سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:53
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
نالت السيرة الهلالية اهتماما كبيرا من قبل الدارسين الذين تناولوها من عدة زوايا وبمناهج مختلفة ,واعتمد كثيرمنهم في دراساتهم علي الروايات المدونة للسيرة, والتي مرت عليها سنين. وندرت الدراسات الميدانية للسيرة بسبب قلة وجود باحثين ميدانيين لديهم القدرةعلى الجمع الميداني بشكل منضبط وموثق ,ويرجع ذلك الى مشقة الجمع الميداني نفسه, وتكلفته المادية العالية, وصعوبة الوصول و التنقل داخل اماكن وجود رواة السيرة ...الخ ,مما ادي لموت كثير من رواة السيرة دون التمكن من تسجيل ما يحفظون من حلقاتها .
لذلك تكتسب التجارب الميدانية التي التزمت بأسس التوثيق واحترمت حقوق الرواة اهمية كبيرة , رغم قلتها و استيعابها لجزء صغير من رواة السيرة ,وتنشأ الحاجة الى وجود عمل جماعي لتسجيل السيرة وتوثيقها بشكل علمي وتغطية كل اماكن تواجد رواتها .
يعد كتاب (سيرة بني هلال- روايات من جنوب أسيوط – الجزء الاول ) للباحث محمد حسن عبد الحافظ ,الصادر من الهيئة العامة للكتاب 2006 ,وهو عبارة عن 609 صفحة من القطع الكبير , خطوة هامة في هذا المجال حيث التزم بالجمع الميداني المنضبط والموثق للسيرة في محافظة أسيوط ,والتي تعد منطقة غير مطروقة ميدانيا مقارنة بمحافظات سوهاج وقنا والاقصر واسوان والدلتا.
يتميز الكتاب - الذي هو عبارة عن رسالة ماجستير للباحث من جامعة القاهرة - باهتمامه بالكيفية التي يؤدي بها الرواة للسيرة ,وتفاعل الجمهور معهم ومشاركتهم في التأدية ,والسياقات التي أحاطت بالسيرة بجمعها وروايتها وأدائها .
والكتاب عبارة عن متن وفصلين وخاتمة وملحقين . ويبدأ بمقدمة للدكتور أحمد مرسي رائد المدرسة الميدانية في جمع الأدب الشعبي, ومقدمةللباحث ,يتبعها الفصل الاول وتتم فيه مناقشة عدد من القضايا والمشكلات الخاصة بدراسات السيرة الشعبية عموما ,مع التمثيل بالدراسات التي تناولت السيرة الهلالية ,بدءا من قضية النوع الأدبي, ومشكلة أسماء الانواع في الادب الشعبي , وفكرة فرض اسم الملحمة علي السيرة الشعبية دون مراعاة لخصوصيتها وتميزها ,وايضا التقليل من شأن النص الشفاهي لصالح النص المكتوب للسيرة واعتباره أصلا او نص أمثل وباقي النصوص الشفهية تحريفا له .
كما يعرض الباحث فكرة هامة وهي أنه ليس ثمة امتياز للثقافة المكتوبة( العالمة) عن الثقافة الشعبية(الشفاهية) في مجال التعبير عن الذات, فكلاهما يشكل طريقة من طرائق التعبير ,لكن يبدو حتى الآن ان التاريخ الوحيد الذي حفظ بعناية فائقة في معظم المجتمعات هو تاريخ الثقافة المكتوبة فيما لم يحظ تاريخ الثقافة الشعبية ( اوما يعرف بالتاريخ الشفاهي ) باهتمام كبير يليق بمكانته في بناء الاجتماع الثقافي .
ومن يدفع ثمن ذلك هو ذاكرة المجتمعات وتراكمها الثقافي ,ومعرفتنا له, فحين لا يكون في امكاننا ان نكتب تاريخ قسم هائل من التعبيرالثقافي لمجتمع او لشعب ما ,فنحن بذلك نفقد القدرة على – و الحق في- بناء وعي تاريخي بتراكمه الرمزي, خاصة وان الجانب الاعظم من التعبير في مجتمعاتنا هو تعبير ثقافي شفوي شعبي .
لقد انتجت الثقافة الشعبية كما نوعيا من المنتج الثقافي قصة ومثلا ونكتة وسيرة الخ ,للتعبيرعن موقف الجماعات من العالم والحياة ادراكا او تفسيرا اوتبريرا او سخرية ,حسب الموقف والسياق وطبيعة كل نوع ووظيفته ,لاحداث التوازن والمقاومة في واقع تاريخي يقع داخل دائرة التسلط والاختلال الاجتماعي .
