|
حقوق النساء في الفضاءات الدينية
منى علي
الحوار المتمدن-العدد: 7864 - 2024 / 1 / 22 - 09:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المساواة بين البشر دون تفرقة على أساس الجنس أو العرق أو الطبقة هي إحدى القيم الجوهرية للدين الإسلامي، والمسجد مكان العبادة أولى الأماكن لإقامة المساواة داخله، ولكن الهوه ما بين الخطاب الإلهي الذي يقول بأن البشر متساوون في القيمة الإنسانية لأنهم خُلقوا من نفس واحدة والخطاب الفقهي الشعبي الذي يحقر من المرأة، أدت إلى تهميش دور النساء فمُنعت من الإمامة ورفع الأذان وإلقاء الخطب داخل المسجد، وكذلك تم اضطهاد النساء داخل الفضاءات الدينية بشكل عام فتُمنع من منصب الإفتاء الرئيسي بأن تشغل إمراة عالمة منصب المُفتية لدولة ما، ولا يُسمح للنساء إبداء آراءهن في القضايا العامه الكبرى كتلك المتعلقة بالهجرة غير النظامية أو فوائد البنوك أو التحاور ما بين الأديان والحضارات، ويُقصر دور العالمات على ما يسمى (فقه المرأة) وتناول القضايا الخاصة بالنساء كالحيض، والتعامل والرد على استفسارات النساء فقط، وليس بشكل عام، فعلى سبيل المثال لم تدخل تشكيلة هيئة كبار العلماء وهى أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر – الذي يعد رمز عالمي للإسلام- مرأة واحدة منذ إنشاءها عام 1911، وتعاني النساء من هيمنة علماء الدين الذكور على المناصب العليا و مراكز اتخاذ القرارات داخل المؤسسات الدينية، وغياب التمثيل العادل يعني عدم تضمين وجهات نظر النساء واحتياجاتهن في القرارات والفتاوى التي تصدر عنها . وقليلاً ما نسمع في وقتنا الحالي في الخُطب ومجالس الوعظ الديني قصص النساء الفقيهات كالسيدة نفيسة بالرغم من كونها حجة في السُنة، كان يستشيرها كبار الفقهاء المعاصرين لها، بما فيهم الشافعي صاحب واحد من المذاهب الفقهية الأربعة الكبرى في العالم السُني والذي أوصى بأن تصلي السيدة نفيسة عليه عند موته، والسيدة زينب بنت محمد بن عثمان التي حاضرت في العصر العباسي في بغداد عن علم الكلام والحديث، والسيدة عائشة التي قال عنها الرسول "خذوا نصف دينكم عن هذه الحُميراء"، وأم ورقة الأنصارية التي عملت على جمع القرآن وحفظه وكذلك على تفسير معانيه وكانت تتلوه بصوتها. وهى المرأة التى أمرها الرسول الكريم بأن تَؤُم أهل بيتها، وكان الرسول يلقبها بالشهيدة وهي على قيد الحياة لأنه تنبأ لها بأنها ستموت شهيدة وهو اللقب الذي يرى الاستبداد الذكوري الآن أنه ليست هناك ثمة إمرأة من حقها أن يُطلق عليها لفظ شهيدة، ولا يذكرون أن أول شهيدة في الإسلام هى سمية بنت خياط، والسيدة خديجة أول من آمن، ولكن حيث يكون هناك مجال لذكر الحقوق تُنسى وتمحى تضحيات المسلمات، حتى يتسنى للرجال نيل كل المكاسب دون تقاسم.
