|
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء الخامس)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7853 - 2024 / 1 / 11 - 03:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بنوع من الفضول الفلسفي، المصحوب بدهشة الاكتشاف، قادني البحث عما قيل وكتب حول هذا الموضوع إلى هذه الدراسة الرائعة المنشورة على النت بقلم بينوا غوتييه. وبما أن الكتابة ثمرة للقراءة، كانت هذه الترجمة:
في الاستدلال المضاد للواقع العادي (كما هو الحال عندما نحكم على أن هذه الصخرة التي انتزعت من الجبل كانت ستنتهي في البحيرة لو لم تكن هذه الشجيرة موجودة هناك) أو في تجربة فكرية علمية (يمكننا أن نفكر مثلا في تجربة دلو نيوتن) تحدث الأمور، بشكل أساسي، بالطريقة التالية: (1) نتخيل أولاً أن الوضعية المضادة للواقع X هي الحال؛ (2) نحاول بعد ذلك تحديد Y، أي ما سيحدث في الوضعية X - والذي يمكن تفسيره على وجه الخصوص على أنه يتمثل في "ملاحظة في الخيال" لما سيحدث في X؛ (3) يتم الحكم أخيرا (في تجربة الفكر العلمي على وجه الخصوص) بأن حقيقة حدوث Y في X يشكل عنصرا من حجة لصالح Z، في نظرية أو فرضية تفسر كيف أن Y هي الحال في X - نظرية أو فرضية صممت التجربة الفكرية لدعمها، أو أن التجربة الفكرية نفسها تقودنا إلى توخيها. ما أود إظهاره هو أنه في حالة التجربة الفكرية من النوع الذي نواجهه في الفلسفة، من الخطإ القول بأننا نتخيل أن X هو الحال وأننا بعد ذلك نحكم بأن Y هو ما سيحدث إذا كان X هو الحال. في تجارب الفكر الفلسفي، نتخيل أن X هو الحال ونحكم بأن Y سيكون هو الحال، ولكن هذا لا يعني أننا نحكم بأن Y شيء سيحدث أو يحدث (بالمعنى الذي يمكن قول ذلك في تجربة فكرية عادية أوعلمية). وبعبارة أخرى، الحكم بأن شيئًا ما هو الحال في الوضعية X ليس بالضرورة نفس الحكم بأن شيئا ما يحدث في حالة أن X ليس شيئا سيحدث في X. لرؤية ذلك، لنفكر في تجربتين فكريتين فلسفيتين، الساعة المتوقفة لبرتراند راسل، والأمير والإسكافي لفرنسيس لوك. تجربة راسل الفكرية الخاصة بالساعة المتوقفة هي كما يلي: تخيل أن الساعة في غرفة S قد توقفت، دون علمه، الليلة الماضية عند الساعة العاشرة ونصف مساءً، وأن S في صباح اليوم التالي ذهب، بالصدفة، في تمام الساعة العاشرة ونصف صباحا في إلى غرفته لاستشارتها، وأنه ليس لديه أي سبب للاعتقاد بأنها توقفت، وأنه يعتقد بالتالي أن الساعة هي العاشرة ونصف صباحا. يمكننا بعد ذلك أن نحكم، مع راسل، أنه إذا كان S في هذه الوضعية X، فلن يعرف أن الساعة هي العاشرة ونصف صباحا. حقيقة أن كون S لا يعرف أن الساعة هي العاشرة ونصف صباحا في X هو بالفعل أمر صحيح في هذه تلوضعية X؛ لكن أن يكون هذا صحيحا بالنسبة إلى X لا يعني أنه شيء يحدث في X (بالمعنى الذي يكون فيه Y هو ما سيحدث في التجربة الفكرية للصخرة المنتزعة من الجبل أو في تلك الخاصة بدلو نيوتن). الذي من شأنه أن يحدث في X هو، مثلا، أن يقرر S على الفور الخروج من بيته، إذا كانت لديه عادة قارة للخروج كل يوم إلى نزهة على الساعة العاشرة ونصف صباحا. وبالتالي فإذا تضمن تخصيص تلوضعية X أن S له هذه العادة، فإن الحكم الذي كنا سنشكله بأن، في S ،X يخرج على الفور من بيته، سوف يكون هذه المرة متعلقا بما يحدث في X، بمعنى أن، في التجربة الفكرية للصخرة أو الدلو، واقعة الحكم بأن Y هو ما يحدث في X. الحكم بأن، في X يحدث y (أن يغادر (S) منزله على الفور) ينحدر من القدرات المعرفية التي يستدعيها استدلالاتنا المضادة للواقع العادية والعلمية؛ لكن الحكم القائل بأن S، في X، لا يعرف أن الساعة هي العاشرة ونصف صباحا ليس من نفس الطبيعة. بيد أن هذا هو الحكم الذي يمكن أن نصفه بالحكم الفلسفي، ليس الأول بالتأكيد. ولذلك فإن أحكامنا الفلسفية ليست من طبيعة الاستدلالات المضادة للواقع العلمية والعادية. وبما أنه من خلال التأكيد على أنها من هذه الطبيعة، يؤكد ويليامسون أنها تسمح لنا بمعرفة الضرورة الميتافيزيقية، ويترتب على ذلك أن ويليامسون لم يوضح كيف يمكننا معرفة هذه الضرورة. ربما يستطيع أحد أتباع ويليامسون أن يعترض قائلاً إن حقيقة أن S، فيX، لا يعرف أن الساعة تشير إلى العاشرة ونصف صباحا هي بكل تأكيد أمر قد يحدث في X وبالتالي ليس هنا فرق بين هذه التجربة الفكرية وتجربة فكرية كتلك الخاصة بالصخرة، الفرق الذي أسعى جاهداً إلى التشديد عليه. يمكنه بالفعل أن يجادل بأن المعرفة، كما يؤكد ويليامسون في مكان آخر، هي حالة عقلية محددة، يتعلق الأمر بالتقرير في ما سيحدث في الساعة العاشرة ونصف صباحا: يتعلق الأمر بتقرير ظهور أو عدم ظهور لدى S لحالة عقلية معرفية. ومع ذلك، تكمن المشكلة في أنه، بالإضافة إلى الشكوك التي يمكن أن تثيرها بشكل مشروع فكرة أن المعرفة هي نوع محدد من الحالة العقلية (متميزة، مثلا، عن حالة الاعتقاد)، يكون من الصعب أن نرى كيف يمكن لتجربة فكرية مثل تجربة الساعة المتوقفة (أو مثل تجارب جيتييه) أن تقودنا إلى التقرير (ومع الحقيقة أيضا) في ظهور أو عدم ظهور الحالة العقلية لدى S في X؛ أو، بشكل أكثر دقة، لا يمكن لمثل هذه التجربة الفكرية أن تفعل ذلك إلا لأننا كنا قد حكمنا مسبقا بأن S لا يعرف أن p في X، وبالتالي مادامت المعرفة حالة عقلية، فإن ما يمكن أن يحدث في X هو أن S لن يكون في الحالة العقلية الخاصة بمعرفة أن p. لكن في هذه الحالة، كنا قد حكمنا مسبقا، على وجه التحديد، أن S لن يعرف أن p في X، مما يعني أن الحكم بأنه سيكون هناك ظهور (أو لا) لحالة عقلية معرفية n ليس هو نفسه الحكم بأنه ستكون هناك معرفة (أم لا)، وأنه عند تحديد ما إذا كانت هناك معرفة أم لا، فإننا لا نحاول تحديد ما إذا كانت الحالة العقلية المعرفية ستنشأ في الوضعية X التي تقودنا التجربة الفكرية إلى تخيلها. بعبارة أخرى، نحن لا نستقصي S في الخيال للإجابة على سؤال ما إذا كان S، في X، سيعرف أن الساعة تشير إلى العاشرة ونصف صباحا؛ ولن نقوم بعد ذلك باستقصاء الشخص الذي نصادفه في الشارع، والذي يخبرنا بأن الساعة تشير إلى العاشرة ونصف صباحا، وأننا نعرف أيضا أننا في الوضعية الخيالية لـ S تماما، لتكوين الحكم بأن هذا الشخص لا يعرف أن الساعة تشير إلى العاشرة ونصف صباحا. بشكل أعم، المعنى الذي يمكننا أن نقول فيه، لتحديد ما إذا كانت هناك معرفة في X أم لا، إننا نستقصي X بعناية ليس هو المعني الذي نستقصي فيه، من خلال الملاحظة والتجريب (الخياليين ربما)، هذه الوضعية ونعرف أو نكتشف أشياء عنها ليس من شأنها أن تكون معروفة بطريقة أخرى. في تجربة فكرية من نوع الساعة المتوقفة، المعنى الذي نستقصي به الوضعية X لنعرف ما إذا كان Y هو الحال في X يمكن تمييزه على النحو التالي: نحن نسعى جاهدين إلى ان نتمثل حدسيا كل جانب من الجوانب المهمة لهذه الوضعية X التي يتعين تخيلها، وأن ندرك بالتالي بنفس الحدس الوضعية التي تشكلها (الجوانب) أو تربط في ما بينها (الشيء الذي ليس صعبا بشكل خاص في التجربة الفكرية للساعة المتوقفة) من أجل تحديد ما إذا كان Y سيكون هو الحال في X. وفق منطق الملاحظات السابقة، سأرد بالطريقة التالية على اعتراض ويليامسون (الذي تركته جانبا حتى الآن) والذي بموجبه يتمثل فهم شيء ما ببساطة في معرفة سبب وجود هذا الشيء. (بعبارة أخرى، يتمثل ببساطة في معرفة علله)، بحيث أن التمييز بين المعرفة والفهم الذي يعتمد عليه المدافعون عن المفهوم الفيتجنشتايني للفلسفة هو تمييز وهمي: فمن الممكن تماما التسليم، بشكل عام، بأن فهم حقيقة حدثت ( أو يمكن أن تحدث) في العالم يتمثل في معرفة لماذا F حدثت (أو كان يمكن أن تحدث لاحقا) في العالم، وأنه، بهذا المعنى، لا يوجد فهم لF يمكن للفلسفة وحدها أن توفره، ولا فهم لF من شأنه أن يرتبط بنوع من المعرفة ليس من طبيعة ما لدينا عندما نعلم أن F هي الحال. لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه لا يوجد سوى فهم لهذا النوع من الأشياء، وبالتناسب، فإن كل الفهم هو من الشكل الذي يتمثل في فهم هذا النوع من الأشياء. واقعة أن S، في X، لا يعرف أن الساعة هي العاشرة ونصف هو الشيء الذي نحاول فهمه في الفلسفة؛ ولكن بما أن هذه الواقعة ليست من الطبيعة التي يمكن القول بأنها تطرأ أو تقع في هذا الوضعية أو تلك، فإن فهمها لا يمكن أن يتمثل في معرفة أسبابها، إذ لا توجد سوى أسباب لما يحدث أو يقع. (يتبع) المصدر: https://books.openedition.org/cdf/3540?lang=fr
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي- لعتيق بنشيكر
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
حسن نجمي في ضيافة -قهيوة ولا أتاي؟- (الجزء الخامس والأخير)
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الج
...
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الج
...
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج “قهيوة ولا أتاي” لعتيق بنشيكر (الجز
...
-
حسن نجمي في ضيافة -قهيوة ولا أتاي- لعتيق بنشيكر (الجزء الأول
...
-
نداء مجموعة من المثقفين العرب إلى قوى العمل الوطني الفلسطيني
-
رهانات تمازيغت بالمغرب
-
لحظات مؤثرة ومفجعة: أهم الأحداث التي طرأت خلال عام 2023 في ا
...
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
تأسيس لجنة وطنية لدعم حراك فكيك ومطالب فكيك وعموم جهة الشرق
-
بوزنيقة: منع وقفة أحتجاجية ضد افتتاح متجر كارفور
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
عيشة قنديشة.. ثلاث روايات لقصة الكونتيسة اللعينة
-
النائبة البرلمانية نبيلة منيب تدخل على خط حملة الاعتقالات ال
...
-
بوزنيقة: المجلس الوطني لفدرالية اليسار يعقد دورته بوزنيقة: ا
...
-
الرعاية الصحية بالمغرب: انضمام الطلبة والمهنيين إلى الاحتجاج
...
-
عزيز عقاوي يرد على إدريس لشكر دفاعا عن الحراك التعليمي
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|