|
في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:36
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
بين وقت وآخر ، وخاصة في ظروف ، ا ستفحال أزمة من أزمات النظام المتعددة على الصعد كافة في البلاد ، ولاسيما ، كما يحدث الآن ، على الصعيد المعاشي ، حيث يزداد بؤس وصراخ القوى العمالية والشعبية من مكابدة الغلاء والتجويع والقهر ، يسلط النظام السوري الضوء على الاتحاد العام لنقابات العمال ، ويجري اللقاءات السياسية والحكومية مع النقابيين في مقر اتحادهم العام ، لافتاً، إلى أن الحركة النقابية والطبقة العاملة تقفان إلى جانب سياساته وبرامجه الاقتصادية .. غير الشعبية .. وتحميل مؤسسة الاتحاد العام قسماً مهماً من مسؤولية التداعيات الاقتصادية - الاجتماعية المؤلمة ، التي تنعكس سلباً على الانسان الكادح الفقير بالدرجة الأولى
ومن أسف ، أن مايراهن عليه النظام من دور للاتحاد العام لنقابات العمال في أزماته الراهنة ، قد تم إلغاؤه منذ أن وضعت النقابات واتحاداتها خلف القضبان .. منذ أن تم تبعيث الحركة النقابية وإلزامها بالتكامل مع الإدارات والوزارات والأجهزة الأمنية ، وذلك تنفيذاً لما سمي في أواسط السبعينات ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " ما أدى موضوعياً إلى كف يد الاتحاد العام عن ممارسة دوره كممثل للطبقة العاملة ، وتحول إلى مؤسسة من مؤسسات النظام ، تحت عنوان الاتحاد العام لنقابات العمال . وقد نفذ الاتحاد العام إلتزامه السياسي السلطوي التكاملي ، بعدم قيامه بأي حراك نقابي اجتماعي أونضالي طوال عشرات السنين ، حيث لم يدع إلى الإضراب عن العمل أوالتظاهر ولو ليوم واحد ، دفاعاً عن أجور العمال وحرياتهم وحقوقهم المنتهكة ، على الرغم من تفاقم الغلاء الفاجر المتزايد توحشاً يوماً بعد يوم ، والذي أفضى إلى انخفاض الأجور الفعلية مقارنة مع الإنفاق المعاشي بصورة مريعة ومفجعة ، حيث بات الحد الأدنى للإنفاق المعاشي يعادل ست مرت الحد الأدنى للأجور
وعلى ذلك ، فإن اللقاءات المتلفزة غيرذات جدوى ، لأنها فاقدة المصداقية أمام ملايين العمال ، الذين تلزمهم حياتهم البائسة التعاطي مع الغلاء وتداعياته من حرمانات لاتحصى من أساسيات المعيشة ، ويرهقهم البحث المضني عما يوفر الحد الأدنى من الكرامة إزاء الحاجات الإنسانية الضرورية ، قبل التعاطي مع خطابات وشعارات ، باتت بحكم مصادرها المجربة المجوفة عصية على الفهم والرجاء والتصديق
ولعل اللقاء السلطوي - النقابي الذي جرى ، منذ أيام قليلة خلت ، بين مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال إضافة إلى الكادر النقابي المتوسط وبين القيادة القطرية للحزب وعدد من الوزراء المختصين ، ضمن أنشطة تسويق الخطة الخمسية العاشرة للدولة ، المؤسسة لتحولات اقتصادية - اجتماعية ذات أهمية نوعية مؤلمة للطبقة العاملة وكافة القوى الشعبية ، لعله خير معبر عن ذلك
إذ كما هي العادة ، في مثل هذه اللقاءات ، لابد من طرح أقوال وشعارات كبيرة ، لتعطي اللقاء أهمية لافتة . وقد توزع هذه الأقوال كل من أسامة عدي عضو القيادة القطرية ومسؤول مكتب العمال والفلاحين القطري ، وعبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء الاقتصادي ، وشعبان عزوز رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال
أسامة عدي ، كمسؤول سياسي " قائد " للطبقة العاملة ولمنظماتها النقابية ، حمل طرحه مصطلحاً جديداً في الاقتصاد السياسي ، بوصفه النهج الاقتصادي الجديد في سوريا أنه " نهج تشاركي " يتحقق " مع الفعاليات المختلفة في المجتمع " وكأنه يريد الإيحاء إلى أن هذا النهج ليس تخلياً تاماً عن " الإشتراكية " أحد أركان الثالوث المقدس لحزب البعث ، وليس انتقالاً مطلقاً إلى الرأسماية .. !! ؟ .. ما يثير تساؤلات لاحصر لها .. مثل .. من يشارك من .. ؟ وهل سيصبح العمال - باعتباره يتحدث في مكان عمالي وإلى وسط عمالي ، شركاء مع الطبقة الرأسمالية في مستوييها السلطوي وغير السلطوي ؟ وكيف ستتحقق هذه التشاركية ؟ وفي مثل هذا النهج ماهي حصة كل طرف في " التشاركية " الاقتصادية الجديدة ؟ وما هو مستوى وفعالية كل طرف متشارك .. من سيقود من .. ؟ أم هناك من سينوب عن العمال في هذا النهج من رأ سمالي السلطة .. باعتبارهم " قادة الدولة والمجتمع " أم أن القطاع العام ،الذي تشحذ القواطع للإجهاز عليه ، موعودبا سم العمال ، بدور الشريك في هذا النهج الجديد ؟ ومن سيمثل عمال القطاع الخاص في العهد " التشاركي " ؟
وعلى هذا المقاس من القول الكبير ، ذكر " عدي " أن القسط الأكبر من إنجازات " الحركة التصحيحية " ، ويقصد المنافع ، كانت من نصيب العمال .. !! .. ؟ .. وهذا بدوره يطرح السؤال : وفق أية معايير حدد القيادي السياسي " العمالي " المطلع .. قسط العمال هذا ، بأنه الأكبر من هذه الإنجازات .. بينما تؤكد الحياة يومياً ، أن محصلة هذه " الإنجازات " بالنسبة للقوى العمالية والشعبية كانت قسمة ضيزى .. أي جائرة .. وانعكست على العمال فقراً وبؤساً وتجويعاً وبطالة وقهراً . وكيف ا ستقامت هذه المعايير لديه في تحديد أن القسط الأصغر من " الإنجازات " إيّاها كان من نصيب غير العمال وغير الفقراء ، الذي انعكس ، كم يبرهن الواقع الفاقع ، على القيادات العليا في الدولة والمجتمع وشركائها وأتباعها ، ثروات مليونية وملياردية ورفاهية أ سطورية ؟ ومما لاريب فيه ، أنه مابين تحديد مفهوم القسطين من " إنجازات " الحركة التصحيحية .. ونصيب العمال الحقيقي منها .. تكمن ماهية " النهج التشاركي " والدعوة المفخخة للمشاركة في العملية التشاركية الجديدة
وقد حمّل السيد " عدي " مجلس الاتحاد العام مسؤولية الدور الكبير " في ظل التطورات الا قتصادية التي يشهدها القطر والإصلاح الاقتصادي والانتقال إلى " اقتصاد السوق الاجتماعي " من خلال المهمات والأدوار الجديدة التي تختلف في ظل " هذا الاقتصاد الجديد " دون أن يتعرض لطبيعة هذا الاختلاف ودون أن يتعرض لمسألة ارتباط الاتحاد العام ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " هل هذا الارتباط مستمر لإنجاح " اقتصاد السوق الاجتماعي ، أم أن الجديد في التطورات الجارية يستدعي فك هذا الارتباط وإطلاق النقابية المطلبية المستقلة ، ودون أن يشير أيضاً ، إلى معالجة المسائل الاجتماعية والمعاشية للطبقة العاملة ، وإلى ما هي الخطط الكفيلة بتجاوزها
نائب رئيس الوزراء الاقتصادي ، مهندس الاقتصاد السوري الأول ، قدم مساهمته في نحت المصطلحات الاقتصادية أيضاً ، وأطلق على النهج الجديد مصطلح " السوق الاجتماعي بخصائصه الوطنية " دون أن ينسى ا ستعراض الخطة الخمسية العاشرة ، التي كما زعم أنها " تركز بشكل واضح على البعد الاجتماعي في برامجها وخططها " موضحاً أن عملية الاصلاح الاقتصادي ، التي تجري حالياً تركز بشكل أساسي على مصلحة المواطن وبسبب نوعية المكان والحضور ، تجنب الحديث عما ستحمله الخطة الخمسية العاشرة العتيدة من آلام اجتماعية ، التي يرددها في أماكن اقتصادية عامة ، وتجنب الحديث عن أي بعد اجتماعي تركزعليه هذه الخطة ، ألمصلحة القوى الشعبية أم لمصلحة الطبقة التي تستغل هذه القوى ، وتجنب الدخول بتفاصيل تعديل الدعم الحكومي للمواد التموينية وغيرها ولخصها ب " إيجاد دعم جديد يكون أكثر عدالة وأكثر كفاءة اقتصادية ، مبتعداً عن أي حديث عن ا سترداد حقوق الدولة في مجال التهرب الضريبي ووقف البذخ في الإنفاق الحكومي والأجهزة الأمنية وا ستعادة الأموال المنهوبة المهربة إلى الداخل والخارج ، كمصدر لتحقيق هذه العدالة وهذه الكفاءة
