|
أن نكون أو لا نكون
زهدي الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:13
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن صرح صدام حسين، لأكثر من مرة، بأن الجهة التي ستستلم الحكم بعده، إنما تستلم خرابا شاملا وأرضا محروقة. وها أن كلامه في طريقه إلى التحقق على أرض الواقع، إن لم نعتبره قد تحقق فعلا. وكانت الغالبية العظمى من المواطنين في حينه تخشى أن تقوم جهة ما بانقلاب ما، خوفا من أن يقوم صدام حسين بتفجير منشآت النفط والجسور والبناء التحتي للمدن، وبذلك تم ربط نهاية صدام، من حيث شئنا أم أبينا، بنهاية العراق، ناهيك عن أن هذه الغالبية العظمى كانت قد يئست من سقوط صدام حسين، الذي كان هو الآخر يعتقد اعتقادا جازما بشيئين: أولا: أن نظامه المحصن لن يسقط. ثانيا: إذا شاء القدر وسقط نظامه، فإنه لن ينجو من عقاب الشعب المباشر. أي أنه كان لا يتصور بأن محاكمته ستجري بالشكل الذي تمت به حتى الآن. ورغم اعتقاده برسوخ نظامه، كان قد وضع بعض الضوابط والأسس لتخريب العراق على أيدي من يفلتون من وجه العدالة من جماعته وكذلك بالاعتماد على بعض القوى الظلامية والمجرمين الذين أطلق سراحهم قبل سقوط نظامه بساعات. إن هذه القوى القومانية والشوفينية الفاشية التي تتاجر بالروح القومية الأصيلة والوحدة والاشتراكية والحرية، وتستعبد شعوبها، لا يهمها مصير الشعب والوطن، بقدر ما يهمها كرسي السلطة. وديدنها هو: إن مت ضمآنا فلا نزل القطر. هذا شانهم دائما في كل مكان وزمان. عندما أحس هتلر بأن نهايته الحتمية قد اقتربت، أمر بتحطيم وحرق كل شئ وراح يرسل الأطفال إلى الجبهة. وعندما حلت النهاية، أعلن أن الشعب الألماني لا يستحق الحياة. ثمة فارق واحد بين هتلر وصدام، هو أن الأول انتحر والثاني اختفى كأي جرذي في حفرة نتنة. بيد أنه مع موت هتلر توقفت عملية الخراب في ألمانيا ومع بقاء صدام على قيد الحياة، استمرت عملية الخراب في العراق. والمؤسف أن هذا الخراب المنظم الذي بدأت به بقايا النظام الاستبدادي التي استفادت من الأخطاء الجسيمة التي قامت بها سلطة الاحتلال الأمريكي، سار منذ نيسان 2003 ولم يزل بصورة تصاعدية مستمرة، متخذا جملة من التعقيدات المتداخلة والترهلات السرطانية والتداخلات المتشابكة. ومن حيث نريد أو لا نريد، فلابد أن تؤدي هذه المسيرة التصاعدية للخراب إلى نهاية ما. بيد أن لهذه النهاية، حدان فقط، لا ثالث لهما، هما: الوحدة العراقية المتكافئة الصلدة أو التمزق الشنيع فالانهيار التام. أي أن نكون أو لا نكون. لسنا في معرض البحث الدقيق عن الأسباب التي أدت إلى هذه المسيرة الدرامية المؤسفة التي سرقت حلم المواطن العراقي في حياة ديمقراطية مسالمة، ولكن لابد من الإشارة إليها، لغرض إيجاد الحلول الواقعية لها. 1- هدم كيان الدولة بكامله. 2- عدم الاستفادة من القوات المسلحة والشرطة والأمن التابعة للنظام السابق. 3- ضعف المعارضة العراقية وافتقارها إلى برنامج مرحلي واضح. 4- الاعتماد على قوات الاحتلال في استتباب الأمن. 