ثم يناقش الباحث المناهج التي استخدمتها الدراسات السابقة في السيرة الهلالية. وفي نهاية الفصل يحدد الباحث أدوات العمل الميداني لجمع روايات السيرة الهلالية, واسباب اعتماده على هذا المنهج من بين المناهج المتعددة . لقد رأى الباحث ان يخرج من حيزالنص المكتوب الذي يتفوق علىالزمن في بقائه ,او حيزالنص المسموع عبر وسيط, والذي يمكن استعادته مرات ومرات ,ليدخل فضاء الميدان الطبيعي ,عابرا الكثير من المشكلات والطرق الوعرة التي لا يعرفها الا الذين تجشموا عناء العمل الميداني عن طيب خاطر.
يظل الجمع الميداني عملا حتميا بالرغم من مرارة ممارسته ما دام صوت رواة السيرة ما زال مدويا وسط جمهورهم .فالسيرة ورواتها وجمهورها وتقاليد أدائها هي الاكثر عرضه للموت والتفتت وللانتهاب. ان ضعفها وهشاشتها تحتاجان الى المشاطرة والصبر في العمل على اللحاق بماتبقى منهاعلى قيد الحياة .ان المعاينة الميدانية المباشرة للمأثورات الشفاهية في سياقتها الاجتماعية والثقافيةهي الشرط الرئيسي لنجاح الباحث الفلكلوري في مهامه الخاصة والدقيقة. فهو يبدو طالبا مثابرا ذهنيا وميدانيا, حيث يفترض فيه التمتع باستعداد خاص لبذل مجهود مضاعف عن غيره من الباحثين في حقول معرفية اخرى ,انه مطالب بالسيطرة على مشكلات جمة تنجم عن جمع مادة نصوصية ومعرفية هائلة من افراد غرباء عنه, مثلما هوغريب عنهم .ان ذلك يعوزه قدر كبير من الحضور وسرعةالبديهة ,والصبر, والتواضع ,والقبول, وغيرذلك من الصفات اللازمة للجامع الميداني في الادب الشعبي, فضلا عن ضرورة عبوره للحواجزالمصطنعة بين المعارف التي تتصل بالانسان والمجتمع , فبجانب الفلكلور والانثربولوجيا هناك علم الاجتماع, والتاريخ, والجغرافيا والاقتصاد, واللسانيات. وعلم النفس الاجتماعي .. الخ
كما لايخضع العمل الميداني لجمع الادب الشعبي الىالنمذجةاو الاختزال ,فالباحثون معرضون دوما للمفاجآت والاحتمالات التي لايمكن تصورها سلفا, وفي كل مرة يتوجه الباحث الميداني ,لاستكمال عمله في الجمع, يجد نفسه في وضعية مختلفة ,وامام ظروف جديدة في الوقت نفسه .
فلكل نوع من انواع الادب الشعبي مداخل وابوابا وظروفا وارضية خاصةفي الجمع, كما ان لكل قرية اوناحية من القرية اوعائلة من العائلات اوحتى فرد من الافراد تقاليد خاصة في التعامل وطقوسا مميزة في الاتصال. فأن يقبل راو او جماعة من الناس طلب الباحث للتسجيل يتطلب الكثير من شروط الفهم والمعرفة والتهيئة .
وقد اراد الباحث ان يكون بحثه مرتكزا على العناية بتدوين النصوص ,المجموعة ميدانيا, على نحو جيد, والبحث في مفرادتها اللهجية المستغلقة, لتشكيل معجم خاص بمفردات هذه الروايات مع الاستعانة –بجانب ما اتيح من معاجم العامية – بالرواة والافراد ذوي الخبرة بتفسير مفردات اللهجة ,وبالرغم من الصلة الوثيقة التي تربط الباحث بجماعة منطقة البحث فان انتماء الباحث الي النطاق الجغرافي للبحث لا يعني استباقه للمعرفة المحلية او لاحتياجات موضوع بحثه ,ولا يعني سهولةحصوله على متطلبات موضوعه .
بجانب مفردات الحياة اليومية فان كثيرا من روايات السيرة الهلالية تحمل قدرا من المفردات التي لم تعد تستخدم في الحياة اليومية .كذلك اهتم الباحث بادراج المفاهيم والمصطلحات المحلية التي تدل علىالروايات المجموعة, وأدائها بلغة الرواة انفسهم ,دون ان يتدخل في اعادة صوغ تعبيراتهم باعتبار ذلك بديلا افضل من استيراد وعي متفوق يحدد هذه الروايات وماحولها, او اللجوء لافتراض اسما ومفاهيم تقع خارج حدودها .
