أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد أبو مطر - عبد القادر الجنابي:أية تربية هذه؟















المزيد.....

عبد القادر الجنابي:أية تربية هذه؟


أحمد أبو مطر

الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 09:51
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    



من غير المألوف أن تكتب عن كتاب بعد مرور عشرة أعوام على صدوره، ولكن لا ذنب للقارىء أنه لم يتسن له العثور على هذه الكتاب إلا بعد عقد من صدور طبعته الأولى عن دار الجديد اللبنانية، إنه كتاب ( تربية عبد القادر الجنابي ) للجنابي المذكور نفسه دون غيره، إذ ربما يتبادر للذهن أنه كتاب عن ( عبد القادر الجنابي ) لمؤلف آخر، إلا أنه منذ الصفحة الأولى يتعرف القارىء على هوية الكتاب وكاتبه خاصة إذا كنت لا تعرف صورة الغلاف أنها من مرحلة شباب عبد القادر الجنابي السوريالية، فإذا الكتاب هو سيرة ذاتية لكنه يختلف عن كثير من كتب السيرة الذاتية العربية الحديثة التي تسرد كافة مراحل الحياة،ليكون تركيزه مقصودا على دور الكاتب في الحركة السريالية العربية من خلال تواجده الإبداعي في أكثر من عاصمة أوربية عاش فيها الكاتب حياته الشخصية والإبداعية كما نقول في المثل الشعبي (بالطول والعرض ) لا يعطي اهتماما لأية موروثات أو تقاليد كما تعودنا في كتب السيرة الذاتية العربية التي قدم كاتبها في الغالب نفسه على أنه ( ملاك ) دون أية سلبيات أو أخطاء في كافة مناحي و مراحل حياتة، إلا أن هذا الجنابي ( جنّبنا الله شروره ) لديه من الجرأة ما يصل حد الاعتراف بكافة الموبقات التي ارتكبها أو فكر فيها فهو من بداية عجائنه الأولى ( مسلم أنا..ألم أطرد من "الكتّاب"الذي أدخلت إليه قسرا بعد شهر واحد لأني لم أستطع أن أحفظ آية واحدة عن ظهر قلب) وكما أعطانا هو بعض مفاتيح فهم تربيته، فكل ما سيرد في هذه المقالة بين قوسين هو مقتبس من كتاب تربيته هذه!!. وانطلاقا من جرأة المكاشفة هذه يسرد محطات من بدايات حياته الأولى، من المؤكد أن الكثيرين عاشوها بنفس الزخم والعبثية، إلا أنه من النادر أن تجد من يتجرأ على هذا النوع من البوح قياسا على ما تعودنا عليه في كتب السيرة الذاتية العربية، فمن يجرأ على الحديث عن الأب والأم والأخ والعشيقة بهذا الوضوح الذي حتما يعتبره البعض فسوقا ومروقا، في حين أن مراجعة العديد من كتب التراث قبل حوالي سبعة قرون مثل كتابي ( الروض العاطر في نزهة الخاطر ) للشيخ النفزاوي و ( نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب ) لشهاب الدين التيفاشي اللذين حققهما الشاعر العراقي ( جمال جمعة )، يثبتان بدون نقاش أن العرب في تلك الفترة كانوا أكثر جرأة على البوح والمكاشفة والمصارحة في أمور العلاقات الإنسانية، مما يجعلنا اليوم ( نخاف من الأقوال أكثر من الأفعال )، فلا مانع أن يفعل الشخص في الخفاء ما يروق له، ولكن إن تجرأ على وصف ذلك وكتابته فهذا طامة كبرى لا يوصف صاحبها إلا بالفسوق والمروق!.

