CNN قناة الجزيرة و

سمير عادل

الحوار المتمدن-العدد: 47 - 2002 / 1 / 27 - 08:42
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

"التحكم بالفكر صناعة مزدهرة في أمريكا" مقولة ناعوم تشومسكي أحد الكتاب اليساريين البارزين في الولايات المتحدة الأمريكية .لا يحتاج المرء إلى الكثير من العناء لكي يصل إلى صحة المقولة أعلاه .فيمكن لأي شخص متابعة CNN كي يتعرف كيف إن هذه القناة تتحكم بعقول الملايين من البشر في أمريكا . ففي الأيام الاولى بل وحتى الساعات الاولى من كارثة 11 أيلول في نيويورك وواشنطن كانت تبث هذه القناة السموم العنصرية ضد الجالية العربية والشرق الأوسطية . فنستطيع أن نقول وبكل بساطة إن هذه القناة كانت إحدى الأطراف المسؤولة في تحريض ارتكاب الممارسات والتصرفات العنصرية. فعندما تجري هذه القناة لقاء مع أحد المحللين الاستراتيجيين للقناة ويدلي بتصريح بأن أسامة بن لادن هو "الأب الروحي للمسلمين " ماذا سيكون رد فعل الإنسان العادي في أمريكا ؟! .
عملية قلب الحقائق وتشويهها هي إحدى الحرف المهمة في صنع السياسة الإعلامية في أمريكا . فبين ليلة وضحاها اصبح صدام حسين هو المسؤول عما سيحدث للعراقيين في المستقبل وان الجرائم التي ترتكبها الحكومات الإسرائيلية هي سببها عنف الفلسطينيين وعدم مدنيتهم .أمريكا دولة الإرهاب،صاحبة جرائم ناغزا كي وهيروشيما ومسؤولة عن عمليات التنكيل في نيكاراغوا والسلفادور وبنما وقائدة المجازر في العراق يوغسلافيا ..الخ وإسرائيل إحدى أشقيائها في الشرق الاوسط فلا غبار عليها في CNN.
فأمريكا في حربها الجديدة ضد الارهاب تحتاج إلى ابعد من المجتمع الأمريكي .إنها تحتاج إلى تعبئة المجتمع البشري. وهنا الإعلام الأمريكي يدخل في حلبة المنافسة السياسية للقنوات الأخبارية والفضائيات الأخرى التي هي معادية للسياسات الأمريكية .
لأول مرة تظهر وسائل إعلام منافسة لصناعة الإعلام الأمريكية بهذه الإمكانيات .أنها قناة الجزيرة القطرية التي تتناول مواضيع وأفكار معادية للولايات المتحدة الأمريكية كما تدعي أمريكا . بالأمس كانت CNN وهوليود وكبريات الدوريات والصحف الأمريكية تتحكم بعقول ملايين من البشر في العالم أما اليوم فأن ميزان القوى التي قلبتها تطور الفضائيات لغير صالحها . وهذا يفسر سر ضغط الحكومة الأمريكية على الحكومة القطرية للحد من تجاوزات قناة الجزيرة وهي تبث تصريحات وفتاوى بن لادن وعصابته.ويفسر أيضا طلب بوش أو موافقة بوش بأجراء مقابلة مع نفس القناة .
يختلف النجاح الإعلامي الذي حققته قناة الجزيرة في العالم العربي عن النجاح الإعلامي خلال الحرب الأمريكية ضد طالبان .إن غياب هامش الحرية وحق التعبير عن الرأي في العالم العربي وعدم مس الخطوط الحمراء في السياسة والدين والتجاوز على هيبة الأنظمة الحاكمة القومية العربية وراء النجاح الإعلامي الذي حققته قناة الجزيرة . أن هذه القناة وبالرغم من إنها لم تمس ولو قيد شعر أمير قطر وحاشيته ودولته التي وراء تلك القناة إلا إنها نجحت في انتهاك الخطوط التي ذكرتها . فإحدى المميزات الرئيسية للمجتمع العربي هي وجود القهر الاجتماعي والسياسي.. الرأي الآخر،الرأي المخالف يكاد يكون معدوما في مجتمع لا يستغني عن الدين والسجون والمعتقلات وإلغاء الآخر. لقد استطاعت الجزيرة بدون منازع أن تكون المتنفس للإنسان في هذا المجتمع. لقد كان هذا هو الفارق الأساسي بين الجزيرة كقناة تحرض الآخرين عن الاجهار بآرائهم والتفكير بصوت عال وبين CNN التي تحاول أن تمرر السياسة اللاإنسانية دولة أمريكا وحكومتها على الشعب الأمريكي. ولعبت الإمكانيات المادية للقناتين في تزعم مركز الصدارة على الصعيد العالمي . وطبعا أن الربحية والمنافسة التجارية هما الغاية حيث تضاف إلى السياسة التي يبغي الميدان الإعلامي أن يروجها .
وعندما يكون عامل الربحية والمنافسة التجارية التي وصلت ذروتها بعد الحملة الأمريكية على طالبان بين قناة الجزيرة والقنوات الأخبارية الأخرى هما الغاية كما ذكرنا ،فعندها يسقط المنطق الأخلاقي والإنساني.وهذا يفسر بعدم مبالاة قناة الجزيرة وراء بث فتاوى بن لادن وايمن الظواهري وابوغيث . أن تحريض هؤلاء العصابة على قتل الناس الأبرياء وتحت حجج سخيفة هي محاربة أمريكا الكافرة وعبر قناة الجزيرة التي يلتقطها ويشاهدها الملايين من الناس في أنحاء العالم وبث الرعب في صفوف البشر الأبرياء في الغرب وجزء من تصعيد السياسة العنصرية ضد العرب والذين يعتنقون الإسلام ،يصنف هذا الإعلام ضمن دائرة تنظيم دعاية منظمة في التحريض على القتل والإخلال بأمن الناس لا في خانة النجاح الإعلامي (العربي) . وتلتقي هنا قناة الجزيرة مع CNN في معاداتها للبشر.ويمكن أن يتوهم الإنسان العادي برد وزير الإعلام القطري حول ضغط الحكومة الأمريكية للحد من تطاول الجزيرة بأنها مسالة ديمقراطية.لكن لا الحكومة القطرية صادقة في مزاعمها ولا الحكومة الأمريكية التي بدأت ترتعب وتكترث لكراهية الناس في الشرق الأوسط والعالم لسياستها العدوانية والعنصرية والبربرية ومن اجل الربح والمال يصبح الإنسان في هذا العالم المقلوب دائما الضحية الأصلية في المعادلات السياسية والإعلامية.

#سمير_عادل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات