|
العلوم اﻹنسانية واﻹجتماعية على محكّ الذّكاء اﻹصطناعي في بلدان الجنوب
محمد علي بن عامر الطوزي
الحوار المتمدن-العدد: 7855 - 2024 / 1 / 13 - 20:51
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
مقدمة قد أعاد ظهور الذكاء الاصطناعي تشكيل فهمنا للتقدم التكنولوجي وتأثيراته على المجتمع. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي غالبًا ما يُعتبر مجالًا محجوزًا لما يسمّى بـ«العلوم الصلبة» ، إلا أنه في الواقع يستمد جذوره من أرضية خصبة تكونّها العلوم الإنسانية والاجتماعية. لذلك ، تقترح مساهمتنا استكشاف الديناميات المعقدة بين الذكاء الاصطناعي والعلوم الإنسانية والاجتماعية ، مع الإنكباب بشكل خاص على تفاعلاتها مع هذه الظاهرة التكنولوجية الجديدة في بلدان الجنوب الأقل تقدمًا في المجال الرّقمي. في الجزء الأول، نناقش الفكرة المنتشرة على نطاق واسع بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون حكرًا على العلوم الصلبة أو ا الصارمة. هذا المفهوم، الذي يكون في كثير من الأحيان محدودًا، يحجب في الواقع أهمية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في نشأة الذكاء الاصطناعي نفسه. ومن خلال استعراض تاريخ الذكاء الاصطناعي، سنسلط الضوء على مساهمات العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة التي غالبًا ما تكون مجهولة ، مع التساؤل في نفس الوقت عن طبيعة إسهامهما وعلاقتها بهذه الثورة التكنولوجية. ويرتكز الجزء الثاني من تحليلنا على بلدان الجنوب الأقل تقدماً رقمياً ، والتي تشهد انتشاراً للذكاء الاصطناعي بتفرّعاته المعقدة. فكيف تتفاعل العلوم الإنسانية والاجتماعية مع هذه القوة التحويلية في هذه السياقات الخاصة؟ وما هي الرهانات التي تنشأ من الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي في هذه المجتمعات؟ سنسعى للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من خلال استكشاف الديناميات التي تميز التلاقي بين الذكاء الاصطناعي والواقع الاجتماعي والثقافي لبلدان الجنوب. وعلى خلفية هذا التفكير، ستظهر ضرورة اتباع نهج شامل، حيث لا تُهمل العلوم الإنسانية والاجتماعية في الهامش،و بل ستُعتبر أركانًا أساسية في بناء ذكاء اصطناعي وطني يستجيب للمصالح والخصوصيات المحلية. I. أهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية في تأسيس الذكاء الاصطناعي في سرديات مخاض الذكاء الاصطناعي ونشأته ، تم التركيز في كثير من الأحيان على العلوم الصلبة أو «الصارمة» ، مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي هو في المقام الأول شأن هذه العلوم . ومع ذلك ، يكشف تحليل أعمق أن العلوم الإنسانية والاجتماعية ، التي تصنف وتُعترفُ بأنها علوم ناعمة أو « رخوة » ، لعبت دورًا حاسمًا حيث انّ تخصصات مثل الفلسفة والاقتصاد وعلم النفس والألسنية قدمت مساهمات هامة في تصوّر الذكاء الاصطناعي وتطوّره وهو ما يبعث على الاعتقاد أنّ هذا « التحالف » بين التخصصات ساهم في فهم ومعالجة الأبعاد الإيتيقية .والثقافية والمجتمعية للذكاء الاصطناعي. بالنظر بعناية في قائمة المنظمين والمشاركين في المؤتمر التأسيسي للذكاء الاصطناعي كتخصص علمي في دارتموث عام 1956 ، سنلاحظ وجود مارفن مينسكي ، عالم حاسوب ، جون ماكارتي ، عالم حاسوب ، آلان نيويل ، عالم حاسوب وعالم نفس المعرفة ، هربرت أ. سيمون ، عالم متعدد المجالات ، مما يوحي بأن الذكاء الاصطناعي سيكون في المقام الأول شأن العلوم الصلبة أو «الصارمة» (1) ومع ذلك ، فإن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال من إسهام العلوم الناعمة المعروفة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية في ولادة وتطوير الذكاء الاصطناعي (2). 1. الذّكاء الاصطناعي شأن العلوم الصلبة؟ هل الذّكاء الاصطناعي شأن العلوم الصلبة؟ وفقًا لفكرة منتشرة على نطاق واسع ، يعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي حكر على العلوم الصلبة. يمكن فهم ذلك لأن مصمميه أومبتكريه ومروجيه ا كانوا في الأساس علماء رياضيات وعلماء حاسوب وإحصائيين وعلماء أعصاب وروبوتيات (بارو، ب، 2020).) . يمكن أيضًا فهم ذلك إذا اعتمدنا على حكم الأغلبية ، فعندما نستعرض قصة ولادة الذكاء الاصطناعي التي يمكن تحديدها بين عامي 1943 و 1955 (روسل، س، نورفيج، ب، 2006) ، سنلاحظ الوجود السائد والحاسم للعلماء العاملين في تخصصات تنتمي إلى ما يعرف بـ "العلوم الصلبة" مثل مارفن مينسكي ودين إدموندز ، اثنين من علماء الرياضيات في جامعة برينستون اللذان قاما ببناء أول حاسوب مزوّد بشبكة عصبية في عام 1951 ، أو آلان ماثيسون تورينج ،عالِمٌ آخر من برينستون ، رياضياتي ، ومعلوماتي ، ومناطقي ، ومحلل تشفير ، وفلسفي وعالم أحياء نظري [1] ، الذي كان أول من صاغ رؤية شاملة للذكاء الاصطناعي في مقاله عام 1950 "الحواسيب والذكاء" (روسل، س، نورفيج، ب، 2006). قول ذلك ليس سوى وجه من وجهين للحقيقة، والوجه الآخر يتمثل في القول بأن التخصصات الأخرى، وليست الأقل أهمية، (الفلسفة، الاقتصاد، علم النفس، علم اللغة)، المصنفة في فئة العلوم الناعمة، تعتبر مثلها مثل الرياضيات وعلوم الحاسوب والأعصاب والبيولوجيا الجزيئية، من بين التخصصات المؤسسة للذكاء الاصطناعي (روسل، س، نورفيج، ب، 2006). هذا يدل على أنه حتى لو كان هناك علوم "صلبة" وأخرى "ناعمة"، (هوبرت، ك، 2021)، فإن التمييز بين الفئتين من العلوم هو مضلل ويعود إلى توزيع الأدوار بين فاعلي الذكاء الاصطناعي دون أن يكون هناك بالضّرورة فاعلون رئيسيون و ثانويون . إذن لماذا هذا التمييز؟ يعود أصل هذا التمييز إلى اللغة الإنجليزية، كما يوضح مقال"العلم" في "القاموس التاريخي للغة الفرنسية" (2010) حيث يمكن أن نقرأ ان العلوم الصلبة هي«العلوم الدقيقة أو الاستنتاجية أو الاستدلالية الافتراضية» والعلوم الناعمة هي «العلوم الإنسانية عندما لا تلجأ إلى الحساب أو التجربة» (...)» [2]. يشير هذا التمييز أيضًا إلى مجال علوم الحاسوب حيث يتم التمييز بين"الأجهزة" و "البرمجيات" كما أكد ديلاتر: «تم صياغة هذه المجاز استنادًا إلى التمييز بين الأجهزة والبرمجيات في علوم الحاسوب: تتعلق العلوم الصلبة بالأجهزة (المعدات المادية للنظام) ، والعلوم الناعمة بالبرمجيات (البرامج التي يمكن للمستخدمين استخدامها) » (ديلاتر نيكول، 2010). عاد ستيفن شابين، المؤرخ وعالم الاجتماع، إلى هذه الصورة المجازية في مقال نشر في يونيو 2022 في مجلة "تاريخ العلوم"، حيث سعى إلى تتبع ظهور واستخدامات مصطلحات "العلوم الصلبة" و "العلوم الناعمة" (شابين، س، 2022). في هذا المقال المعنون "العلوم الصلبة، العلوم الناعمة تاريخ سياسي لمجموعة تخصصية" [3]، يشير شابين إلى غانو دن، مهندس صناعي الذي يعتبر أول من