كان يدرك منذ البداية أن المدرسة العادية لا تلبي طموحاته الفلسفية والإبداعية، لذلك كان فيها فاشلا غير مبال لهذا الفشل الذي زادته حياة العراق في الستينات كآبة وموتا..( ...لكن خلف كواليس الأيام الأعياد هذه، كانت أشباح الموت العراقي آخذة في التسلل منذ الأشهر الأولى إلى قرار الحياة اليومية، شعارات متضاربة أولا ثم اضطرابات وحوادث قتل، ثم انقلابا دمويا قضى قضاءا مبرما على فورة الحلم التي تملكت العراقيين بوطن حر وشعب سعيد )، وهل يختلف هذا المشهد الستيني عن حياة العراقي اليوم في مطلع القرن الحادي والعشرين؟. و في ( الحلم هذا الشريط ) يعطي تفصيلات مذهلة عن جيل الستينات العراقي المبدع، فنعرف نشاطات هذا الجيل التي كانت غائبة عنا نحن أبناء نفس الجيل في العواصم العربية الأخرى، إذ كانت بغداد رغم مصائبها الدموية خلية ثقافية متحركة في كافة الاتجاهات في السر والعلن..( كانت شبكة ثقافية تتحرك بحرية لا بأس بها: شعراء ، قصاصون، مترجمون، منبوذون،هامشيون، كان معظمهم يساري الاتجاه، بينهم وبين السلطة هوة من الصعب ردمها. اغلبهم خارج من السجن...لم يكن بينهم شرطي ثقافي يعمل موئلا ثقافيا لصالح السلطة ). ويركز في هذا المنحى على ( غياب السلطة ) بعكس المرحلة اللاحقة التي انضوى فيها العديدون تحت عباءة السلطة أبواقا وتابعين، فكان إبداع العديد منهم مجرد كتابات انتهازية ربما لو احتكموا لضمائرهم اليوم لخجلوا منها، وتمنوا أن تحذف من رصيدهم الكتابي، وتفاصيل مذهلة عن تطلعات جيل الستينات وانبهاره بكل ما هو ثوري وإنساني واشتراكي، فكان الانبهار بأسماء مثل: ماركيوز وجيفارا وجيمس بالدوين ونورمان ميلر وغيرهم، وفي هذا السياق ينصف أسماء مثل مؤيد الراوي في الشعر وخالد الراوي في القصة القصيرة جدا، مستغلين غياب السلطة الراكضة وراء صراعاتها الداخلية.

وهكذا صراعات لا تترك أمام المبدع الباحث عن حريته وانطلاقته الإنسانية سوى الانزواء أو الهروب، فاختار عبد القادر الجنابي الهروب أو الهجرة أو اللجوء، فكانت لندن وباريس المحطتين اللتين انطلق فيهما هذا الولد المتمرد على كل شيء من خلال الحركة السريالية التي كانت أكثر واقعية وانضباطا وأخلاقا من سريالية جحيم الحياة العربية....( وأنا أنزل من طائرة الخطوط العراقية....في مطار لندن شعرت بأني على تماس مع نور الغرب ومع شميم رائحة الثقافة الحقيقية، أتمشى أخيرا في منتصف مدينة الضباب الذي سبق أن رأيته على شاشات بغداد الفضية. لقد بحثت عنه في كل زوايا لندن وشوارعها دون أن أعثر عليه. العيش في هذه المدينة حيث بدء وهلة التثقيف الفعلية، علّم أعماقي كيف تكلأ أبعد الأفاق، أن تقلب كل ما يأتيها من أفكار و تجارب. كنت أشبه بطفل السريالية في قراره هي المشروع )، لذلك بدأ هذا الطفل يعيش ويجرب كل ما وجده في لندن ومن بعدها باريس بحثا عن نفسه التي وجدها في العديد من الممارسات التي كان أشرفها سرقة الكتب من المكتبات التجارية، فعندما تكون الحياة كريمة مع البخلاء والمنحرفين والتجار، و بخيلة حد الجوع والعدم مع الشرفاء والمبدعين، عندئذ ( لا ترى لك مفرا من التسليم مع المفكر الروسي العدمي بيساريف بأن " زوجا من الأحذية أفضل من شيكسبير" ). الأيام التي قضاها الجنابي ( في أحشاء لندن ) لا يمكن تلخيصها من كتاب ( تربيته ) فلا بد من قراءتها لمعايشتها، لتشعر أن العديدين من المبدعين من ذلك الجيل كانوا يعيشون تلك الممارسات في الحلم وهم سجناء عواصمهم العربية التي تأكل إنسانيتهم من خلال ضباط الشرطة وشرطة الثقافة!!!. أما ذروة النشاط والإبداع فقد كانت في مدينة السورياليين باريس، حيث ( عن موقف أخلاقي في عالم بلا أخلاق ) ولدت مجلة ( الرغبة الإباحية ) في الخامس من ديسمبر لعام 1973 ، فكانت ( كتابة حبلى بقدرة استفزازية و تحريضية ضد الأوضاع المزرية القائمة، غرض جعل كل ما كان قد اعتبر مرة أنه ملكية خاصة للشعراء ، ثروة عامة للجميع). ولما كان العالم بشرقه وغربه لا عمل له سوى التآمر على العرب، فقد كانت ( الرغبة الإباحية ) دليلا على أن ( السورياليين العرب هم عملاء مشبوهون ) كما كتبت الصحافة العربية آنذاك!، وجاءت بعدها مجلة ( النقطة ) لتؤكد المؤامرة والعمالة!!. وفي هذا الخضم أراء جريئة لم يتعود عليها السائد الشعري العربي الذي أصبح مقدسا لا يأتيه الباطل من أمام أو خلف ،إذ ( يجب أن يعرف الجميع أن ما يسمى بالتجديد الشعري العربي الحق هو نبتة لبنانية نبتت على أيدي شعراء مسيحيين هم يوسف الخال، أنسي الحاج، شوقي أبو شقران توفيق صايغ، خليل حاوي و إلخ لكن لأنهم مسيحيون لم يكن بالإمكان إيصال رسالة التجديد الشعرية هذه بكليتها إلى جمهور يشعر بريبة مما هو آخر غير إسلامي ). وهناك أراء تشبه العمليات الانتحارية من جرائها سيدخل عبد القادر الجنابي النار عن البعض لأنه قتل نفسا، أو العمليات الاستشهادية عند البعض لأنه تجرأ على كتابة علنا ما يقوله كثيرون شفاها وسرا ، مثل ( وههنا يأتي دور أدونيس الذي لم يضف في نظري ( الجنابي ) أي شيء بل على العكس أوقف كل شيء: استغل هذا اللجم وبكل دجل لصالحه، وعمل على تلفيظ مفاهيم التمرد الطبيعي التي شنها هؤلاء الشعراء، تلفيظا يفرغ هذه المفاهيم من كل محتوى حقيقي بإطلاقها مجرد تضادات مناوشات لفظية مع معطيات الواقع السائد، معطيات أدونيس هو خير من يمثلها في الحقيقة ، وبالتالي هو عين ما يجب التمرد عليه ورفضه....متى سيئين الأوان الذي تجترح فيه إعادة نظر جدية في كيفية ظهور مجلة شعر ولماذا كان التجديد الشعري العربي لبنانيا ومسيحيا، ولماذا يعمل أدونيس على تمييع هذا التجديد وإلى اليوم ببهلوانية ليس لها نظير ).

