|
( تعالوا إلي يا جميع المتعبين )(1)
علا مجد الدين عبد النور
كاتبة
(Ola Magdeldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 7864 - 2024 / 1 / 22 - 22:01
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
لم يكن إختياري للآية الرائعة من الكتاب المقدّس -"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (مت 11: 28)- إختيار (خبيث) يدفعك للقراءة بقدر ما أننا جميعا متعبون ، نلهث في سباق الحياة ونحتاج حقاً لمن يقول لنا ( تعالوا الي يا جميع المتعبين ، وأنا أريحكم )، ولنتوقف لبضع لحظات ونكاشف أنفسنا بحجم ما نحمله من آلام ،ربما لسنا في حاجة إلى حملها .
لا ادعي معرفة كلية بكل ما سوف تقرأه في سلسلة المقالات هذه ، لست أكثر من زميلة لك في الاختبار الالهي المسمى بالحياة ، وقد سبقتك ببضع خطوات بحكم سنوات عمري، شاهدت خلالها الكثير من المواقف و واجهت الكثير من التحديات التي إجتزت بعضها بسهولة وعلقت لسنوات في محاولة إجتيازج بعضها الآخر وقد دفعت سنوات من العمر وآلام متكررة ثمناً لهذا العبور ، ما كنت لأدفعه لو إلتقيت بشخص يطلعني على بعض أسرار الحياة ،كمان أفعل معك الآن يا رفيق الرحلة . كل ما اطلبه منك قبل أن تشرع في القراءة أن تعدني بثلاثة اشياء : ١ أن تتعامل بحياد مع كل المعلومات التي ستقرأها فلا تدع الاحكام والافكار المسبقة لديك تفسد أو ربما تعطل ما اقدمه لك من خواطر لا نية لي منها سوى مساعدتك في أن تحيا حياة رائعة ٢ أترك مقعد الطالب ، فأنا لست معلمة في مدرستك ولا إحدى القديسات التي تزعم انها تحمل رسالة من الله إليك ، بل وأرجوك أن تشكك وتفكر وتحلل كل الافكار المطروحة أمامك ، وألا تعتمدها إسلوباّ لحياتك قبل تجربتها وتحقيقها لنتائج ترضيك من حيث المبدأ. وأن تختار منها ما يناسبك ( فليس كل ما يناسبك يناسب الآخرين والعكس صحيح ) . ٣ أن يكون لديك نية صادقة وقوية في التغيير ، فالتغيير يبدأ من الداخل ، ولن تستطيع بحضورك مئات الفيديوهات التحفيزية ولا بقراءتك لمئات الكتب عن تطوير الذات أن تحدث تغييراً في حياتك ما دمت أنت لم تنوي التغيير وتسعى إليه بجدية .
فإن شرعت في قراءة المقالات بهذه الروح وتلك العقلية ، فإنني اضمن لك بإذن الله ، أن يحدث هذا الكتاب نقلة في تفكيرك ، ويضيء لك الطريق في هذه الرحلة الفريدة المسماة بالحياة.
الحياة
عرّف أرسطو الحياة على أنها ذلك الشيء الذي يُميز بين الكائنات الحية، والكائنات غير الحية، واعتبر أنّ الحياة هي تغيير تخضع له ذات الإنسان بشكلٍ مستمر.
و في حديثه عن الحياة، اعتبر الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل أنّ الحياة لا بدّ أن تكون حياةً جيدة ليتحقق معناها الحقيقي، والحياة الجيدة هي التي يملؤها الحب تجاه الآخرين، والمعرفة بخصوص كل شيء. ولقد ذكرت كلمة الحياة 145 مرة في القرآن الكريم بينما نجد كلمة "حياة" تتردد451 مرة في الكتاب المقدس ، وأياً ما كان دينك أو معتقدك فبالتأكيد أنت تحمل في وعيك تصوراً ما عن الحياة .
تخيل معي حياة سهلة ، بلا مشكلات ولا تحديات ولا عقبات من أي نوع ، أسمع هذه التنهيدة وأنت تقول : ياريت. لا عزيزي أريدك أن تتخيلها بصدق بكل تفاصيلها ، تولد في أسرة سعيدة وغنية ومستقرة ، تمضي سنواتك بسلام حتى تعمل بوظيفة سهلة و تحصل على راتب كبير ، تحب و تتزوج من إمرأة جميلة تتفقان معاً في كل شيء ، تنجب أولاداً هادئي الطباع ومطيعين . أريدك بصدق الآن أن تعيش هذه الحياة في مخيلتك يوم بعد يوم وسنة بعد أخرى .
