يسري حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحالف الإخوان المسلمون مع نواب الحزب الوطني الحاكم داخل قاعة مجلس الشعب , يُعبر عن حقيقة اللقاء بين أعضاء الحزب الحاكم والتيار السياسي الديني , حيث لا خلاف حقيقي ولا تصادم , على الرغم من المواجهات الشكلية التي تحدث من حين لآخر والتعامل الأمني الحكومي مع نشاط الجماعة التي تسمى بالمحظورة , وهي في حقيقة الأمر تنشط ويتسع نفوذها بسبب اختيارات السلطة وانتشار الفساد وتدهور الأحوال العامة .
لقد تضامن رؤوس النظام مع الإخوان في جلسة فريدة تُعبر عن انحطاط المستوى في اللغة والخطاب والحوار . ومن العجائب أن الشخص الذي جرى استهدافه هو وزير ثقافة النظام ! . وكانت السلطة تدعي دائماً وقوفها مع التنوير وحريات المرأة وتحديث المجتمع , لكن مجمل ممارساتها تصب في تنمية الاصولية والانغلاق ودفع المجتمع المصري نحو التناحر وكراهية الآخر .
اظهرت جلسة مجلس الشعب أن التيار العام الحكومي والإخواني مع الانغلاق الكامل ورفض حرية التعبير وفرض الحجاب الفكري ومنع الحوار بكل أشكاله , حتى ولو جاء من الرجل الذي يشرف على وزارة تهتم بالفنون والآداب واصدار المجلات والكُتب وتُشرف على قاعات الموسيقى .
عبرت آراء فاروق حسني عن افكار مدنية قديمة , لم يعد المجتمع المصري يتقبلها نتيجة انتشار التدين الزائف , لذلك حدثت هذه الضجة المنظمة ضده بهدف ذبحه لردع كل فرض في المجتمع من القول أو الحديث . وكانت مصر القديمة تتمسك بالتسامح ومبادئ الحوار , وهي التي رحبت بمواقف د . طه حسين الجريئة , وشجعت علي عبد الرازق لنشر كتابه .
وكان العقل المدني المصري دائماً يتميز بالرحابة ومحاورة الأفكار والدخول معها في حوار ونقاش تحسمه الحجج والمنطق . وعندما تقرأ تصريحات نواب الشعب في هذه الجلسة الدالة تسمع الشتائم والاتهامات والتكفير , كأنهم أعضاء في جماعة شكري مصطفى التكفيرية ولا يمثلون الأمة في مجلس نيابي حر يُعبر عن الرأي والرأي الآخر .
هذه الشريحة التي دخلت مجلس الشعب الافراز الحقيقي لسنوات طويلة من حصار الثقافة وقهر المثقفين وعزلهم وسجنهم واعتقالهم وتعذيبهم . وعندما تكون دولة هكذا سياساتها , فلابد في النهاية من وجود مجلس يتحدث بلغة التهديد والتكفير والادانة .
هذا التيار برز نتيجة خنق الحياة الحزبية المصرية وسياسة معاداة ثقافة التنوير وحصارها . ويكفي أن كمال الشاذلي ظل لسنوات طويلة هو نجم الحياة البرلمانية بفكره الريفي ومعاداته الواضحة لأصول التقدم والتحديث . وفي هذه الجلسة كشف أكثر عن فكره المحافظ والمتخلف , والذي يتمسح بالدين فقط , دون النفاذ إلى جوهره العادل في رفض الفساد والنفاق ودعم سلطة الاستبداد .
إن المجتمع المصري نتيجة قمع السلطات له انزلق إلى هذه الحالة التي جعلت رئيس مجلس الشعب د . أحمد فتحي سرور يهاجم المثقفين بهذه الضراوة والشناعة ويُطلق النار عليهم وينفي حضورهم في المجتمع وتشكيلهم مكانة تدافع عن العقل والتنوير وحرية الرأي والسماح للآخرين بالتعبير عن مواقفهم .
لقد ساعدت الحكومة خلال ربع قرن على نمو فكر الإخوان المسلمين ونفوذهم وفرضهم الحجاب الفكري على المجتمع ومنعه من تطبيق التعددية والحرية والاعتراف بالآخر . وقد تظاهر الإخوان بثقة شديدة داخل مجلس الشعب وانضم إليهم أعضاء الحزب الوطني بالكامل , ودبجوا البيانات التي تكشف عن عمق تحالفهم وارتباطاتهم ووقوفهم على أرضية مشتركة .
وكان هذا التيار سيطر على مصر مع صعود السادات للسلطة واحتكاره لها في مايو عام 1971 . ولعلنا نتذكر خُطب محمود أبو وافية في مغازلة الفكر السلفي ونعته الرئيس بصفة المؤمن , وغلق المجلات الفكرية والثقافية ومحاربة المثقفين وطردهم خارج البلاد .