5- عزل حزب البعث بكامله واعتباره العدو اللدود برفع شعار اجتثاث البعث، دون أخذ التناقض الموجود بين قواعد البعث وقيادة صدام الاستبدادية تجاه حزبه هو بنظر الاعتبار. إن تصفيات صدام لمعارضيه من داخل حزبه معروفة للجميع. 6- الاعتماد على المحاصصة الطائفية الدينية وجعلها نهجا رسميا وتأجيج العداء بين السنة والشيعة، الأمر الذي كان غريبا ليس منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921، بل قبل ذلك بقرون. 7- الفساد الاداري الشامل من القمة إلى القاعدة وبتشجيع من قوات الاحتلال. 8- الديمقراطية الإجمالية الارتجالية واللا واعية التي اتخذتها الروح الطائفية الدينية وميليشياتها سلما إلى السلطة من أجل الكسب المادي، وليس لبناء الوطن وخدمته. إن هذه العوامل كلها شكلت أرضا خصبة للصراع على السلطة على أرضية طائفية ضيقة، متسمة بالجهل وبعيدة عن الوعي الوطني والتفكير في المصالح الوطنية العليا وضمان الاستقرار فبناء الوطن وترسيخ وحدته، ضمن بلد بلا دولة وبلا أمن وبلا حدود خاضعة لسيطرة الدولة، الأمر الذي كانت تحلم به الدول الجارة، فجرت التدخلات منذ اللحظة الأولى تحت شعارات مختلفة: الحفاظ على القومية العربية المهددة في العراق، الحفاظ على الوجود السني وحقه المشروع وأسبقيته في الحكم، الوقوف إلى جانب شيعة العراق المظلومة منذ الأزل... الخ من الشعارات الجوفاء. ومن حيث شئنا أم أبينا، تحول العراق إلى ساحة لملعب مصالح، ليس الدول العظمى فحسب، بل السعودية وإيران وسورية وغيرها. في خضم كل هذه التعقيدات، شق ولم يزل قطار الموت والخراب طريقه، ناشرا الخراب في المؤسسات والموت العشوائي وعلى الهوية لإزهاق أرواح الأبرياء من العمال والكادحين والأطفال والموظفين والأساتذة والفنانين بدون أي ذنب اقترفوه سوى لأنهم أبناء العراق. وبرزت إلى مسرح الصراع الدموي على المصالح الفئوية والطائفية والشخصية قوى وميليشيات، لا هم لها سوى إشاعة الخراب والموت، من حيث تدري أو لا تدري، وهذه القوى هي: 1- القوى البعثية التابعة للاتجاه الصدامي. 2- تنظيم القاعدة. 3- الميليشيات التي تدعي الدفاع عن السنة والمدعومة من قبل هيئة علماء المسلمين. 4- التيار الصدري وميليشيات جيش المهدي. 5- منظمة بدر وفرق الموت. 6- القوى الإرهابية من القتلة وقطاع الطرق. ورغم اختلاف الأهداف والمصالح بين هذه القوى، فإنها، من حيث تريد أو لا تريد، خدمت بالإجماع مخطط صدام في تخريب العراق، الذي أشرنا إليه أعلاه. انطلاقا مما سبق وبالنظر لأن الخط البياني للخراب اليومي والانفلات الأمني في تصاعد مستمر، يمكننا أن نقول بأن الحكومة الحالية أيضا لم تتمكن من أداء مهمتها في استتباب الأمن والحفاظ على أرواح وأموال الناس، الأمر الذي يعرقل، بصورة جدية، عملية إعادة بناء العراق والحفاظ على الوحدة الوطنية المهددة بالتمزق. ولاشك أن السبب الرئيس في إخفاق الحكومة هو أنها بقيت أسيرة أغلال أوهام الطائفية السياسية.
