|
ادارة التعقيد والدولة القوية
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7875 - 2024 / 2 / 2 - 22:48
المحور:
المجتمع المدني
تمثل ادارة التعقيد complexity management في البلدان القوية ( غير الهشة ) المجال المعرفي الذي يدرس فاعلية الادراك الانساني لبلوغ نتائج مستقرة ومستدامة بغية الحصول على حالة التحسن المرغوبة او المستهدفة و بالمستويين الجزئي والكلي, ويتحقق ذلك في نطاق توافر نظام مناسب وهيكل تنظيمي متسق يسعى الى بلوغ اهداف محددة بشكل ايجابي على الامد البعيد. وكالعادة طالعنا المفكر السياسي ابراهيم العبادي في مقاله الاسبوعي الذي اخذ عنوانا لاهباً مفاده: ادارة التعقيد في العراق..!!. حيث يرى العبادي انه ((…بسبب قلة الخبرة وضعف التكوين المعرفي يميل البعض الى تناسي المخاطر والتهديدات المحيطة بالعراق ،ويجنح نحو تبني سياسات راديكالية ظنا منهم ان هذه البرهة الزمنية مناسبة للاستثمار السياسي ،فيما يتروى اتجاه اخر من الفاعلين السياسيين ويدعو الى سياسات حذرة والتركيز على الاولويات الاقتصادية والخدمية لاخراج العراق من حالة الدولة الرخوة (المصطلح والمفهوم يعودان لعالم الاجتماع والخبير التنموي السويدي كارل غونار ميردال 1898-1989) ،هذا يتطلب تغيير نمط الانتاج الريعي واعادة بناء الاقتصاد وتوزيع الثروة ليكون ذلك مدخلا لمزيد من التنمية المجتمعية والسياسية لتحصين البلاد من الصدمات والاضطرابات والهزات الامنية والسياسية . لم يجر في العراق نقاش معمق بشأن السبيل الذي يمكن انتهاجه للخروج من حالة التخلف والاضطراب الدائم والنزعة الجدلية والعاطفة السياسية المشبوبة . اذ يندر ان تجد حزبا سياسيا او جماعة او فصيل توفر على قراءة مجدية بمنهج معرفي لتاريخ العراق السياسي والاقتصادي والاثر الكبير للتدخلات الخارجية ومانتج عنها من استقطابات داخلية اسهمت جميعها في اعاقة بناء الدولة ونموها واستقرارها ،ليكون حاصل هذه القراءة رؤية مدونة بافق علمي ومنهجي تقود الى التثقيف بسياسات عامة ضرورية تغادر ماعرف به العراقيون من انفعال سياسي دائم ومواقف حادة ومجازفات لاترى ابعد من تخوم اليوم الذي تعيش فيه )).
ومن جانبي فقد ارى ان هناك قدر من الانسجام مع اطروحة المفكر العبادي ،اذ ان تدني (ادارة التعقيد ) لابد من ان يلازم مفهوم (الدولة الهشة )ولاسيما عند انعدام تقبل الحقائق الجزئية المتوقعة وهبوط قدرة الاستعداد للمفاجآت،واللجوء الى التفكير (الخطي linear )كبديل عن التفكير الاستراتيجي (الشامل ). لذا تدخل ادارة التعقيد وعلى وفق انعدام الكيان المعرفي لادارة الازمات في حالة من الركود المستمر في محيط مضطرب يقود الى تنامي الدولة الهشة soft State كما أدركها عالم الاقتصاد كونار ميردال حقا في كتابه الدراما الاسيوية drama Asian ( التحقيق في ادارة الفقر) الصادر في العام 1968.
فالادارة المنقلبة للتعقيد والتي فقدت خواصها المعرفية في تاريخ العراق الحديث منذ العام 1968 يوم نشر ميردال كتابه الموسوم (الدراما الاسيوية )على اقل تقدير ،قد شكلت متلازمة تراكمية سالبة لنشوء الدولة الهشة في العراق التي تزامنت مع الاحداث في بلادنا وتفاقمت في سنة صدور الكتاب نفسه . وهكذا اصبحت اخفاقات ادارة التعقيد إرثا واقعاً في السلوك النفسي العام وهو ارث اعتادت علية البلاد في ادارة صراعات خطيرة بعيدة عن فكرة ادارة التعقيد التي تفاقمت منذ العام 1980 ولغاية 2003. اذ فقدت فيها متلازمة الدولة القوية أفضليات ادارة التعقيد،بحروب وصراعات، آلت الى القبول والتكيف للحصارات الدولية والعزلة عن العالم والخوف والترقب من الانفتاح على المحيط الخارجي ، مما ولدت وعياً سالباً اشبه ما ( بالأفيون ) لاستمرار فقدان ادارة التعقيد وقبول التعاطي مع المسارات الخطية ومدركاتها المجتزئة كحالة من الادمان والترقب نحوٍ اللاشي من مجاهيل لا يمكن ادراكها الا في ازمنة غير منظورة . وفي اجمالياته ولد سلوكاً انسانياً افقد الحياة الاقتصادية والاجتماعية و السياسية لوازم ادارة التعقيد نفسه ، رافق ذلك فقدان القدرة (البانورامية الشاملة )على مواجهة الظروف الصعبة و تعقيداتها في شتى وظائف الحياة اليومية . اذ صار تفضيل التعثر في ذلك المسار الخطي جزءاً من الحياة الطبيعية اليومية التي يغلب عليها طابع قبول الانعزال والعزلة عن الآخرين وعن العالم واستدامة حالة الخوف من المجهول نفسه .
