|
أيها اليساريون، كفاكُم تعقُّلاً
رامي ليفني
الحوار المتمدن-العدد: 7859 - 2024 / 1 / 17 - 10:08
المحور:
القضية الفلسطينية
تعجّ إسرائيل بـ "المُتعقِّلين". يساريون نادمون على تأييدهم السلام والاتفاقيات مع الفلسطينيين، يُعلنون أسفهم وتوبتهم على الملأ عن مجموعة متنوعة من الخطايا. خسارة. لأننا نحتاج الآن إلى عكس ذلك: ليس إلى المزيد من الأشخاص السائرين مع القطيع وروح العصر، ولكن إلى صوت مختلف، صافٍ وواضح ـ إلى الـ "ومع ذلك".
أنتم يا من بقيتم في المعسكر، توقفوا للحظة للتفكير. فكِّروا بالبدائل. هل كنا مخطئين بشكل أساسي، حقاً؟ اتهام اليمين لنا بأننا كنا سُذّجاً طوال السنين هو اتهام كاذب. أنا عرف، لأنني كنتُ هناك. لم يكن اليسار الصهيوني الإسرائيلي ساذجاً في يوم من الأيام، لم يعِش في الأوهام أبداً، ولم يستسلم لأحلام يقظة حول طبيعة الصراع أو صورة خصومنا ـ شركائنا الفلسطينيين. لم نحسَب بأنهم يتقبّلون بشكل جوهريّ عدالة وجود دولة إسرائيل. لم نعتقد بأنهم يرفضون، بشكل مبدئيّ، استخدام العنف أو أنهم لا يحلمون في بعض الأحيان بأننا نتلاشى من هنا. لم يخطر في بالنا السماح بوضعٍ نكون فيه أقلّ قوّة. وبالمناسبة، الفلسطينيون أيضاً لم يوهموا أنفسهم بأننا سوف نقتنع في يوم من الأيام بصحة مطالبهم بالعدالة المطلقة أو بضرورة إعادة اللاجئين، مثلاً، أو أننا لسنا مصممين على محاربة أولئك من بينهم الذين يؤذوننا، أفراد من عائلات المحاورين الذين نتحدث معهم، أحياناً.
ومع ذلك، تحادثنا. لا بل، فقد تعانقنا أحياناً. هكذا هو الحال عندما تكون اللقاءات كثيرة وتنشأ علاقات صداقة. أنا شخصياً تعانقتُ مع عشرات الفلسطينيين، بمن فيهم محمد عباس، وأنا لستُ آسفاً. هذا فِعلٌ يُعبّر عن تصريح: بالرغم من كل شيء، وجهتنا هي نحو تسوية المشاكل من خلال الحوار. نحن نتعالى على أنفسنا. نعم، نحن نعلم أنكم لا تحبوننا، كما تعلمون أنتم أننا لا نحبّكم، لكننا قررنا أننا نريد أن نعيش. أن نعيش! ونحن نعلم أن ليس كل شيء في الحياة حتميّاً، إذ ثمة أيضاً مصالح وفرص وفتحات وإمكانيات للاتفاق على أمور هامّة. لم تكن هنا مثالية منفصلة. بل واقعية فقط، مفتوحة وإنسانية.
- פרסומת -
الوحشية المُرعبة في 7 تشرين الأول لم تكن مفاجئة لأيّ يساري، لأنّ القدرة على أن تكون وحشاً هي جزء من الطبيعة البشرية
في 7 تشرين الأول تكشّفت أمامنا وحشية مُرعبة. كراهية فظيعة، تم تفريغها بصورة شيطانية. هذه الاكتشافات كانت مفاجئة في قوتها وفي ملموسيتها، لكن ليس في مجرد وجودها ـ حتى من وجهة نظر اليساريين المتحمسين والمخلصين. القدرة على أن تكون وحشاً هي جزء من الطبيعة البشرية وهي قائمة بالتأكيد، كما ثبُت مرة أخرى، لدى الفلسطينيين. لكن لكي يتحقق الشرّ، لا يكفي توفّره بالاحتمال وإنما يتطلب الأمر تحقق شروط مُكمِّلة: خيار عسكري (الكثير من الأسلحة في غزة، دعم إيراني)، إخفاق في الطرف الآخر (عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي وعجز الحكومة)، ظروف سياسية مستمرة (الإحباط والعداء الهائلان بسب الاحتلال، الضائقة والرفض لدى كلا الجمهورين)، فراغ سلطوي (فصل قطاع غزة)، أصولية دينية، ترهل وضعف الإطار الوطني الذي يبلور حالة طبيعية (ضعف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية).