وتستمر فصول ومحطات ( تربية الجنابي ) وصولا إلى أجمل محطاتها ، تلك المرأة الرائعة (مونا ) على حد وصفه إذ أمنت له عبر الحب والوفاء والصداقة ( أن تعيش لتكتب لا أن تكتب لتعيش ). ولا بد من الاعتراف أن ما ساعدني على فهم هذه التربية الجنابية ومعرفة بعض تقاصيلها وخلفياتها هي تلك الدراسة الطويلة للدكتور سيّار الجميل بعنوان ( الجنابي مثقف غريب الأطوار..من بوهيمية الحياة إلى عمق المكاشفات ) التي عثرت عليها منشورة في صفحة (الجيران ) بتاريخ السادس من مارس لعام 2005 . ويبقى أن أقول: إن هذه الكتابة ليست تلخيصا أو عرضا بقدر ما هي تحريض لقراءة ( تربية عبد القادر الجنابي ) فربما يصل القارىء لنفس صراخي: أية تربية هذه؟.
[email protected]
www.dr-abumatar.com





#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرافعات جديدة حول استحقاق صدام لحكم الإعدام
- هل يستحق صدام الإعدام؟هل يستحق صدام الإعدام؟
- توقفوا عن الاستنجاد بالعرب والمسلمين
- أهمية و ضرورة استمرار هزيمة طالبان
- السيد ضياء الموسوي: وقاتلوهم بالحب!
- حسابات النصر والهزيمة في حرب حزب الله الأخيرة
- اسماعيل هنية: لمصلحة من استعداء الشعب الكردي؟
- الحل هو تخلي حماس عن تشكيل الحكومة
- النظام السوري والموقف من الجولان المحتل
- جيش الهدى في غزة: هل تختلفون عن الاحتلال؟
- لماذا أحداث 11 سبتمبر إرهاب صريح؟
- أفيقوا: ما قيمة العلم بدون وطن؟
- من المسؤول: نحن أم الاحتلال؟
- ترتيب البيت الفلسطيني. مسؤولية من..وكيف؟
- النظام السوري: استمرارية تعتمد على الخلافات والتعديات
- ماذا يريد النظام السوري من لبنان والعرب؟
- هل يمكن الإطمئنان لدور إيران في المنطقة؟
- مواقف أردنية تستحق القراءة والتركيز
- نتائج مستقبلية للجرائم الإسرائيلية
- هل فعلا نحن أمة عربية واحدة؟ 2


المزيد.....




- الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
- من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
- الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة ...
- إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل ...
- التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي ...
- هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
- مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
- إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام ...
- الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية ...
- الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد أبو مطر - عبد القادر الجنابي:أية تربية هذه؟