ارتبكت الخيوط وتداخلت وأصبح فك ( الكلاكيع ) مستحيلا . فكل عقدة تحل بتعقيدات لا أول لها ولا آخر . سيطرت الرأسمالية الطفيلية المفسدة التابعة . تحت صياغة البنيان العلوي للمجتمع لتحقق استغلال ونهب الوطن . طال العهد بأدوات السلطة في كل أشكالها ، بدءً من جمعيات دفن الموتى والنوادي ومراكز الشباب والجمعيات أو النقابات العمالية والمهنية والمحليات ومجلس الشعب ، فسدت كل الرؤوس وأفسدت الأجساد ، أصبح البنيان فاسدًا تنظيمًا وقانونًا وبشرًا ، هرب الكل من الكل وتخوف الكل من الكل وتربص الكل بالكل ، وأصبح التزوير بكل أشكاله طريقًا وحيدًا لكل المنافع والمواقع التي امتلأت في أغلبها التصويتي بأوغاد يتبادلون التآمر ، يتزايدون في الولاء المصطنع ، كوكتيل من النقائض والمتناقضات ، مقدمات ضارة ونتائج أكثر ضررًا .الكل يتمسح في القيادة ، يعلن الولاء والثناء ويمارس الصمت والحياد والخنوع والغدر والأنانية ، ينسبون أنفسهم للقيادة أيًا كان شخصها فتدانهم طويل وانتقالهم سلس من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك . المهم الالتفاف الانتهازي حول موقع دون الوفاء الحقيقي للموقع وللوطن الذي يرمز إليه .
قيادة بلا صحابة
لو طال الأمد بعبد الناصر بعد اعتزاله السلطة ، أو لو حدث انقلاب لم ينه حياته لأدهشه مواقف الحوارين لابسي قمصانه . كيف تركوه والتفوا حول السادات واستغلوا شطارتهم في حفظ الميثاق والتفكير العلمي الاشتراكي . لكي يبرروا للسادات كل ما فعلوه ويمحو كل ما أنجزه الشعب تحت قيادة عبد الناصر .. يحللون الحرام .. يفرطون في الوطن والقضية الوطنية والثروة الوطنية قطاعًا عامًا وخاصًا ويستنكرون كل الثقافات والقيم التي كبرت كروشهم ومواقعهم بسببها ، ويدوسون الديموقراطية التي ذبحت في مارس بعد عامين من الثورة ، ويفتحون أبواب النهب والتهريب ويحصنون اللصوص والاستغلاليين بتشريع قوانين تبرر كل ما يناقض مصلحة الشعب والوطن .ولو استمر السادات بعد نهاية حكمه لوجدوا أتباعه قد ساروا في نفس الطريق المعاكس . وانتقلوا من التخديم على الرئيس إلى التخديم على أنفسهم بالوطن وبالرئيس . فلم يحدث أن أصبح الموقع وصاحبه في مأزق لا يحسد عليه ، خزانة الوطن أفرغت ما فيها . الديون أكبر من أن يتحملها الأجيال القادمة . الطفيليون ركبوا المواقع الفاعلة في كل التنظيمات والمجالس . ووظفوا الكفاءات لخدمة مصالحهم . موازن كان من المفترض أن تصبح عشرة أضعاف الموازنة الحالية التي لا تصلح لمحافظة واحدة مثل القاهرة الكبرى أو الصغرى . بطالة لم يعد من الممكن وقفها عند السبعة ملايين عاطل . مساكن أكثر من نصفها آيل للسقوط والمطلوب مساكن جديدة مثل كل ما هو موجود . قطاع استثماري منح دعمًا شاملا من مرافق وخدمات وإعفاءات جمركية وضريبية وقروض 350 ألف مليون جنيه ، وتركز دوره في التهريب للخارج والداخل والاحتكار والمضاربة واستأثر بكل المجالس والمواقع ولم يقدم شيئًا يوازي ذلك . وقطاع خاص وطني محمل بالضرائب والجمارك والتأمينات والعمالة وضرائب المبيعات والابتزاز والاستغلال وباقي مرتبات الكثير من العاملين صغارًا وكبارًا . وعمال أصبحوا كالأيتام على موائد اللئام . وقطاع أعمال قدرة قيمته بنصف تريليون جنيه _ خمسمائة ألف مليون _ يباع معظمه للأفاقين والنصابين بستة عشر مليار جنيه ثم لم يجد من يشتره ، وزراعة توافرت لها مراكز أبحاث وباحثين وامتلكت مقومات النجاح ولكنها حرمت من كل ذلك وأعطيت الأولوية لكارثة كبرى سميت المشروع القومي العملاق فإذا به عملاق في الإهدار وتضليل رئاسة الدولة ، وجيش من الذين يملئون المقاعد بدور علم معظمها لا يصلح لمجرد احتجاز عشرين مليون فتى وفتاة ، لم تزل الدولة حائرة وعاجزة عن الوصول إلى تصور شبه نهائي للمنهج في العملية التعليمية التي نفدت مقوماتها ولاتي لم تتوقف عند مفترق طرق حسين كامل بهاء الدين بل إنها انهارت وأصبح عائدها البشري والمادي مفتقدًا لسنين طويلة .
رقابة بلا رقابة أو مصارحة
بعد ثورة يوليو كثرت الأجهزة الرقابية والأجهزة التي تراقب غيرها من الأجهزة خوفًا منها وتأمينًا للاحتمالات وكثرت الأعين الرقابية لكنه دارت بين الصمت أو إخفاء الحائق عن الرئاسة أو تصورًا خاطئًا أن كشف الفساد والمفسدين يغضب الرئاسة أو يسيء للنظام وتحولت هذه الأجهزة من حراسة النظام إلى عبء عليه ومجلس شعب يطحن كثيرًا بلا طحين مهمته الرقابة والتشريع أي أنه شريك أساسي في الحكم وأحد أجنحة السلطة الثلاث . ترك الأصل وانشغل بالفروع وظف نفسه كأداة تشريعية لقوانين تضر بالمصالح الوطنية العليا ومصالح الأغلبية ولا يخفف من ذلك تشريعات تقليدية حصلت على وقت وجهد ووقف المجلس أغلبية ورئاسة ضمن المبادرة بكشف الأخطاء والمحاسبة على الخطايا تمرس البعض فيه . وزهى البعض خاصة رئيسه بعبارات لم يفطن قائلوها أنه يكتف بالهروب من إنجاز موقف مساند حقيقي لنظام الدولة بل استخدم كفاءة لا تصلح بذاتها لمنع الآخرين من إنجاز مواقف صحيحة دون الاستثناء إلى أغلبية رتبت لتصويت كما يطلب منها بالخطأ غالبًا وبالصح أحيانًا . رئاسة |أعطت وقتًا وجهدًا كبيرين واستخدمت من الأساليب ما يتناسب وما لا يتناسب مع المواقع والمهمة ولم تع الدرس بعد أن احتلت الموقع ثلاثة عشر عامًا سبقها موقع وزاري هام . ساهمت مع غيرها في تفريغ مجلس الشعب من مهمته الحقيقية فأصبح على الوطن نظامًا وشعبًا سنعاود الحديث بشأنه . رئاسة تفيض على قيادة الوطن بوضع دستوري شمولي يحملها بما لا يحتمل البشر وأجهزة وأشخاص تحيط بها دون أن تناصرها حقيقة بوعي وإخلاص .. مبارك .. نطالب بمراجعة هذه الأوضاع ، فإصلاحها إصلاح للوطن والإصلاح أمر موضوعي غير أيدلوجي ، لا نصر ولا استمرار بدونه . والتغيير الذي تسانده القيادة يكون أكثر أمانًا ونجاحًا من تغيير يأتي في مواجهتها ، يستهلك ويهلك والوطن لا يحتمل . ترى هل يراجع الجميع مواقفهم .. فالوقت الضائع بعد من زمان .
أبو العز الحريري
جريدة التجمع – العدد 106