أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل الامين - ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر















المزيد.....

ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1747 - 2006 / 11 / 27 - 07:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


المتنبي نموذج الشاعر والمفكر والحكيم (( كما قيل قديماً الذي أحس بأزمة روح التاريخ في عصره ونقل هذه الأزمة إلي إطار الجمال.. إذا كان المتنبي لا يزال سجيناً بين جدران الأدب، فذلك لقصور مناهج البحث الأدبي والدراسات العربية والتي لا ترى في الشعر أكثر من الوزن والقافية والجلاوة والطلاوة والرونق وكثرة الماء وحسن الديباجة))
ولأن علم الاجتماع الأدبي الذي يتناول صلة التعبير الفني بالشخصية، بالبيئة الاجتماعية، بالمزاج الحضاري السائد لا يزال مستبعداً في حقل الأدب العربي سيما فيما يتعلق بالذات.
فالمتنبي الذي مل الدنيا وشغل الناس بالوزن والقافية والجلاوة والطلاوة و ......، هو نفس الشاعر الذي أقتدر على تحويل الفكرة إلى شعور متدفق وتحويل الشعور مرة أخري إلي فكرة فلسفية متكاملة تتخطئ صورية المنطق الشعري عند ~أبي تمام والشعراء الآخرين إلى جدل سنجد لحمته من تجربته الذاتية كشاهد على عصره المتقلب والمتلون والممزق.
************
أذابت الحضارة العربية الإسلامية كل خبرات الإنسان السابقة السامي والمصري والفارسي واليوناني والروماني ف ي خلق جديد مبتكر ، فتحت أمام العقل البشري نوافذ جديدة للإطلال، أدخلت الحضارة الإسلامية فكرة لم يطرقها الفكر الفلسفي من قبل عبر عنها المعتزلة، بأن التاريخ من صنع الإرادة البشرية، والإنسان خالق لأفعاله – الحرية الإنسانية لا تضاد المشيئة الإلهية، وأن العقل البشري عن طريق الفعل الحسي لقادر على تمييز الحق من الباطل، الخير من الشر، القبيح في ذاته الحسن في ذاته ( ) جاهد عقل الحضارة العربية الإسلامية في صورة مدرسة الحكمة الأبدية أن يجد حلولاً عقلانية للمعضلات العلمية التي تبدت في صورة التحدي الحضاري- صراع القوميات داخل الإسلام والعروبة، فطرحت مدرسة الحكمة الأبدية أن العقل الإنساني في كل الشعوب والحضارات ذو طبيعة مشتركة ، وهو في ذات الوقت في تقدم مستمر( ) ما يميز المتنبي عن زعانف الشعراء الآخرين هو الإحساس المتفجر بتدهور عصره- لذلك فإن الداء الذي أصاب الحضارة الإسلامية قد أنتقل في صورة ألم شخصي للمتنبي- أما كيف تداخلت وترابطت مطامح المتنبي وإخفاقا ته الشخصية منع طموح الحضارة العربية وأزماتها فذلك أمر يتعلق بتلك اللحظة السيكولوجية التي تلاقت أو استجابت فيها نفسية المتنبي القلقة المتمزقة هي أيضاً من بعض الوجوه صياغة مركبة لمزاج العصر السائد.
************








قد بدأت الحضارة العربية تتساقط بفعل عوامل موضوعية منها :
عجز الحضارة أن تستجيب إزاء التحدي المتمثل في:
1- إِشاعة العدل الاجتماعي والمساواة بين القوميات التي دخلت في إطار اِلإسلام أن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
2- القضاء على التفاوت الفاحش في الثروات مما أدى إلى قيام الثورات ذات الطابع الطبقي كثورة الزنج والقرامطة( )
*************