كمااهتم الباحث بجمع البيانات والمعلومات الخاصة بالرواة, وجمع سياقات أداء النصوص ,وجمع التعليقات الفلكولورية الشارحة ,وعمله لاينتهي عند ضبط النصوص الشفاهية المجموعة وفق اللهجة التي أديت بها, لكن من المهم كذلك ان يقوم قدرالامكان بتدوين مجموعة العلامات الحركية والصوتية الصادرة عن الراوي أثناء أدائه, وان يقوم كذلك بتدوين مجموعة العلامات الحركية والصوتية والتعليقات التي تصدر عن الجمهور .
ان مثل هذه العلامات تعد ركنا رئيسا من الأداء وخصيصة اساسية من خصائص النوع السيري.انها لا تقل اهميةعن النص نفسه في توضيحه ,والتفاعل معه, واضاءة جوانب لها اهميتها في سياق الأداء .يستلزم هذاالهدف الافادة من وسيلة الجمع المرئي ,اي استخدام كاميرا فيديو ,مع جهاز الكاسيت, مع الحفاظ على السياق العفوي والطبيعي لأداء السيرة.
وفي الفصل الثاني يقدم الباحث وصفا دقيقا لتجربته الميدانية في جمع روايات السيرة, من خلال تقسيمها الى ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: مرحلة الجمع التمهيدية, وتتمثل في عدد من الاجراءات لاكتساب معرفة ميدانية أولية كافية لبناء خطة البحث, والتي استغرقت عاما كاملا ,قام فيها الباحث بتحديد النطاق الميداني لدراسته, بمجالاته الأساسية :المجال الجغرافي ويعني المنطقة المحددة التي سيجري فيها العمل علي جمع روايات السيرة الهلالية داخل أسيوط .سواء كان هذا التحديد متمثلا في قرية واحدة ,او مجموعة من قري متباعدة تنتمي الى مراكزعدة, او بحسب وجودالرواة ان في المدن او في القرى . وقد اختارالباحث محافظة اسيوط بسبب خلو دراسات الادب الشعبي من موضوعات تعاين حالة السيرة في هذه المنطقة .كما ان موقع اسيوط في المنتصف تقريبا من وادي النيل, فضلا عن انها تصل بين محافظتي المنيا التي تنتمي الىالصعيد الأدنى, ومحافظة سوهاج التي تنتمي الى الصعيد الأعلى. حيث اقام الباحث فرضية ان هذه الصلة الجغرافية والبشرية ربما تعكس تنوعا في ظاهرة السيرة الهلالية, من حيث اللهجة ,وطريقة الأداء ,والأدوات الموسيقية.
يضاف الى ذلك انتماء الباحث الى جماعة منطقة البحث مما يعني ان الذات والموضوع يتقاسمان كيانا متشابها من المعارف .وان معاني الانماط الثقافية للمجتمع تكون ايسر فهما ,ومن ثم يتوقع منه ان يكون اقل تعرضا للارهاق القيمي ,بمعنى ان يصاب بتوتر ناجم عن كونه غريبا في محيط اجتماعي وثقافي لا يألفه .
والمجال الثاني : المجال البشري المنتمي لمنطقة الجمع ويقصد به الرواة والإخباريون الذين توصل اليهم الباحث ليكونوا أدلاء الي موضوع السيرة ,وقد اسفرت زيارات الباحث المتكررة لمواقع تم تحديدها مسبقا عن لقاء عدد من رواة السيرة ,وعازفي الربابة, مرات عدة في أوقات مختلفة. وهم ينتمون الىخمسة مواقع من اصل عشرين موقعا زارها الجامع, وهي ( ابوتيج – مدينة ساحل سليم - مدينة البداري- قرية النخيلة – قرية منشية همام او تل حنونة) .
