أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل عباس الشيخلي - فصل الدين عن سياسة الدولة و العلمانية قضية ملحة في المشروع الديمقراطي لعراق المستقبل















المزيد.....


فصل الدين عن سياسة الدولة و العلمانية قضية ملحة في المشروع الديمقراطي لعراق المستقبل


عادل عباس الشيخلي

الحوار المتمدن-العدد: 525 - 2003 / 6 / 26 - 17:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


 

         يعتبر مبدأ فصل الدين عن سياسة الدولة... والعلمانية, من الأمور الشائكة والأكثر إثارة للجدل بين القوى السياسية العراقية في الوقت الحاضر. فكثير من المفكرين الإسلاميين وغالبية الأحزاب والحركات السياسية الدينية أبدوا في أكثر من مناسبة تحفظاتهم وعدم قبولهم لهذا التوجه بل يحاول بعضهم فرض شكل معين من أشكال الدولة (الدولة الأسلامية)... الذي يعتبر دون شك تراجعا واضحا عن الجهود الرامية إلى  إقامة نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي والعقيدة ومن أجل مجتمع مدني متحضر.

 

إن القوى الديمقراطية الليبرالية العراقية من أحزاب وحركات سياسية ومفكرين, أخذت تولي في الفترة الأخيرة هذا الموضوع  الحيوي إهتماما كبيرا جدا... ولكن جرى في بعض الأحيان إختزال العلمانية Secularism من قضية المعرفة بمفهومها الواسع.... كرؤية شاملة عصرية للسياسة والأقتصاد والثقافة والمجتمع.... ولدت من رحم مبدأ فصل الدين عن الدولة... وتبلورت عبر مخاض طويل من الصراع مابين مرحلة الأقطاعية والأضطهاد الفكري والتخلف العلمي والعقلية الغيبية والميتافيزيقية من جهة ومرحلة البرجوازية والعلم والحداثة والتنوير والصراع الفكري من جهة أخرى, ومبدأ فصل الدين عن سياسة الدولة, باعتباره  إتجاه فكري يخص عمل الدولة وسياستها بالدرجة الأساسية.

 

      فصل الدين عن  سياسة الدولــــة..........

   ظهرت وتبلورت فكرة فصل الدين عن سياسة الدولة في أوربا .... التي مرت عبر تأريخها الطويل بحروب وصراعات حادة ومريرة , أوصلت بالمجتمعات الأوربية بل والقارة كلها إلى حافة الفوضى والإضطراب. وقد مر هذا الصراع ما بعد مرحلة اللاعقلانية  بثلاث أحقاب تأريخية مختلفة:

عصور الأمبراطوربة الرومانية القديمة وفيه ظهرت نواتات الدين المسيحي ,

العصور الوسطى المسيحية ألتي تميزت بثنائية العلاقة مابين الدولة والدين(الكنيسة)

و عصور النهضة الفكرية والعلمية والأقتصادية في أوربا حيث تبلورت وطبقت فيها فكرة فصل الدين عن الدولة وتطورت بعد ذلك الى العلمانية بمفهومها الواسع.

 

     في الحقبةالأولى لم ترتبط الإمبراطورية الرومانية القديمة (التي تعتبر لأوربا مثالا  يحتذى بخصوص مفهوم الدولة والقانون والفلسفة), والتي بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد وتميزت  ببروز فلاسفة كبار مثل سقراط الحكيم وافلاطون وأرسطو,  بأي سيطرة دينية... كان تماسك الإمبراطورية الرومانية الواسعة المساحة يعتمد على مؤسسات الدولة والقانون وقدرات الجيش الروماني العسكرية وعلى إدارة مركزية فعالة وكذلك على الوعي الحضاري لشعوب الإمبراطورية. وقد أظهر الجيش الروماني في غزواته العسكرية الواسعة كثيرا من التسامح  حيال المعتقدات الدينية للشعوب المحتلة. ظهرت الديانة المسيحية أنذاك بين مجموعة صغيرة في أطراف الأمبراطورية الرومانية وأخذت بالإنشار السريع بعد موت النبي عيسى (عليه السلام) الذي أصبح حيا في نفوس الألاف من الناس. إتسعت رقعة الدين المسيحي في أرجاء الأمبراطورية الرومانية" اعط مالقيصر لقيصر ومالله لله ", ليصبح بعد مئات من السنين من الأضطهاد والملاحقة الدموية  جزءا منها....فمن أراد أن يكون مواطنا في هذه الأمبراطورية كان عليه أن يكون مسيحيا(1).

