أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...















المزيد.....

تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعاقبت ثلاث صور أو تكشفات لـ"المجتمع" في وعي النخب المثقفة العربية، تطابق مراحل ثلاثة أعقبت عهد الاستقلال الذي وافق تقريبا نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
تكشف المجتمع في المرحلة الأولى، الربع الثالث من القرن العشرين، قابلية لـ"التقدم" واستعدادا لـ"الثورة" وتأهبا لمقاومة المعتدين الاستعماريين. الفاعل التاريخي هو طلائع ثورية، تقود "الشعب" على دروب التقدم، كاسرة في آن أغلال الاستعمار وقيود الماضي. وكانت راجت في هذه المرحلة إيديولوجيات العمل التغييرية، الماركسية والقومية. ورغم أن وعي الذات المهمين تمحور وقتها حول العروبة، وتصدرت الحركة القومية العربية المسرح السياسي، إلا أن الإيديولوجية الرامزة لروح تلك المرحلة "الثورية" هي الماركسية. لقد صعدت الفكرتان الماركسية والعربية معا، رغم تصارع النخب الناطقة باسمهما. إنهما إيديولوجيتا مجتمعات مقبلة على التاريخ وخارجة لملاقاته.
كانت هذه مرحلة تطابق سياسي ثقافي على العموم، لذلك لم تطرح فيها مسألة السلطة إلا كمسألة عملية تخص كيفية "الاستيلاء" عليها؛ ولم تطرح البتة كمسألة نظرية. فقد كانت قاطرة التقدم، وبدت لمثقفي تلك الحقبة، الماركسيين والقوميين، حلا أو الحل. ما طرح وقتها نظريا هو "المسألة الاجتماعية" و"المسألة الوطنية"، اللتان تقرر تلازمهما (ياسين الحافظ) أو تماهيهما (مهدي عامل؛ وهو أقرب زمنيا إلى المرحلة الثانية، لكن "فلسفته" السياسية تقربه من المرحلة الأولى).
في المرحلة الثانية، الربع الأخير من القرن العشرين، تكشف المجتمع أو "اكتُشِف" كثقافة أو كهوية، كذات ممانعة، بل كشعور، لا كمادة مطواعة أو "صفحة بيضاء" كما كان بدا الأمر لعيني المادية التاريخية السوفييتية أو مذهب التحديث والتنمية الذي كانت تبثه، وقتها، أدبيات الأمم المتحدة (اصطلحت الأمم المتحدة على أن تكون ستينات القرن العشرين عقدا عالميا للتنمية). كان مضمون الهوية في هذه المرحلة الثانية منجذبا بشدة إلى الإسلام. وهذه أيضا فترة صعود الحركات الإسلامية. وقد يصح القول إن "اكتشاف" الإسلام هو "مرتسم" صعود هذه الحركات الاجتماعية السياسية على المستوى الفكري. وراجت هنا أدبيات تتحدث عن العقل العربي والتراث والهوية والخصوصية. لكن كذلك أخذت تطرح مسألة السلطة. فقد تكشفت عمليا تناقضات السلطة الثورية أو التقدمية، وتكشفت غولا لا يكتفي بدوس الناس، ولا يخفق في معالجة المشكلات الاجتماعية والوطنية التي راهن عليها الرعيل الماركسي والقومي الأول، بل كذلك يستبطن العصبيات وينتج إقطاعييه ورعاياه الجدد وطوائفه الجديدة. وفي مواجهة "تغول" السلطة، طرحت الدعوة الديمقراطية، وإن لم تثمر فكرا بفعل هيمنة ثقافة وسياسة الهوية طوال ربع القرن ذاك.
جدير بالتنويه أن المجتمع لم يتمثل ذاتا إلا لمثقفين من أصول ماركسية أو قومية عربية، بعضهم بذل ولاؤه لتلك الذات وبعضهم أنكرها وانسلخ عنها دون أن يشكك في التمثل ذاته. أما الإسلاميون، فقد مثلوا لأنفسهم رجال الساعة العمليون، وفي طور صعودهم هذا، رأوا المجتمع كما كان الماركسيون رأوه في مرحلة صعودهم السابقة: صفحة بيضاء ("الطبقات.." كتبت على الصفحة، ولم "تكتشف" فيها). المبدأ الفاعل أو "القلم" الذي يخط على الصفحة البيضاء المصير المقدّر هو "الإسلام" في تأويله المودودي القطبي، أي كأساس عقيدي لنظرية الحاكمية. والعقيدة هذه متعالية على أي اجتهاد بشري، ولا تستمد شرعيتها من رضا الناس، المسلمين كما غيرهم، ما يذكر بصورة ما بقوانين التاريخ في المادية التاريخية السوفييتية التي لم تكن تستأذن "الجماهير" رأيا. وكما أسست الحاكمية المسندة إلى قوانين التاريخ الحتمية لشمولية موئسة خرجت منها روسيا والماركسية مدمّاتين، فإن من شأن عقيدة الحاكمية التي يتمحور حولها الفكر السياسي الإسلامي اليوم، أن تؤسس لشمولية مماثلة، ستخرج منها مجتمعاتنا والإسلام معا مُدمَّييْن.