ولكي نجري تقيما لعقد الدولة الاجتماعي في بلادنا بعد العام 2003,فلابد من ان يكون لكونار ميردال حضورا في موضوع الدولة الهشة soft state .اذ يشخص ميردال حالة امم اسيا بعد الاستقلال قائلاً : ان العامل الرئيس المسبب للدولة الهشة او اللينة ان جاز التعبير ،هو ما قامت به القوى الاستعمارية من تدمير للعديد من المراكز التقليدية للسلطة والنفوذ المحلي والفشل في إيجاد بدائل قابلة للتطبيق. واقترن بهذا تطور موقف عصيان ازاء اي سلطة مركزية من اجل ارساء السياسة الوطنية ، واستمر هذا الموقف بعد الاستقلال كنمط تمردي . ويُنظر إلى مثل هذه (الدول الهشة) عندما يقول ميردال على أنها من غير المرجح أن تكون قادرة على فرض سياسات التنمية الصحيحة ولن تكون على استعداد للعمل ضد الفساد في جميع المستويات. وأخيراً ، آن الاوان لبناء مستقبل بلادنا وادارة المصاعب بدلا من ادارة الصراعات على مسار خطي ،ومغادرة اخفاقات الدولة الهشة التي صاحبت فقدان ادارة تلك المصاعب بمنظور معرفي مستقر و شامل، وكذلك مغادرة سلوك ادارة الصراعات في كل صغيرة وكبيرة كبديل لقوة المعرفة في مواجهة التحديات التي عانت منها البلاد على مدار اكثر من نصف قرن ، وترك حالة التطبع نحو ادارة الصراعات اي (ادارة بلا مصاعب )خالية الاهداف تتبنى سلوك السبات بشكل خطي في محيط ادمن على التفكك والحصارات والحروب ، وهو امر لم تجني منه البلاد الا موروث تراكمي من (الدولة الهشة) التي تسعى وراء تحصيل الريع وفقدان التنمية المستدامة . ختاماً ،ان اصلاح (ادارة المصاعب )هو بلاشك اولوية اولى لتوفير متلازمة( الدولة القوية ) بعقل معرفي واسع يغادر عُقد الماضي القاتم الذي حول (ادارة المصاعب complexity management ) الى ادارة صراعات عقيمة conflicts management خالية من اهداف ليبقى عنوانها المستقبل ...
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متلازمة الاغتراب الديمقراطي والعقد الاجتماعي الموازي.
-
عقلية الضحية :بين الماضوية والقطيعة.
-
عقلية الضحية: أم دراما الامبريالية ؟
-
حوار فكري في ثقافة المشاركة السياسية
-
غزة و ثلاثية الابادة الجماعية
-
الثقافة السياسية الاغترابية : حوارات في العقل المشرقي.
-
الصندوق الديمقراطي: بين ثقافة الغنيمة وثقافة الاغتراب.
-
الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية
-
الحسابات الختامية للتوحش الامبريالي : غزة إنموذجاً
-
غزة والتاريخ الراسمالي للعنف.
-
حرب غزة : هنتغتون والامبريالية Huntington and imperialism
-
العراق والمسالة الفلسطينية: اغتراب التطبيع و حفر الدم
-
عنف اللادولة:غزة و الميكافيلية الجديدة.
-
المسألة الفلسطينية: المعادلة الايديولوجية .
-
الرأسمالية المركزية الموازية :بين الوجود والانصهار
-
المعادلة السياسية المشرقية في القرن العشرين : الحزب- الدكت
...
-
الاحزاب المشرقية من داخل وخارج مصفوفة نضالاتها السرية .
-
الاقطاع السياسي الموازي : تراجع الدولة- الامة.
-
انشطار الوعي على جدران العقد الاجتماعي.
-
الإِستِبدَال الثنائي السالب : بين العالم المركزي ومحيطه.
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|