أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رائد عبيس - الديمومة الزمنية عند هنري برجسون














المزيد.....

الديمومة الزمنية عند هنري برجسون


رائد عبيس

الحوار المتمدن-العدد: 7843 - 2024 / 1 / 1 - 12:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



انقسمت أبعاد الديمومة عند برجسون إلى مسارين : الأول خارجي والثاني داخلي , كسب النوع الأول صفة الموضوعية, وكسب النوع الثاني صفة الذاتية , وبين الموضوعية والذاتية ترابط لا يمكن فصله أول وهله, من دون إدراك حقيقة البعد الانطولوجي لوجودنا والعالم الذي ندركه. فلا يمكن أن نفهم كل الوجود بمجرد إدراكنا لذاتنا أو فهمنا لها ؛ لأن ذواتنا محدودة إزاء الموجود معناً وواقعاً. على الرغم من كل المعاني التي نصنعها له, سواء كسبت صفة الحقيقة أو الخيال.
لكي يجب أن نعي ذلك بشكله الصحيح علينا أن ندرك معنى "التغيير" وأي "تغيير" نقصد ,هل التغيير بالمعنى الكوني ؟ أم التغيير بالمعنى الذاتي ؟ هل التغيير الحر ؟ أم التغيير بالطبيعة ؟
تشير الملاحظة الأولى على وفق برجسون إلى أن هناك تغيير ينبع من الإحساس به . قبل إدراكه بوعي تام ؟ مثل : تغيير حركة الأرض التي لم يكن البشر مثلاً يدركها في البدء , وعلى أساس تغييرها. تتغير مشاعرة, وأحاسيسه, وعواطفه, تبعاً لما يُحققه ذلك الدوران من تعاقب الليل, والنهار , والحر, والبرد, والغروب, والشروق. فيكون جراء ذلك التغيير ,تغيير ذاتي مصحوب بمعرفة أو جهل عن حقيقة أصالة ذلك التغيير الذي ربطه بمحور الإدراك بعوالمه وحالاته. وهو ما لا يكفي لفهم التغيير على الحقيقة , لأننا ببساطة أكثر تقلباً في فهم التغيير من التغيير ذاته. وهذا ما لا يمكن أن نحد به التغيير ؛ لأن ديمومته أكثر عمقاً من التأريخ.
أما الملاحظة الثانية فهي الإنتباه للحظة التي يربط بها ذواتنا بعوالمها التاريخية الماضية, وبواقعها, ومستقبلها. فلا يكفي فهم الفواصل الزمنية كمحطات توقف لحظي بين ذاكرتنا, وآنيتنا, وتطلعنا. لتعرف أن هناك كون متصل يشعرنا بتغيرنا. بل نحتاج إلى ذلك قناعة تامة أن الزمن هو سيل متدفق أبلغ من ما تشعر به نفوسنا داخل هذا الزمن. فهو أكبر من تجاربنا الفردية في تقطيعه على وفق ذاكرتنا, وانفعالاتها النفسية. وهنا قدم لنا برجسون اقرار بما يمكن أن نصطلح عليه "الديمومة اللامتناهية" في مقابل "الديمومة المتناهية" التي تختزلها ذاكرتنا والتي تعتمد على الإنتباه.

المسار الخارجي للديمومة :

وقد عبرنا عنه بالمسار ؛ لأنه يعتمد على الحركة, ونقصد بالحركة الخارجية للديمومة, هو ما نستشعر وجوده خارجياً منها, وما تشعرنا هي به, فتكون لنا حالة انطولوجية متكاملة لا يمكن نكران وجودها, ولا يمكن أن تكون مقيدة بانتباهنا, أو إدراكنا, أو اعترافنا, أو شعورنا, أو الزمن الذي تحتويه ذاكرتنا عن حقائقنا. فعوالمها هي عوامل مساعدة لنا. في إدراك وجودنا معها, وفيها, ولها. وعندها لا تكون ذواتنا محايدة, لأننا نكون عاطفيين ونسقط عليها أحكامنا وتجاربنا تبعاً لمؤثرها. وهنا نسقط عامل التغيير أو نرهنه لصالح متغيراتها التي تكون موضوعية في العادة, وخارج إرادتنا فيه .


المسار الداخلي للديمومة :

وهو المسار الذي ندرك به الحركة النفسية, الحركة داخل مؤثرات النفس, بكونها صانعة لحالات معقدة من حركة النفس سواء مع الذاكرة, أو مع العقل , أو مع الأحاسيس, أو مع الإرادة, أو مع الانفعال ,أو مع التجارب, أو مع القلق, أو مع أي عامل نفسي داخلي لا نشعر به , مثل : حالة الحب , والكراهية , والبغض ... وغيرها التي تستجيب لقوى الذاكرة أن تفعل فعلها فينا . فتغير من وعينا في التغير نفسه , وحصره بما يمكن للذاكرة أن تصنعه فيه أو تحده. كذاكرة الطفولة , والذكريات اللاشعورية التي تنتابها فجأة. وعمليات الجهاز العصبي فيها , أو الجهاز الدماغي الذي بالعادة يتذكر لنا المواقف, ويعيدنا حيث الماضي الذي هو عودة إلى مصدر الديمومة كما يختزله برجسون .