وبينما بدت السياسة علما طبيعيا ("اشتراكية علمية")، والسياسي مهندسا في المرحلة الأولى؛ فإن سياسة المرحلة الثانية أقرب ما تكون إلى علم نفس، أو سجلا لتقلبات شعور. وبينما بدا العرب مقبلون على التاريخ في الربع الثالث، شاع القول في الربع الأخير من القرن إن العرب بصدد الخروج من التاريخ، وألفت في ذلك مؤلفات. لكن لعل الأصح القول إننا كنا ننجرف في التاريخ أو نغرق فيه، وأن هاجس الهوية وعقيدة الخصوصية كانا تعويضا إيديولوجيا أجوف عن خضوع دولنا ومجتمعاتنا لأعم محركات التاريخ وأكثرها تجريد وخلودا: القوة وموازينها الخام، والثروة وما تثيره من أطماع وتكالب وجشع. الإسلام بالذات كان الثقل الذي يجرنا إلى القاع، لفرط استغراقه في رد الفعل.
في هذه المرحلة الثانية، ما بعد النصف الثاني من السبعينات حتى أواخر القرن، برز طرح المسألة السياسية، ولم تطرح المسألة الدينية. فـ"الإسلام هو الحل"، ما يعني أنه ليس ثمة مشكلة واقعية تستوجب صوغها في مسألة نظرية. كان (ولا يزال) ثمة من يعتقد أن الإسلام هو المشكلة. لكن هذا الموقف العقلي لا يصلح بدوره منطلقا للتفكير في الدين. يحتاج المرء وتحتاج الثقافة إلى درجة اقل من التورط العاطفي، السلبي أو الإيجابي، من أجل تفكير هادئ في المسألة الدينية.
في السنوات الأخيرة، اصطلاحيا منذ مطلع هذا القرن، تتلامح صورة للمجتمع كتعدد: تعدد ديني وإثني ومذهبي وجهوي.. يشعر المتابع اليوم أن زمن ثقافة الهوية وسياستها آخذ بالانقضاء، وأننا نتجه، بصعوبة وبطء وعبر حروب واحتلالات وصراعات أهلية، نحو مرحلة سياسية ثقافية جدية، أكثر احتفالا بتعدد مجتمعاتنا وتعقدها وعدم قابليتها للاختزال في سلطة أو هوية. يتبدى لنا أكثر وأكثر أن المجتمع ليس مادة خام أو صفحة نظيفة تدوّن عليها نخب عقيدية مصيرا مقررا سلفا في عقائدها. وهو كذلك ليس روحا وهوية. نميل اليوم بعقولنا وبرغباتنا إلى التفكير في مجتمعنا كمركب تفاعلات وعلاقات وعمليات متبدلة لا ترتد إلى مبدأ أول مهما كان، ولا يمكن تمثيلها في سلطة أو فكرة واحدة مهما تكن. يتمثل لنا أيضا متعدد الصفحات والثنايا والأرواح والأزمنة والذاكرات والأصول، والتعدديات ذاتها. العروبة طبقة تاريخية من طبقات هذا المركب، والإسلام روح من أرواحه. ولعل في تعدد الأرواح "رحمة": فكل ما له روح واحدة يموت دفعة واحدة ولا يتجدد.
وبعد أن كانت السياسية علما مضبوطا مرة، وسجلا لشعور منفعل ومتقلب مرة، يحتمل أن تكون علما اجتماعيا في هذه المرحلة.
أية سياسات وأية ثقافة ستتطور في هذا الزمن الجديد؟ من هم أبطاله ونماذجه؟ هذا مطوي عنا الآن في دفاتر الغيب. لكننا نخمن أن النقاش حول الدين والتفكير فيه سينال أوسع الاهتمام خلال العقدين القادمين. بوادر ذلك وفيرة منذ الآن.
قد يبدو هذا التحقيب التاريخي هندسيا ومتعسفا. إنه اصطلاح فحسب، وغرضه عملي أولاً: إدراج حاضرنا الذي لا يطاق في "مخطط تاريخي"، يضفي عليه طابعا مرحليا، ونسبيا، ما يساعد على احتماله.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...