وقفت الحضارة العربية في القرن الرابع الهجري في مفترق الطريق المنحني تحمل من جانب كل قدرات النهوض والإقلاع، وقد كان المجرى معداً، إذ فتح العصر العباسي الأول كل أبواب الأمل.... أمل التغلب على التحديات، ولما كان الإقلاع الحضاري ممكناً ومتوقعاً، فقد كان أمل الفرد العربي في النهوض طبيعياً وشرعياً، إلا أن الضرورة التي تكشفت في صورة المصادفة، فقد كانت بدلاً من أن تقلع الحضارة العربية فقد سقطت في مجراها، مما أدى بالعقلانية أن ترتد إلى التصوف، وتحول الثوار القرامطة الذين بشروا بنظام الألفة والعدل الاجتماعي إلي لصوص وقطاع طرق وبدلاً من أن يلغي ثوار البصرة الأرقاء بنظام الفنانة استرقوا أعدائهم( ). فتبدت اللحظة التاريخية وكأنها تنقض على نفسها وتنتكس على ذاتها، ويتحول الإقلاع في الزمان إلي انفجار في المكان، وفي حياة المجتمع المسلم اليومية، تحول الطموح إلى شراهة حسية بشعة لا نظير لهان وأنشق حب النفس الطبيعي إلى جبن خسيس أو تهور مطلق.

أرى كلنا يبغي الحياة لنفســـــه ***** حريصا عليها مستهان بها صبا
فحب الجبان النفس أورده البقا ***** وحب الشجاع النفس أورده الحربا

والبحث عن الوجود الإنساني قد تحول إما إلى فناء الذات وهلاكها أو إفناء ذوات الآخرين.

ومن عرف الأيام معرفتي بها ***** وبالناس روى رمحه غير راحم( )
فليس بمرحوم إذا ظــفروا به ***** ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

هذا الزلزال الحضاري المريع الذي أصاب البيئة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والروحية عبر عن نفسه في شعر المتنبي:

أذم إلي هذا الزمــان أهليه ***** فأعلمهم فــــدم واحزمهــم وغــــد
وأكرمهم كلب وأبصرهم عم ***** وأسهرهم فهد وأشجعـــهم قــــرد
ومن نكد الدنيا على الحــــر ***** أن يرى عدواً له ما من صداقته بد

أو:
ودهر ناسه ناس صغار ***** وإن كانت لهم جثث ضخام
أرانب غير أنهم ملـــوك ***** مفتحــــــــــة عيونهم نيام ( )
وحينما يتهاوى ويتساقط بناء الحضارة الكبيرة لا يبدو من الإنسان إلا ذلك الجانب الخاوي والمظلم والقاسي والشرير.

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ***** ذا عفة فلعله لا يظلم ( )

أو:

أما في هذه الدنيا كريـم ***** تزول به القلب عن الهموم
أما في هذه الدنيا مكان ***** يسر بأهله الجار المقيم
تشابهت البهائم والعبدى ***** علينا والموالي والصميم ( )
.................................................. .....................
إن عجز المتنبي الأبدي، ليس مرده قصور كامل في ذات المتنبي ولكن قصور قد خلع عليه من الخارج فكل سعى من قبل الذات يقابله ردع وهدم من قبل الموضوع المتمثل في الحضارة العربية.

فإن كانت ذات المتنبي تسعى للمساهمة في هذه الحضارة بالمشاركة في قيادتها فإن طبيعة السلطة لا تسمح إلا لذوي العصبية والشوكة القوية بالتقدم.

إن المتنبي يسعى كفرد للقيادة العربية في الدولة العربية، باعتبارها مبتدأ وغاية الأمل والدولة العربية هي أيضاً العصبية العربية، وتاريخها تاريخ العصبية، وإلقاء نظرة على أسماء الدويلات العربية الإسلامية تكفي للتدليل على مقام العصبية (الأمويون العباسيون، الحمدانيون البويهيون، الأخشيديون، السامانيون، الفاطميون، السلاجقة، العلويون، الطالبيون...بنو زياد، بنويعفر، القرامطة، بنو نجاح، الصليحيون...الخ.

والعصبية ليست الروح الجماعي وليست الفئة الاجتماعية الواحدة، ولكن المزيج المركب، من العشيرة والحلفاء والفئة ذات الشوكة.

والعصبية هي الصورة التي يتم بها النزوع البشري، هي أساس البناء والهدم في الحضارة العربية الإسلامية. ويرجع الفضل في كشف العصبية كعنصر حيوي فعال في تاريخ الحضارة العربية لابن خلدون يقول في فصل الأمصار التي تكون كراسي للملك تخرب بخراب الدولة ( والسبب الطبيعي الأول في ذلك على الجملة أن الدولة والملك والعمران بمثابة الصورة للمادة وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها.