استخدم عبارات "العلوم الصلبة" و "العلوم الناعمة" في عام 1945 خلال اجتماع نظمته الجمعية المهنية للمهندسين الميكانيكيين الأمريكيين (شابين، س، 2022). يدرج ،غانو دن، ضمن فئة "العلوم الصلبة" العلوم الرياضية والفيزيائية والبيولوجية، مبررًا هذا التصنيف بـ «الدقة التي يمكن أن تتنبأ بها [هذه التخصصات] للنتائج ». في فئة "العلوم الناعمة" ، يضع الأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والعديد من التخصصات المرتبطة بها بسبب «عجزها النسبي عن التنبؤ » (شابين، س، 2022). لذلك ، فإن التنبؤ هو الخط الفاصل الرئيسي بين "العلوم الصلبة" و "العلوم الناعمة" أو بعبارة أخرى «التنبؤ هو اختبار للعلوم الصلبة» (شابين، س، 2022). فرق آخر يكشف عنه: «العلوم الصلبة تشرح وتقنع بينما العلوم الناعمة تقتصر على الإبلاغ عن الظواهر، ويتم ذلك دون إجماع عام في كثير من الأحيان» . (هوبرت، ك،2021). هذا التصنيف، الذي لم يحقق الصدى المأمول في الأوساط الأكاديمية والجامعية بسبب ما ينقصه من اتساق وتبعات ه (جناسيا، ج، 2017)، يبدو اليوم قديمًا بعض الشيء إن لم يكن عفى عنه الزّمن إلى حد إعادة تشكيله في ضوء ظهور تخصصات جديدة بشكل خاص، مثل علوم الإدراك وعلوم الحياة والعلوم الإنسانية الرقمية والبيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية التي احتلت مكانًا أكبر على طاولة العلوم الصلبة (جان جابريل، ج، 2017). على الرغم من الجدل القائم حول هذا التمييز، فإنه لا يفتقر إلى معنى سوسيولوجي أبرزه عالم الاجتماع نورمان ستورر عندما سعى إلى توصيف فروع العلم المختلفة مؤكدا أن «المراجع التخصصية الأساسية كان من المفترض أن تكون واضحة بما فيه الكفاية بحيث تكون العلوم الطبيعية صلبة ، والعلوم الاجتماعية ناعمة » (ستورر، نورمان، 1967). سواء كانت ناعمة أو صلبة ، فإن العلوم الإنسانية والاجتماعية لم تتخلّف عن مرافقة الذكاء الاصطناعي منذ ولادته وإسهامها في تطوره لا يستهان به بالمرّة. . 2. إسهام وعلاقة العلوم الإنسانية والاجتماعية في الذكاء الاصطناعي يكون الذكاء الاصطناعي متعدد التخصصات أو لا يكون ، بمعنى أنه من الصعب وغير ممكن فهمه فقط من خلال تخصص واحد ، سواء كان علم الحاسوب أو الرياضيات أو الفلسفة أو الاقتصاد أو القانون أو علم الاجتماع ... الخ. لهذا السبب ، يشير البعض ، استنادًا إلى الأبعاد المتعددة للذكاء الاصطناعي ، إلى علوم الذكاء الاصطناعي (بارو، ب، 2020). في هذا النطاق الواسع من التخصصات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتكوين الذكاء الاصطناعي، نستكشف إسهام وعلاقة الفلسفة وعلم النفس والألسنيّة بالذكاء الاصطناعي. أ. الفلسفة و الذكاء الاصطناعي الفلسفة هي الأقرب من جميع التخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي. وتبعا لذلك يُرجِع رودولف جيلان (2022) تأثير الفلسفة في نشأة الذكاء الاصطناعي إلى أرسطو الذي ألهم بشدة المنطق الثلاثي [4] الذي يكمن في أساس عمل الذكاء الاصطناعي . جورج بول، فيلسوف وعالم رياضيات إنجليزي من القرن التاسع عشر، قد طبق مفاهيم المنطق الأرسطي على الرياضيات من خلال تشكيله، على وجه الخصوص، المنطق الثنائي الذي يستند إلى فكرة أن « الأمر إما أن يكون صحيحا أو خاطئا» (روودولف جيلين، 2022). من هذا المنطق الأرسطي، المكمل بالمنطق البولياني، أخذ مبتكرو الذكاء الاصطناعي الإلهام لنقل قدرة الإنسان على التفكير إلى الآلة. سنذكر من بينهم اسمين بشكل رئيسي: كلود شانون، الذي « اخترع الأساس المادي للحواسيب» (روودولف جيلان، 2022)، وألان تورينج الذي «طور مبدأ ما نسميه البرمجيات اليوم » (روودولف جيلان، 2022) لم يقتصر إسهام الفلسفة في الذكاء الاصطناعي على أسسها النظرية بل امتد إلى أسسها المنهجية من خلال "اقتراضها" أحد النهجين اللتين استخدمتهما لجعل الآلات ذكية، وهو النهج الرمزي [5]، الذي يعتبر وريثًا لأرسطو والفيلسوف الألماني فريج، والذي "يهدف إلى وصف عملية عمل العقل البشري من خلال نماذج منطقية (بارو، ب،2022 ) . من هذا النهج الرمزي الأرسطي المكمل بالنهج البولياني(نسبة الى جورج بول)، استوحى مبتكرو الذكاء الاصطناعي في محاولتهم نقل قدرة التفكير البشري إلى الآلة. سنذكر اسمين بشكل رئيسي: كلود شانون، الذي "اخترع الأساس المادي للحواسيب" (روودولف جيلين، 2022)، وتورينج الذي وضع مبدأ ما نسميه اليوم "البرمجيات" (روودولف جيلين، 2022). في كتابه "نهاية الفرد: رحلة فلسفية إلى أرض الذكاء الاصطناعي"، يتساءل غاسبار كوينينغ، موضحًا كيف يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي حلم كل فيلسوف: «إذا لم يكن من السهل صنع آلة تفكر تعفينا من الأخطاء المنطقية والأحكام المسبقة الفردية والتضليلات المفاهيمية، فإنّ خوارزمية تحسب الحقيقة، تعطينا أخيرا، بعد آلاف السنين من الجدل المتكرر، الإجابة على أسئلتنا الأكثر وجودية؟» (كوينينغ، غ، 2019). يبدو أن ّ هذا التمني السريالي أو الطوباوي غير قابل للتحقيق بسبب عدم قدرة الآلة الذكية على التفكير. فالآلة التي تفكر بالتأكيد ليست للغد ولكن السؤال يبدو مطروحًا بشكل جيد: « هل يمكن للذكاء الاصطناعي التفكير؟ » (هوبرت. ك، 2021). إذا كان الذكاء الاصطناعي، في الوقت الحالي وعلى المدى القصير، غير قادر على التفكير، فهل سيكون كذلك على المدى التوسط أو الطويل ؟ لمعرفة ذلك، يبدو أن آلان تورينغ الذي اقترح مراعاة السؤال هل يمكن للآلات التفكير» كان "واثقًا في المستقبل عندما أعرب عن أمله في أن تلتحق الشبكات العصبية لأنظمة الذكاء الاصطناعي بالإنسان في مجال التفكير: « يمكننا أن نأمل أن تنافس الآلات البشر في جميع المجالات الفكرية الخالصة » (كوبلاند، ب. جاك، 2004). لحد الآن، لم نصل بعد إلى هنا! في المرحلة الحالية، تركز البحث في مجال الذكاء الاصطناعي على تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، « من خلال برمجة كمية هائلة من القواعد، ينجح الكمبيوتر ببراعة في اجتياز اختبار تورينغ » (بارو، 2020) ,ولكن هذا لا يعني أن منظومة الذكاء الاصطناعي التي تنجح في تقليد الإنسان تفكر مثل الإنسان. هذه « الأنسنة » للآلة تبدو غير مكتملة لأنها تفتقر إلى عنصر أساسي وضروري وهو الوعي الذي يعتبر خاصًا بالإنسان كما تم تأكيده في النقاش الذي أثار ه السؤال:«هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون له وعي؟»، وهو سؤال فلسفي بامتياز يبرز العلاقة بين الفلسفة والذكاء الاصطناعي ولكنه يقسم الخبراء حيث يعتقد بعضهم أنه «من الوهم (وبدون شك من غير المأمول) أن نأمل في أن نمنح الذكاء الاصطناعي وعيًا أخلاقيًا» (جيلان، رودولف، 2022). وعي أخلاقي، إيتيقي أو مهني؟ الدقة مطلوبة هنا أيضًا لأنه يجب ألا ننسى أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى أداة لا يمكن أن يكون لها وعي غير الوعي الذي يرغب الإنسان المطور لها في منحه إياها وهو المسؤول الوحيد عن «زلّاتها» أو «انحرافاتها» . تحت منظار الفلسفة ، يتم صياغة العلاقة مع الذكاء الاصطناعي كمعادلة للإنسان في جهوده للأنسنة والتحضر ، أو بعبارة أخرى بين قطبيه الاثنين، القطب الأول "الحيواني المصمم كـ "ساخن" والقطب الثاني "الآلي المصمم كـ "بارد". هذه العلاقة بين البشري والآلي تدرك ليس من زاوية الجاذبية/الانزعاج تجاه التكنولوجيا بشكل عام والتكنولوجيا الجديدة بشكل خاص، ولكن من زاوية جديدة وهي « الحيوانية والإنسانية والآلية » (ثيسارد، 2022 ص. 282). بهذا المعنى الفلسفي ، أثارت مسألة هذه العلاقة مخاوف وخشيات لها ما يبررها عند البعض وغير مبررة لدى البعض الآخر والتي تنبع من المخاطر التي يمكن أن يتسبب فيها الذكاء الاصطناعي للمجتمع البشري (سيرج. بويس، 2016). إلاّ أنّ علاقة العلوم الاجتماعية والإنسانية بالذكاء الاصطناعي ، لا تقتصر على الفلسفة فحسب ، بل تشمل أيضًا علم النفس والأَلسنية اللذان كانا لهما دور في تصميم الذكاء الاصطناعي وعمله . فقد اعتمد علماء النفس فكرة أن البشر والحيوانات يمكن اعتبارهم آلات معالجة معلومات. وقد أظهر علماء اللغة أن استخدام اللغة يندرج ضمن هذا النموذج. مهما يكن من أمر ، يجب أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي ، قبل أن يصبح تقنية صناعية ، يمثل مشروعًا فلسفيًا لفهم العالم، فهم العالم وتمثّله المعبر عنهما بلغة مختلفة أشكالها (حروف ، أرقام ، رموز ، صور) مما يعيدنا إلى التحدث عن دور عالِم اللّسانيات في ظهور الذكاء الاصطناعي. ب . علم اللّسانيّات والذكاء الاصطناعي كل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعتمد على اللغة بمعنى أن الهدف الذي سعى إليه صانعوه تاريخيا على مدى سيرورة نشأته وتطوّره ، هو جعل الكمبيوتر، الآلة يتكلم. ووظيفة الكلام هذه المخصّصة نظريا للبشر، هي التي عمل علماء الّلسانيات على تعزيزها. فخلال ندوة عُقدت في سبتمبر 1956، شهرين بعد مؤتمر دارموث الذي شهد "ولادة" الذكاء الاصطناعي، قدم جورج ميلر، أحد مؤسسي علم النفس اللغوي، الذي يربط بين اللغة والإدراك في تحليل إنشاء واستخدام اللغة، مداخلته بعنوان « رقم سبعة السحري »(ميلر، ج.،1956 ) بينما عرض نعوم شومسكي، المعروف من جملة ما يعرف عنه، بأعماله في مجال اللّسانيات والذي قضى عمره في دراسة الذّكاء البشري ،«ثلاثة نماذج لوصف اللغة» (شومسكي ، ن .،1956) وعرض الثّنائي ألان نويل، عالم كمبيوتر وعالم نفس إدراكي، و هربرت سيموني عالم سياسيي وعالم إقتصاد وعالم إجتماع، من جهتهما « النّظريّة المنطقيّة للآلة »( نويل، أ.، و سيمون، هـ. ، 1956 ). هذه الأوراق الثلاثة المؤثرة أظهرت كيف يمكن استخدام النماذج الحاسوبية للتعامل على التوالي مع بسيكولوجيا الذاكرة واللغة والتفكير المنطقي. تداخل اللّسانيات في الذكاء الاصطناعي لم يخل من إثارة مناقشات شيقة حول طبيعة اللغة (هل هي فطرية، أم مكتسبة؟) وطبيعة العلاقة بين ما هو بسيكولوجي وبيولوجي ، مثل المناقشة التي جمعت في عام 1975 بين جان بياجيه، مؤسس الأبستمولوجيا الوراثية، ونوام تشومسكي حول تعلم اللغة ( بياتيلي بالماريني،. م.، 1979). في ظل هذا النقاش والفوران حول اللغة، تم إذًا إنشاء علم اللّسانيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في نفس الفترة وتطورا معًا متقاطعين في مجال هجين يسمى اللّسانيات الحاسوبية أو المعالجة الآليّة للّغة الطبيعية (ستيوارت راسل؛ بيتر نورفيج، 2006). منذ ذلك الحين ، تطور معالجة اللغات الآلية في ثلاثة اتجاهات : «بحث في قوة التحاليل ، وتوجه نحو اللسانيّات المدوّناتية وإرادة مؤكّدة للتقييم». (جيرارد ، صباح ، 1988). بالإضافة إلى ذلك ، تم طرح العديد من أنظمة معالجة اللغات الآلية التي تعتمد على استخدام الكلمات الرئيسية وعدد محدود من القواعد النحوية (جيرارد. ،ص.،1988) ، 1988ص) في السوق ، بما في ذلك: بيزبول BASEBALL ، الذي يعطي إجابات على أسئلة باستخدام قاعدة بيانات ؛ ستودينت STUDENT، الذي يحل تمارين الجبر الأساسية ، و أليزاELIZA ، النموذج الأعلى لأنظمة التكرار (جيرارد. ، ص.، 1988). هذه الأنظمة الأولى لمعالجة اللغة الطبيعية آليّا تبين أنها غير موثوق بها كما أنّ إدراك اللّغة سرعان ما تبيّن أكثر تعقيدا مما كان يبدو عام 1957. (روسل.، س ؛ بيتر.، ن، 2006) يبقى أنّ الجوهر الأساسي للأعمال الأولى حول تمثّل المعارف (دراسة ترجمة المعارف في شكل يسمح للكمبيوتر بالاستدلال) مرتبط باللغة ومغذى بأبحاث في اللّسانيات ، التي تستمد بدورها من عقود من الأبحاث المكرسة للتحليل الفلسفي للّغة. (روسل.، س ؛ بيتر.، ن، 2021) وهكذا كانت اللّسانيّات واحدة من التخصصات الرائدة التي شاركت بصفة مشتركة منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في البرنامج المعرفي مع علم النفس والذكاء الاصطناعي. ج. علم النّفس والذكاء الاصطناعي العلاقات بين علم النفس والذكاء الاصطناعي معقدة ومتعددة الأبعاد. وبالنظر إلى الأسئلة المختلفة المرتبطة بها م ومراحل تطورها المختلفة ، فإنّ هذه العلاقات تحولت من التعاون والمعاضدة التعاون إلى التنازع . وفي الواقع، فقد كانت لعلم النفس مساهمة كبيرة في الذكاء الاصطناعي. لقد ساعدتها بشكل خاص في نمذجة السلوك البشري من خلال التأثير على طريقة تطوير الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي للنماذج الإدراكية التي تحاول إعادة إنتاج السيرورات الذهنية البشرية. كما تدخل علم النفس في تصميم واجهات المستخدم وعلمت الحواسيب كيفية إدراك البشر وتفاعلهم و استجابتهم لأنظمة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، سرعان ما تحولت العلاقات بين علم النفس والذكاء الاصطناعي من التعاون إلى التنازع. هذا التغيير في طبيعة العلاقات بين الطرفين يعود إلى اختلاف وجهات النظر فيما يتعلق بقضايا أساسية مثل الوعي والشّعور في الآلة المزودة بذكاء اصطناعي. للتّذكير فإنّ هذه الأسئلة تأتي في أعقاب المشروع المستقبلي لروّاد الذكاء الاصطناعي والذي يرغب خلفاؤهم في مواصلته. كان هذا المشروع الذي يبدو وكأنه حلم يهدف إلى تحقيق نجاح في سعيهم لجعل وكلاء الذكاء الاصطناعي يقومون بجميع المهام والوظائف المنوطة طبيعيا بعهدة الإنسان، بما في ذلك،منحهم وعيًا وقدرة على الشعور والتعبير عن المشاعر. يجب أن نتذكر، في هذا الصدد، ما كتبه هيربرت سيمون، أحد رواد الذكاء الاصطناعي في عام 1957:«.هدفي ليس أن أفاجئكم أو أصدمكم، ولكن أبسط طريقة لتلخيص الأمر هي أن هناك الآن في العالم آلات تفكر وتتعلم وتبتكر. بالإضافة إلى ذلك، ستزداد قدرتها على القيام بهذه الأشياء بسرعة حتى يصبح، في المستقبل المنظور، نطاق المشاكل التي يمكنها حملها متساويًا تقريبًا مع نطاق تطبيق العقل البشري». بواسطة برمجة كمية هائلة من القواعد، ينجح الكمبيوتر ببراعة في اختبار تورينج. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أنه يفهم الصينية أو حتى أنه ذكي. ليس لأن نظاما آليّا نجح في تقليد الإنسان يعني أنه يفكر مثل الإنسان. لم يخبرنا هيربرت سيمون إلى أي حد يمكن أن يصل إليه نظام الذكاء في التنافس مع الإنسان؟ هل سيصل إلى امتلاك وعي ومشاعر؟ السؤال جدير بالطرج حبث أنّ الوعي والمشاعر يظهران كعنصرين أساسيين في صنع آلة في شبه صورة إنسان. وهذان العنصران هما المشكلة في العلاقات بين علم النفس والذكاء الاصطناعي . i. الذكاء الاصطناعي والوعي الوعي البشري هو ظاهرة معقدة تشمل جوانب مثل الوعي بالذات والإدراك الشخصي وفهم البيئة. هذه السمات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبيولوجيا وبنية الدماغ البشري، وإعادة إنتاجها في آلة يشكل تحديات كبيرة. وبالرّغم من أن الذكاء الاصطناعي قد يقلد بعض جوانب السلوك البشري والفهم، إلا أن تطوير وعي اصطناعي حقيقي لا يزال يثير جدلاً شيّقا وحماسيّا بين العلماء والفلاسفة لدرجة أنه وصف بـ«حروب الضمير». يتساءل عدة باحثين منتقدين ومشكّكين عن إلإمكانيّة النّظريّة للآلات في أن تطوّر وعيا وتجربة ذاتية. دافيد،كالميرز فيلسوف أستزالي ، صاغ المشاكل المتصلة بالوعي مميّزا بين « المشاكل العويصة والمشاكل السّهلة » (كالميرز.، د.،ج.، 2010). وبيّن أنّ المشاكل السهلة للوعي هي التي يبدو لها حساسية مباشرة إزاء المناهج المنمنطة للعلوم الإدراكية التي بواسطتها يتم تفسير ظاهرة من خلال أواليات معلوماتية أو عصبيّة. أمّا المشاكل العويصة فهي التي تبدو صامدة أمام هذه المناهج. (كالميرز.، د.،ج.، 2010) إلّا أنّ موقف كالميرز لا يخلو من غموض. فهو فعلا يساند حتّى إذا كنا نستطيع شرح الجوانب الوظيفيّة والإدراكيّة للعقل يبقى هناك جانب صعب يتعلّق بالتجربة الذاتيّة ومن المؤكّد انّ هذا يمكن إعادة إنتاجه في آلة، ولا يستبعد فكرة أنّ الوعي يمكن الإحساس به من قبل الآلات والبشر على حد سواء. (كالميرز.، د.،ج.، 1996) بالإضافة إلى ذلك، يعارض جون سيرل الادعاءات التي تفيد بأن العقل يعمل مثل الحاسوب وأن الوظائف الدماغية يمكن تكرارها باستخدام برامج حاسوبية (سيرل، ج.، 1997). في كتابه الموسوم «في ضلال الفكر: بحثا عن علم للضمير» يتساءل روجي بنروز عمّا إذا كان الإطار العلمي الحالي كافيا لشرح ميكانيزمات الفكر. وبيّن مستندا الى حجج رياضيات مرتبطة بنظرية جودل، أنّ الفكر الواعي غير قابل للإختزال في الحساب ولا يمكن إذًا لأيّ حاسوب محاكاة الوعي البشري أبدًا .(بينروز .، ر.،، 1995) هوبرت دريفوس، من جهته، أثار ضجة في مجتمع الذكاء الاصطناعي عندما نشر في عام 1972 «ما لا يمكن للكمبيوترات القيام به: نقد للعقل الاصطناعي » "، وهو عبارة عن« بيان» عن عجز خاص بالآلات العقلية عن تقليد وظائف عقلية عالية. (دريفوس، هـ.، 1972). في إعادة طبع كتابه (إصدار مراجع وموسع)، أضاف دريفوس مقدمة طويلة تصف التغييرات وتقييم نموذج الاتصالية وشبكات الأعصاب التي غيرت مجال الذكاء الاصطناعي (دريفوس، هـ.، 1992). في زمن كان الباحثون يقترحون مشاريع كبيرة لحل مشاكل عامة وآلات ترجمة تلقائية ، كان دريفوس يتنبأ بأنهم سيفشلون لأن تصميمهم لعمل العقل كان ساذجًا ومصمموها لم يفهموا أن الإنسان فريد (دريفوس ، هـ. ، 1992). فريد بوعيه ومشاعره. ii. الذكاء الاصطناعي والمشاعر إذا نجح في تقليد التفكير البشري، فلماذا لا يكون الكمبيوتر المزود بذكاء اصطناعي قادرًا على تقليد الإنسان في ردود فعله وتفاعلاته السلوكية في مختلف الحالات التي قد يواجهها؟ بمعنى آخر، هل يمكن لجهاز ذكي أن يحسّ وأن تكون له مشاعر ؟ نظريا، من السهل التفكير والقول بذلك، ولكن في الواقع، المهمة صعبة للغاية. في كتابه « الذكاء الاصطناعي: نحو سيطرة مبرمجة؟»، يؤكد جان-غابرييل غاناسيا أن "إظهار مشاعر الآلات والوصول إلى وعيها يبدو صعبًا حاليًا، لأنها مجرد تجميعات لمكوّنات مادية لا تشكل كيانات عضوية قادرة على إدراك أنفسها كمواضيع. ومع ذلك، على الرغم من جميع هذه الحجج، لسنا قادرين على التأكيد بيقين أنها خالية من الوعي» (غاناسيا، ج. ج.، 2007). خالية من الوعي؟، ربما نعم في الوقت الحالي، ولكن خالية من المشاعر ، فمن الأرجح لا. روزاليند بيكارد، مذكّرة بكلام مارفن مينسكي:«ليس السؤال ما إذا كانت الآلات الذكية قادرة على إبداء مشاعر ، ولكن ما إذا كانت الآلات قادرة على أن تكون ذكية بدون مشاعر»,، (بيكارد، ر، 2000)، وكانت إجابتها في هذا الصدد قاطعة :«اليوم، لدينا الدليل على أن المشاعر جزء لا يتجزأ من الذكاء، وخاصة فيما يتعلق بالإدراك والتفكير العقلاني واتخاذ القرارات والتخطيط والإبداع وهكذا دواليك» (بيكارد، ر، 2000). وتهدف الإعلامية العاطفيّة التي كانت روزاليند بيكارد أول من استعمل مصطلحها في كتابها "Affective Computing" (بيكارد ، ر. ، 2000) ،إلى دمج المشاعر في أنظمة الحوسبة. وهي الآن فرع من فروع التخصص في مجال الذكاء الاصطناعي. و قد اهتمّ بها العديد من الباحثين والعلماء المتخصصين في علم النفس الذين انكبوا على موضوع العاطفة الاصطناعية لفحص البناء الاجتماعي للعواطف وتحليل دوافعها ومحركاتها ودراسة التفاعل العاطفي بين الإنسان والآلة. وهكذا ، تميز روزاليند بيكارد بين الحالة الشّعوريّة والحالة العاطفية، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الكلمتين قابلتان للتبادل وتقترح معايير تصميم لوضع أنظمة شعورية (بيكارد، ر. 2000). لكن السيرورة الشعورية الاصطناعية تحتاج لتكتسب النجاعة إلى تواصل جيد بين الجهاز والمستخدم. و« تستفيد الإعلامية العاطفية من ذلك لبناء واجهات بين الإنسان والآلة أو بشكل عام ، الروبوتات التي تتبادل الاتصال مع البشر باستخدام لغة المشاعر. وهذه الأخيرة تثار فينا من خلال الألوان والأصوات أو التعابير المرتسمة على وجوه الكائنات الافتراضية التي نفترض أننا نتبادل معها» .(غاناسيا، ج. ج.، 2007) وإلى جانب روزاليند بيكارد اهتمّت كاثرين بيلاتشو أيضًا بتفاعل الإنسان مع الآلة ، حيث حلّلت نظريات المشاعر التي تقوم عليها النماذج الحاسوبية ، بما في ذلك أساسا الوكلاء الحواريين المتحركين « بسبب قدرتهم التعبيرية وقدرتهم على جذب المستخدمين من خلال إقامة علاقات اجتماعية وشعورية معهم». (بيلاتشو ، سي ، 2011). أمّا جون مكارثي، الذي ندين له بتسمية "الذكاء الاصطناعي" ، فقد أكد بجرأة في عام 1961 أن الفوارق بين المهام البشرية والميكانيكية هي وهمية. فقد كان هناك ببساطة بعض المهام البشرية المعقدة التي قد تستغرق وقتًا أطول لتتشكّل ويتّم حلها من قبل الآلات (كراوفورد، كيت، 2021). و يعتقد الكثيرون أن من بين هذه المهام هناك المهمة العاطفية أو الشعوريّة وأن المشاعر التي تنتجها الآلات حاليًا من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست سوى محاكاة.