حقوق النساء في أماكن العبادة لم يذكر القرآن شئ عن تحريم إمامة المرأة أو عن منعها من الخطابة داخل المسجد ورفع الآذان بصوتها إذا ما امتكلت شروط الصوت الواضح والجميل. وقد أباح الرسول لأم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري، أن تؤم الصلاة، وروي في كتاب سنن أبي داود والذي يعد من أمهات كتب الحديث النبوي، في رواية أبي داود روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث "وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في أن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها". وفي مسند أحمد بن حنبل، أمام أهل الحديث في زمانه، وهو من الأئمة الأربعة الكبار عند أهل السُنه. عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري، وكانت قد جمعت القرآن "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها "، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها. وقد أجاز الإمام أحمد بن حنبل إمامة المرأة للرجال في صلاة النوافل كصلاة التروايح و العيد وهى سنن وليست فريضة بإجماع الفقهاء، فلما لا نرى اليوم سيدة تؤم في صلوات الأعياد وتقوم بالخطابة في المصلين/ات؟ وقد أجاز كذلك الإمام أبو ثور والإمام المُزني والإمام الطبري وهم ممن عاشوا في القرون الثلاثة الأولى للإسلام استنادًا على الحديث الذي أجاز لأم ورقة الإمامة وهو حديث صحيح أن تؤم المرأة الصلاة فرضًا و نافلة، ولأن الرسول أذن لها أن تؤم في الفرائض، بدليل أنه جعل لها مؤذناً، والأذان إنما يشرع في الفرائض. وذكر ابن عربي في الفتوحات المكية الجزء الأول "فصحت إمامة المرأة والأصل إجازة إمامتها فمن ادعى منع ذلك من غير دليل فلا يسمع له ولا نص للمانع في ذلك وحجته في منع ذلك يدخل معه فيها ويشرك فتسقط الحجة فيبقى الأصل بإجازة إمامتها". ويستند البعض إلى حديث إسناده ضغيف رواه ابن ماجه منفردًا ولم يذكر في أمهات كتب الأحاديث الأخرى وهو "ولا تَؤُمّنَ امرأة رجُلاً، ولايَؤُمّنّ أعرابيّ مُهاجراً، ولا يَؤُمّنّ فاجرُ مُؤمناً، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسَوْطَه"، وهو ما يخالف قول الرسول " يَؤُمّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لكتَاب اللهِ" رواه مسلم، وكذلك فيه تغيب لمبدأ العدالة بقصر الإمامة على بعض المسلمين/ات دون الآخرين.
القلق الدائم من قبل الرجال وشعورهم بالتهديد من فقدان الامتيازات إذا كان جسد المرأة في الإمامة سيكون سبب في فتنة الرجال، كما يذكر البعض كالقرضاوي "وحتى يركِّز الرجل في صلاته فكره ووجدانه في توثيق صلته بربه، ولا يشطح به الخيال خارج الدائرة الإيمانية، إذا تحركت غريزته البشرية التي لا دافع لها"، فالأوقع أن على هؤلاء مراجعة صحة صلاتهم من الأساس إذا أنها لم تنهاهم عن المنكر والفحشاء، والتفكير المبتذل في نساء يصلين داخل الفضاءات المقدسة، فكيف يكون حال تفكيرهم والنساء اليوم متواجدات بكل الفضاءات؟ فالمرأة اليوم متواجدة في كل الأماكن ويتعامل الرجال مع النساء في العمل وفي المواصلات العامة وفي الشوارع . وانكار الأطر الديناميكية المتغيرة التي باتت تحكم العلاقات بين الجنسين في الواقع المعاصر ليست هى الحل، وإنما الرجال هم من عليهم تغيير وتطوير رؤاهم، فبدلاً من منع المرأة من حقوقها في الفضاءات الدينية من الإمامة والخطابة ورفع الأذان وفي تولي المناصب القيادية داخل المؤسسات الدينية، علينا العمل على إعادة تشكيل الأفكار الإجتماعية التي ترى أن من حق جنس استبعاد الآخر دون مراعاة لحقوق ذلك الآخر في الوجود والفعل والتقرير. ويذكر بعض من الأئمة أن المرأة لا تصلح للخطابة داخل المسجد نظرًا لطبيعتها العاطفية وأنها ربما تتأثر إذا وجدت جمع غفير من الناس ينظرون لها، فلماذا يكون هذا التأثير داخل المسجد ولا نراه في قاعات المحاضرات في الجامعات والمرأة تقوم بالتدريس أو داخل الفصول في المدارس أو في الاحتفالات والتجمعات الكبرى والنساء يتحدثن لألاف البشر، والسيدات اللاتي يجتزن سباق الانتخابات في المجالس النيابية ومجالس النقابات وغيرها؟
