2462003
صفحات الإنترنت أضحت هي المتنفس الوحيد للعراقيين في المهجر، والتي تحولت بحق إلى ساحة إعلامية ممتازة بكل المقاييس، من حيث الأساس صار يعتمد هذه الوسيلة، بل ويعتبرها في كثير من الأحيان الوحيدة للمعلومات والمشاركة بصياغة مستقبل البلد. في المقابل، الإعلام العربي المنسق والمبرمج لخلق حالة من الوعي الزائف المصنوع في أروقة الجامعة العربية وكواليس الفضائيات ومكاتب الصحف العفنة، ترعاه حكومات غنية ويشارك به عراقيون مجرمون. هذا الإعلام، بكل أسف، يحقق اليوم نجاحا منقطع النضير، ومن أهم أسباب النجاح هذا غياب الرأي الآخر، أي الرأي العراقي الصميمي الذي يدافع عن العراق وشعبه.
لا شيء يثير اشمئزازي وغيظي قدر ما تفعل الإعلاميات العربية والمسوخ التي تستضيفها هذه الإعلاميات العربية حين يتحدثون عن الشأن العراقي، ونحن نستمع والدم منا يحترق ألف مرة كل يوم. يبدو إنني سأتحول من مهندس إلى إعلامي لكثرة التفكير بهذا الموضوع، فلا يكفينا أربعين فضائية، ربما أكثر، متنوعة بالأسلوب لمواجهة هذا كل هذا الكم الهائل من التشويه لقضيتنا والإهانات لشعبنا ومثقفينا. ونحن في هذا المهجر اللعين الذي لا ندري إلى متى سيطول بظل الأوضاع الحالية للعراق، يكاد المرء أن ينفجر أحيانا. ولكن لحد الآن لا يوجد هناك ولو مشروعا واحدا لفضائية عراقية ليس بها من يمتدح النظام المقبور أو من يعتبر صدام بطلا أو من يجد بإعمال الشغب بطولة بل وثورة شعبية هدفها إعادة صدام للسلطة بعد أن اكتشف العراقيون إن حكم صدام أرحم. فكم تمنيت لو إنشاء عدد من الفضائيات التي يتحدث منها العراقي الحقيقي وليس البعثي أو من هم على شاكلته. بالطبع ليس هناك مكانا للبعثي بكل الأعراف والمقاييس الديمقراطية بعد أن تجاوز على كل ما هو إنساني فما بالك بالأعراف الديمقراطية، وهذا هو السبب الحقيقي للاشمئزاز والغضب.
كلنا يعرف الوضع الإعلامي العربي وأين نحن منه، باختصار مغيبون عنوة عن الساحة لعدم امتلاك العراقيين وسيلة إعلامية واحدة مسموعة أو مقروءة عربيا، ما عدا الزمان الصحيفة العراقية الوحيدة التي تصدر في المهجر، في ذات الوقت نجد الإعلاميون العرب المعادون لقضيتنا يصولون ويجولون دون وازع أو رقيب. وسط هذا الصخب الإعلامي المضلل. نسمع أحيانا لصوت عراقي كأنه قادما من العالم الآخر، فيبدوا وكأنه نغما نشازا ضمن الجوقة الإعلامية العربية المتسقة والمتناغمة في الأداء ضد آراء ورغبات العراقيين، متضامنين ومنسجمين مع الجلادين على حساب الضحية.
بؤر التخريب القذرة في تكريت والفلوجة، صنعوا منها مقاومة شعبية وطنية وتعمل باسم الشعب العراقي.
لا يوجد في العراق من يستطيع أن يتحدث عن العراق في الإعلام العربي غير محمد الدوري أو ظافر العاني ولا وجود لغير هذه النجاسات البعثية القذرة.
العراقي الذي لا يرغب بعودة النظام البعثي فهو خائن للوطن والعروبة.
المجازر الجماعية ما هي إلا نتاج لاقتتال في الجنوب بين الشيعة فقط.
الجنوب العراقي قد أصبح أصغر من الفلوجة مساحة ونفوس وعمقا وطنيا وتاريخيا.
حتى الشهداء منا لا يحق لنا أن نسميهم شهداء لأن الذي قتلهم نظام صدام الوطني. فقد جعلوا من ضحايانا مسخة تلوكها الألسن القذرة. أنا لا أنسى ما حييت تعليقا لأحد الأخوة العرب، إن كانوا فعلا أخوة، حين ذكرت شهداء المقابر الجماعية في معرض حديث لي، أتدرون ما هو تعليق العربي؟ (بإستهزاء تسائل، وكمان عملتوا منهم شهداء؟!). ربما أكتفي بهذا المثال البسيط لمدى التشويه الإعلامي لقضية العراق والعراقيون، فحتى الشهداء منا نالوا نصيبهم منه.
