الايديولوجية التي استهلكت تماما في منطقتنا وهنا نقصد بالضبط اليسار بتياراته والاسلام السياسي بتياراته . سمة المشروع البرجوازي انه وان يكن بلا حامل قيمي ايديولوجي كما يراه مثقف يساري . بل تكمن سمته الاساس في ربحيته وبحثه عن هذه الربحية في محايث موضوعي للظاهرة التي تطمح لبناء دولة البرجوازية بحضورها المعاصر وبكل ما يحمله هذا الحضور من دلالات ذاتية تتناول الاشخاص القائمين عليه وموضوعية تنبع من البحث عن الجدوى والربحية في اي مشروع سياسي او اقتصادي تقوم به البرجوازية . ونحن نحاول ان نضيء هذا الجانب كي لا ندخل في اطار خطاب القدح او المدح بمعياريته الايديولوجية . بل لانعكاسه على الوضع في لبنان والملاحظ هنا ان التحالفات القائمة حاليا هي تحالفات باتت عابرة للطوائف مما يمكننا من البحث عن الاجابة عن سؤال : اين يكمن مشروع بناء الدولة العصرية في لبنان وما علاقته بمشروع الحريري الذي دفع ثمنه حياته .? لنؤكد بداية انه اول مشروع في لبنان يخرج من خارج العقل الميليشياوي الذي كان سائدا ومازال في لبنان . وهنا تكمن الميزة في مشروع الحريري : انه مشروع سياسي سلمي بادوات سلمية . هذا المشروع الذي حاول تاسيس خطابه على الدلالة الجمعية العابرة للطوائف وتجسيده مؤسسيا من خلال تحالفاته اللبنانية وعلاقاته العربية والدولية . والفشل العابر الذي تم باغتيال الحريري له قواه التي سببت في هذا الفشل . وهذه القوى هي الان التي تحاول الدفاع بخطاب مشحون شعبويا وبدلالات عنفية عن نظام الوصاية السوري اللبناني .لانه عقل ميليشياوي لم يستطع تجاوز مفرداته ! وهو لن يستطيع لانها مفردات تاسست في ظل نظام اقليمي ولبناني يعتمد استمرار هذا العقل اللادولتي والذي يتلطى خلف سلاح لا علاقة للدولة اللبنانية فيه ابدا . من دون مواربات السلاح الخارج عن سيطرة الدولة اللبنانية هو الذي يتكلم . ويخطب في الجماهير اللبنانية ويشحن بعضها طائفيا وعروبيا ودينيا ..الخ
ان الحرية الفردية في لبنان اخذت دلالاتها السياسية بعد هذا المخاض اللبناني والذي مازال مستمرا حتى هذه اللحظة من مؤسسات لبنان الطائفية في مزيج قل نظيره في هشاشة مؤسساته العابرة لهذه الطوائف . جاء الخطاب العنيف ليؤسس بناء على حرية فردية بمساحة غير محددة في غالبية التواجد اللبناني داخل لبنان وخارجه . ماعدا الجنوب في الفترة الاخيرة الذي اعطى بعدا محددا للحرية الفردية مبني على الذهاب الى الجامع لسماع خطب السيد نصرالله ومعاونيه وتحت الجبة سلاح فردي وحقيبة نقدية لذر الرماد في العيون هذا على مستوى الفعل في تجليه على اجندة سياسية واضحة من دون براقع ايديولوجية, هذه البراقع الايديولوجية التي من شانها الا تميز بين الانا الجمعية المستهلكة من قبل اجندة سياسية معروفة اهدافها سلفا ¯¯ لان الفعاليات الجماهيرية نفسها او قسما منها هي من خرجت تهلل للدبابات الاسرائيلية عام 1982 لانها لم تكن معركتها في ذلك الوقت او لم تكن هنالك الاجندة الايرانية موجودة بعد !! وبين الانا الجمعية التي لها حرية الاختيار الحقيقي ان كل هذا بمجمله يشكل جاهزية يدير بها حلفاء التحالف الايراني السوري اللعبة في لبنان . وهذه الجاهزية ارادتها ايران في لبنان منذ البداية منذ لحظة تاسيسها لنفوذها في لبنان 1983 وما بعد الذي لن يجد بحكم عوامل عدة موضوعية ¯ الطبيعة الدينية والطائفية للمجتمع اللبناني ¯ وذاتية ارادة السلطة الايرانية والسورية . لن يجد هذا النفوذ مكانا في ظل وجود دولة لبنانية قوية لانها ستتشكل بحكم الاغلبية الرافضة حكما لهذا النفوذ المؤسس طائفيا وميليشياويا, لن يستطيع ابن الجنوب المغدور في عقر داره ايرانيا