وذكّر جان غابرييل غاناسيا في هذا الصدد بأنّ "«مشروع الذكاء الاصطناعي يهدف بالفعل إلى محاكاة القدرات المعرفية للعقل بشكل عام ، سواء كانت بشرية أو حيوانية (…) ». واستنتج انّه «بالتأكيد ، قد لا تكون للآلات وعي ؛ لا نعرف شيئًا عن ذلك (...) ولكنها ليست بحاجة إلى ذلك لتصبح ذكية ، بالمعنى الذي يعطى لهذه الكلمة في الذكاء الاصطناعي. على العكس من ذلك ، يجب أن نفهم الميكانيزمات الشعوريّة البشرية حتى نتمكن من منح الآلات هذه القدرة ومنحها الذكاء ». (غاناسيا. ج. ، ج. ، 2007) في نفس الاتجاه دافع ، داج إنجلبارت، أحد رواد تفاعل الإنسان مع الحاسوب، عن فكرة زيادة الذكاء البشري بدلاً من الذكاء الاصطناعي. فقد كان يعتقد أن الحواسيب يجب أن تزيد من قدرات الإنسان بدلاً من القيام بمهامه بصفة أليّة مهامه. (روسل.، س ؛ بيتر.، ن، 2021) حتّى و إن كنّا قادرين اليوم على إنشاء أنظمة حاسوبية تكشف وتفهم وتتفاعل بمحاكاة مع المشاعر البشرية، إلا أن مسألة إعطاء آلة قدرة التظاهر بالمشاعر تطرح مشكلة إيتيقيّة، لأنّه على سبيل المثال، إذا تظاهرت آلة بالتعبير عن التعاطف، فقد يتسبب ذلك في إيقاع المستخدمين في خطأ فيما يتعلّق بحقيقة طبيعة الاجابة الشعوريّة عن طريق المحاكاة وهو ما أثار قلق بعض الخبراء بشأن التّعامل بشفافية مع المستخدمين، والتلاعب بالمشاعر وتحميل المسؤولية في حالة سوء الاستخدام. وقد دفعت، تمنيت جيبرو، المديرة المشاركة السابقة لمجموعة البحث في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، ثمن ذلك بإثارتها مسألة إيتيقية هامة بعد أن تم طردها بناءً على تقرير لعمليّة تدقيق شاركت في كتابته والذي "عبرت فيه عن قلقها من أن النماذج اللغوية الكبيرة تتقدم بدون تقييم كافٍ لمخاطرها المحتملة واستراتيجياتها المخفضة من اعتبارها. (جيبرو، ت.، وآخرون، 2020)". كيت كرافورد، الباحثة في الذكاء الاصطناعي والإيتيقيا ، ذهبت أبعد في تقديرها النقدي للذكاء الاصطناعي بشكل عام، مشيرة إلى أن «مفهوم الذكاء قدأثار أعمالا فوضوية و تسبب في أضرار على مر القرون وتم استخدامه لتبرير علاقات سيطرة، من العبودية إلى التطهير العرقي» . (كرافورد، كيت، 2021) II. تأثير الذكاء الاصطناعي وتحديات انتشاره في مجتمعات بلدان الجنوب ليس اختراق الذكاء الاصطناعي المجتمعات الغربية في البلدان المتقدمة تكنولوجياً كاختراقه المجتمعات في البلدان النامية الأقل تطوراً رقمياً. في إطار مقارن ، لاحظ تياسفي ياو راؤول أجبافون أن « إذا كانت المجتمعات الأكثر تطوراً تعرف بالفعل تحولًا في الروابط الاجتماعية مع التكنولوجيا المستندة إلى الذكاء الاصطناعي (...) وتدرك بشكل أفضل التحديات الرقمية والذكاء الاصطناعي وتأثيراتها عليها، فإن الغالبية العظمى من المجتمعات الأفريقية يبدو أنها لم تدرك بعد طبيعة الذكاء الاصطناعي وتأثيراته عليه» (أجبافون، ت. ي.آر.، 2022). ما لوحظ على المجتمعات الإفريقية يصح ملاحظته ، دون خشية الوقوع في الخطأ علي معظم المجتمعات في بلدان الجنوب التي تشهد اختراقًا سريعًا وغير مرغوب فيه للذكاء الاصطناعي ذي التّفرّعات والتداعيات المعقّدة. فهذه المجتمعات تتميّز بمعدل عالٍ من الأمية [8] ؛ وبمعدل ليس أقل منه من البطالة [9] و بنية تحتيّة رقميّة شبه معدومة، إلى جانب ضعف القدرة على مواجهة التحديات الإيتيقيّة للذكاء الاصطناعي، والتفاوتات الاجتماعية الصارخة المضاعفة بفجوة رقمية بالنظر إلى أن التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي عادت بالنّفع على بعض الأفراد والمجموعات أكثر من غيرهم .(فوستر، سي.، فان ويلي، أ.، وشوينفيتر، ت.، 2020) كل هذه العوامل، التي يمكن توسيع قائمتها، تعني أنه بقدر ما يكون تأثير الذكاء الاصطناعي كبيرا على مجتمعات بلدان الجنوب بقد رما تزداد أهمية التساؤل عن كيفية تفاعل العلوم الإنسانية والاجتماعية مع هذه القوة التّحويليّة في هذه السياقات المحددة (1) وحول القضايا التي تنشأ عن التبني السريع للذكاء الاصطناعي في هذه المجتمعات (2). 1. تفاعل العلوم الإنسانيّة والاجتماعية مع الذكاء الاصطناعي في مجتمعات الجنوب هناك طريقتان لتصور التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والعلوم الإنسانية والاجتماعية: من الخارج (مقاربة خارجية) ومن الداخل (مقاربة داخلية). تتعلّق المقاربة الخارجيّة بدراسة تأثيرات تطور تقنيات الكمبيوتر الجديدة، خاصة في وضعيّات العمل (رويني عبد الغني، بدون تاريخ)، في حين تهتمّ المقاربة الدّاخليّة بالتفكير في طبيعة الذكاء الاصطناعي وجعله موضوعًا للبحث في حد ذاته. كلتا المقاربتين ضروريّتان لبناء إطار معرفي عام يسمح لنا بفهم الجوانب الاجتماعية للمعرفة في شكل أيديولوجيات أو ثقافة أو معارف ، والتفكير في القيمة الإرشادية لاستخدام التكنولوجيا ، التي هي في هذه الحالة ، الذكاء الاصطناعي. (رويني عبد الغني) . أ. المقاربة الخارجيّة للتفاعل يبدو أن العلوم الإنسانية والإجتماعيّة، كما هو الحال بالنّسبة لعلم الإجتماع، تفضل التفاعل الخارجي مع الذكاء الاصطناعي (رويني عبد الغني). وهذا الاختيار منطقي في سياق الفجوة التي لا تزال تتّسع بين الشمال والجنوب في ضوء ما سيكون للتقنيات الجديدة والذكاء المعزز من تأثير كبير في البلدان النامية. وفي هذا الإطار، إذا كان هدف العلوم الصّلبة هو "التنبؤ" ، فإن دور العلوم الإنسانيّة والإجتماعيّة ضمن مقاربة اندماجيّة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحليّة هو الشرح بهدف التبسيط والفهم. وهذا هو الدور الأهم والأكثر إلحاحا للعلوم الإنسانية والاجتماعية، وتحديدا علم الاجتماع ، لتجنب الفشل بشكل افتراضي (كونيرت، ديرك. 2022) في التفاعل مع هذه الأداة “السحرية” ألا وهي الذكاء الاصطناعي، والتي ننسب إليها «قدرات خارقة» (شابين، س. 2022). إنه لمهمّ لفهمها تفسير أي ظاهرة اجتماعية، و الذكاء الاصطناعي ،كتقنية، واحدة منها (إلول، ج. 1954)، لا تحيد عن هذه القاعدة السوسيولوجيّة فكان لا بد لفهمه بشكل كامل من جميع جوانبه ا واستخداماته لكي يتسنّى فيما بعد التحكّم فيه والاستفادة منه باقّل الأضرار الممكنة كما بيّن ذلك جاك إلول (1954) . والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما اذا كانت تقنيات الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة تتبع نفس المسار .