بالرغم من أنهم يقولون إن نظام صدام قد ولى إلى غير رجعة، إلا إنهم بذات الوقت يهمسون بإذن المشاهد والمستمع والقارئ العربي ""إنه عائد، فلا تبتئس"". هذا ما صنعه الضجيج والهمسات الإعلامية العربية القذرة، هذه الإعلام الذي ما تضامن أو نسق مرة من قبل على قضية قدر اتفاقه على قضيتنا الوطنية ومستقبل أجيالنا.
كل ما تقدم من ناحية ومن ناحية أخرى مسألة إنهاء الاحتلال. إن إقامة النظام الديمقراطي في البلد هو التحدي الأكبر لنا. فكم من الجهود التي سنحتاجها لهذه المهمة الصعبة؟ هناك قضايا وتحديات لا حصر لها والتي جميعها بحاجة إلى إعلام عراقي واعي ومتمكن.
لنأخذ على سبيل المثال قضية رشوة مالية في الغرب، سنجد إن جميع الصحف والمجلات تعمل على فضحها وإبراز ملابساتها ومتابعة التطورات التي تأتي عليها، بتقديري إن ما يكتب عليها أكثر بعشرة مرات مما نكتبه الآن عن قضية العراق المعقدة جدا مقارنة بهذه الفضيحة البسيطة، للقارئ أن يقدر مدى ما نحتاجه من كتابات لتغطية هذه المسألة. كل هذا ونحن لا نملك إلا وسيلة واحدة متاحة لنا وسط إعلام معادي، متمرس وشرس بقذارة وغني بكل المقاييس.
المكان الوحيد الذي وجدنا أنفسنا نتحدث من خلاله هو الإنترنت، ولولا هذه الفسحة لمتنا كمدا ونحن نجد أنفسنا مكتوفي الأيدي من صياغة مستقبلنا ومناقشة قضايانا الساخنة جدا، وبذات الوقت ونحن نستمع لهذا المد الإعلامي العربي المعادي لقضية العراق. فتطوع منا مشكورا سياسيون كبار وكتاب مخضرمون ومثقفون على درجة عالية جدا من الثقافة ومهنيون يعملون ساعات طويلة يوميا من أجل لقمة العيش ولكنهم يساهمون بشكل فاعل، فتواضع الكبار منا جميعا رغم تطاول الصغار وأعمالهم الصبيانية، ولم يتركوا موضوعا إلا وأشبعوه نقاشا. بهذا استطعنا فقط أن نخلق لنا إعلاما متواضعا يناقش قضايانا بشيء من الموضوعية ويشحذ من الهمم ويبلور الأفكار وينضجها ويساهم بصياغة العراق الجديد بشكل فعال ونشط رغم محدوديته على العراقيين ممن يمتلكون الإنترنت.
يجب أن لا ننسى إن النظام المقبور لم يفرز غير الكتاب المحابين له أو الكتاب البعثيين وكلاهما ليس السياسي أو الصحفي الذي يمكن أن يسد النقص الهائل بهذا التخصص، الأعلام الذي يأخذ من الأهمية في هذه الفترة ما يمكن اعتباره من الأوليات، يجب أن يكون من القوة بمكان بحيث يستطيع أن يواجه المد الإعلامي المعادي وبذات الوقت يؤدي دوره في صياغة المستقبل.
أتذكر الأيام الأولى التي ابتدأت بها هذه المواقع العراقية بالظهور، حينها لم يكن من المشاركين فيها إلا نفر قليل من الكتاب أو من يملكون بعض القدرة على الكتابة بتقديم مواضيعهم على الشبكة باستحياء، ولولا تواضع الكبار لما استطعنا أن نساهم بخلق هذه المساحة الإعلامية التي نراها اليوم والتي أترك تقيمها للقارئ الكريم. ولكن لابد لي من الإشارة إلى إن عددا لا بأس به من الكتاب، صقلوا مواهبهم بالكتابة ولم يعودوا مجرد مشروعا أو مشاريع واعدة لولادة كتاب بل قد أصبحوا فعلا على مستوى جيد ويشار لهم بالبنان، ومع ذلك فإننا نحتاج إلى عددا من الكتاب العراقيين يزيد على عشرة أمثال العدد الموجود حاليا لتغطية المساحات التي تحتاج للبحث الجاد والمتابعة وصياغة رأي عام ناضج يساعد العراقي على تجاوز هذه الأزمة التاريخية التي يمر بها.
