|
المصريون هم الأكثر ارتكابا للجرائم في الكويت
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
علي هامش زيارة خاطفة قمت بها مؤخرًا إلي الكويت بدعوة من بنك الكويت للمشاركة في ندوة عالمية بعنوان »آسيا والخليج العربي: نحو ازدهار دائم« حضرها مهندس نهضة سنغافورة »لي كوان يو« ورئيس وزراء الكويت الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح. صدمني خبر منشور في قلب الصفحة الأولي لجريدة »الوطن« بعنوان »الأكثر ارتكابا للجريمة.. المصريون فالبدون والبنغال«. وتحت هذا العنوان الصادم قال نص الخبر إن سجلات وزارة الداخلية وإحصائياتها لعدد الجرائم في الكويت المرتكبة علي أيادي غير كويتيين تشير إلي أن المصريين تصدروا قائمة مرتكبي الجريمة في الكويت برصيد 549 جناية خلال عام واحد، وجاء بعدهم بالترتيب الهنود والسوريون والسعوديون والايرانيومن والباكستانيون والسيلانيون والأردنيون والفلسطينيون والفلبينيون والعراقيون واللبنانيون. وتبين إحصائيات وزارة الداخلية أن الجرائم التي ارتكبها العرب والأجانب خلال العام وصلت إلي 3 آلاف و134 جريمة، في حين ارتكب الكويتيون ألفين و750 جناية. أي ان الجرائم التي ارتكبها غير الكويتيين أكثر من عدد الجرائم التي ارتكبها الكويتيون! لكن مع ملاحظة أن بيان وزارة الداخلية وضع الكويتيين »البدون« في خانة غير الكويتيين وترتب علي ذلك أن اصبح عدد »الأجانب« الذين ارتكبوا جرائم أكثر من عدد »المواطنين«. لكن البيان لم يكتف بذلك بل شاء أن يذكر القراء بمسألة أخري فقال: »إذا كان المصريون قد حلوا أولاً في ارتكاب الجريمة بين غير الكويتيين، والبدون ثانيا، والبنغاليون ثالثا، فهو الترتيب نفسه لأعوام سابقة في حين تغير ترتيب بعض الجاليات في هذا الشأن«. وبعد هذه »الخلفية« التي لا تخلو من دلالة كما لا تخلو من إيحاءات، اضاف البيان أن المصريين قد ارتكبوا 549 جريمة نصيب الرجال منها 531 جريمة والنساء 18 جريمة. وبالطبع.. فان الخبر قد صدمني صدمة شديدة، وعندما سألت بعض المصريين المقيمين بالكويت تفسيرهم لمضمون هذا البيان سارعت أغلبيتهم الساحقة إلي استنكار بيان وزارة الداخلية الكويتية شكلا ومضمونًا، والاشادة بالجالية المصرية وتعداد مناقبها وذهب بعضهم إلي القول بأن البيان ليس سوي صورة من صور الغيرة والكراهية للمصريين. وهو تفسير شائع نجده يتكرر ليس في الكويت فقط وإنما في سائر أنحاء العالم. وهو جزء من »ثقافة الإنكار« التي تتعامل مع سلبياتنا بدفن الرءوس في الرمال أمامها، والتخلص من الموقف بإنكار وجود هذه السلبيات من الأساس. وبصرف النظر عن مدي تعبير بيان وزارة الداخلية عن الحقيقة فان واقع الحال يقول اننا مسئولون عن هذه الصورة بدرجة أو اخري. فنحن أولاً الذين دفعنا بآلاف من ابنائنا دفعًا إلي السفر إلي الخارج بعد أن اغلقت في وجوههم أسباب الرزق داخل وطنهم وامتدت طوابير البطالة وجيوش العاطلين ومع زيادة هذه الطوابير طولاً ازداد يأس آلاف الشبان المصريين، وتبددت آمالهم من الحصول علي فرص عمل ولو بعد حين. وازاء هذه الأزمة المستحكمة لم يجد هؤلاء الشبان المحبطون بديلاً عن المغامرة بالسفر إلي الخارج دون توفر الحد الأدني من شروط العمل المشروع في بلاد المهجر. بل ان كثيرا من هؤلاء قاموا ببيع ما وراءهم وأمامهم - قيراط أرض أو بقرة أو جاموسة - أو استدانوا لتأمين ثمن تذكرة السفر ودفع تكاليف تأشيرة الدخول، وأحيانًا دفع رشوة كبيرة للحصول علي هذه التأشيرة أو ضمان ما يسمي بالكفيل في دول الخليج، وبعد هذا العناء وتلك المغامرة يذهب أبناؤنا إلي هذا البلد أو ذاك ليبدأوا رحلة البحث عن عمل قد يأتي وقد لا يأتي، وغالبًا لا يأتي. وقد قمت بزيارة أماكن تجمعات المصريين في الكويت في منطقة خيطان ومولي أساسًا، ورأيت آلافا من العاطلين يجلسون علي الأرصفة في حالة من الانتظار اليائس، ورأيت آلافًا من المصريين يعيشون في ظروف تعيسة يسكن العشرة منهم في غرفة واحدة، ويعمل معظمهم في ظل ظروف غير آدمية قبل أن نلوم عليها بعض الكويتيين الذين استغلوا أوضاعهم الصعبة وحاجتهم الشديدة للعمل بأي ثمن يجب أن نلوم عليها أنفسنا لأننا نحن الذين دفعناهم إلي هذا الموقف الصعب ولأن الوطن لم يكن رحيمًا بهم فدفعتهم قسوة الحياة إلي هذه المغامرة غير المأمونة العواقب. ونحن مسئولون أيضًا عن ذلك لأن نظامنا التعليمي لم يعد صالحاً لتأهيل المصريين وإكسابهم مهارات حقيقة تلبي احتياجات اسواق العمل داخل الوطني او خارجه. ونحن مسئولون أيضاً لأننا مثلما أهملنا رعاية ابنائنا داخل الوطن استمرأنا هذا الاهمال خارج الوطن فلم نسمع عن سفارة مصرية قامت بمبادرات لمساعدة الجاليات المصرية في الخارج والدفاع عن حقوقها وحفظ كرامتها هذا إذا امتلكت هذه السفارات الامكانيات اللازمة لذلك اصلاً. وقد علمت من مصريين قابلتهم في الكويت أن المصريين الذين تعرضوا لاهانات مروعة في سنوات سابقة علي أيدي بعض الكويتيين في حوادث معدودة، ومشهورة قد صبوا غضبهم علي المسئولين في السفارة المصرية قبل الأفراد الكويتيين، لأن هؤلاء المسئولين لا يكلفون انفسهم مشقة الاتصال بفقراء الجالية المصرية الذين لا ظهر لهم! ولعل من الظواهر المألوفة أن المصريين بالذات يحرصون علي عدم الاتصال بسفاراتنا في الخارج، والأرجح أن لهذا العزوف أسباباً متعددة منها التوجس التقليدي للمصري من أي »مصلحة حكومية« لأن علاقته بالحكومة لها تراث تاريخي غير سار وغير ودي علي الاطلاق، ومنها تعالي السفارات المصرية علي المصريين الغلابة في الأغلب الأعم وليس في كل الحالات بالطبع ومنها قلة حيلة المسئولين بهذه السفارات، ومنها جهل بعض المصريين المهاجرين وعشوائيتهم وعدم معرفتهم بحقوقهم الدستورية كمواطنين سواء في الداخل أو الخارج، ومنها افتقار المصريين المهاجرين لتقاليد الهجرة لأن هجرة المصريين ظاهرة حديثة وطارئة بينما الأصل هو أن المصري »قراري« أي مستقر وملتصق بتراب وطنه عبر تاريخه العريق. إذن.. لا يكفي أن ننزعج من قراءة خبر مثل ذلك الذي نشرته صحيفة »الوطن« الكويتية ولا يكفي أن نجزع أو نخجل من أن نكون الأكثر ارتكابا للجريمة في الكويت. المهم.. أن نعترف بهذا الواقع الأليم.. أولاً. ثم أن نحلله بصورة علمية وموضوعية ونزيهة ثانيا. والأهم.. أن نضع له خطة جادة للعلاج ثالثًا. أما ثقافة الانكار.. فانها لا تؤدي إلي شئ إلا مزيدًا من السلبيات.. والأحزاب.. والفضائح.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اطلبوا العلم.. ولو من سنغافورة
-
مرشد مصرى ومرشد سنغافورى .. وبينهما -حجاب- حاجز
-
مصر.. إلى أين ؟ 4-4
-
مصر.. إلي أين؟! 1
-
مصر .. إلي أين؟! 2
-
مصر.. إلي أين؟ 3
-
الدين والسياسة
-
العرب وأمريكا.. وتراجيديا الحب من طرف واحد
-
إسماعيل صبرى عبدالله .. فارس الفكر والثورة
-
ذئاب .. وأغنام .. وكلاب
-
تعديل التعديل
-
-إبسن- .. و-دنقل-
-
فراشة »كفاية«.. تحلق في أجواء ملبدة بالغيوم.. والنيران الصدي
...
-
..إلاّ الماء والهواء يا حكومة
-
باقة ورد إلى محمد عوده
-
وادى دجلة .. فى خطر
-
شكوى الفلاح الفصيح من بنك الائتمان الزراعى
-
نوبل .. والفقراء
-
كابوس إقطاع العصور الوسطى يهدد الحلم الأمريكى
-
صحة الشعب أخطر من أن تترك للبيروقراط
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|