آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 7843 - 2024 / 1 / 1 - 19:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لحيتان الفساد في العراق دور مفصلي و كبير في تعطيل النشاط الحكومي في قطاع الاتصالات السلكية و اللاسلكية لغرض إتاحة الفرصة لشركات القطاع الخاص العراقي و الأجنبي للاستحواذ على الجزء الأعظم من إيرادات هذا القطاع الحيوي و حرمان الدولة العراقية من تطوير إمكانياتها الفنية في بناء شبكة اتصالات حكومية تعزز مصادرها للإيرادات الغير نفطية التي تمول بها متطلبات الميزانية الحكومية .
تعمل حيتان الفساد باستخدام اساليبها المتعددة و أذرعها في داخل وزارة الاتصالات و خارجها لجعل الاتجاه العام لنشاط هذه الوزارة ينحاز نحو الخصخصة الجزئية للانتقال لاحقا للخصخصة الشاملة لقطاع الاتصالات , و من أهم مؤشرات هذا الانحياز :
اولا : عدم الاهتمام بتشغيل بدالات الهاتف الأرضي حيث بقيت معظم هذه البدالات في عموم المحافظات الخاضعة للحكومة الاتحادية تشتغل بنسبة ضئيلة من سعتها القصوى , فالأرقام تشير الى وجود مئات الآلاف من خطوط الهاتف الأرضي خارج الخدمة بسبب القطوعات شبه المستمرة في شبكات الكابلات الأرضية بالإضافة الى مشكلات فنية أخرى .
قد يكون سبب عدم الاهتمام بإصلاح و تطوير شبكة الهاتف الأرضي و بالتالي عدم تشغيل البدالات المعطلة كليا أو جزئيا هو أعجاب بعض مسؤولي وزارة الاتصالات الاتحادية بتجربة إقليم كوردستان في هذا المجال , حيث قامت وزارة الاتصالات في الحكومة المحلية للإقليم بتسليم كل البدالات و شبكاتها الأرضية الى شركات القطاع الخاص ضمن عقود مشاركة في الإيرادات المستحصلة عن أجور المكالمات الهاتفية , فحكومة الإقليم تحصل على نسبة من هذه الإيرادات و النسبة الأكبر منها تذهب كحصة لشركات من القطاع الخاص مقابل تحمل هذه الشركات كافة الكلف الاستثمارية لتطوير و توسيع البدالات و شبكات كابلاتها الأرضية بالإضافة الى الكلف التشغيلية و متطلبات الصيانة , و على أثر ذلك قامت حكومة الإقليم بتسريح جميع العاملين في هذا القطاع و ذلك بإحالتهم على التقاعد المبكر و الاستمرار بصرف الرواتب لهم بصيغة رواتب تقاعدية و السماح لهم في العمل في شركات القطاع الخاص و منها الشركات التي استحوذت على مشاريع الاتصالات في الإقليم .
ثانيا : لم تقم وزارة الاتصالات الاتحادية بأي إجراءات ذات أهمية لتنفيذ الرخصة الرابعة للهاتف النقال ( الخليوي ) لتكون هنالك شبكة حكومية للهاتف النقال تنافس شركات الهاتف النقال الثلاثة العاملة في العراق و هي شركات اسيا سيل و زين و كورك لتحقيق افضل خدمة هاتفية للمواطنين و بأقل الأسعار الممكنة بالإضافة الى تحقيق إيرادات سنوية بملايين الدولارات للدولة العراقية .
عشرون سنة مضت على سقوط النظام السابق و وزارة الاتصالات الاتحادية تراوح في مكانه في ما يخص تنفيذ الرخصة الرابعة للهاتف النقال , لكن يبدو أن هنالك أمل الان في اتخاذ وزارة الاتصالات خطوات جدية في إنشاء شبكة هاتف نقال ( خليوي ) حكومي خصوصا بعد تولي الدكتورة هيام الياسري المسؤولية كوزيرة لهذه الوزارة .
ثالثا : بعد 2003 تم حلْ هيئات التنفيذ المباشر التابعة لتشكيلات وزارة الاتصالات و الاستعاضة عنها بتكليف مقاولين عراقيين او اجانب لتنفيذ اعمال كان ممكن تنفيذها من قبل هذه الهيئات .
رابعا : هنالك مؤشرات عديدة أخرى تؤكد وجود عداء شديد للقطاع العام الحكومي و الميل لخصخصة قطاع الاتصالات و من هذه المؤشرات توقيع وزارة الاتصالات الاتحادية , حين كان السيد محمد توفيق علاوي وزيرا لها , عقدا استثماريا مع شركة نوروز تيل لتنفيذ شبكة كابلات ضوئية بين المحافظات التابعة للحكومة الاتحادية , فبموجب هذا العقد تقوم نوروز تيل بتنفيذ و تمويل الكلف الاستثمارية و التشغيلية لهذا المشروع و استحصال إيراداته من خلال تأجير خطوط الإيصال لشركات القطاع الخاص و الحكومي مقابل اعطاء وزارة الاتصالات نسبة من هذه الإيرادات .
إن الاعتراض الرئيسي على هذا العقد هو أن لأحد تشكيلات وزارة الاتصالات و هي الشركة العامة للاتصالات القدرة التامة لتنفيذ شبكات الكابل الضوئي و لحسابها دون الحاجة لمستثمر كي يشاركها بحصة من هذه الإيرادات , علما أن مشاريع الكابل الضوئي هي جزء من البنية التحتية للاتصالات و المسؤول عن تنفيذها حصرا هي الشركة العامة للاتصالات الاتحادية لذا فأن السماح لشركة من القطاع الخاص بتنفيذ مشاريع مماثلة هو أمر غير مبرر و مخالف للمهام المكلفة بها الشركة العامة للاتصالات .
لقد كان توقيع العقد مع شركة نوروز تيل احد نقاط الخلاف بين رئيس الوزراء السيد نوري المالكي و وزير الاتصالات في تلك الفترة السيد محمد توفيق علاوي , فرغم أن وزارة الاتصالات الاتحادية هي احدى تشكيلات الحكومة الاتحادية و يفترض بها العمل وفق نهج الحكومة الاتحادية , اذ ليس من المعقول أن تعمل وزارة اتحادية بنهج يتعارض و البرنامج الحكومي , و مع ذلك اتبع وزير الاتصالات نهجا مخالفا لنهج رئيس مجلس الوزراء .
بسبب العقد مع شركة نوروز تيل صدر حكم غيابي من النزاهة بحق السيد محمد توفيق علاوي بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة هدره للمال العام , ثم الغي هذا الحكم بعد الاستئناف بسبب أن الخصخصة اسلوب تم اتباعه في الكثير من بلدان العالم و حقق فوائد ذات أهمية اقتصادية .
لقد اصدر رئيس الوزراء نوري المالكي قرارا بإلغاء العقد الموقع بين وزارة الاتصالات الاتحادية مع شركة نوروز تيل و تعويض هذه الشركة بكل الكلف الفعلية التي انفقتها على التنفيذ الجزئي الذي قامت به لتنفيذ العقد و تضمن الفرار ايضا التأكيد على حصر تنفيذ جميع شبكات الكابل الضوئي بالشركة العامة للاتصالات , و قد جاء هذا القرار متوافقا مع توصية هيئة الرأي و الكادر الفني المختص في تنفيذ المشاريع في وزارة الاتصالات و متوافق تماما مع تقرير المستشارة الفنية لوزير الاتصالات الدكتورة هيام الياسري , إلا أن شركة نوروز تيل رفضت الغاء العقد و تقدمت بشكوى ضد وزارة الاتصالات الاتحادية لدى محكمة عراقية مختصة و طالبت بحصة من أرباح افتراضية كان ممكن أن تحصل عليها الشركة لو لم يتم إلغاء العقد , لقد تسبب الغاء هذا العقد في خلق مشكلة كبيرة بين وزارة الاتصالات و شركة نوروز تيل من الصعب الخروج منها دون دفع غرامة كبيرة بموجب قرار حكم يصدر لصالح هذه الشركة حيث وضع هذا العقد وزارة الاتصالات امام خياران , الخيار الأول ابقاء العقد و هذا يعني التنازل لشركة نوروز تيل عن إيرادات جارية تتجاوز قيمتها مع مرور الزمن أضعاف اي غرامة يمكن أن تقرها أي محكمة عراقية مختصة , و الخيار الثاني هو إجراء تسوية مع شركة نوروز تيل و ذلك بدفع مبلغ بحدود 1٧٠ مليون دولار كتعويض لها , لكن بعد ذلك تم الاتفاق على الغاء العقد ضمن تسوية بين الطرفين .