والمجال الثالث: هو المجال الزمني اي المدة الزمنية التي يستغرقها البحث الميداني منذ بدايته وحتى نهايته, فضلا عن معرفة المواسم, والفصول, والأوقات ,والمناسبات الملائمة للرواة ,ولمنطقة الجمع. ويقدم الباحث قائمة بالرواة الذين توصل اليهم خلال هذه المرحلة من عمله
المرحلة الثانية : مرحلة الجمع الرئيسية ,ويقوم فيها الباحث بالعمل الميداني الرئيسي في موضوع بحثه ,مستندا بصورة رئيسية الى الملاحظات التي قام بتحديدها اثناء المرحلة التحضيرية ,والتي بموجبها وضع الباحث مخططا لمجموعة الوسائل والادوات والاجراءات التي اعتمدها في عملية جمع السيرة, والتي اجملها تحت العناوين التالية : تتمة البحث عن الرواة :حيث توسع الباحث في اكتشاف رواة آخرين, و ارفق بالكتاب خريطة بمواقع الرواة ,كما حصر أنماط الرواة في نوعيين اساسيين .
يمثل النوع الاول: الرواة المحترفين وهو النوع المتصل بالهلالية ,من حيث هي مهنة تسد الحاجة الى لقمة العيش ,وتعرف هذه الفئة من الرواة باسم الآلة الشهيرة المستخدمة في أداء السيرة, شعراء الربابة .وما يرويه الرواة والإخباريون يؤكد بان شعراء الرباب كانوا يعتمدون في عيشهم على فنون العزف والانشاد على الربابة. لكنهم لا يعتمدون حصرا علىانشاد السيرة ,لان نطاق جمهورالسيرة صارمحدودا.اما النوع الثاني :فيتمثل في الرواة غير المحترفين الذين لا يعتمدون على السيرة,او غيرها من فنون الأداء في كسب العيش ,فلهم مهن اخرى ,بينما تمثل السيرة بالنسبة لهم إرثا, اوهواية يرون أنها تليق بهم . بعض رواة هذا النوع لايحفل كثيرا بسماع السيرة الهلالية من الشعرا المحترفين ,ولايثق في روايتهم لها .
خصوصية أداء السيرة وأجهزة الجمع الميداني: لا يقتصر أداء السيرة علي وسيلة الكلام فحسب ,بل يمتد ليشمل أنماط تعبيرية اخري منها ما هو من جنس الصوت او مواز له, كالوقائع النظمية من نبر, ووقف, وإيقاع, وقافية, وجناس .ومنها ما يمثل نظاما من الرموز غير اللغوية لكنه موازايضا للصوت ,ويبدو ان تجسيده اوتخيله يستعصي علي نظام الكتابة . تتحدد هذه الرموز في ما يصدره الانسان بجسده من حركات وإشارات وإيماءات . وثمة نقص كبير في دراسات الادب الشعبي العربي للجانب الإيمائي في أداء المأثورات الشفاهية, وذلك في ظل صعوبة توافر ادوات تكنولوجية متطورة.
معاونة الاصدقاء: ويذكرالباحث اسماء اصدقائه الذين عانوه في رحلته الميدانية.ثم يقدم الباحث رصدا للرواة الذين اعتمدهم في بحثه ,وقوامهم تسعة رواة ,مع توضيح العلامات الاساسية في علاقة كل راو بالسيرة ,وهم ( العازف عبد الرحيم الأبوتيجي- شاعر الربابة يوسف احمد يوسف – شاعر الربابة على مصبح- الراوية رتيبة فرغلي محمد رفاعي ( ام ثابت)- الراوي حسني جاد محمد – الراوي عبدالعاطي نايل - الراويان عنتر وشداد عز العرب- رواة قاو النواوة )
المرحلة الثالثة: مرحلة التدوين, حيث يوضح الباحث في هذا القسم الكيفية التي دون بها روايات السيرة ,مشيرا الى نصيحة معظم الباحثين الميدانيين بأن تتم عملية تفريغ الأشرطة مباشرة, بعد إجراء المقابلة ,او تسجيل الحدث الفلكلوري ,ليسهل للباحث الالمام بالموضوع ,كما يساعده علىاستدراك ما غمض عليه من أقوال الراوي ,لعدم وضوح صوته اونطقه في جهازالتسجيل, وقد التزم الباحث بتحديد المفردات اللهجية المستغلقة, والقيام بتشكيل مفردات النصوص حسب منطوق الرواة لها, والافادة من علامات الترقيم المعتمدة في العربية لضبط النصوص ,وإدراج تعليقات الجمهور في النصوص المدونة, وإدراج الحركات والايماات الاساسية التي تصدرعن الرواة في أثناء عملية الأداء, وترتيب الروايات وتصنيفها ,ووضع عناوينها. مع ملاحظة ان ترتيب الروايات المدرجة في هذا الكتاب لم يأت علي أساس تاريخ الجمع ,اومضمون الروايات ,أوقيمة الرواة او نوعهم (محترفون-طبيعيون) وانما جاء لاسباب تقنية تتعلق بحجم أجزاء الكتاب .