     الحقبة الثانية  بدأت بحلول القرن الخامس بعد الميلاد, وتميزت بتبلور دور  الكنيسة البابوية وزيادة تأثيرها على عامة الناس بحيث  وصل  مستوى نفوذها ألى نفس مستوى نفوذ القيصر. في هذه الحقبة أصبحت العلاقة بين الطرفين (الدولة والكنييسة) علاقة تكاملية يعتمد فيها الواحد على الأخر ويشكلان سويا قوة كبيرة لاتضاهيها أي قوة أخرى. إن  السلطة القيصرية والسلطة الربانية للكرادلة والأساقفة هما القوتان اللتان حكمتا العالم أنذاك. وفي عام 1122 جرى الإتفاق بين البابا والقيصر على توقيع وثيقة concordat  تنظم عمل الطرفين,  وعلى ضوءهذا الإتفاق جرى تنظيم حملات الحروب الصليبية التي كانت من أكثر فترات التبشير والتوسع دموية وقساوة. في هذه الحقبة كان التطور الثقافي والعلمي  بطيئا, عانى فيه المفكرون  القتل والإضطهاد والملاحقة. في الجانب الأخر أصبح الطرفان قوة كبيرة  وقاسية جدا بحيث استحوذت على معظم  الأراضي الزراعية والسكنية مع نظام إقطاعي صارم. بالمقابل كان هناك وفي كل أوربا تنامي مستمر  للمعارضة  ضد القيصر و الكنيسة.... في المدن كان هناك تقدم علمي وثقافي وتقني... يقابله تنامي  مستمر وإزدهار للبرجوازية والحرفيين  اللذين بدؤا يطالبون بحرية  إقتصادية أكبر ,مدعومين من أمراء المقاطعات المختلفة.... داخل الكنيسة كانت المعارضة ضد الكرادلة والأساقفة الأغنياء قد وصلت الى أعلى حد وبالذات من الأساتذة المتنورين العاملين في الكنيسة نفسها مثل مارتن  لوثر(1483- 1546) الذي بدأ حركته الأصلاحية  في المانيا عام 1517 . كان لوثر يرى في الغنى الفاحش والقدسية المعصومة عن الخطأ  للبابا شيأ يتناقض و تعاليم الدين المسيحي التي جائت لإنقاذ الفقراء والمستعضفين , كما أعلن وقوفه ضد صكوك الغفران التي كانت الكنيسة تبيعها على العامة باعتبارها خدعة هدفها كسب الأموال ليس الا... في مثل هذه الظروف إتحدت مصالح  المعارضة البروتستانتية داخل الكنيسة مع مصالح الفلاحين, اللذين عانوا الأمرين من النظام الأقطاعي  ومصالح حرفيي المدن الأخذة بالأتساع.  كان السؤال الذي طرح نفسه أنذاك.. إلى جانب من يقف القيصر؟ قرر القيصر الوقوف ألى جانب الكنيسة...  دخلت أوربا بعد هذا القرارحربا دينية ظروس  بين الكاثوليك والبروتستانت في وسط أوربا والتي دامت مئة عام,  كانت مخلفاتها كارثية على شعوب اوربا كلها ولكن في الجانب الأخر ولدت القناعة لدى الأطراف المتحاربة بظرورة تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة ...ورفض التزمت في الأراء ومحاولة فرضها بالإكراه على الطرف الأخر(1) .    

 