أماكن العبادة الخاصة بالنساء تصلي النساء الآن داخل أماكن عبادة تسمى مُصلى السيدات وهي في الحقيقة أماكن ضيقة هامشية ولا تجد نفس البذخ الذي يصرف على مُصلى الرجال، ولا تلقى اهتمام كما مُصلى الرجال ففي مصر على سبيل المثال تم غلق المساجد وقت أزمة انتشار فيروس كورونا حول العالم منعا لانتشار العدوى وحفاظاً على الأرواح وبعد زوال خطورة الأزمة تم اعادة فتح مساجد الرجال ولم تفتح مساجد النساء وإنما بقيت مغلقة بعدها لمدة تترواح العام. كما أن تلك الأماكن المخصصة لصلاة النساء تكون ضيقة ولاتُمكن النساء من التحاور والتفاعل مع الإمام أو الخطيب بسبب حجب المكان عن المسجد المتواجد به. وفي الأغلب تكون المُصليات الخاصة بالنساء تقع في دور ثاني ويكون باب الدخول ضيق للغاية وكذلك الدرج وهذا أمر يمنع النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنات من أداء الصلاة في المسجد، وفي حالة حدوث أية طوارئ ستكون الكارثة الأكبر، وهذا على عكس أماكن العبادة المخصصة للذكور فأبوابها واسعة وكبيرة، ومداخلها موجود في الشارع مباشرة فيمكن لأي فرد الدخول أو الخروج بكل سهولة.
الهيمنة الذكورية على الفضاء المؤسسي الديني في مقابل النص الديني المقدس الذي ساوى بين الجميع هناك تأويل وتطبيق خاطئ لذلك النص، تراكمت الاضطهادات على مر الزمن من خلال إنتاجات فكرية سعت إلى استبعاد وتهميش خبرات النساء في الحيز الديني ولم تراعي دمج منظور النساء في الخطابات الدينية وفي اتخاذ القرارات داخل البناء المؤسسي الديني. وبما أن المؤسسات الدينية هي صاحبة السلطة الأعلى في تشكيل الخطابات الاجتماعية والسياسية داخل مجتمعاتنا العربية والشرقية فإن تأثير تهميشها للمرأة لا يظل فعل داخلي وإنما يصل تأثيره إلى حياة النساء بشكل عام في المجتمع. فالخطاب الديني يتعامل مع النساء باعتبارهن مفعولًا به بالرغم من كونهن فاعلات وحاضرات في كل مكان وزمان. ومع ذلك يظل التهميش قائم والإصرار على التعامل مع النساء باعتبارهن تابعات خاضعات وليس شريكات.
إتاحة حق المشاركة في العبادة الجماعية كما كان الأمر عند بداية الإسلام لم يميز الله الذكر على الأنثى بل النظام الأبوي. وقد تغيرت التوزانات الاجتماعية التي كانت تحكم الماضي، وأصبحت النساء رائدات وعاملات في كل المجالات، وهو ما يلزم إعادة النظر في التفسيرات والاجتهادات البشرية التي تخص الأزمنة التي ظهرت فيها، وقد تم وضع تلك التفسيرات فيما مضى أثر تفاعل الفقهاء مع مجتمعاتهم ومتطلباتها التي تختلف عن متطلبات واقع مجتمعاتنا في الوقت الراهن. ويجب أن تظل القيم الجوهرية التي جاء من أجلها الإسلام هى ما يسعى أتباعه لتطبيقها في كل زمان ومكان، ليبقى الإسلام خالدًا بإقامة العدل والمساواة بين الجميع. والمسجد هو أول مكان ينبغي أن تبدأ إقامة المساواة فيه، والابتعاد عن التقسيم وفق الأهواء والمصالح الذكورية. وتغيير التراتبية لإعادة المرأة إلى الحيز الديني هو ليس حدثاً ثوريا وإنما هو تصحيح مسار وعودة إلى الأصل حيث كان النساء والرجال في عهد الرسول يصلون في مسجد واحد دون وجود حواجز ولا تراتبيات.
#منى_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد استحقاقية الأهل في امتلاك الأبناء داخل المجتمعات ذات الب
...
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|