هل بدأت تشعر بالملل ؟ وهل هذه الحياة تؤهلك لأن تتطور أو تدفعك للتساؤل ؟ أن ظهور التحديات في حياتنا هو ما يدفعنا للاستمار في الحياة بالأساس من الخلال البحث عن حلول لها و العمل على تخطيها ، فنكتشف ما بداخلنا من أفكار و آلام نعمل على مداواتها وتعديلها فنرتقي بوعينا إستعداداً لمواجهه المستوى الأعلى من اللعبة الروحية والمسماه "الحياة" .
في رأيي ، إن أعظم منح الله لنا هي عدم الاجابة عن سؤالين : ماذا سيحدث في المستقبل ؟ ولم لا نعرف تاريخاً محدداً لوفاتنا ؟ فبغياب هاتين المعلومتين ، يصبح لكل يوم في حياتنا متعته وتحديه الخاص ، ومحاولاتنا المستمرة لاكتشاف معنى للحياة بكل ما فيها من تقلبات وتحديات ، تختلف من شخص لآخر هو ما يمنحها فراده وجمال ، تجعل إجابة التساؤل عن ماهية الحياة تختلف من شخص لآخر ، باختلاف رحلته التي يخوضها .
أما عدم معرفة توقيت مماتنا ، فهو ما يدفعنا للاستمرار والسعي للوصل إلى ما نطمح إليه ، قبل أن تنتهي هذه الرحلة ، مراعين ألا نفعل ما قد نندم عليه ولا نجد الوقت الكافي لتصحيحه .
هل الحياة عادلة؟ يقول بيل جيتس: الحياة ليست عادلة ، فلتعود نفسك على ذلك !! وفي نظري إن لم تكن الحياة عادلة ، فالله غير عادل بالتأكيد _ حاشى لله_ ، وقد يتساءل البعض ، إذن لم يخلق الله بعض الأشخاص في أسر غنية والآخرين في أسر فقيرة ، ولم يولد بعض الاطفال بإعاقات تمنعهم أن يكونوا كالباقين . وهنا سأضرب لك مثالاً بالعملية التعليمية ، ففي بداية كل عام دراسي يحصل كل طالب مع إختلاف وضعه المادي أو الإجتماعي أو مستوى ذكائه على كتبه المدرسية -بموادها العلمية والأدبية- و يوفر لكل طالب مكان في فصل مدرسي على إختلاف نوعية المدرسة أيضاً (سواء مدرسة خاصة أو حكومية) ، ويتلقى الطلاب شرحاً لتلك المواد ، ثم يتقدم الطلبة لأداء الامتحانات فيحصل البعض على علامات ممتازة ، فجيدة بينما يرسب البعض الآخر . فهل تكون الامتحانات غير عادلة ؟ لقد حصل الجميع على نفس المقررات ونفس الأدوات ومع ذلك إختلفت النتيجة . كذلك الحياة التي خلقها الله من الوفرة فهو يقدم لنا جميعاً نفس الهواء ، ونفس الماء وذات الشمس التي تشرق فتغمرنا بالبهجة والضياء ، نمتلك جميعاً 24 ساعة في يومنا الواحد ، نحمل بداخل رؤوسنا عقولاً متشابهه وإن إختلفت ميولنا ، نحمل في حمضنا النووي ذات الإرادة ، ومع ذلك فإن بعضنا يتمكن من تحقيق نتائج جيدة في حياته والبعض الآخر لا يحقق شيء على الإطلاق.
تذكر : * الحياة ببساطة مجرد رحلة أرضية لروحك السماوية من خلال جسد مادي عليه أن يخوض هذه الرحلة بكل ما فيها من جمال وقوة وتحديات ، لترتقي بوعيك و تستقي من دروسها الحكمة ، فتلتقي ربك وقد تطهرت نفسك ونفذت بصيرتك .
