محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العقلية التركيبية التي تدربت علي آلية واحدة هي آلية البحث عن نص ديني لمواجهة أزمة من الأزمات أو مشكلة من المشاكل علي خلفية أن الدين يوجد به كافة الحلول والأجوبة علي جميع المشاكل والأزمات بما فيها التساؤلات التي تعترض حياة الإنسان من ولادته وحتي مماته بل وتنظم حياته الآخروية بما سوف يواجهه من عقاب أو ثواب , فهذه العقلية لم تريد أن تعطي للعقل حقه في إلا في البحث عن نص أو مجموعة من النصوص التي تتحدث عن موضوع واحد من الموضوعات التي ولذلك علي سبيل المثال تجد أن كتب الفقه الدينية قد تم تقسيمها إلي أبواب وكل باب قد تم تجميع مجموعة النصوص الدينية التي تتحدث عن هذا الأمر الديني فقط , ثم يتبع هذه الأبواب مجموعة من الشروح والتفسيرات علي هامش تلك الكتب وأصبحت هذه التفسيرات والتأويلات أو الشروحات تمثل في حد ذاتها صحيح الدين بالرغم من أنها تحمل رؤية وثقافة صاحب التأويل أو التفسير أو الشرح فقط , وما زالت أزمة الخلط بين النصوص الدينية وشروحاتها وتفسيراتها وتأويلاتها قائمة حتي الأن والأمر يتوارث وكأنها هي صحيح الدين دون النظر العقلي لمدي ملائمة هذه الشروحات والتفسيرات والتأويلات لروح العصر وطبيعة الجغرافيا والظروف التاريخية المعاصرة الخارجة عن إطار ومنظومة جغرافية وتاريخية النص الديني المقدس بما حملته من عادات وأعراف وتقاليد وقيم إجتماعية كانت سائدة في جغرافية النص الديني لحظة وجوده في هذا المجتمع , ومن هنا تضرب العقلية التركيبية دون وعي حصاراً علي النصوص الدينية المقدسة وتسجنها في ماضيها وتأسرها الأسر المطلق دون مراعاة لمفهوم النصوص التي تريد أن تكون صالحة لكل زمان ومكان , ولكن العقلية الباحثة عن نص حاكم فقط دون أن تبحث عن عقل يحاكم الواقع بمرجعية من الثوابت الحضارية المعاصرة بما يحمله من قيم المجتمع الواحد وصيرورة العالم يمثل قرية إليكترونية مصغرة حطمت فيها ثقافته حواجز الجغرافيا والتاريخ بمفاهيم علمية متقدمة وثقافية عالية وحضارية رائدة في مفاهيم العدالة والتسامح والإخاء بين البشر علي خلفية أن من حق كل إنسان أن يلتزم بمعتقده الديني أو اللاديني علي قدم المساواة دون أن يجبر الآخر علي الدخول في عقيدته أو يأمره بالإئتمار بأمره في سلوك أسلوب معين في العقيدة أو الفكر أو الثقافة أو المعيشة , والمهم هو الحفاظ علي الحقوق والواجبات المتبادلة بين البشر علي قدم المساواة وهذا في إطار الدولة الواحدة دولة المواطنة , فما بالنا بالإطار الدولي العالمي الكوني الذي وجدت فيه منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي !!
مع ملاحظة أن معظم الدول الدول العربية والإسلامية أعضاء في المنظمة الدولية المسماة بالأمم المتحدة وتمت موافقة هذه الدول علي شروط العضوية في هذه المنظمة الدولية بما تحمله من نظام وشروط انضمام الدول إليها علي خلفية وجود مجلس الأمن الدولي الذي يسيطر عليه الدول الكبري ذات القرار في فرض العقوبات الدولية من إقتصادية وتجارية وفرض أنواع من الحصارات علي دولة من الدولة من التجاري إلي البحري ومن الإقتصادي إلي الجوي والعسكري بل وإستخدام القوة المسلحة ضد دولة من الدولة وقد تم تفعيل إستخدام القوة المسلحة ضد دول عربية وإسلامية تدين بالإسلام وبعقيدته علي مستوي الشعوب والحكام , فهل كان بمقدور هذه الدول أن تدفع هذه القوة الدولية المسلحة ؟
أو هذه القوة المستترة بغطاء من الشرعية الدولية حتي ولو كانت مزيفة ومن ورائها سؤ القصد ؟!!