فالهواتف الذكية وغيرها من أحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات (الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة)، التي تعمل بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، منتشرة على نطاق واسع في جميع المنازل، حتى في المناطق النائية في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية حيث يقع إعلاؤها إلى مرتبة "الإلاه " بما تفرضه من احترام وقدسيّة تبجيلًا للخدمات التي تقدّمها. لكن هذا الغزو للهواتف المحمولة المجهزة بالذكاء الاصطناعي في القارة الأفريقية أو في أي منطقة أخرى من العالم لا يترك المجتمعات دون تحولات متفاوتة في عمقها . و الأمر متروك لعالم الاجتماع للرد على هذا الواقع المفاجئ الجديد، وتحليل التغيير في السلوك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وتخفيف الآثار الضارة للذكاء الاصطناعي مثل التمييز الخوارزمي، والتحيز وانعدام الشفافية في النماذج المعلوماتيّة (يوبانكس، فيرجينيا. (2018). ويجب على عالم الإجتماع أيضًا أن يتساءل عن العلاقات بين الأفراد وعلاقة الفرد بالآلة وبالآخرين. وللبقاء ضمن المقاربة الأولى للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح ظاهرة اجتماعية كاملة، فإن الأمر متروك لعلم الاجتماع، أولا وقبل كل شيء، لإجراء دراسات لمعرفة تأثير الذّكاء الإصطناعي على جميع جوانب الحياة الفردية والجماعية. ومن شأن هذا العمل الإستكشافي أن يساعد على تمثّل الذكاء الاصطناعي وتقبّله بشكل أفضل من قبل السكان المحليين الذين يستخدمون هذه التكنولوجيا. وفي هذا السّياق يجب طرح أسئلة مثل تَمثُل الذكاء الاصطناعي لمجتمع في بلد من بلدان الجنوب مقارنة بالسكان في بلدان الشمال، أو ما إذا كانت العلاقة مع الذكاء الاصطناعي هي نفسها في مجتمعات بلدان الشمال والجنوب .تثير هذه الأسئلة اهتمام العلوم الإنسانية والاجتماعية في علاقتها مع الذكاء الاصطناعي وتحث على إجراء دراسات مونوغرافيّة لتوصيف آثار التحول السريع للذكاء الاصطناعي على المجتمع المحلي بل على المجتمع بأكمله. وباستخدام نفس المقاربة فإن دراسات تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد ضرورية للإجابة على سؤال أساسي: كيف تشارك الآلة في هيكلة العلاقات الاجتماعية الجديدة للإنتاج والاستهلاك؟ إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي تتفاعل بها المؤسسات مع عملائها من خلال إ دخال تقنيات المبيعات الجديدة عبر الإنترنت، مثل المساعدين الصوتيين في المنزل. (نسرين أمين وآخرون.،2021). ب. المقاربة الداخلية للتفاعل في المقاربة الدّاخليّة يتحول التفاعل بين العلوم الإنسانية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي من المجال الخارجي إلى تفكير داخلي أعمق ضمن هذه التخصّصات. وتدعو هذه المقاربة إلى اعتبار الذكاء الاصطناعي موضوعًا للدراسة في حد ذاته ضمن العلوم الإنسانية والاجتماعية، من خلال التساؤل عن طبيعته وأسسه النظرية وآثاره الأبستمولوجيّة. ويدعّم هذه المقاربة الداخليّة مفكّرون باحثون مثل برونو لاتور الذي أكّد في كتابه" إعادة تجميع الإجتماعي. مقدمّة لنظرية الفاعل الشّبكي " (2005 )،أنّ علاقة العلم والتكنولوجيا بالمجتمع متحوّلة وليست ثابتة وتعود في جزء كبير منها إلى إلى التوسع نفسه لمنتجات العلم والتكنولوجيا . ولكن على الرغم من التحول المزدوج ي هذه العلاقة، فإنّ قليلون هم العلماء الاجتماعيين الذين استنتجوا ضرورة تعديل موضوع ومنهجية العلوم الاجتماعية وفقًا لذلك ( برونو لاتور، 2005) كما يبدو أنّ بعض المشتغلين في حقل العلوم الإنسانيّة واجتماعيّة لا يأبهون بالتغييرات التي يفرضها التطوّر التكنولوجي وبالمشاكل المرتبطة بها مثل مشكلة قاعدة البيانات( لوتشيانو فلوريدي 2019). وتتطلب هذه المقاربة الداخلية أيضًا تفكيرا معمّقا حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وهو ما يدعو الباحثين إلى أن يأخذوا مأخذ الجدّ التدخّل العلمي و إلى ضرورة أن يتساءلوا عن كيفية دمج أدوات الذكاء الاصطناعي ومناهجه بشكل فعال في أعمالهم، مع الحفاظ على حرمة مقارباتهم التخصّصية المميّزة. وهذا ما ذهب اليه غاري كينغ في أعماله حول دمج التكنولوجيات الصاعدة في البحث متسائلا في هذا الصدد حول تكيف المنهجيات الحالية والحاجة إلى ابتكارات منهجية محتملة للاستفادة الكاملة من الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.( غاري كينغ ، 1994). وهذا الأمر بدعو إلى التساؤل عمّا إذا كانت مختلف تخصّصات العلوم الإنسانيّة والإ جتماعيّة معنية حقّا بالذّكاء الإصطناعي وعما إذا كانت تتناوله بنفس الطّريقة أو إنّها على العكس من ذلك تتناوله من زوايا مختلفة منمطّة بحسب الإنشغالات الخصوصيّة والبراديقمات النّظريّة لكل تخصص منها. وعلى سبيل المثال فإنّ السوسيولوجيا بمكنها ان تركّز علة الديناميّات الدّخليّة للذّكاء الإصطناعي داخل المجنمع في حين يمكن للإقتصاد تحليل تأثيره على الميكانيزمات الدّاخليّة للأسواق. (فرانسيسكو باولو ابيو وآخرون،2023). وتلقي أعمال أريك برينجولفسون واندرو ماكفي (2015) أضواء ثمينة على ، هذه التحولات التي تغطّي الأسس النظرية والمنهجيات والاعتبارات الإيتيقيّة. وفي هذا الجانب الأخير تدعو المقاربة الداخلية إلى استكشاف الآثار الإيتيقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في سياق العلوم الإنسانية والاجتماعية. بحيث يتعيّن على الباحثين أن يكونوا واعين بالتحيزات المحتملة التي تتيحها الخوارزميات وبالقضايا المتعلقة بالشفافية والمساءلة. و قد عبّر نيكولا دياكوبولوس في كتابه" الأخبار بطريقة أليّة . كيف تعيد الخواريزمات كتابة الإعلام" عن هذه الإنشغالات الإيتيقيّة مبيّنا أهميّتها في ضمان ديمومة القيم الأساسية للبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وخلاصة القول فإنّ المقاربة الداخليّة توفّر إطارا محفّزا لفهم التفاعل بين العلوم الإنسانيّة والإجتماعيّة والّذكاء الإصطناعي بما ينير السّبيل لاندماج متناسق ومثري للذّكاء الإصطناعي في العلوم الإنسانيّة والإجتماعية كما تشهد على ذلك استخداماتها المتعددة له. ج . استخدامات العلوم الإنسانية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي من خلال منظور عقلاني، يرى جي سي جاردين استخدام تكنولوجيا الكمبيوتر في العلوم الإنسانية و الإجتماعيّة بهدف الحصول على أدوات تختبر التمثّلات التي أنشأتها تخصصاتها المختلفة وتتيح الزيادة في قدراتها الوصفيّة والتفسيريّة (جاردين وآخرون.، 1987). ونتساءل في هذا السياق، ما الذي يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي لتطوير البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية؟ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل الكثير، كما يشهد العديد من المؤلفين الذين اهتموا بهذه المسألة. يمكن تحديد مساهمة الذكاء الاصطناعي في تعزيز وتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية على مستوى المنهج وعلى مستوى المحتوى. على مستوى المنهج، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتيح للباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية الفرص لمواكبة التقدم التكنولوجي من خلال تزويدهم بأدوات البحث التي تمكنّهم من كسب الوقت والمال والفاعليّة في إنجاز أعمالهم سواء كانت تحقيقات ميدانية أو دراسات مونوغرافيّة ذات طبيعة نظرية أكثر من كل شيء آخر . ويمكن للباحث ، في هذا السياق الاستفادة ، من المعدات المتاحة للذكاء الاصطناعي، مثل تقنية آلة التعلم المعمّق ،على وجه الخصوص التي تستخدم البيانات الضخمة، وتقدم مفاهيم إحصائية عن الكميات الهائلة من البيانات، مما يسهل جميع أعمال الشرح والترميز والتفسير والتحليل(.جيلين.،ر، 2022 ). يمكننا أن نستشهد، في هذا المستوى، بمساهمة الذكاء الاصطناعي في تحليل الخطاب من خلال المساعدة الخوارزمية في تحليل نتائج مجموعة كبيرة جدًا أو تحليل الاستبيانات المخصصة لمجموعة كبيرة إلى حد ما من السكان المستهدفين والتي يصعب استطلاع آراءهم أو اتجاهاتهم بطريقة كلاسيكية. أمّا على مستوى المضمون يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم لممارسي العلوم الإنسانية والاجتماعية مجالات بحثية جديدة. لنأخذ مجال التعليم كمثال ،فمن خلال نظم التعلم الآلي،يكيّف الذكاء الاصطناعي البرامج التعليمية وفقًا لاحتياجات الأفراد، محولًا بذلك مقاربتنا في التدريس. .ويدعّم هذه المقاربة باحثون مثل جون هاتي الذي يؤكّد اهميّة التكيّف البيداغوجي لتحسين تعلّم التلاميذ (جون هاتي.،2009). وهذا يمكن أن يكون مفيدًا، ولكنه أيضًا يثير تساؤلات حول التخصيص المفرط ، مما قد يحدّ من تنوع المعارف (جال مهتا وساره فاين.،2019 ) في مجال الإعلانات عبر الإنترنت، يقوم الذكاء الاصطناعي بغربلة تفضيلاتنا بعد تحليلها ، معدّلًا سلوكياتنا في الشراء والتفاعل الاجتماعي. و قد سلّطت بحوث قام بها باريزر (2011) الضوء على مفهوم " الفقاعة المصفاة"التي تولّدها الخوارزميات والتي يمكن أن تؤدي إلى تحيزات إدراكية، بما قد يحدّ من التعرض لأفكار جديدة ويؤثّر على اختياراتنا دون أن نكون دائمًا على وعي بذلك. وثمّة مثال أعمق يظهر في مجال الصحة حيث الشّراكة بين البشر والآلات يمكن أن تحسّن في دقّة القرارات السريريّة خاصّة في متابعة التعهّد بالمصابين بأمراض القصور القلبي(مبانيا وآخرون.، 2021). غير ان ّ كل هذه الاستخدامات ،التي يتيحها الذّكاء ألاصطناعي، تثير مخاوف إيتيقيّة كبيرة تتعلق بسريّة المعطيات الشّخصيّة والوصم . ويمكن في هذا الصّدد ذكر دراسة شوشانا زوبوف (2019) حول "رأسماليّة الرّقابة" التّي تكشف كيف تستخدم الشركات الكبيرة الذكاء الاصطناعي لجمع واستغلال بياناتنا الشخصية، مشكّلة بذلك سلوكيّاتنا بطريقة قائمة غالبًا على التطفّل وغير مرغوب فيها." قطعا، سيكون الذكاء الاصطناعي فرصة بما يتيحه من إمكانيّات واسعة لاستخدامه، ولكن، من جهة أخرى، فإنه يشكل تهديدًا بمعنى أنه يعتبر مجالًا مليئًا بالمخاطر والتحديات. II. التحديات والمخاطر التي تنشأ من التبني السريع للذكاء الاصطناعي إذا كان الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً واعدة، فإن التحديات والرهانات الإيتيقية التي تنشأ عن استخدامه متعددة ومعقدة، سنتناول بالبحث من بينها بشكل أساسي الرهان السياسي (أ)، والرهان المتعلّق بالسرّية والأمن( ب)، والرّهانان الاقتصادي (ج)، والرهان الثقافي(د) و الرهان والتحدي الاجتماعيان (هـ)، والرّهان الجيوسياسي (و). أ. الرّهان السياسي يعتبر الذكاء الاصطناعي سياسيًا للغاية. فلا يتردد بعض الكتاب المنتقدين للذّكاء الإصطناعي في الإشارة بالبنان إلى تحالف معين بين قوى التكنولوجيا والمال مع السلطة السياسية لضمان هيمنة دائمة أو منافية لطبيعة الأشياء. لذلك ، فإن كيت كرافورد ، في تحليلها ما الذّي يجعل الذّكاء الإصطناعي أساسيّا بالأساس ، تدعونا إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من الشبكات العصبية والاستكشاف الإحصائي للنماذج لرؤية ، بدلاً من ذلك، ما هو محسّن ولمن، ومن يقرر (كرافورد، ك. 2021) وتختتم المؤلفة أطروحتها بهذا الحكم الذي ليس هناك وضوح بعده: «إنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي في النهاية مصمّمة لخدمة المصالح السائدة القائمة». بهذا المعنى فإنّ الذكاء الاصطناعي هو سجل من سجلّات السلطة. بهذا المنظور، يؤثر الذكاء الاصطناعي على السياسة على نحو عابر للحدود، مكيّفا الحوكمة والعلاقات الدولية. وفي هذا الصدد، يحمل انتشار الذكاء الاصطناعي في المستعمرات السابقة في أفريقيا في طيّاته الروائح الكريهة لدّائمة للإستعمار ، من خلال خاصة إعادة تشكيل الفضاء السيبرني الأفريقي. (أغبافون.،2022). لكن الحجة الأكثر وضوحًا على الرّهان السياسي الذي يمثّله الذّكاء الإصطناعي هو تهديده للديمقراطية وجعله في ي خدمة الأنظمة التسلّطية. وفي هذا السّياق يؤكّد يونغهير، أندرياس، في بحثه حول تاثير الذّكاء الإصطناعي على الديمقراطية أن هذا الأخير "قد يؤثر على تصور الانتخابات كآلية عادلة لإدارة الصراعات السياسية. يمكن أن يحدث ذلك عن طريق التأثير على الحملات الانتخابيّة ، وتكييف الخطابات وفقًا لتفضيلات الناخبين المفترضة، وإثارة المخاوف بشأن التلاعب في نتائج الانتخابات." (يونغهير، أ. 2023). ويذهب نفس الكاتب أبعد من ذلك بتسليط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي على المنافسة في مجال الحكم بين الأنظمة الديمقراطية والتسلّطيّة ، مؤكدًا أن "الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار والإدارة يمكن أن تعزز الأنظمة التسلّطيّة، مما من شأنه أن يضع موضع الشّك قيم الديمقراطيات وقوة تحملّها". (جونغهير ، أ.2023). شكل آخر من تدخل الذكاء الاصطناعي في السياسة، وليس الأقل أهمية، يكمن في "الواقع التقني للمراقبة الإلكترونية" (جاناسيا ، ج.ج. ، 2017) الذي من خلاله يتم تجميع أطنان من البيانات عن الأحياء على الأرض أينما كانوا ومهما فعلنا لإيقافها أو التحكم فيها، فلن نتمكن من ذلك أبدًا و "يخشى الكثيرون منا أن يستولي نظام توتاليتاري (شمولي) على هذه البيانات الشخصية ليبثّ الرّعب في السكّان" (جونغهير ، أ.2023). ذلك إن حماية البيانات الشخصية هي رهان هام نابع من استخدام الذكاء الاصطناعي. ب. السرية والأمان الخصوصية والأمان هما جانبان حاسمان في العصر الرقمي، والذكاء الاصطناعي يثير تحديات خاصة في هذا الصدد. قكما يلاحظ كاسيلي، فإنّ "ما كان يعتبر سابقًا خاصًا يعرض الآن في الفضاء العام، والعكس بالعكس." (كاسيلي، أ.