..................................................
قد حاول المتنبي بادئ ذي بدء أن يتحايل علي العصبية فسلكت الطريق أمامه إلى القرامطة، لكنه قد فوجئ أيضاً بأن العصبية هي اللحمة والنسيج الذي يجمع القرامطة، فأرتد عنهم في هدوء وكان كناطح صخرة يوماً ليوهنها، حينما أستظل بسيف الدولة الحمداني مدفوعاً بكثرة الأمل، فلم يرد على أن يكون شاعر يقبل عليه أيام سعده، ويصد عنه في أيام شقائه، وتطلع إلى الإخشيدي وطلع منه ببلاء جديد هز الشعور بالذنب والإحساس بالاضطهاد، وكانت في كل نطحه يتكسر قرنه على صخرة العصبية. إن الإخفاقات التي تبدت وكأنها شخصية( ) ليست إلا الجوهر الموضوعي (العصبية) المتنكر في زي المصاعب والاحباطات الشخصية.
أما القشة التي قصمت آمال المتنبي ودفعته نهائياً إلى حافة اليأس فهي رؤيته ومراقبته لواقعة ذهاب العصبية والشوكة العربية وارتباط هذا الذهاب بالزلزال الهائل لأركان الحضارة العربية الإسلامية.

أما في هذه الدنيا كريـــــم ***** تزول به عن القلوب الهموم
أما في هذه الدنيا مكــــان ***** يسر بأهله الجار الـمـــــــقيم
تشابهت البهائم والعــبدى ***** علينا والموالي والصـــــميم
لا أدبي عندهم ولا حسب ***** لا عهود لهم ولا ذمــــــــــم
بكل أرض وطئتها أمـــم ***** ترعى بعبد كأنها غــــــــــنم( )
.................................................. ....................
يرتقي الإحساس بالسقوط و الإحباط والإخفاق إلى مدى يدفع فيه المتنبي أن يتجاوز في مأساته أسس الهموم والصغائر ويصعد إلى مراقي القلق الميتافيزيقي وإحساس بالعبث إذ ليس ثمة عزاء حقيقي أو أطايب في هذا الكون ما دام يعلم أنه يطالب زمانه العسير والمستحيل والمحال وحينما يصل المتنبي إلى هذا النمط يكون قد أدار معركته في ميدانها الحقيقي ومع خصمه الشرس وهو العصر الذي عاش فيه:

بما التعلل لا أهل ولا وطـــــن ***** ولا نديم ولا كاس ولا ســـــــكن
أريد من زمني ذا أن يبلغـــني ***** ما ليس يبلغه من نفسه الزمــــن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ***** ما دام يصحب فيه روحك البــدن
فما يديم سرور ما سررت بـه ***** ولا ير د عليه الفائت الحــــــزن
مما أضر بأهل العشق أنهــــم ***** هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفني عيونهم دمعاً وأنفسهــــم ***** في اثر كل قبيح وجهه حســـــن
كم قد قتلت وكم قدمت عندكم ***** ثم انتفضنا فزال القبر والكــــفن
قد كان شاهد دفني قبل قولهم ***** جماعة ثم مــــــاتوا قبل من دفنوا
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ***** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

المرجع :العقل والمجتمع د.عبدالسلام نورالدين



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديك دارالنعيم
- الجندى الثالث...كان طيبا
- حكاية جبرالله جابر
- ابوالعلاء المعري وثقافة المجتمع المدني
- من يقتل العراقيين؟؟(2-2)ا
- (1-2)اغتيال الوعي العربي ..العراق نموذجا
- الطاغية والحكيم
- اسرائيل في مخيلة النخبة العربية
- الطاعون
- الوعي...والتجريد
- عصام ...الخريج الذى فقد نفسه
- الانسان والابداع
- الحقيقة والجمال
- نظرية داروين واشكالية الحلقة المفقودة
- الطيب والشرير والقبيح
- اني جاعل في الارض خليفة
- قطار الشمال الآخير
- (3-3)النقل والعقل
- نسبية المعرفة(2-3)ا
- نظرية المعرفة(1-3)ا


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل الامين - ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر