كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حين يسقط شهيد جديد على أرض لبنان الحرة يتساءل الناس: من المستفيد من هذا الاغتيال الجديد وما علاقته بسلسلة الاغتيالات الجبانة السابقة لجمهرة بعينها من سياسيي لبنان؟ والسؤال طبيعي وضروري في آن واحد. ولكن الإجابة عنه متعددة في الأوجه ومتباينة في الاتجاهات والأهداف.
فعند التحري عن المستفيد من اغتيال السياسي الشاب ووزير الصناعة الشيخ بيار أمين الجميل, يفترض أن نفتش عن الدول أو الأحزاب والجماعات أو الأشخاص الذين تحوم حولهم الشبهات بهذا الصدد, إضافة إلى معرفة الأجواء السائدة في لبنان حين تم الاغتيال الجبان والجريمة البشعة, إذ عبرها يمكن تحديد المستفيد من ارتكاب الجريمة.
الجو السائد بين قوى الحكومة والأكثرية البرلمانية من جهة, وقوى المعارضة والأقلية البرلمانية من جهة أخرى, غير نظيف ومتوتر ويحمل الكثير من عناصر التهديد والانفجار في كل لحظة. وهذا الجو المتوتر يرتبط مباشرة بثلاثة عوامل جوهرية, وهي:
1. رغبة حزب الله أن يحول الخسائر الفادحة التي تسببت بها عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين نتيجة شن إسرائيل حرب عدوانية همجية وشرسة وجبانة ضد الشعب اللبناني إلى انتصار في الساحة السياسية اللبنانية.
2. سعي حزب الله لأن يغير ميزان القوى السياسي من كونه لصالح الأكثرية البرلمانية إلى صالح الأقلية البرلمانية, وبالتالي تغيير السياسة اللبنانية الراهنة المستقلة عن سياسات سوريا وإيران في المنطقة, إلى سياسة تابعة وخاضعة لهاتين الدولتين كما كانت عليه طيلة الفترة المنصرمة وقبل رحيل القوات السورية من الأراضي اللبنانية.
3. رفض حزب الله والعماد عون ورئيس الجمهورية تشكيل المحكمة الدولية التي أقرتها الحكومة اللبنانية والتي تهدف إلى كشف النقاب عن قتلة رئيس الوزراء الأسبق الشيخ رفيق الحريري وعن مجموعة أخرى من السياسيين والإعلاميين التي اغتيلت قبل أو بعد ذلك.
نحن أمام خلاف واضح بين قوى الحكومة وقوى المعارضة. فالحكومة تريد تشكيل المحكمة الدولية وإجراء المحاكمة, والمعارضة, التي أيدت ذلك في حينها, ترفض اليوم تشكيل هذه المحكمة. والسؤال هو: لِمَ هذا الرفض؟ إذا كان في مقدور المحكمة الدولية اكتشاف القتلة وعندها يمكن أن تبرأ ساحة قوى المعارضة إن لم تكن مشاركة في الجريمة حقاً. وعندها يمكن أن تبرأ ساحة سوريا وإيران أو غيرها ممن هو في دائرة الاتهام.
المعارضة تهدد بمظاهرات عاصفة لإسقاط الحكومة ورفض تشكيل المحكمة أو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة؟ قوى الحكومة تهدد بمظاهرات مقابلة تعلن عن تأييدها للحكومة وتشكيل المحكمة ولا ترى ضرورة إجراء انتخابات مبكرة. الخطب الطويلة المملة والرنّانة والمكررة تنطلق من أفواه قوى المعارضة وخاصة من السيد حسن نصر الله رئيس حزب الله في لبنان. تقابل بهدوء كبير من جانب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وإصراره على الحوار وعودة قوى المعارضة للعمل في الصف الحكومي لضمان وحدة لبنان, مع تصريحات متوترة من قوى أخرى في الصف الحكومي.
في هذه الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم نفذه جريمة اغتيال بيار أمين الجميل في وضح النهار وبأسلحة خفيفة كاتمة للصوت وأمام حشد كبير من الناس ومرافقيه.
هناك جريمة وهناك قتلة ولا بد أن تنشأ شبهات حول الجهة أو الجهات التي خططت ونفذت العملية. ومنذ وقوع المصاب تدور الشبهات حول ثلاث دول في المنطقة, التي يمكن أن يهمها جدياً إشاعة الفوضى والصراع في لبنان ما دامت غير قادرة على إخضاع الحكومة في لبنان لإرادتها, وهي:
• إسرائيل, التي خاضت أخيراً حرباً ظالمة ولم تنتصر بها ولكنها خسرت الكثير من التأييد الدولي بسبب قسوتها الدموية وتدميرها للأحياء السكنية والبنية التحتية وقتل الكثير من السكان عبر غاراتها الجوية ومشاتها واستخدامها لأسلحة محرمة دولياً, يهمها أن تتصارع القوى وتنشغل بنفسها بدلاً من التفرغ لتحقيق وحدة لبنان ومصالح الشعب فيه. كما يهمها أن يتقلص نفوذ سوريا وإيران في لبنان. وبالتالي يمكن أن يخدم الاغتيال مصالح إسرائيل.
• النظام السوري, الذي فقد مواقعه في لبنان وتعرض لهزيمة سياسية فاحشة, يسعى إلى توتير الأجواء لفرض رؤية المعارضة ورئيس الجمهورية اللبنانية, الممدة ولايته قسراً, على الشعب اللبناني والسياسة اللبنانية وإبعاد شبح المحاكمة الدولية. والنظام السوري متحالف مع النظام الإيراني ويلتقيان حالياً بهدف مشترك في لبنان, وبالتالي فأن الاغتيال يأتي في صالحها, وأن بدا للبعض غير ذلك.