ليس لدينا، نحن الإسرائيليين، تأثير جدّي على الوعي الفلسطيني العميق. لكنّ اليساريين يومنون بأنّ ثمة تأثيراً على الشروط والظروف التي تقرر ما إذا كانت الأسس غير المحتملة الكامنة في هذا الوعي ستتحقق في الواقع أم يتم إقصاؤها من قِبل قوى منافِسة. هذه ليست سمة فريدة لنا نحن هنا. في معظم الصراعات الدولية التي تمت تسويتها، كما في إيرلندا الشمالية على سبيل المثال، كان هنالك نموذج سياسي مستقرّ لحياة مشتركة مقبولة، من دون معالجة المرحلة الأولى بـ"علم النفس". وقد نادى اليسار الإسرائيلي، أيضاً، بهذا النهج على الدوام ولزامُ عليه أن يستمر في ذلك.
اليسار، كما ذكرنا، ليس ساذجاً الآن، ولم يكن في السابق. السُّذَّج هم أعضاء معسكريّ اليمين والوسط الذين يعتقدون بأنّ إسرائيل يمكن أن تكون دولة ديمقراطية ومزدهرة في حالة من الاحتلال الأبدي، من المخاطر الوجودية والعزلة الدولية، دون المزيد من الغرق في التدهور السياسي، الاجتماعي والثقافي. أمام اليسار، أيضاً، دروس وعِبَر هامة ينبغي تعلُّمها (ليس هنا المكان لتفصيلها)، غير أنّ حقائق الأساس لم تتغير بعد 7 تشرين الأول: شعبان يمسكان الواحد بخنّاق الآخر، رغم أن كثيرين من بينهما يريدون شيئاً آخر مختلفاً، لكن لا تتوفر لديهم الشجاعة والحيلة الكافيتان لتغيير أي شيء. مجتمعان يركّزان على ما لا يمكن التجسير عليه والمناورة بشأنه (العقلية والذاكرة)، وليس على ما يمكن أن يشكل قاعدة لتسوية تتيح العيش (المصالح، السياسة، مساحة الاتفاق المستقبل).
بغية التقدم إلى الأمام من هذه الكارثة، ثمة حاجة إلى أمور كثيرة. أولها هو اليساريون. فلتصنعوا معروفاً إذاً، أيها اليساريون، لا تتعَقَّلوا. هذا ليس مُدهشاً.
#رامي_ليفني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها اليساريون، كفاكُم تعقُّلاً
المزيد.....
-
رئيس وزراء اليابان يخطط لزيارة الولايات المتحدة ولقاء ترامب
...
-
ترامب يعلق على تحطم الطائرة في فيلادلفيا: المزيد من الأرواح
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 9 مسيرات أوكرانية غربي البلاد وتدمّر ز
...
-
-فوكس نيوز-: إيران تخفي تطويرها النووي تحت ستار برنامج فضائي
...
-
استخباراتي أمريكي سابق يتحدث عن حرب مع المكسيك -قد تتحول إلى
...
-
OnePlus تكشف عن هاتفها الجديد ومواصفاته المميزة
-
اكتشاف ارتباط بين النظام الغذائي وسرعة الشيخوخة البيولوجية
-
أول هجوم على قوات الاحتلال منذ بدء توغلها في سوريا
-
مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع في دارفور
-
جامعة أميركية تعلق عمل مجموعة مؤيدة لفلسطين عامين
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|