أما رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال شعبان عزوز ، فقد عبر عن إلتزامه الحزبي بوضوح ، بما هو مطلوب منه ، أي ا ستمرار إلتزامه ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " ، وواضعاً الاتحاد العام والحركة النقابية تحت تصرف الدولة ، حيث أكد على " ا ستمرار العمال في مواقع عملهم المختلفة في الإنتاج ورفع سوية العمل والإنتاج كماً ونوعاً ، والمساهمة في الاقتصاد الوطني ودفعه إلى أمام " ودعا .. بقية الفريق الواحد المنتمي إليه ، إلى تلبية مطالب العمال العديدة . متجاهلاً إلتزامه النقابي الطبقي ، فلم يركز ويطالب بأهمية معادلة الأجور بالأسعار ، وبرفع سقف الحد الأدنى للأجور بما يوازي إنفاق الحد الأدنى للمعيشة ، ولم يطالب ويتمسك بقوة بفك إلتزام الحركة النقابية بقيود النقابية السياسية ، باعتبار أن البلاد تدخل في مرحلة الخصخصة الشاملة وتوسع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية في الفضاء السوري برمته ، للدفاع عن الحقوق العمالية بوجه البطالة الزاحفة نتيجة الخصخصة ، ونتيجة تطبيقات الخطة الخمسية العاشرة المؤلمة . إذ أنه من أ سوأ أ شكال التعسف ، أن يوفر النظام الحرية للرأسمال المحلي والأجنبي في العمل والاستثمار ويقيد الحركة النقابية ويحول دون أدائها لدورها النضالي المطلبي والطبقي
ومثلما هي العادة أيضاً ، إنتهى اللقاء بتأكيد الحاضرين ولاءهم للحزب " القائد " وبإلتزامهم بما طرحته القيادة الحزبية والحكومية من أوامر وبرامج ، وقيدت المداخلات المطلبية التي أثيرت على هامش اللقاء في محضر النسيان وقفل عائداً كل إلى موقعه ، وإلى أداء دوره المنوط به في " النهج التشاركي " الجديد وإعادة إنتاج النظام اقتصادياً وسياسياً في آن وبقي الفراغ النقابي قائماً .. وبقيت أ سئلة الطبقة العاملة المطلبية والمصيرية معلقة .. حتى نشوء حركة نقابية عمالية ملتزمة طبقياً .. قبل أي إلتزام آخر
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمع بلا خرائط
-
أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
-
الجري وراء عدل مفقود
-
فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
-
حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
-
درس ديمقراطي أول
-
السياسات والتقاطعات المشرفة
-
قصة الجيش الأحمر السوري
-
ليس حلفاً جديداً .. !! .. ؟
-
بانتظار مبادرات نقابية وسياسية مناضلة شجاعة
-
معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية
-
خمس سنوات إرهاب شامل
-
نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟
-
حتى ينكسر الحصار
-
السنديان العتيق
-
التحالف الاشتراكي .. بداية جادة واعدة في حركة اليسار المصري
-
أفول الأسطورة الإسرائيلية .. مهام متعددة في معركة واحدة
-
لماذا ثقافة المقاومة .. ؟
-
الوطنية الديمقراطية في زمن الحرب
-
من هم أصدقاء أولمرت من الحكام العرب .. ؟
المزيد.....
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|