* الحياة عادلة تتيح للجميع ، نفس الموارد والفرص والوقت ، كل ما عليك فعله هو إستغلال هذه الموارد والأدوات بطريقة تناسبك ، وأن تستغل كل الفرص لتحقيق حياة ترضيك .
من هو الله ؟ وماذا يريد منا ؟
قد ترى هذه الاسئلة مجرد اسئلة فلسفية و وجودية معقدة لا إجابة لها قد ترضي الجميع ، فأنت ترى الخالق بحسب معتقدك الديني وهو شيء لا يمكن الاجماع عليه ، ولكن بحسب هذا المعتقد وأياً ما كان دينك ، فأنا على يقين أن الله من وجهه نظرك حب خالص . فهو في الاسلام ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [ النور: 35] وهو القائل في القرآن الكريم ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [ البقرة :185]
وفي الكتاب المقدس , “ونَحنُ قد عَرَفنا وصَدَّقنا المَحَبَّةَ الّتي للهِ فينا. اللهُ مَحَبَّةٌ، ومَنْ يَثبُتْ في المَحَبَّةِ، يَثبُتْ في اللهِ واللهُ فيهِ.” (يوحنا الأولى 4: 16)
“في هذا هي المَحَبَّةُ: ليس أنَّنا نَحنُ أحبَبنا اللهَ، بل أنَّهُ هو أحَبَّنا، وأرسَلَ ابنَهُ كفّارَةً لخطايانا.” (يوحنا الأولى 4: 10)
"ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»." (يو 8: 12).
فهل ترى في كل هذه الآيات سوى حب و رعاية . ومن هنا استطيع أن أأكد لك أن الله خلقك لتشهد بوجوده وقد منحك الحياة بنفخه من روحه لتعبر عنه من خلال ما منحك اياه من مواهب ( منحت لك أنت وحدك ) ، فالله الذي خلق لكل انسان بصمة أصابع فريدة لا تتشابه مع غيره من البشر ، قادر جل وعلا أن يجعل لكل مخلوق هبته المتفرده التي تميزه عن الآخرين ، فبعضنا يكتب ، والبعض الآخر يغني ، أو يبني بيوتاً أو يداوي مرضى ، أو يخترع أدوات تجعل حياتنا أسهل ، كلنا نعبر عن الخالق بشكل من الاشكال .
أما إجابة السؤال : ماذا يريد منا الله ؟ فإنني لم أجد أبلغ من إجابة الدكتور / مصطفى محمود والذي قال في أحد اللقاءات ، " في الحقيقة إن الله لايحتاج لنا ، وكل ما يريده منا هو أن نكون في موقع التلقي المناسب ، ليفاض علينا أكبر قدر من النعم ، وموقع التلقي المناسب هو الحفاظ على الصله بين الانسان والخالق لتتفتح أمامه أبواب النعيم ، سواء في هذه الحياة أو ربما في حيوات أخرى بعدها" .
تذكر : * أنت تعبير فريد عن قدره الخالق ، فتش بداخلك عن رسالة الله التي تحملها للعالم .
* كل ما يريده منك الله ، أن تكون في الموضع المناسب لتفاض عليك نعمه وبركاته .
( يتبع )
#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)
Ola_Magdeldeen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هلاوس في عنبر العقلاء(٨)
-
هل يحتفل العالم بميلاد شخصية أسطورية ؟!
-
وقت مناسب
-
هلاوس في عنبر العقلاء ..(ليلة رأس السنة)
-
صفحات نسوية مشرقة في سجل العام الأسوأ على المرأة العربية 202
...
-
في وداع العام الأسوأ للمرأة العربية 2023
-
من أجل فشل زيكو !!
-
عنف يتصاعد بعد 512 يوم من مناهضة العنف ضد النساء!!!
-
حواء المكرمة -أحياناً-
-
هلاوس في عنبر العقلاء (قسم النساء)
-
هلاوس في عنبر العقلاء (٧)
-
هلاوس في عنبر العقلاء (٦)
-
سلاح الدعاء النووي!!
-
صراع الآلهه في فلسطين
-
اكلات عيد الغطاس في الدول العربية
-
-النسيمي- الذي رأى نور الله فقتله عشاق الظلام
-
-إنهم يقتلون النساء- في 2022
-
سياسة تلوح خلف شباك المرمى
-
شعلة العقدة
-
هاجر
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|