|
قوة الحقيقة و العقل عند فريديرك نيتشه ..
حمزة بلحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7883 - 2024 / 2 / 10 - 00:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جاء منذ سنوات في منشور صاحبة صفحة على الإفتراضي جزائرية وطالبة دكتوراه تعكس حال الفلسفة في الجامعة الجزائرية إن لم اقل العربية و الإسلامية ما يلي :
تقاس قوة العقل بقدرته على تحمل الحقيقة !
فردريك نيتشه .
فكانت إشاراتي في تعليقي كما يلي :
العقل كأداة و الية اشتغال تتعلق بشق إجرائي تقني و ميكانيكي بل حتى برمج-عصبي لا تنفصل وظيفته عن العقل كمحتوى (و هو التقسيم الذي اعتمده الجابري في اعماله و مشروعه " نقد العقل" توظيفا لتقسيمات لالاند في معجمه و قاموسه )..
و هنا وجب استحضار كلام "لالاند " العقل المكون بكسر الواو مع الشدة و العقل المكون بفتح الواو مع الشدة ...
فالأول يتعلق بالمحتوى أي العقل كسبا و تثاقفا و معرفة و تحصيلا اي في جزء منه " العقل العالم " و العقل المرتبط بالكسب الاجتماعي لتتحدد طبيعة العقل بالنسبة لقوته..
ليس فحسب تحمل الحقيقة بل تمثلها و مناقضتها عندما تتأسس على بنيان مهترئ و مضطرب و أسس عقلية في ظاهرها و غير سليمة في جوهرها... و لا أحسب نيتشه أخذ بالحسبان موضوع الحقيقة و إلتباساتها و تشوهاتها بعد تناولها من جهة النوع اي انواع الحقائق و أيضا الحقيقة وعلاقتها بالواقع وهل الحقائق قارة و ثابتة أم متحركة ومتغيرة و كيف و لماذا .. .
هل العقل الذي يعنيه نيتشه عقل مادي عدمي أم عقل مثالي هيجلي طبعا و هو بنفيه المطلق لا يؤمن بالعقل اللاهوتي...
لا تنفصل الحقائق تمثلا و تجريدا عقليا و نظريا و مفهوميا و حتى واقعا عن وظيفة و بنية العقل و عن الإبيستيمي-المناخ و النظام المعرفي الذي تأسس فيه العقل و نهل منه ومنحه أي تفاعل معه ...
إن الذين يعتبرون نيتشه قلب طاولة القيم و قلب النسق وقطع مع النظم المعرفية السابقة و منح للفلسفة مهمة اخرى للأسف هم جلهم في عالمنا العربي الإسلامي خاصة و العالم الغربي أيضا ببغاوات النقل و الإنتحال و الإنتظام في القطيع و السرب لا أجدهم اكثر من أنهم أساؤوا فهم نيتشه في سياق سيرورة و بنية المنظومة المعرفية و الفلسفية الغربية و نسقها...
إنه لا يمثل قطيعة مع النظام الذي انقلب عليه ظاهرا و قد ارتبط به " حقيقة " و " واقعا" من حيث بناء مفاهيمه و قاموسه الإصطلاحي و جهازه المفهومي على أنقاضه...
إنهم فئة غالبة منتظمة تكرر المتن الغربي للفلسفة بلا إضافة و تحليل و نقد لأن كسبها محدود و تسكنها لغة التمجيد و الإنبهار و لا تمارس فعل التفلسف بل فعل التلخيص و الإقتباس و شبه " الشرح " المنتظم و لا تعجب أن ينتطم معهم سرب من الذين يتحدثون عن الأصالة و الفلسفة العربية الإسلامية أذناب من الباحثين عن موقع في الفضاء العام خوفا من الإقصاء و إغضاب دجالي الفلسفة و المزيفين من أصحاب منابر التفلسف الحصري و شيوخ صكوك الغفران للفلسفة في عالمنا العربي الاسلامي...
إنهم الوجلون الخوافون من الاخر و بضاعته بسبب بضاعتهم المزجاة البائسة و عقلهم المدمر و نزوعهم الى الإنخراط في التيار العام و كسب مرضاته...
يمجدون و يقدسون القراءات الغربية الشائعة لنيتشه و ما أقل الناقد فيهم و بينهم و في الغرب المتفلسف نقدا جذريا للفهم الشائع و الطاغي طغيانا بنسقه المهيمن والقالب لمفاهيم النص النيتشوي و الفهوم الغالبة ليقف على كساد بضاعته و هشاشة مرتكزاته و إنتظاماته الوديعة القابضة على نصف و ربع الحقيقة بدل قلبه و تفكيك ما يسمى قطائعه ...
أو بلغة أخرى إن معارضة التيار العام لفهم النص النيتشوي او نصوص غيره من المنجز الغربي مكلفة و باهظة الكلفة و مربكة باعتبارها أولا تجعل ما تعود " جمهور " القراء و المشتغلين على نصه من متون مختلفة و كثيرة حفظا و ترديدا متهافتة و متساقطة أمام كل نزعة منهجية تقطع مع سطوة و طغيان و استلاب النسق الفهمي السائد...