مع العلم أن هناك أنواع متعددة من الظلم الدولي الواقع علي مجموعة من الدول والملازم له سؤ القصد والتغاضي عن مجموعة الإنتهاكات الدولية الواقعة من بعض الدول أو من دولة من الدول علي دوله أو دول أخري وذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وإستخدام حق الفيتو , وإسرائيل هي الدولة الرائدة في مجال الإنتهاكات الدولية بإبتلاعها لكامل التراب الوطني الفلسطيني وإستخدام كافة الإنتهاكات والخروقات ضد الشعب الفلسطيني في وجود كتلة الدول العربية والإسلامية في المنظمة الدولية المسماة بالأمم المتحدة والتي تحمل السيف الكبير البتار المسمي بمجلس الأمن الدولي الذي من وظيفته الحفاظ علي الأمن والسلم الدوليين في الأساس .
والذي يهم في هذا المقام هو التركيز علي دور أصحاب العقلية الدينية التركيبية الباحثة عن مجموعة من النصوص الدينية المقدسة والتي تؤمن بفرضية الجهاد الديني علي الخلفية الإيمانية بتلك النصوص التي فرضت الجهاد الديني لتحرير الأراضي والمقدسات والحفاظ علي أمن وسلامة الشعوب والأوطان علي أساس أن رأس الأمر في الدين هو الجهاد وأنه فريضة من الفرائض المغيب دورها بالعمالة والخيانة والفساد والإستبداد , علي الرغم من أن المفهوم الديني يقرر ويثبت في التفسير والتأويل والمقرؤ والمنطوق والمسكوت عنه أنه إذا وجد شبر واحد من أرض المسلمين محتل فإن الأمة الإسلامية تصبح أمة آثمة مذنبة في حق الله والرسول إذا لم تقم علي تحرير هذا الشبر , وذلك علي خلفية دينية عقائدية مؤمنة بفريضة الجهاد وفرضيته , والموت في سبيل الله أسمي الأماني لها وهو دخول الجنة .
فكيف يتم تفعيل الشرعية الدينية في مواجهة الشرعية الدوليه الحاكمة للمجتمع الدولي ؟
وكيف يتم تفعيل النصوص الدينية المقدسة التي تحض وتأمر علي الجهاد والقتال والحرب وتحرير الأوطان من المغتصبين لها من المستعمرين للأرض والمنتهكين للعرض في ظل الشرعية الدولية الممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بما يمتلك من غطاء عسكري دولي وقوة عسكرية رهيبة تفوق الخيال وتقنيات عسكرية وحربية تمتلك أدوات وأساليب إدارة الحروب والأزمات عن بعد بلوحة أزرار إليكترونية وأقمار صناعية وصواريخ موجهة وقنابل ذكية ويورانيوم منضب أو مخضب أو مستنفذ , وذلك في ظل مفاهيم الجهاد والحرب والقتال وتفسيرات وتأويلات وشروحات أصحاب العقلية التركيبية الباحثة عن نص ديني تلوذ به من الأزمات والمشاكل المعاشة علي مستوي الأفراد ومستوي الدول علي هدي من الشرعية الدينية العاجزة عن إدارة الصراع في مواجهة الشرعية الدولية التي يشارك فيها ويشارك في صناعة قراراتها الدول العربية والإسلامية ؟!!
وهذه هي قمة الأزمة !!
فهل يحتاج أصحاب العقلية التركيبية لإعادة النظر في مفاهيم النصوص الدينية من ناحية التفسير والتأويل ومعرفة المسكوت عنه في مفهوم النص وإعادة فهم المنطوق منه للخروج من أزمة الشرعية الدينية العاجزة عن مواجهة الشرعية الدولية علي هدي من المتغيرات الدولية بما تحمله من عناصر القوة العسكرية والإقتصادية وقوة العلم الجبارة , أم سيظل أصحاب هذه الرؤي في حالة من حالات خلق صدام مصطنع بين الشرعية الدينية والشرعية الدولية وأسر أنفسهم مع الأسر الذي نصبوه للنصوص الدينية بماتحمله من قيم تاريخية وحضارية وجغرافية صادمة لقيم وحضارة وثقافة وعلوم العصر الحديث مع الحفاظ علي الهوية الدينية ؟
وماهو المشروع الحضاري الذي تمتلكه الجماعات الدينية من تيارات الإسلام السياسي لإنجاح الشرعية الدينية علي المستوي المحلي في مواجهة الشرعية الدوليه ؟!!
سؤال يحتاج للبحث !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