أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هادي معزوز - أسئلة الشرطي وأسئلة الفيلسوف














المزيد.....

أسئلة الشرطي وأسئلة الفيلسوف


هادي معزوز

الحوار المتمدن-العدد: 7856 - 2024 / 1 / 14 - 22:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



يتساءل الشرطي.. ويتساءل الفيلسوف.. سؤال الشرطي سؤال مهووس بالرقابة والوقوف عند الذي وقع من أجل فهم ما يقع.. بيد أنه فهم منغلق على نفسه، لأنه ما إن يتحقق حتى ينتهي الفهم والسؤال وعمل الشرطي نفسه.. أما سؤال الفيلسوف فإنه مهووس بتسليط الضوء على الجوانب المعتمة التي تسكن العالم والوجود على حد سواء. وأما الشرط في التساؤل لدى الفيلسوف فإنه رهين باستعادة أسئلة الماضي إما بغرض تصحيحها أو تدقيقها أو تجديدها أو القطع معها... فإذا تحقق الجواب فإن عمل الفيلسوف يزداد مشقة وتعبا دون أن ينتهي، بل إنه يبدأ من جديد.
يتساءل الشرطي بدافع التصنيف، أي تصنيف المجرم من غيره، وتصنيف البريء من أجل إبعاده عن المذنب، وهكذا فإن سؤاله سؤال محدود يبدأ عند الجريمة وينتهي عند نهاية فك خيوطها. سؤال الفيلسوف جريمة في حد ذاته، جريمة ضد المعنى السائد، لا تبتغي ترميم ما هُدِّم، ولا تنشد الاستحواذ على الفكرة أو المعلومة.. سبب طبيعة سؤال الشرطي يعود إلى سعيه لامتلاك أكبر عدد ممكن من المعلومات حول الأشخاص.. وسبب طبيعة سؤال الفيلسوف، يرجع إلى إتقانه لعبة التنطع والقفز وتفضيل المجهول عن المعلوم.
يصنع الشرطي سجلاّ ثابتا يجمع المعلومة ويصنفها ثم يحتفظ بها في الأرشيف الذي يعود إليه دوما، أما الفيلسوف فإن أرشيفه فارغ، لأنه يؤمن أشد الإيمان بقوة التأويل على المعنى الوحيد، مثلما يضفي هالة كبرى على ما خفي من الأشياء وليس ما ظهر أو ما يظهر منها. وهكذا فإذا صنفنا الشرطي فلسفيا، سنقول أنه يتصرف وفق منطق ميتافيزيقي محض، يتجلى في الإعلاء من شأن التذكر على حساب النسيان، والهوية ضدا في الاختلاف، والوحدة لصالح التعدد. وعلى عكسه، فإن الفيلسوف حينما نصنفه، سنقول أنه يتصرف وفق منطق زئبقي لا يقف على حال. وهكذا فإذا كان سؤال الشرطي يطمئن حين العثور على الجواب، فإن سؤال الفيلسوف ينزعج أكثر فأكثر لأنه ماهر في تأزيم الأجوبة من خلال تحويلها إلى أسئلة.
لسؤال الشرطي زمن خاص به كما لسؤال الفيلسوف نفس الأمر، إلا أن البون بينهما شاسع إلى درجة صعوبة المقارنة بينهما، ومنه، فإن زمن الشرطي زمن تراكمي يفهم الحاضر من خلال العودة إلى الماضي الذي يتراكم رويدا كلما دنا نحو ما يحصل. وعلى النقيض من هذا الأمر، فإن زمن الفيلسوف هو زمن العود الأبدي الذي يعيد ولا يستعيد، فإذا أعاد شيئا فإنه فارغ من المحتوى، من أجل منح المشعل للاختلاف. ومن ثمة فإنه يجد السلوى في زمن اللحظة التي تفتت ثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن تحمل شيئا مما مضى. لنقل إذن إن زمنه زمن النسيان المتكرر وأن عوده son retour لا يعني عود الشيء كتكرار وإنما كاختلاف يتكرر، أي أن ما يتكرر هو التجاوز وليس الاحتفاظ.
هل يمكن للشرطي أن يلتقي بالفيلسوف؟ سينزعج الشرطي من الفيلسوف، لأن أسئلة الأول لا يمكن أن يجيب عنها الثاني، ليس من باب الترف، وإنما من باب الحذر أمام الأجوبة بصفة عامة، بما أن الفيلسوف لا يعطي ولن يعطي الجواب، إذ أن ما يهمه ليس الجواب في حد ذاته، بله تحليل السؤال والوقوف عند طبيعة وبنية إرادة القوة التي أنتجته في هذا الزمان بالذات دون أن تتمكن من إنتاجه في الماضي. وسينزعج الفيلسوف من أسئلة الشرطي لأنها ترسم نقطة محددة وتريد بلوغها من أجل التمييز فالحكم، أي أن أسئلة الشرطي يتم طرحها بناء على قاعدة مبنية سلفا وفرضية تم إنشاؤها قبل التساؤل، في حين أن الفيلسوف يبدي امتعاضا وانزعاجا من مثيل هاته الطريقة، التي تقتل اللحظة وتعوضها بهيمنة وسطوة ما مضى. أما أسئلة الفيلسوف نحو الشرطي ستبدو مبهمة، أولا لأن الفيلسوف لن يساءل الشرطي، وإذا حدث وأن وقع داخل حقله التأملي، فإنه لن يساءل الشرطي بقدر ما أنه سيساءل سؤال الشرطي ثم سينصرف وكأن لا شيء وقع.
هل يمكن للشرطي أن يلتقي مع الفيلسوف؟ إذا التقيا فإن الفيلسوف سيقوم بتعرية شاملة للجدية التي يدّعيها الشرطي، بينما يمكن للشرطي أن يلعب دور المنزعج أو دور المتهكم من الفيلسوف وأسئلته التي لا تنتهي. أسئلة الشرطي تنتهي وأسئلة الفيلسوف مسار لا يتوقف. أسئلة الشرطي تتجسس لأنها مريضة بالكشف على استعادة الحلقة المفقودة من الماضي، بينما أسئلة الفيلسوف تلعب ثم تنسى مثل الطفل الذي لا يهمه أي شيء. الشرطي يلعب دورا يثير السخرية، والفيلسوف لا يلعب أي دور لأنه خارج فيلم العالم.



#هادي_معزوز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصا الفقيه وعصا رئيس الأوركسترا
- تأملات في جسدي الذي لا أملكه.
- نحو عيش اللحظة بتفاصيلها
- ميتافيزيقا الانترنيت المكتملة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هادي معزوز - أسئلة الشرطي وأسئلة الفيلسوف