لقد رافق فترة تولي محمد توفيق علاوي منصب وزير للاتصالات مشاكل عديدة أثرت بشكل كبير على عمل الوزارة , فالخلاف الحاد بين الوزير محمد توفيق علاوي و مستشارته الدكتورة هيام الياسري المسنودة من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي لم يكن خلافا شخصيا أو من أجل منافع ذاتيه لأي منهما بل كان خلافا بين نهجين , نهج يمثله الوزير محمد توفيق علاوي و الساعي لإجراء خصخصة جزئية لقطاع الاتصالات قد تقود الى خصخصة كلية في حال ثبوت جدواها و مردودها الاقتصادي و نهج آخر تمثله الدكتورة هيام المنحازة بشدة لتطوير القطاع العام الحكومي .
كان وزير الاتصالات محمد توفيق علاوي يؤكد انه لا يمكن ادارة الوزارة برأسين , و هنا يقصد , هو يمثل الرأس الأول و الرأس الثاني هي مستشارته الدكتورة هيام الياسري , كل منهما يمثل نهج مختلف عن نهج الآخر , فاتجاه الدكتورة هيام الذي يمثل نهج رئيس الوزراء نوري المالكي بحصر تنفيذ مشاريع البنية التحتية كشبكات المايكروويف و شبكات الكابل الضوئي بالشركة العامة للاتصالات و هذا الاتجاه كان السبب وراء تصاعد هذا الخلاف عندها قرر وزير الاتصالات مقاطعة اجتماعات مجلس الوزراء , و في نهاية المطاف قدم وزير الاتصالات محمد توفيق علاوي استقالته التي قبلها نوري المالكي على الفور .
السؤال الأهم هو ما هي المشكلة و مَنْ تسبب بها :
لا شك أن سبب المشكلة هو الدستور العراقي فلقد اعطى هذا الدستور رئيس مجلس الوزراء صلاحية رسم السياسة العامة لنشاطات كافة القطاعات الحكومية بضمنها قطاع الاتصالات , و في نفس الوقت لم يعطي رئيس مجلس الوزراء الصلاحية الكاملة في اختيار وزراء حكومته كي يتمكن من اختيار وزراء مؤيدين لبرنامجه الحكومي , و هذا خلل كبير لا يمكن إصلاحه الى بإجراء تعديلات جوهرية على الدستور العراقي , إذ بدون هذه التعديلات تبقى قدرات رئيس الوزراء ضعيفة في تنفيذ برنامجه الحكومي , لقد اتاح الدستور العراقي المجال للمحاصصة الحزبية في أن تكون العامل الأساس في تعطيل عمل أي حكومة اتحادية تتشكل وفق هذا الدستور الذي اصبح مشكلة العراق الأولى , و قد تسببت المحاصصة ايضا في عدم صدور قوانين من مجلس النواب العراقي تنظم عمل الوزارات العراقية و تحدد هياكلها و اختصاصاتها منها وزارة الاتصالات , فبدون هذه القوانين يبقى عمل وزارات الحكومة الاتحادية غير مسنود بنهج دستوري واضح .
من الأمور المهمة و التي لازالت معطلة في مجلس النواب العراقي قانون يعدل واجبات و صلاحيات هيئة الإعلام و الاتصالات التي هي احدى الهيئات المستقلة , فبوجب قرار من بريمر الذي عينه المحتل الأمريكي كحاكم مدني على العراق تشكلت هذه الهيئة و أعطيت صلاحيات و اختصاصات خارج حدود مهمتها الرئيسية و التي هي تخصيص الترددات لكافة الأجهزة اللاسلكية العاملة في العراق التابعة للجهات الحكومية المختلفة و غير الحكومية , و قد اعتمدت هذه الهيئة على قرار بريمر بتوقيعها لكافة عقود الهاتف اللاسلكي .
من المفترض أن تكون العقود لمنح رخص لشركات الهاتف النقال مع وزارة الاتصالات الاتحادية و ليس مع هيئة الإعلام و الاتصالات و آن تكون واجبات هذه الهيئة محصورة فقط في تخصيص الترددات لشركات الهاتف النقال و ليس توقيع العقود معها , فتوقيع مثل هذه العقود يجب أن تكون مع وزارة الاتصالات الاتحادية كي تتوافق و صلاحيات رئيس مجلس وزراء الحكومة الاتحادية التي منحها له الدستور العراقي منها رسم السياسات العامة للاتصالات في العراق , هذه الازدواجية في المهام و الصلاحيات خلقت مشاكل عديدة لازال قطاع الاتصالات في العراق يعاني منها و التي يجب أن تنتهي , لكن حيتان الفساد التي تحتمي بالمحاصصة السياسية تحول دون إصلاح الأخطاء البنيوية التي تعاني منها الدولة العراقية .
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