والآن، ما العمل، لدحر فإبطال حركة قطار الخراب والموت ووضع حد لأمنية صدام حسين، والبدء ببناء عراق ديمقراطي تقدمي موحد؟ هل يمكن أن تبدأ العملية من داخل السلطة أم من خارجها؟ أم من كليهما معا؟ إذا علمنا أن حكومة السيد المالكي منتخبة بصورة ديمقراطية، رغم أننا أبدينا رأينا حول هذا الموضوع مقدما، فإن المهمة تقع بالدرجة الأولى على عاتق رئيس الحكومة السيد المالكي ومام جلال رئيس الجمهورية والقوى التقدمية والديمقراطية العلمانية خارج السلطة وكذلك القوى النظيفة المقاومة للإحتلال والتي لم تتورط بقتل الأبرياء. بدءا يجب اعتبار هذه المهمة، شأنا عراقيا محضا ينبغي معالجته بروحية وطنية واعية علمانية بعيدة عن الأهواء الطائفية والمذهبية والحزبية الضيقة. إن الهدف الأساسي لهذه المهمة هو إستتباب الأمن وترسيخ الوحدة العراقية فإعادة إعمار الوطن. ينبغي أن يتمتع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بصلاحيات استثنائية واسعة تمكنهم من تحقيق ما يلي: 1- إلغاء مجلس الوزراء وتشكيل وزارة تنكنوقراطية من أعضاء أخصائيين معروفين بالنزاهة والوطنية والعلمانية، بعيدين عن أية روحية طائفية مذهبية، يمثلون كافة الأطياف العراقية. 2- تشكيل مجلس للدفاع الوطني والأمن القومي، يضم ضباط كفوئين معروفين بالوطنية والنزاهة ويمكن الاستفادة من الضباط الكبار والمحققين الجنائيين الذين عزلهم صدام. 3- فتح باب الحوار مع كافة القوى غير المتورطة بالإجرام والإرهاب على أسس الانتماء الوطني الواعي، وليس على أسس المحاصصة الطائفية وعدم حرمان البعثيين الملتزمين بالديمقراطية والتاريخ النظيف من ذلك. 4- إلغاء كافة الميليشيات سواء أكانت شيعية أم سنية بسن قانون صارم، وعند المخالفة ضربها بيد من حديد. 5- إصدار مراسيم خاصة للحفاظ على الحدود ومنع التسلل وإصدار هوية خاصة للعراقيين غير قابلة للتزوير. 6- تشكيل مجلس مركزي للعشائر وإلزام رؤسائها بالحفاظ على المنشئات الحكومية والتعاون مع السلطات لاستتباب الأمن والاستقرار في مناطقها. 7- سن قوانين صارمة بحق الإرهابيين والتأكيد على استقلالية القضاء وتوفير الحماية اللازمة له وعدم التردد في تنفيذ أحكام الإعدام بحق القتلة. وتأهيل كوادر خاصة لمكافحة الإرهاب والاعتماد على التكنيك الراقي في مجال أجهزة الكشف عن التفجيرات المختلفة. 8- فتح مشاريع صناعية وإنشائية خفيفة وسريعة لامتصاص البطالة، ولا سيما في الأماكن الآمنة التي لا تطالها يد الإرهاب. وتوفير الضمان الاجتماعي وإيقاف العملية العشوائية لترييف المدينة ووضع خطة علمية لتطوير الزراعة ومساعدة الفلاحين. 9- وضع رقابة صارمة على أجهزة القوات المسلحة والشرطة والأمن، بعيدة عن روحية المحاصصة الطائفية، مهمتها الأساسية الانضباط والحيلولة دون اختراقها من العناصر الإرهابية والمشبوهة. 10- إعفاء قوات الاحتلال من القيام بجولاتها داخل المدن، بل ترك مهمة الحفاظ على الأمن للشرطة العراقية فقط. 11- عدم الخلط بين "مقاومة الاحتلال" و "عمليات الارهاب". إن قتل الناس الأبرياء، سواء من المدنيين أم الشرطة أو تفجير المحلات الشخصية أو المؤسسات الحكومية، إنما يدخل في باب الإرهاب الذي يستحق أقصى العقوبات. ومن هنا يمكن أن نطلق عليهم أسم "أعداء الشعب".
إن هذه النقاط وغيرها، لا يمكن أن يحققها من ينشغل بالفساد الاداري والتردد والطائفية السياسية والمحاصصة المذهبية والاقتتال على السلطة من أجل الحصول على المكاسب الآنية، ولذلك فإن أي اعتماد على هذه الفئات لاستتباب الأمن فترسيخ الوحدة العراقية، سيكون مصيره الفشل مقدما. إن تاريخ العراق منذ سومر وأكد لم يشهد انهيارا في القيم، مثلما يشهده اليوم. وإن كان قد سبق له أن شهد مثل هذا الشئ، فلفترة محدودة جدا اُفرزت خلالها مسلة حمورابي التي أسست أول دولة قانون في تاريخ العالم. إننا نقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، أن نكون أو لا نكون. فان أردتم أن نكون فينبغي أن ننفتح على العالم ونعتمد على التقدم والديمقراطية الحقيقية والازدهر. وإن أردتم أن لا نكون، فاستمروا على غيكم وجهلكم وتخلفكم.
#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|