الشيء الملفت أيضا والذي يجب أن نثمنه هو إن هذه المواقع تمول وتعمل بجهود شخصية بالرغم من وجود المواقع التي تمولها أحزاب، وهي أيضا فقيرة إلى حد الإملاق. واليوم نشاهد أحد المواقع الرائعة وهو موقع الحوار المتمدن على وشك الانهيار بسبب متاعب وأعباء مالية تعرض لها هذا الموقع، وذلك لكثرة الزوار الذين قد بلغ عددهم اثنا عشر ألف زائر يوميا، وأصبح الموقع يحتوي على أكثر من ثمانية آلاف مقالة وأكثر من 330 موقع متفرع. فالشركة التي يعمل عليها غدت تطالب بالمزيد من المال مقابل خدماتها. تصور عزيزي القارئ، إن هذا الجهد يعتبر فرديا عملا وتمويلا! وبهذه المناسبة أود أن أدعو الجميع إلى التضامن مع هذا الموقع العراقي الرائد والممتاز بكل المقاييس أن لا يتركوه يضيع هدرا من أيدينا ونحن أحوج ما نكون إلى المزيد من هذه المواقع الرائعة.
عودا للموضوع الأساسي، إلا إن المؤسف حقا هو وقوف البعض ممن يجدون في بروز هذا العدد الممتاز من الكتاب وذلك لوجود هذه المواقع وهي الفسحة الوحيدة المتاحة لنا، يجدون بهم منافسين لهم، أو هكذا أتصور، فراحوا يسخرون منهم مرة، وأخرى يهاجموهم أو يهاجمون المواقع، ومنها بالتحديد موقع كتابات، التي أعطت للجميع مساحات جيدة للمشاركة بصياغة مستقبل بلدهم وربما لصقل مواهبهم الكتابية، لم لا، وهم منا ولنا في نهاية المطاف. لو كان هؤلاء من الكتاب الصغار، لقلنا إنهم حين يكبرون سيعرفون إن الأمر من صالحنا جميعا، ولكن ماذا بوسعنا أن نقول وهم منا بمثابة المعلم والأخ الأكبر والقائد في هذا التيه الذي يعيشه العراقيين من سياسيون وحملة مشاريع سياسية كبرى للوطن، خصوصا وإن جميع الكتاب من المتطوعين لا المرتزقة.
رغم ظهور بعض المواقع الجدية كالموقع العلمي، أرى المواقع العراقية الآن بدأت بالتقلص التدريجي، فموقع صوت العراقي قد توقف منذ فترة طويلة ولم يعد يعمل، وموقع موسوعة النهرين متوقف منذ ما يزيد على أسبوعين وموقع الحوار المتمدن يواجه مصاعب مالية تهدده بالتوقف عن العمل نهائيا، وهناك مواقع أخرى قد شل العمل بها إلى حد التوقف. في ذات الوقت كان من المفروض أن تكون هذه المساحات الإعلامية أوسع من الأول وأكثر عددا، بينما نجد إن هناك مواقع جديدة تنتمي لمدرسة التشويه الإعلامي قد بدأت بالظهور كموقع يتخذ لنفسه اسما جميلا هو البصرة.
لهذه الأسباب مجتمعة أدعو الجميع إلى دعم هذه المواقع الرائعة، طبعا باستثناء البعثية منها أو تلك التي تدافع عن النظام المقبور، إذ لا ديمقراطية مع من لا يؤمن بالديمقراطية فكرا وممارسة. وبنفس الاتجاه أدعو موقع كتابات أن ينهج هذا النهج ويحجب عن هؤلاء الأوغاد أية فرصة للحديث. قد يساء فهمي من أني ضد الديمقراطية لا سامح الله أو الفكر القومي وأحزابه، أبدا، فالأمر يتعلق بالبعث فقط، فهو من أقام الدليل على نفسه واعترف بكل جرائمه منذ التأسيس وحتى اليوم، بل مازال مصرا على الإجرام كنهج وفكر وممارسة مستمرا باقتراف جرائم جديدة كل يوم.
ومن هنا أيضا أدعو الجميع للعمل على إنشاء فضائية ولو واحدة في هذه الفترة لتصلح بعضا من ذات البين أو الخلل في الإعلام الأحادي الجانب، وذلك من خلال حث السلطة العراقية المؤقتة الموعودين بها من قبل سلطات الاحتلال على هذه المسألة، ولا ننسى إبعاد روائح البعث النتنة عنها بكل ما أوتينا من قوة.