سيطر أنصار التيار الحكومي مع الإخوان معتمداً على سياسة أمنية واضحة في مطاردة أهل الفكر وأنصار العقل ومحاصرتهم , ولعلنا نذكر معركة د . زكي نجيب محمود مع الشيخ متولي الشعراوي , حيث أيدت الدولة والتيار الديني كله الشعراوي ضد المفكر العقلاني والليبرالي المعروف , وكان هذا الموقف فصل الختام في حصار العقل لصالح السلفيين وأنصارهم داخل الحكومة ومؤسسات الدولة .
وقد فتح الإعلام أبوابه بالكامل أمام أعداء الحريات وأنصار القمع والنفاق والفساد السياسي بكل أشكاله وتحالف المال مع السلطة .
إن من حق فاروق حسني التحدث وطرح رأيه في قضية ليس عليها اجماع حتى داخل علماء الدين أنفسهم . وليس من حق أعضاء مجلس الشعب وكتلة الإخوان الرد عليه بهذه القسوة والضراوة , لأن ذلك همجية في التعامل مع الآراء والحوار معها . ومصر في بدايات القرن الماضي كانت أكثر حرية في التعامل مع أفكار متنوعة , منها ما عارض الدين صراحة , ولم يتم فرض الحصار عليه أو عزله أو المطالبة برجمه . والحضارة الإسلامية عرفت الحوار في مراحل مختلفة وشهدت الصراع الفكري بين المعتزلة والأشاعرة وأهل الظاهر والباطن وغيرهم من الفِرق الكلامية التي كانت تتحرك بحرية ومن دون اتهامات بالخروج على شرع الدين .
وما جرى لاعلاقة له بالعقيدة , وإنما بالسياسة وانتهاز جماعة الإخوان ساحة مجلس الشعب واستعراض قوتها وتحالفها مع أعضاء الحزب الحاكم في إرهاب المفكرين والمثقفين بما فيهم الوزير الذي يقف على رأس وزارة الثقافة المصرية .
ولو كنت من فاروق حسني لإستقلت من حكومة رفضت حمايته وتآمرت عليه وتركت أعضاء الحزب الوطني يشتمونه ويسخرون منه ويتهمونه بالكفر ويحرضون الشعب ضده . حكومة بهذه المعايير لا يصح أن يكون في داخلها شخص يتولى وزارة الثقافة لأنها بصراحة تكره الثقافة والمثقفين وتتحالف مع أدعياء الدين .
ومنذ سنوات وقفت الحكومة بقوة مع الوزير عندما حدثت أزمة رواية وكان النظام آنذاك قوياً ولم يضعف بسبب قضية التوريث , ولم يكن بحاجة إلى مساندة الإخوان , أما الأن فإن السلطة تحتاجهم وتُضحي بوزير ثقافتها بهذا الشكل المهين حيث جعلته يواجه المعركة بمفرده وتركت رموز الحكم تهاجم فاروق حسني بقسوة وعنف وابتزاز , كما فعل كمال الشاذلي , الذي يرأس المجالس القومية المتخصصة ! .
لقد عاد الصراع والتحالف ليعيد الدولة المصرية إلى حضن التيار الديني , حيث تركت له الساحة ليترعرع وينمو في حرية وداخل النقابات المهنية وفي الجامعات ونقابات العمال .
إن التوازن المصري وحريات التعبير تكشف عن تحالف خطِر قد ينتهي بفرض المزيد من القيود لصالح الانغلاق والإرهاب ومنظماته وقواه التي تعمل لمصادرة الرأي والحريات , وكل ذلك تحت شعار الدين ومساندة الفسادة واستمرار معاناة الشعب .
إن التراجع لمسيرة الشعب المصري مع حكم السادات , أعطت القوى الريفية السيطرة على الحياة المدنية المصرية . وكان الرئيس المؤمن يرتدي الجلباب ويتحدث في أمور الدين , بينما كان يعتقل المثقفين والطلاب ويتصالح مع إسرائيل ويقيم علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ويبيع القطاع العام ويُفرط في مكاسب المواطنين . وكان مناصروه من جماعة الإخوان المسلمون في فترة المصالحة بينهما . وقد أزاح السادات جميع القوى السياسية وترك الإخوان بمفردهم في الساحة يفرضون أفكارهم وتفسيرهم الخاص بالدين وينفذون إلى الصحافة الحكومية ويسيطرون على كافة المنابر الوطنية المختلفة .
ووجود النشاط الثقافي الذي تدعمه الدولة برئاسة فاروق حسني , هو النغمة الشاذة في بناء يتجه بكل قوته نحو سلفية مغرقة في انغلاقها مع مظاهر تفسخ وانحلال وفساد ونهب المال العام .
إن المعادلة الحالية مخيفة في ظل ضعف المجتمع المدني الذي جرى خنقه منذ أيام السادات ومن قبلها , عندما اختفت الأحزاب وتم اعتقال القوى الديمقراطية , فكان البديل هو ظهور هذا التيار الريفي الذي يغطي عقل مصر ويفرض الإرهاب والظلام بحجة الدفاع عن الدين . والقيم الدينية لا يمكنها خنق الحوار , والقوى التي تتخفى وراء هذا الستار هدفها الوحيد دفع المجتمع إلى الضعف والانهيار والاشتباك مع نفسه والسقوط في هوة الضياع والقتال مع الآخر
#يسري_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