   أ ما الحقبة الثالثة, والمهمة جدا في تأريخ أوربا الحديثة والتي قامت على انقاض الحروب الدينية الدموية, فإنها تمثل عهد التنوبر( القرن السادس والسابع عشر) والتطور العلمي والثقافي, و بروز مفكرين ورواد تنوير كبار أمثال : جون لوك (1632- 1704 ) وإيمانويل كانط ( 1724- 1804) وفولتير(1694- 1778) وأدم سميث (1723-1790)  وغيرهم اللذين جعلوا الإنسان الفرد مركز الإهتمام بغض النظر عن مشروطتيه الدينية أيا كانت.... لقد جعلوا من الإنسان قيمة بحد ذاته. في هذه المرحلة جرى التأكيد والدعوة لبناء منظومة من التعاليم  دعت إلى التسامح والمساواة في الحقوق بين الأديان المحتلفة. إن تحكيم العقل  وأعتماد التطور العلمي والثقافة والفلسفة بدلا من العقلية الغيبية أو الميتافيزيقة,  كانت الصفة المميزة لهذه المرحلة, والتي بدأت تأخد مساحة كبيرة في التأثير على  سياسة الدولة. كانت الولايلات المتحدة الأمريكية منذ بداية تكونها (1776)  دولة علمانية أما الدستور الأمريكي لسنة (1789) فكان من الدساتيرالأولى التي أقرت بأن الدين مسألة شخصية, وجرى الفصل بين الدين والدولة , مع التأكيد على حرية وأحترام الأديان بأعتبارها إحدى حقوق الإنسان ألأساسية.  أما في فرنسا فقد كان مبدأ فصل الدين عن الدولة إحدى نتائج  الثورة الفرنسية (1789) حيث حسم الأمر بأن فقدت الكنيسة ( باعتبارها ممثلة للنظام الأقطاعى والتعصب الديني)  ليس سطوتها وحسب بل سيطرتها على كل ممتلكاتها من الأراضي(1) .  كان من تداعيات هذه التطورات أن بدأت المجتمعات الأوربية تخطو بشكل حثيث بإتجاه تثبيت هذا المبدأ في دساتيرها.والذي كان يمثل بحق  بدايات الحكم المدني. لقد استطاع العالم الأوربي ان يبني منظومة سياسية واقتصادية وثقافية متطورة بعيدة عن التأثير المباشر للدين, واخذ تاثير  التنوير والحداثة والعقلانية يدفع بجذوره عميقا داخل المجتمع. 

 

 

 

 

العلمانيــــة.....

 

    تختلف إسهامات المفكرين بشأن تعريف مصطلح العلمانية بإختلاف وجهات النظر التي تعالج هذه الموضوعة . فقسم ينظر إلى العملية بأنها الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض.. وأخر يعتبرها رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة , مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم. هناك دراسات تميز بين نوعين من العلمانية: العلمانية الجزئية والتي تركز بالدرجة الأساسية على مبدأ فصل الدين عن الدولة.. والعلمانية الشاملة باعتبارها رؤية شاملة للواقع بعيدة عن الغيبيات(2).

لكون العلمانية تمس جوانب مختلفة من الحياة وواحدة من أكثر الظواهر المثيرة للجدل والإختلاف والتنوع,  يجعل من وضع تعريفات مختلفة,  تتخذ صيغ الوعظ  تارة  والوصفات الجاهزة تارة أخرى أو تميزها حسب شموليتها أم لا...امر غير مجدي ولايوفي بالغرض ويدفع بعض الأحيان إلى تبني مواقف ومنهجيات معينة على ظوء تعاريف معدة مسبقا.

 

إن العلمانية هي جملة من التحولات التأريخية, السياسية والأقتصادية والإجتماعية والثقافية, وهي أوسع من مجرد مبدأ فصل الدين عن الدولة, وتنطوي على وجوه عدة: وجه سياسي يتمثل  في ترسيخ أسس النظام الديمقراطي ومؤسساته ألدستورية من جهة, وفي فصل الدين عن سياسة الدولة والنظر الى المؤسسة الدينية باعتبارها مؤسسة تقوم بإرشاد الناس في امورهم الدينية والقيام بالتوجيه الديني والأخلاقي والحفاظ على القيم الإجتماعية والأخلاقية والحلال والحرام والروابط الأسرية من جهة أخرى(3), .ووجه إقتصادي  يتمثل في تعزيز  دور  إقتصاد السوق,  للسماح بنمو طبقة بورجوازية متطورة ووجه إجتماعي يتمثل ببناء مؤسسات المجتمع المدني"Civil Society" وتوفير الشروط الصحيحة ألتي يدور في إطارها أي صراع أو حوار إجتماعي والتشديد على التحول التأريخي الدائم والسلمي.... وأخيرا وجه ثقافي تنويري لايتنكر لتراثنا ويأخذ بنظر الأعتبــار طبيعة مجتمعنــا والقيــم الحضارية التي يكتنزها.

 

