|
زينب والمسرح
سميرة الوردي
الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 10:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرة هي الأشياء التي تبهجنا وتبرر لنا الوجود رغم جور الزمان ومآسيه ، ( هل الزمان جائر كما اعتدنا على استخدام هذه العبارة ، توارينا خلفها بوعي أو بدونه خوفا من تحديد المسؤول عن هذا الهرب ) . قليلات من النسوة من قبلن تحدي هذا الجور وأشرعن إرادتهن أمامه ، ولم يتقبلن الهزيمة . بالرغم من بعد البداية التي اعتلت فيه زينب المسرح إلا أنه كان زمنا أقل دموية مما نحياه الآن وبدلا من تحسين الحياة الأجتماعية بنمو وسائل العولمة ونشر الثقافة المنفتحة وانتصار العلوم التطبيقية وتقدمها في السيطرة على الأمراض والآفات واكتشاف العلماء للجينوم الذي أحدث طفرة نوعية في حياة البشر ، مازالت الهمجية والظلم يعشعشان في مفاصل حياتنا اليومية ليهدما أعز الأحلام وأحلاها وأبسطها ـ الحياة والحرية ـ من أعطى الحق لقاتل مأجور أن يغتصب حيوات حالمة بالحياة ، يقتلها تحت مسميات أوجدها عقله المأفون بالجهل والجريمة ، ومن أعطى الحق لبشر يحكمون بالقوة لينشروا الظلم والرعب على بشر مثلهم بل في أغلب الأحيان أحسن منهم . لم تترك زينب منصة التدريس عندما قررت أن تخوض معتركا ثانيا تحقق فيه ذاتها وتشبع رغبتها في التفاعل مع المجتمع تنشر فيه المحبة والفكر ، فلم تجد بابا أوسع من باب المسرح ، عالم تتنامى وتتجسد وتتهذب فيه كل قيم الإنسانية من حب وخيرواحترام لمشاعر البشر ، عالم للتحاور مع الذات وذات الآخر ، تغزل وقتها منذ الفجر حتى نهاية المساء بين إعدادها لخطة دروس اللغة العربية التي تعلمها لطالباتها وبين الاستعداد لأداء ما يُسند اليها من أدوار ، لم ترتق المسرح حبا للظهور أو طمعا في مال ، فالمُطّلع على حياة المسرح في الفترة التي عايشتها زينب يجدها فترة بذل وعطاء من قبل الفنانين دون مقابل بل قد يصل بهم الأمر الى المساهمة المالية من أموالهم لتقديم الأعمال المسرحية وانجاحها ، انتمت للمسرح ايمانا منها لما له من أهمية وتأثير في حياة الناس . أصعب مراحل العمل المسرحي هي فترات التمرينات اليومية على النص المسرحي وأعسر الأيام هو اليوم الأخير من التمارين واليوم الأول من العرض المسرحي ، الألتزام سمة من سماتها لا تعتذر عن أداء أي دور يسند لها ولا تتوانى في الحضور في الوقت المحدد وقد تكون هذه الصفة غالبة على معظم أعضاء المسرح الحديث . تألقت في معظم الأدوار التي أُسندت لها ابتداء من( آني أُمك ياشاكر ) مرورا باعمال كثار كالنخلة والجيران ، أنا ضمير المتكلم الذي التحم بالفعل الماضي ، نفوس ، انظر الى الماضي بغضب وزفير الصحراء وغيرها من المسرحيات ، جسدت أدواراًعديدة ومختلفة متنقلة من المرأة الشعبية الطيبة الى المثقفة الواعية لدورها في البيت والمجتمع الى الملكة المستغفلة في هاملت والتي انتهت وخُتمت تلك المرحلة بمسرحية بيت برناردا ألبا والتي كانت الحلم الذي بُتر للفنان الأستاذ سامي عبدالحميد ، أيام من التعب والاجهاد والأرق انتهت بتقديم العروض الأولى للمسرحية والتي نجحت نجاحا باهرا لتوفر عناصر النجاح في اختيار النص وحداثة الديكور وبراعة الإخراج وابداع الفنانات المحترفات منهن والمبتدآت في أدائهن وتلهف الجمهور علي الحضور . الصورة هذه من داخل المسرح . أما في الشارع فلم يعد فيه الأمان لكثير من الناس سواء كانوا منتمين لأحزاب أُخر أو مجرد منتمين فكريا أو عاطفيأ لفكر مغاير لفكر السلطة وحزبها المنفذ لمآربها ، وما إن استلم المهيب والقائد الضرورة مهام الدولة حتى غطت برك الدم وجه العراق ومست حتى أقرب المقربين في حزب السلطة ، لم يجد المثقفون والفنانون والأدباء بُداً من النفاذ بجلدهم فاضطروا الى الهجرة الى خارج البلد ليتركوا كل ما بنوه خلفهم ، ومن لم يستطع انكفأ الى ذاته ولزم داره أو اختبأ عند اقرباء له لحين انتهاء الكرب ، ومن ظُفِرَ به فقد نال جزاء مولده في هذه البلاد الغنية الموارد العريقة الوجود ، فلم تجد الفنانة وسيلة للخلاص من تسلط البعثيين وهي الفنانة الملتزمة بقضايا الناس والمجتمع سوى الرحيل آسفة مقهورة مدحورة ريثما تُفرج الأيام عن الناس بزوال السلطة ومجئ أخرى أحسن منها . الرحيل ليس الى بلد معين لنيل متعة فيه ، بل الرحيل الى بلد تُحفظ كرامتهم فيه ، وبعد مشاق ذقت بعضا منها ، رُحلت الفنانة زينب الى أقصى شمال الكرة الأرضية لايفصل بينها وبين المنجمد الشمالي سوى ساعات بين الشروق والغروب والتي لاتشف الشمس من ورائها ولايُرى مسارا ًللقمر ، وصلت فنانتنا الى تلك البقعة لاتحمل سوى الحنين للوطن والأهل وللمسرح الذي تربعت على عرشه سنوات طوال آملة بعودة سريعة ، حطت في بلاد ( الواق واق ) التي غطت غابات باسقات أغلب مساحاتها وبجوي اسطوري لا يوجد الا في الأحلام في غرابته وغربته . لم تطل غربتها الحسية طويلا بل امتدت لتكون غربتها أبدية بعد أن أصيبت بمرض عضال لم يمهلها ، رحلت بصمت ولم نسمع بموتها الا عبر بعض الاذاعات السرية في المنفى رحلت تاركة فراغا في المسرح وفي قلوبنا فوازينباه ويل لزمان نفقد فيه الأحبة ولا أمل لنا في اللقاء .
#سميرة_الوردي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية من زمن الموت
-
مناجاة
-
التلفاز
-
الآن حان الدرس الأول
-
الحب بعد الرحيل
-
الندم الأول
-
أعاصير
-
تاريخ أسفارنا /الفارزة الأولى والثانية
-
تاريخ أسفارنا / الفارزة الثانية
-
في يوم ما
-
صورة
-
مكتبتي
-
جنون
-
لحظة من لحظات الحرب
-
لاشيء يعدل الحرية
-
المحبرة
-
القداس
-
إمرأة تتسلى في الشرفة
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|