أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عمار السواد - قلبي معك يا مدينة الفقراء














المزيد.....

قلبي معك يا مدينة الفقراء


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:44
المحور: حقوق الانسان
    


ليس هنالك اسوء من استهداف الفقراء، ولا يوجد في تاريخ البشرية جرائم ابشع من تلك التي تنال من الناس العزل من دون السماح لهم بالدفاع عن انفسهم. انها الجرائم التي تهز الضمائر الحية، وليس لها ما يبررها. هذا ما يحدث في العراق تحديدا. فطريق تفجير سيارات مفخخة في تجمعات غالبا ما تكون لمدنيين، وكثيرا ما يكون المستهدف عمالا او باعة متجولين هو نموذج صارخ لتلك الجرائم.
تكرر هذا المشهد، لكنه احيانا بلغ مديات تثير مزيدا من الاسى والغضب، وتعبر عن روح شريرة تحكم الفاعلين، وعن مدى بؤس المستهدفين، وهو ما حدث فعلا في مدينة الصدر. سبع انفجارات في غضون ثلاث ساعات تستهدف هذه المدينة ومداخلها، واشلاء من الجثث مبعثرة، ودماء صبغت الارض وما فوقها، فقراء ينتشلون جثث اشباههم، واصحاب يهرعون لنجدة صحبهم، واقرباء يبكون ذويهم، منظر مبك، يثير في النفوس مشاعر غضب وحزن عميقة.
ليس في مدينة الصدر ما يسر الناظرين، فهي تجمع للفقر، وهي مدرسة للالم، وهي كتاب يحكي حزنا طويلا وآلافـا من القصص المبكية.
عاش هذا الجزء من بغداد، ويومها كان يسمى بالثورة، املا حقيقيا وهو يراقب تمثال صدام يتهاوى، ونظامه يتفكك، وحزبه يهرب. وهو امل ارتبط بحلم الكثير من العراقيين بغد سعيد، ترقص فيه الحمائم والنسور سويا دونما خوف، وتنأى الغربان بعيدا عنها. ولا اعتقد ان حيا من احياء بغداد كان سعيدا بالقدر الذي اسعدت فيه هذه المنطقة. فلم يكن صدام يعني بالنسبة لها اكثر من الطاغية الذي جعلهم دوما تحت مطرقة بطشه، ولم يكن بالنسبة اليها سوى عدو لمتناقضين احببتهما، هما عبد الكريم قاسم ومحمد الصدر. ولم ترتبط معه سوى برباط وهمي يضعه دكتاتور يحكم شعبا.
فهي لم تخسر بذهاب الدكتاتور اي شيئ سوى اغلالها، وبانهيار نظامه انطلق ابناؤها باتجاهات عديدة، تصل الى حد التناقض والتناشز بينها، فاصحاب المواهب ترجموا بحرية مواهبهم، والباحثين عن رزقهم انطلقوا باتجاه اسواق بغداد ليكون لهم قول فيها، ومتدينوها باتجاه اقامة شعائرهم بطريقتهم الخاصة، واصحاب الاموال، وما اقلهم فيها، ليستثمروا اموالهم بعيدا عن صرعات النظام وامراضه، وشبابها بحثا عن حياة افضل من دون ملاحقات بالعسكرية او جيش القدس، ومثقفوها ليملئوا صفحات الجرائد ومنتديات الفكر والشعر. وفي المقابل انطلق الفوضويون فيها ليسطوا على مؤسسات الدولة ومباني الحكومة وقصور الحاكم، ومجرموها للبحث عن اساليب جديدة في الجريمة،. فكانت الثورة مدينة تنطوي على متناقضات البيئة الشعبية المحرومة.
ولكن ذلك الامل وتلك الانطلاقة تحولا بالتدريج الى كابوس جديد، كابوس مرعب لابناء هذه المدينة، بدأت بوجود جهات حالت بينها وبين حرياتها المدنية، ومن ثم افعال القوات الامريكية وهي تهاجم تيار مقتدى الصدر، واستمرت لتواجه ضغوط التفجيرات، وها هي اليوم تواجه حربا ارهابية وتصفيات طائفية.
فبعد ان كان ابناء هذه المدينة اسرى احقاد صدام وحزبه، اضحوا الان هدفا اساسيا لحماقات المجرمين من تنظيم القاعدة والتنظيمات السنية الاخرى، اضافة الى انهم واقعين، شاؤا ام ابو، تحت رحمة اندفاعات شباب شيعي لا يرى الا حدود منظار عينيه، تؤجج عواطفه وسلوكه الرؤى الدينية، وتنسيه ضرورة عدم التعرض بسوء لحريات الناس.
ان هذه المنطقة، التي توقعت من لحظة التغيير ان تكون بداية حقيقية لرفاهية ابنائها وسلامة امنها واستقرار دموع الامهات فيها، ما زالت تعاني وتدفع الثمن.
عزيت اصحابي من هذه المدينة وانا انظر الى عيونهم مغرورقة بالدموع، او اصواتهم تجهش بالبكاء. فتذكرت اني دموعي يجب ان تلتقي بدموعهم، وحزني يجب ان يلتقي بحزنهم، فلي اصحاب كثر في هذه المدينة، لم التق الا بالقليل من امثالهم، احسست بقربهم وكأني بين اهلي، ولا يبدو ان الغريب بين ناسها يدفع ثمنا يدفعه الغرباء في احياء اخرى من بغداد، ولكن يا للاسف الفقر اصبح مداعاة لمآس اخرى عاشتها هذه البلدة المحطمة... فسلام على الثورة وتحية لكل الطاقات التي تزخر بها.

24-11-2006
البصرة



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انه الشعر.. استبد بنا فجلعنا كلمات فاغرة!!
- الشهيد صدام حسين
- احمرار الصورة وانقطاع الصوت
- علاقات هامسة.. فوضى الجنس السري في مجتمع التحريم
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! .. الحلقة الأخيرة: في ال ...
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدول ...
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الخامسة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الرابعة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم..الحلقة الثالثة
- جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
- شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
- ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
- تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- عضو بالكنيست الإسرائيلي: مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت ...
- إسرائيل تدرس الاستئناف على قرار المحكمة الجنائية الدولية الص ...
- وزير الخارجية الأردني: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت رسالة لو ...
- هيومن رايتس ووتش: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصو ...
- الاتحاد الأوروبي والأردن يُعلنان موقفهما من مذكرتي الاعتقال ...
- العفو الدولية:لا احد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولا منتخ ...
- المفوضية الاممية لحقوق الانسان: نحترم استقلالية المحكمة الجن ...
- المفوضية الاممية لحقوق الانسان: ندعم عمل الجنائية الدولية من ...
- مفوضية حقوق الانسان: على الدول الاعضاء ان تحترم وتنفذ قرارات ...
- أول تعليق من -إدارة ترامب- على مذكرة اعتقال نتانياهو


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عمار السواد - قلبي معك يا مدينة الفقراء