وفي ختام هذا الفصل يذكر الباحث المشكلات التي واجهته في العمل والتي حددها
- بمشكلة تتعلق بالرواة: كان الباحث يشعر في بداية عمله بمعاناة كبيرة من سلوك الرواة الذي يعتريه التردد, وإنكارالمعرفة والحفظ وذلك لان مشاغل الحياة والظروف الشخصية التي يعيشها الناس تمثل سببا حقيقيا لعزوف الحافظين عن الكلام مثل المرض والسفر والانشغال. كما ان الباحث لم يلتق طوال عمله الميداني براو واحد يحفظ السيرة كاملة بأقسامها المعروفة : المواليد ,الريادة ,التغريبة, ديوان الايتام . ربما لان السيرة تشكل مجموعة سردية عريضة الاتساع مع تنوع هائل في اشكالها وطرائق أدائها ,ومن ثم فان رواتها لايلقون مطلقا كل حلقاتها
- مشكلات تتعلق بالتدوين :حيث وجدت صعوبات بالغة أثناء قيامه بتفريغ الشرائط التي سجلها, فبالرغم من انتمائه الي منطقة الجمع فانه لم يكن قادرا في البداية على معرفة مفردات لهجة بعض الرواة علي نحو جيد ,واحتارايضا بسبب اختلاف اللهجة ونظامها النحوي والصرفي عن الفصحي, وذلك في ظل مشكلة تدوين المأثورات الادبية الشعبية ,التي تشكل اعقد مشاكل الباحثين الميدانيين, وبرغم من لجوء بعض الباحثين الىاستحداث بعض الرموزالاضافية لتدوين النصوص الادبية الشعبية ,وفق واقعها الصوتي المنطوق ,فان ذلك لم يتم في اطار جماعي يعمل علىتوحيد نظام التدوين .
وفي الخاتمة يجمل الباحث المحصلة الميدانية لتجربة جمع السيرة والنتائج التي توصل اليها في بحثه, الذي استغرق الجانب الميداني منه خمس سنوات ونصف, ومنها التوصل الىاسباب ندرة شعراء السيرة ورواتها في اسيوط مقارنة بغيرها من محافظات الصعيد ,وهي موت رواة السيرة تباعا, حيث مات اشهر شعراء الربابة في اسيوط وهو الريس حامد الاسيوطي, وكذلك وجود انحيازات مختلفة لابطال السيرة من قبل الجمهور, والتي قد تؤدي الي معارك دموية .وسبب اخر هو ان عددا من حوادث الثأر والصراعات العائلية التي راح ضحيتها نفرا كثيرا خلال الخمسينات والستينات دفعت الحكومة الىمنع وجودهؤلاء الشعراء. كما ان الاهالي كثيرا ماتحدثوا عن ماتثيره السيرة من فتن وعداوات بين العائلات والافراد. ذلك ان اجواء الحرب داخل السيرة تضرم النار الخامدة بين أطراف عائلية تعيش صراعا قديما.
كما تعد رواية السيدة رتيبة فرغلي لسيرة بني هلال واحدة من اهم ما حصلته هذه الدراسة ,وهي تبلغ من العمر 75 عاما. واكتشف الباحث ان عدد من النساء استمعن الي السيرة, وحفظن أجزاء منها ,وان منهن من تهتم بسماعها من الاذاعة, او من خلال اشرطة الكاسيت التي يقتنيها الرجال في الأسرة. ووصل الباحث الى ضرورة وجود باحثات ميدانيات لجمع السيرة من راويات نساء بسبب الحرج الاجتماعي من باحث ذكر وعادات المنطقة وتقاليدها.
وبعد الخاتمة يبدأ الكتاب في عرض المتن, وهو عبارةعن القسم الاول: روايات حسني جادعلي, يوسف احمد يوسف,علي مصبح وباقي روايات المتن في الجزء الثاني من الكتاب-تحت الطبع-
اما الملحقان الواردان في الجزء الثاني من الكتاب يحتوى اولهما علىفهارس تكشيفية لروايات السيرة المجموعة بلغ عددها تسعة وعشرين فهرسا .والثاني يتكون من قسمين يحتوى الاول على خرائط دالةعلىالقرى والمناطق التي عمل بها الباحث وعلي مواقع وجود رواة السيرة والقسم الاخر يحتوى علي صور فوتغرافية لرواة السيرة وجمهورها في جنوب اسيوط.
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