هيرقليطيسية برجسون المتفاوتة :

ورد عن هيرقليطس قوله: "لا يمكن للرجل أن يخطو في النهر مرتين " , وقال برجسون : "يستحيل على شعور ما أن يمر بحالة بعينها مرتين " , وهنا لا نعرف لماذا خص الرجل دون النساء ! ولعله كان يقصد المرء بشكل عام , من دون خصوصية الرجل. لا نعلم سبب ذكورية القول عنده !
ونذكر على نحو المقارنة بين المقولتين ملاحظات في أصل المقولتين, إن مقولة هيرقليطس تشير إلى عامل الصيرورة والتغيير المادي في حالة جريان الماء, وفي حالة التعرض له. أما مقولة برجسون فتشير إلى معنى السيرورة والتغيير المعنوي. ويتضح أن مقولة هيرقليطس تشير إلى أرجل الإنسان, أو الرجل الذي يمر في لك النهر, وهو أداة مادية لمقياس التغيير والشعور به.
أما مقولة برجسون فتشير إلى حالة نفسية تختلف باختلاف حالات الإحساس بالفرح, أو الحزن, أو غير ذلك. أما إذا كان هيرقليطس يقصد عامل الزمن الذي ينزل به الرجل للماء في النهر, فإنه يختلف بالتأكيد عن الزمن الذي بقصده برجسون في حالات الشعور الآنية التي لا تختلف بسهولة في حالة جريان الماء لمن قدم رجله أو نزل به. وإذا كان تشبيه هيرقليطس للزمن بالماء وجريانه وتدفقه, فهذا يعني أنه أسقط عليه حركة بطيئة , وأفقد الزمن سرعته , أما مع برجسون فإن الزمن المشعور هو نفسه الآنات الزمنية اللحظية التي تتدفق في زمن الديمومة المتناهية.

الماضي – الأصل الزمني للديمومة :

لحظية التجارب الفردية أو الشعور بها ,جعلت من برجسون يذهب إلى الاعتقاد أن الماضي هو الأصل الزمني للديمومة , فلا يمكن أن نختصر الديمومة بمعنى التدفق الزمني فحسب , ولا يمكن أن نقطعها بالفواصل الزمنية , لتكون ماضي, وحاضر, ومستقبل. بل هو الركيزة الأساسية لإدراك التغيير ونقلاته الزمنية, ونحن نعني ذواتنا التي تستمد من ذلك الماضي كل خبراتها التي تكفيها لإحداث التغيير . فالتجارب الجامدة التي لا تمنحنا التغيير , هي تجارب لا تمنحنا الديمومة الزمنية للتغيير الدائم ؛ لأن ذكرياتنا مع الماضي ليست كافية لإحداث تصور نفسي بالديمومة, مالم ندرك اللا انقطاع التام بيننا وبينها. فهي واحدة لا تقبل الانقسام ولا الاستقلالية بين معنى الحاضر, والمستقبل , فهي لحظة تاريخية أصيلة حاضرة على الدوام.



#رائد_عبيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما مسارات التطبيع بعد طوفان الأقصى ؟
- النوع الإجتماعي وجرائم التطرف
- السُّخْريَة الوظيفية على التكنولوجيا عند بيتر سلوتردايك
- مقدمة كتاب
- الهوية الملوثة - مقالات في الأنثروبولوجيا النقدية
- فلسفة الفيزياء -نظرية الخيط -
- فلسفة الفيزياء و نظرية الأوتار الفائقة
- فلسفة الفيزياء من الميتافيزيقية إلى الأمبريقية بنية الكون
- الزمن بين الفلسفة و العلم
- كيف حل الفيزيائيون مشكلة اللامُتناهية ؟
- فلسفة العلوم (Philosophy of Sciences)
- مقبرة الهجرة بحثاً عن تضامن إنساني أعمق عند بيتر سلوتردايك
- فلسفة التراجع فقاعة التضامن البشري في فضاء تقنيات السياسة ال ...
- عقل المجموعة المجهول ,تظاهرات العراق وأشكالية التغيير
- الفيلسوف بيتر سلوتردايك والعنصرية في ألمانيا
- مزاج القادة وقادة المزاج، إشكالية قيادة الجمهور وكسب طاعته
- الوعي المخبأ خلف ولاءات الطاعة، أشكالية ارتهان الإنسان للإنس ...
- الإعلام العراقي والذوق العام
- الشيوعية ثقافة وليس عقيدة ،اشكالية التكفير بلا تفكير
- التحولات المذهبية للنقد


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رائد عبيس - الديمومة الزمنية عند هنري برجسون