اي أنهم اتخذوا نيتشه " قدس الأقداس " و منجزه " ثورة الثورات " مرجعا على أساس نقضه للمفاهيم الحداثية الفلسفية و قيمها الناظمة فقام بقلبها كما يقولون وعلى أنقاضها مع التحفظ قام نيتشه كما يزعمون بتأسيس أدوات ان كانت له أدوات حقا فتحت غطاء الكتابة الشذرية و اللانسقية ضلل نيتشه قراء الغرب و الشرق من الحدثاويين و الاسلامويين مع تحفظي على هذه النعوت التي دعت اليها الضرورة ...
كما يطرح موضوع تحديد المفهوم ما العقل عند نيتشه هل هو كل العقل و اللوغوس الغربي و المادي بكل طيفه بما فيه العقل الكانطي مثلا و الديكارتي الشكي و الهيجلي ..الخ كما سبقت إشارتي ...
إنهم تركوا نصوص نيتشه و منجزه و اشتغلوا بنيتشه الصنم و نيتشه حقيقة الحقائق و قوة القوة و عدم العدميات ..
اشتغلوا بالعجل فعبدوه و اشرئبت أعناقهم لا ترى في الأعلى سوى العجل أو نيتشه الإله بدل الإله الذي قتله نيتشه...
و دعك من القراءات التبريرية و مزاعم البعض التي تصف لك نيتشه خطأ بأنه غير عدمي و لم يفهمه " بسطاء التفلسف و الغرباء عليه " بأنه كان يعني بالدين المسيحية الزائغة و انه لا يعني موت الإله إلا في ذلك السياق و لا يستطيع مناقشة أطاريحه إلا فلتات مثله و أنه فلتة فلسفية بل منهم من ألبسه " قبعة إسلامية " و جعل من ذكره من طرف مالك بن نبي ما يؤكد انه صاحب نزوع تبجيلي للإسلام...
و أنه لم ينتظم بل قطع قطائع فلسفية و هي في منطلقها كانت فللولوجية العمق لغوية الأساس و في جذورها انتظامات " أبيقورية " و بعدها " شوبنهاورية " تتحرك في فضاء الموروث نفسه يغذيها بعض الجنون و الفصام النيتشوي لتصفها صفا و ترتبها العقول المقلدة المستقبلة و المنبهرة و الملتهمة و المستلبة كأنها الفرادة و العبقرية إنبهارا لا حفرا و فهما و تأويلا و أيضا فهما سياقيا...
إنها السلفية و الماضوية و التقليدية الغربية الحداثية و الما بعد حداثية التي تتمنع على السؤال الفلسفي النقدي العربي الغائب فاكتفوا بترديد متنها و اتخاذها عجلا و صاحبها صاحب العجل ...
نيتشه ينادي بأفول الأصنام و هم يبدعون في تقديسها و عبادتها...
" رحم الله نيتشه " و رحم الله التفلسف العميق المتحرر من هيمنات الأنساق و ثقلها و من الإنبهارات الفجة في عالمنا العربي الإسلامي و لا نستثني الغرب ...
#حمزة_بلحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نادي الترقي بالجزائر العاصمة: النشأة، النشاط، الدور في تأكيد
...
-
في تيار الإستئصال والكل أمني وتربوي وثقافي في الجزائر
-
العراق الأزمة البنيوية المعقدة وسبيل الخروج..محمد اليعقوبي أ
...
-
العراق الأزمة البنيوية المعقدة و سبيل الخروج..محمد اليعقوبي
...
-
العلاقات الجزائرية السورية في سياق التشكلات الجيوسياسية الجد
...
-
المدرسة الجزائرية إختلالات بنيوية ولا خلاص في القريب - الجزء
...
-
الشيخ محمد اليعقوبي ..الأعلمية و الإجتهاد و ملاحظات الأستاذ
...
-
إنكشفت عوراتكم فاستروها..دعوا قواعدةاللغة و شأنها
-
الشيخ محمد اليعقوبي ..الأعلمية و الإجتهاد و ملاحظات الأستاذ
...
-
في غفوة نوم الرئيس جو بايدن مع رئيس وزراء الإحتلال
-
كورونا و الناس..الدرس الأخلاقي الضائع
-
الفكرة مجردة و الفكرة فعلا..
-
تلازم الشعر و الفلسفة .. حصان طروادة للبعض
-
في صعلكة العلم و محاولة البعض جعله حاشاكم - طرشونة - أي خرقة
...
-
في حب الناس شعارا..مشكلات النخب القديرة مع اصحاب المال
-
الشيخ محمد اليعقوبي ..توطئة منهجية لمشروعه النهضوي
-
كلمة مقتضبة في تيار الإستئصال و الكل أمني في الجزائر
-
مسوق الأفكار ليس كمنتجها ..
-
هل نحن أمام إسلام تنويري مسقف من نتاج المخابر
-
مانفستو الاقلاع التربوي المجهض في الجزائر
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|