• النظام الإيراني الذي يجد ضرورياً انتصار حزب الله في المعركة السياسية الداخلية بعد أن خسر المعركة الفعلية مع إسرائيل وتسبب في حرب عدوانية ضد لبنان وتدمير واسع النطاق وموت كبير لمزيد من اللبنانيين. وهو يريد للسياسة الإيرانية نفوذاً وموقعاً في لبنان ليكون جزءاً من سياستها الإقليمية والدولية الجديدة. وبالتالي فتعطيل الحياة السياسية ورفض المحكمة الدولية والقبول بمواقف حزب الله هو المطلوب في لبنان من جانب إيران. ويأتي الاغتيال لصالح إيران أيضاً ومناسباً لتلبيد الجو السياسي كلية وخلط الأوراق مجدداً ولكن مع تعميق الاصطفاف والاستقطاب السياسي.
• وعلينا أن لا ننسى بأن قوى القاعدة والتنظيمات الإسلامية المشابهة والمتطرفة وميلشياته المسلحة يكن أن تكون أيضاً وراء الجريمة لما في ذلك من إشاعة الفوضى والاحتراف في لبنان, وهو الجو المناسب لأفعالها.
ليس من حقنا أن نستبق التحقيق والتأشير باتجاه المسؤول عن عملية الاغتيال, لا لأننا لا نملك تصوراً عن القاتل ومن يقف خلفه, ولكن نسعى إلى التحليل وبأمل أن نترك للقضاء والمحكمة الدولية والمحلية أن تشخص القاتل أو القتلة ومن أعطى التوجيه والأمر بتنفيذ هذه الجريمة البشعة. ولكن ما يفترض تأكيده هنا هو الآتي:
1. أن هناك أكثر من متهم بهذه الجريمة والجرائم التي سبقتها, وأن هناك خيطاً يشد جميع الاغتيالات التي وقعت في الصف المناوئ لسياسة سوريا وإيران في لبنان, وأن هناك العديد من المستفيدين من هذه الجريمة وفي هذا الوقت بالذات وليس دولة واحدة بعينها, رغم أن الجريمة يمكن أن تكون قد انطلقت من تنسيق بين طرف أو طرفين خارجيين أو أكثر وقوى داخلية منفذة أو مرسلة عبر الحدود لغرض التنفيذ.
2. يسعى القتلة إلى جعل لبنان ساحة رئيسية للصراع الإقليمي بين المصالح المختلفة, لأنهم يعتقدون بأن هذا التوتر في لبنان يساعدهم حالياً على تحقيق مصالحهم على الصعيدين الإقليمي والدولي وعلى صعيد التعبئة السياسية الداخلية في بلدانهم.
3. وأن هذه القوى الإقليمية يهمها أن تكون سياسة لبنان خاضعة لها ومنسجمة مع سياساتها وقادرة على تأمين مصالحها ومشاريعها في منطقة الشرق الأوسط, سواء أكانت بهدف خلق تحالفات ومحاور لها مناهضة لقوى إقليمية ودولية أخرى.
4. ولكنها تسعى بهذا الفعل الشنيع تشديد ثلاثة أنواع من الصراعات في لبنان: صراعات مسيحية – مسيحية, وصراعات مسيحية – إسلامية, وتعميق الصراعات الدائرة حالياً بين قوى الحكومة وقوى المعارضة الراهنة والرغبة في تغيير ميزان القوى لصالحها.
5. كما أن من خطط ونظم وجهز الجلادين بأدوات تنفيذ عملية الاغتيال, أراد أن يوجه رسالة واضحة وصريحة لكل من يقف ضد الوجهة التي يدعو إليها في السياسة اللبنانية, ويريد تعطيل الحياة السياسية في لبنان وتعطيل تشكيل المحكمة الدولية وبدء سير المرافعات.
لا يمكن للبنان أن يهدأ إذ ما استمر الصراع الإقليمي في الحلبة اللبنانية, لا يمكن أن يستقر لبنان ما دامت هناك قوى لا تريد أن يهدأ لبنان أو يستقر, ففي الفوضى استكمال للفوضى في العراق واحتمال نشوئها في مواقع أخرى من بلدان المنطقة. فهل سيتمكن الشعب اللبناني أن يتغلب على من لا يريد له الهدوء والاستقرار والحرية والسلام والبناء والتقدم؟
إن تجارب الحرب الأهلية في لبنان, والتي كانت حرباً بالنيابة عن الدول والقوى الإقليمية والدولية أيضاً, يفترض أن تكون قد علمت اللبنانيين دروساً بليغة في مقدمتها أن مصلحتهم تستوجب الجلوس إلى طاولة الحوار والتحري عن حلول عملية للمشكلات الراهنة بعيداً عن دور وتأثير سياسات الدول الإقليمية. وهي مسألة ممكنة, شريطة أن تكف القوى الإقليمية عن التدخل في السياسة اللبنانية وفي شؤون قواها, كما عليه الحال حتى الوقت الحاضر, وخاصة دور وتأثير إيران وسوريا المباشرين في الأوضاع الداخلية. فهل ستكف هذه القوى عن التدخل أم ستواصل تدخلها الفظ؟ من المتوقع أنها سوف لن تكف بأي حال, ولكن على الشعب اللبناني أن يحسم الأمر لصالحه ويتصدى بحزم لكل تدخل في شؤونه الداخلية. إن اكتشاف القتلة وبأسرع وقت ممكن سيسهم في حل إشكاليات كثيرة لصالح الشعب اللبناني.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