، 2010). ويفرض قرب المجال الخاص من المجال العام تفكيرًا في التوفيق بين التقدم التكنولوجي وحماية البيانات الحساسة. و تتجلّى التحديات المتعلقة بالأمان عندما يتفاعل الذكاء الاصطناعي بشكل وثيق مع البشر. يشير نيك بوستروم وإيليزر يودكوفسكي (2011) إلى هذه المشاكل من خلال التأكيد على ضرورة ضمان عمل الذكاء الاصطناعي بأمان، خاصة عندما يقترب من البشر في ذكائه. ج. الرّهان الإقتصادي أصبح الذكاء الاصطناعي ساحة معركة اقتصادية عالمية، وتوجد أفريقيا في قلب هذا الصراع بسبب ضعف بنيتها التحتية الرقمية نسبياً (كوهنرت، د.، 2022). وتشمل المشاغل الاقتصادية المرتبطة بالذّكاء الإصطناعي التأثير على التشغيل، حيث أنّ تقديرات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يهدد نسبة كبيرة من فرص العمل في مختلف القطاعات (فراي سي.ب. وأوزبورن م.أ.، 2015). كما تثير هذه التحولات الاقتصادية تساؤلات حول كيفية الحفاظ على المساواة والاستقرار الاجتماعي في مواجهة هذه التغييرات. د. الرّهان الأخلاقي والاجتماعي هل إنّ الأغنياء فقط هم المستفيدون من الذكاء الاصطناعي؟ تسلط فيرجينيا يوبانكس، في عملها حول الآثار الاجتماعية للتكنولوجيات، الضوء على خطر أن الذكاء الاصطناعي لن يفيد إلا الأغنياء مبيّنة أنّ فوائد الذكاء الاصطناعي موزعة بشكل غير متساو، مما يزيد من اتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي، لكي يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في المجتمع، يجب وضع سياسات وتنظيمات لضمان التوزيع العادل لفوائده. (يوبانكس، ف.، 2018) واستنادا إلى عمل كاثي أونيل، يمكننا التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون بمثابة مرآة مضخّمة لأوجه عدم المساواة القائمة.وتشير الكاتبة إلى أنّه إذا لم يتم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتنظيمها بشكل صحيح، فإنها تمثّل خطر إدامة التحيزات القائمة في المجتمع. (أونيل، سي، 2017) . وعلاوة على ذلك فإنّ تأثير الذكاء الاصطناعي على الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية يمثّل موضوعًا رئيسيًا يستحق اهتمامًا خاصًا. ويسلط هذا الواقع الضوء على الأهمية الحاسمة لضمان احترام وحماية الهويات الخصوصيّة، والنّهوض بالمساواة بين الجنسين، و تعزيز التنوع الثقافي واللغوي. هـ . الرّهان الجيوسياسي أصبح الذّكاء الإصطناعي موضوع تسابق رئيسي بين الدول العظمى مثله مثل ما كان السّباق نحو التسلّح او نحو الفضاء في االقرن العشرين. ويقدّم باسكال بونيفاس الذي اشتغل على هذه المسألة رؤية قيمة للمنافسة الدولية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مؤكّدا أن الذكاء الاصطناعي أصبح محلّ تنافس بين الدول وشركات التكنولوجيا الكبرى ومشيرة إلى أنّه بإمكان الدول والشركات التي تهيمن على تطوير الذكاء الاصطناعي أن تمارس تأثيرًا كبيرًا على المسرح العالمي، سواء من حيث القوة الاقتصادية أو التأثير الثقافي أو حتى القدرات العسكرية (بونيفاس، ب.، 2021) كما أن تركيز الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد قليل من الجهات الفاعلة يخلق مخاوف بشأن تبعية وسيادة البلدان والمناطق التي تفشل في مواكبة ابتكارات الذكاء الاصطناعي حيث تجد نفسها متخلفة اقتصاديا وجيوسياسيا. ويتأكّد هذا الأمررمن خلال الأهمية الاستراتيجية التي توليها الدول لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي والمشاركة النّشيطة في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي لضمان مكانة قوية في المستقبل. خاتمة تكشف دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية في سياق الذكاء الاصطناعي عن التعقيد الخالص لتلاقي التخصصات وتضع موضع الشك فكرة أن الذكاء الاصطناعي يرتكز حصريًا على العلوم الصلبة من خلال التحليل المتعمق لبنائه، و بالتالي تأكيد الأهمية الحاسمة للعلوم الإنسانية والاجتماعية في تطوره. إن الذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه في كثير من الأحيان على أنه إبداع تكنولوجي حصري، ينبثق في الواقع من حوار بين العلوم الصلبة والعلوم الإنسانيّة والإجتماعيّة حيث إن مساهمات العلوم الإنسانية والاجتماعية في الذكاء الاصطناعي متعددة، بدءًا من الإيتيقيّات ووصولا إلى فهم الديناميكيات المجتمعية. واتّضح أنّ هذا التنوع في التخصصات عنصر أساسي في ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره بطريقة مسؤولة اجتماعيًا وإيتيقيّا . ويمكن ملامسة تأثير تغلغل الذكاء الاصطناعي في مجتمعات بلدان الجنوب على عدة مستويات فضلا عن إن التفاعل بين العلوم الإنسانية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي في هذه السياقات يبيّن الفروق الثقافية والاجتماعية الدقيقة التي تشكل كيفية تبنّي هذه التكنولوجيا واستخدامها. وتتطلب التحديات المترتبة عن ذلك، سواء من الناحية الإيتيقيّة أو الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة ، اهتمامًا خاصًا لتجنب التفاوتات وضمان فوائد منصفة . وهكذا فإنّ التقاء الذكاء الاصطناعي بالعلوم الإنسانية والاجتماعية يمنح فرصة فريدة لإثراء التنمية التكنولوجية مع احترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لبلدان الجنوب في الآن نفسه. ويتوقّف مستقبل الذكاء الاصطناعي في هذه المناطق على الطريقة التي يمكن أن يتعاون بها هذان المجالان بشكل متناغم لرفع التحديات وكسب الرّهانات النّاجمة عن استخدام الذّكاء الإصطناعي مما يضمن تقدمًا تكنولوجيًا لا يقصي أيّ طرف في كنف احترام قواعد الإيتيقيا.
#محمد_علي_بن_عامر_الطوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أضرار المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب.. إنفو جراف
-
أسهم شركات التكنولوجيا تهبط بمؤشر -نيكي- الياباني
-
وفاة جون بريسكت نائب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بعد معركة طو
...
-
تغييرات تساعد على الوقاية من الإصابة بمرض السكري
-
6 أشياء يجب فعلها حال تجاوز وزن طفلك الحد الطبيعى
-
ما هي المشروبات التي تساعد في تخفيف آلام الدورة الشهرية؟
-
عبارات جميلة عن بداية عام 2025
-
7 طرق منزلية للتخلص من الرشح ونزلات البرد
-
كلمات حزينة ومؤلمة عن سنة 2024
-
تفسير رؤية قطة تقف على كتفي في المنام
المزيد.....
-
التصدي للاستبداد الرقمي
/ مرزوق الحلالي
-
الغبار الذكي: نظرة عامة كاملة وآثاره المستقبلية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
تقنية النانو والهندسة الإلكترونية
/ زهير الخويلدي
-
تطورات الذكاء الاصطناعي
/ زهير الخويلدي
-
تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي
/ زهير الخويلدي
-
اهلا بالعالم .. من وحي البرمجة
/ ياسر بامطرف
-
مهارات الانترنت
/ حسن هادي الزيادي
-
أدوات وممارسات للأمان الرقمي
/ الاشتراكيون الثوريون
-
الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض
/ هشام محمد الحرك
-
ذاكرة الكمبيوتر
/ معتز عمر
المزيد.....
|