سوى الهتاف ¯¯ لبيك ياحزب الله ¯¯ لا اعتقد ان هنالك في حمولة هذا النداء الهتاف مكانا لاية دلالة لدولة لبنانية عصرية, ولا مكان الا لمن هو اما من حزب الله او يدخل في نطاق ستراتيجية الحليف الاقليمي لهذا الحزب . وحتى تكتمل اللوحة يجب ان يكون هنالك عدو خارجي ايضا وهذا متوفر لكي يأخذ هذا الخطاب مساحة اوسع في بث رسائله التي هي بالمؤدى الاخير في سقفها المطروح : دولة تقاسم طائفي ونفوذي بالمعنى الاقليمي . وهذا المشروع لايمكن له ان يتحول الى مشروع دولة لانه محجوز سلفا في خانة نفوذ لايريد بناء دولة تعبر عن طموحات الاكثرية اللبنانية .وكلما شعر هذا المشروع بالجدار الذي يحتجزه هنا في هذه المساحة كلما استنفر كل ادواته الخطابية لكي يعيد لبنان الى نقطة اللادولة وربما هذه النقطة تحتاج الى توضيح فالقضية ليست تآمرا على الطريقة الشعبوية بالنسبة للافراد وانما هي جزء صميمي له ادوات اشتغاله في المشروع الايديولوجي المتبنى من قبل هذه الفئة وهم افراد ومواطنون بالمعنى النسبي نتيجة لحضور الحرية الفردية وهنا تكمن احدى وجوه المخاتلة اللبنانية. وهذا لن يأتي الا اذا كان هذا الخطاب يحمل في ثناياه بندقية او حتى تسير امامه وكل الحديث البراني عن مدنية تحرك هذا الخطاب هي لمداراة عجز هذا الخطاب في ان يكون خطابا سلميا ووطنيا ¯ بمعى عابر للطوائف . يمكننا القول ان هذا الرأسمال من الحرية الفردية مازال يشكل ذخيرة لتأسيس طائفي وهذه هي المفارقة اللبنانية .
اما لجهة قوى الرابع عشر من مارس فما لم يعودوا الى روحية الاستقلال واستكمال هذه الروحية بخطاب سلمي لتأسيس الدولة اللبنانية العصرية في برنامج عابر للطوائف وواضح .لانها دوما ستجد براعة لدى الطرف الاخر في جرها لمساحات خطابه ودلالاتها والرد عليه في روحية خطابه وهذا هو بالضبط ما يريده . وعلى هذه القوى الا تعطيه هذه الورقة . وتركز على جدوى الفعل التغييري للبنية اللبنانية من اجل بناء الدولة المعاصرة . وهذا يتطلب فتح الحوار الجدي بين هذه القوى من اجل ان تعبر طوائفها بسلام نحو افق دولة المواطنة والقانون .لان الاداء مازال في الواقع اداء له سمة التحالف بين الطوائف وان كان هو في جانب مهم منه بات مشروعا له جانب وطني واضح . ولكنه غير كاف بحكم التحديات التي تواجهه من جهة وعليه ان يعيد سلطة رجال الدين الى خارج الحقل السياسي وعبر الحوار والوصول الى تقاطعات مهمة تغني تجربة نشوء الدولة اللبنانية العصرية كما تغني مفهوم التعايش في لبنان في ظل هذه الدولة المنشودة, وهذا مطلب وحده يدخل لبنان في رحابة الحوار والعمل من اجل دولة المواطنة المنشودة .
الحرية الفردية المؤسسة على وجود دولة قانون لمواطنيها الاحرار غير هذه الحرية الموجودة والتي اخذت غالبية ممارساتها من سطوة عقل ميليشياوي ذي خطاب يؤسس للعنف في المجتمع ومع الخارج الذي لا يتوافق مع اجندته , وهذا لن يبرز الا في عنف المساحة الدلالية لهذا الخطاب ومحمولا في طيات مفرداته وجمله وتعابيره ذات المدلول الديني الطائفي. وما يحدث الان لايحتاج الى كثير عناء فيما لو تم تجريد هذا الخطاب من دلالاته هذه لوجدناه يعود الى خطاب الدولة بلا ادنى شك لانه وحده الذي يكون خطاب العقد الاجتماعي الجديد الذي اشد ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة. وخصوصا ان مسلسل الاغتيالات مازال مستمرا وسيبقى الى اجل غير مسمى, مادامت الاجندات مختلفة ليس على برنامج سياسي متغير بتغير الظروف وتوزع القوى الاجتماعة اللبنانية وحسب بل ايضا لانه اصلا خطاب يجد ضالته في غياب مشروع الدولة هذا.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