    إحدى خصائص العلمانية تتمثل في " القدرة الإستيعابية التي توفرها للمجتمع  ذو الأديان والقوميات والمذاهب المختلفة (كالمجتمع العراقي مثلا). إنها توفر لها جميعا الأطر المرجعية المحايدة للحوار فيما بينها, وتوفر لها الأرضية العمومية للمصالح المشتركة التي يمكن الإحتكام إليها عند اللزوم , كما هي أليات عمل لإمتصاص الصدمات والهزات ألتي يمكن أن تعصف بمجتمعنا"(3). من الخصائص الأخرى هي المساوات بين جميع المواطنين ذكورا وإناثا أمام القانون ومساواتهم في الفرص والمسؤوليات والواجبات والحريات بغض النظر عن قومياتهم و قناعاتهم الدينية  وإنتماءاتهم المذهبية أو الطائفية. إن العلمانية في المشروع الديمقراطي العراقي بهذا المعنى حاجة بل ضرورة سياسية وإقتصادية  واجتماعية وثقافية لما تملكه من مساحة واسعة في مجال الحريات وتحرير الطاقــات الإبداعية للفرد والمجتمع وتحريم  كل أساليب العنف  والتطرف  والإرهاب السياسي  والإجتماعي  والفكري  والديني،  ونبذها من القاموس السياسي. إن أهم خاصية للعلمانية بشكل عام وفي العراق بشكل خاص هي عدم مناوئتها للديانات السماوية على الأطلاق  انها لاتساوي الألحاد والكفر بل على العكس تعتبر الدين جزء أساسي من تربية وثقافة مجتمعنا وحاجة الأنسان والمجتمع الى الدين والإهتمام بالقضايا الروحية كحاجتهما الى العلوم وسائر المعارف. ان أساس الدولة العلمانية يقوم على أن البشر جميعا متساوون امام القانون , بغض النظر عن أية فوارق وبدون وصاية من أحد , إلا حكم القانون الذي لابد أن يساوي بين جميع المواطنين , ويكفل حرياتهم في العقيدة دون محاذير أو قيود(4).

 

هناك مسألة مهمة يجب الأشارة اليها وهي ان العلمانية لايمكن أن تتطور وأن تتحدد معالمها وتؤتي ثمارها من غير ديمقراطية . فالعلمانية لاتتواجد في ظل الأستبداد... و تتراجع وتصبح مجرد كلام للدعاية  في ظل الأنظمة الشمولية. فقد تحول مبدأ فصل الدين عن سياسة الدولة مثلا والذي يعتبر احد أعمدة العلمانية, وبسبب الطبيعة الدكتاتورية لهذه الأنظمة ألى إشاعة الألحاد وحرق وهدم الكنائس ومنع الناس من ممارسة معتقداتهم الدينية. ان هذه السياسة لا تتناقض مع الرؤية التسامحية للعلمانية فقط بل تعتبر خرقا واضحا لحقوق النسان المشروعة.

 

   ان العلمانية كعملية حضارية دائمة التجدد... على مستوى الأقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة, لاتتميز بطابع حزبى أيدلوجي معين , فإذا كانت كذلك فإنها سوف لاتمتلك إمكانية تحشيد أكبر عدد من القوى الفكرية الموجودة في المجتمع وسوف لن تكون متجانسة ومنتظمة المسير وبمعنى أوسع ان العلمانية تتطور وتغتني وبشكل فعال بساهمة كل التيارات الليبرالية او الدينية المتنورة.

 

     لقد مر العراق طيلة القرون السابقة بظروف وتطورات  جعلته بعيدا عن تأثيرات التطورالعلمي والثقافي والسياسي التي حصلت في أوربا وبالتالي بعيدا عن عملية التنوير والحداثة والعقلانية . ففي الوقت الذي شهد عصر النهضة في أوربا انحلال المرحلة الأقطاعية وظهور طبقة برجوازية متطورة تنمو وتتفاعل بجدية مع التطورات التي أفرزتها الثورة الصناعية, كان العراق في منتصف القرن التاسع عشر يشهد ولادة نظام إقطاعي بدعم الإستعمار العثماني الذي أصدر قانون  الأراضي العثماني(الطابو) لعام 1858, أول قانون يحاول أن ينظم العلاقة مابين الدولة(الإحتلال العثماني أنذاك) ومشكلة  الأرض الزراعية وعلى أسس قانونية . لقد تم الأنتقال من إقطاعية شبه عسكرية أو شبه عسكرية الى إقطاعية الملكية الخاصة للأرض . لكن هذه الملكية الخاصة لم تنتقل الى أيدي الفلاحين كما جرى في أوربا, بل الى الفئات الأجتماعية مثل ضباط الجيش العثماني اللذين تحولوا إلى إقطاعيين وإلى مستغلين مستبدين, وإلى كبار موظفي الدولة العثمانية وكانوا جميعا معادين للتطور والنهضة, والى ورجال الدين حيث تحولوا إلى إقطاعيين متزمتين معادين للنهضة والعقلانية والى التجار الأغنياء. في فترة الإنتداب البريطاني جري ترسيخ هذه الطبقة الإقطاعية بإعطاء شيوخ العشائر الأرض وتحويلهم الى إقطاعيين . في ظل هذه الظروف لم يتطور أقتصاد منتج تديره طبقة برجوازية واضحة المعالم. استمرت هذه الحالة طيلة العهد الملكي ولغاية أحداث 14 تموز التي حاولت أن تخلق طبقة وسطى يمكن أن تساهم بفعالية في دفع النهضة ولكنها تراجعت بسبب الإنقلابات المتكررة التي شجعت صعود طبقات طفيلية بيروقراطية غير منتجة, تثرى بشكل سريع وغير عقلاني, مع البقاء على العلاقات الآقطاعية وشبه الأقطاعبة, وعسكرة المجتمع, بكل ما تحمله العسكرة من تشدد والتزام شكلي, وقوالب جامدة وتجريد المجتمع من كل مظاهر الأنسانية والتسامح,  كما كان الحال في ظل النظام الدكتاتوري البائد (5). يتضح مما سبق إن عملية التنوير والحداثة والعقلانية في العراق وإن كانت موجودة ولكنها محدودة التاثير بسبب إنعدام  التراكم النوعي والكمي لمكتسبات هذه العملية داخل المجتمع . 

 

أن المسالة الأساسية المطروحة في عراق اليوم والذي يمر بمرحلة تأريخية مهمة, ليس السؤال مع أو ضد العلمانية؟.القضية الملحة هي إقامة النظام الديمقراطي البرلماني و تشريع دستور دائم تكون إحدى  بنوده الأساسية  فصل الدين عن سياسة الدولة وبناء مؤسسات المجتمع المدني واحترام حقوق الأنسان و دعم القطاع الخاص لتهيئة الظروف لنمو طبقة برجوازية صناعية ومساواة المرأة مع الرجل......  أن كل ذلك يمس  مستقبل الدولة الجديدة في العراق والتي سوف لن تكون مفروضة على المجتمع العراقي من الخارج .... فالدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره الثقافي والنظالي(6) . إن الدولة الحضارية في عراق المستقبل  لابد أن تتعامل مع واقع... ان المجتمع العراقي فيه كثير من التناقضات, منها ما كان نتيجة سياسة النظام البائد.... والأخرى تتعلق بالتركيبة الدينية والطائفية والقومية  التي تسود العراق, ومنها مايرتبط بتعدد القوى السياسية الممثلة لقطاعات الشعب المختلفة (بطبقاتها وفئاتها المتعددة) بإتجاهاتها الفكرية المتنوعة والتي تتمتع بخبرة سياسية ونظالية تمتد لعشرات من السنين. ان المجتمع العراقي وللأسباب الذكورة يتميز بوجود متضادات مستعصية فيه, يكون من الصعب جدا الخلاص منها أو حلها بالأسلوب القديم  ولكي لاتقوم هذه المتضادات (أديان ومذاهب وقوميات وطبقات وأحزاب متعددة) بالتهام بعضها البعض وإدخال المجتمع في صراع عقيم ... يقتضي الأمر وجود قوة تقف فوق الجميع , قوة تبقي التضاد ضمن حدود النظام . ان هذه القوة المنبثقة من المجتمع والتي تضع نفسها مع ذلك فوقه وتديره , هي الدولة الحضارية والتي ستكون بالضرورة علمانية.  

 

       

الهوامش:

 

1- Antje Vollmer "Religion und Politik, Kirche und Staat in der europäischen Tradition" www.antje-vollmer.de  

2- د. عبد الوهلب المسيري "العلمانية" على موقع:www.islam-online.net

3- كريم ابو حلاوة " العلمانية شعار ايدلوجي ام استجابة حضارية "  , مجلة النهج العدد 43 /1996 

4- د. عبد الخالق حسين "عراق الغد بين العلمانية والإسلاموية"  على موقع: www.rezgar,com      

5- عبد الله حنا " محور العدد: العقلانية والتنوير",  مجلة النهج العدد 43 /1996

6- فريدريك انجلس "اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" الطبعة العربية, دار التقدم 1985


 



#عادل_عباس_الشيخلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أراء فـــي المشاكل والتنميــةالزراعية في العراق
- الأحزاب السياسية في ظل النظام الديمقراطي - الجزء الاول والثا ...


المزيد.....




- إعلام أفغاني: شويغو يعلن عزم روسيا على استبعاد حركة طالبان م ...
- تسفي كوغان: الإمارات تقبض على 3 أوزبكيين بتهمة قتل الحاخام ا ...
- في رحلة لعالم الروحانيات.. وزان المغربية تستضيف الملتقى الدو ...
- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب ...
- اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا ...
- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل عباس الشيخلي - فصل الدين عن سياسة الدولة و العلمانية قضية ملحة في المشروع الديمقراطي لعراق المستقبل