|
لماذا انهزمت الجيوش وتصمد المقاومة؟!
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 7843 - 2024 / 1 / 1 - 01:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول الروائي الأميركي الشهير، ارنست همنغواي على لسان أحد أبطال رائعته "وداعًا للسلاح": "لم يسجل التاريخ أن احدًا أوقف الحرب وهو منتصر". وما دراه أنه بهذه القولة التاريخية، قد صاغ قاعدة رئيسة لمعايير النصر في حروب الجيوش النظامية. في تبيينٍ مكثفٍ لهذه المعايير، وفق أهل الاختصاص، فإن في مقدمها: اعتراف أحد الطرفين المتحاربين بالهزيمة، وتتويج ذلك بتوقيع اتفاقية أو معاهدة لصالح المنتصر. أما إذا كانت الحرب مع مُحتل للأرض، فإن المعيار الرئيس للنصر تحرير الأرض المحتلة وردع العدو المتغطرس عن مواصلة عدوانه. وليس لنا، في هذا المجال، أن ننسى معيار إحباط مخططات العدو في التوسع وفرض إرادته، ثم إرغام خصمه على الاستسلام. بهذه المعايير، فإن سجل الجيوش العربية في مواجهاتها مع جيش الكيان الصهيوني حالك الظلمة وأقبح من أي محاولة ترميم، باستثناء واقعتين. الأولى، معركة الكرامة بتاريخ 21 آذار 1968، حيث تصدت وحدات من الجيش الأردني بقيادة الفريق مشهور حديثة الجازي لجيش العدو بعد دخوله الأراضي الأردنية، وكبدته خسائر كبيرة. وقد كان لهذا التصدي الرجولي بالنظر إلى حجم القوة المُهاجِمَة ومستوى تسليحها كمًّا ونوعًا، دوره الحاسم في إحباط خطط العدو لاحتلال مرتفعات السلط وتصفية عناصر التنظيمات الفلسطينية المتواجدة في الأغوار آنذاك. أما الثانية، فكانت مفاجأة العدو بعبور الجيش المصري خط بارليف وتقدمه في سيناء المحتلة، في موازاة زحف شقيقه السوري في الجولان، خلال الأيام الأولى من حرب 1973. كانت هذه الحرب آخر مواجهة للجيوش النظامية العربية مع العدو، حيث انكفأت بعدها، ثم تلاشى دورها بشكل خاص بعد اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 بين مصر والكيان وما عُرف لاحقًا بعملية السلام، التي تأكد أنها فخ نُصب بإحكام ووقع في شباكه النظام الرسمي العربي المتهالك. ومن الأدلة الدوامغ على ما نقول، أن العدو لم يكف عن مواصلة عدوانه، والأرض المغتصبة لم تتحرر، والحقوق لم تعُد لأصحابها. لكن الحرب تُحسم بإنكسار الإرادة، وفي هذا السياق نستحضر الرأي الفاصل للمفكر الاستراتيجي كارل فون كلاوزفيتس، إذ يقول:"إن المُدافِعَ وإن كان ضعيفًا ماديًّا فهو الأقوى على المدى البعيد، ذلك أن الرأي العام المحلي يشكل حاضنة للقضية العادلة". بهذا المعيار، لم تنكسر إرادة أمتنا والعدو لم يحسم الحرب رغم فوزه بسهولة في المعارك مع الجيوش النظامية، بدليل بروز ظاهرة تنظيمات المقاومة الشعبية، في العقود الأخيرة. وهي من أنبل التحولات، في التاريخ العربي الحديث. إذا كان العدو قد اعتاد حسم معاركه مع الجيوش النظامية العربية بسهولة خلال أيام معدودة وكأنه في مناورات تدريبية، فإن العكس قد حصل ويحصل خلال مواجهاته مع المقاومة. يؤيد صحة ذلك أمثلة وَقَرَت في الأذهان، يختصرها ما يجري في غزة اليوم. بعد نشر هذا المقال، يكون قد مرَّ على العدوان الصهيوني ضد الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته في غزة 85 يومًا، لم يحقق خلالها العدو أيًّا من أهدافه المعلنة، وتتلخص بالقضاء على المقاومة وحركة حماس خاصة، بالإضافة إلى تحرير أسراه بالقوة. أما الهدف الحقيقي فإنه غير معلن، ونعني تدمير قطاع غزة وتهجير أهله بالقتل والرهيب، ثم ضمه لاحقًا للكيان اللقيط. "الإنجاز" الوحيد للعدو، قتل آلاف الأطفال والنساء وتدمير البيوت والمنشآت المدنية بأحدث ما في الترسانة الأميركية من أسلحة. هذا النوع من الانجاز، بمعايير الحروب قديمًا وحديثًا، يُصنف في خانة القتل والإجرام، وبالتالي فإنه وصمة عارٍ سوف تلاحق القَتَلَة حتى يشاء التاريخُ للحق الأبلج أن ينجلي ول"الأسطورة" التوراتية أن تنكشح. على الأرض، يواجه جيش الكيان اللقيط مقاومة باسلة تُلحق به خسائر مؤلمة في الأرواح والمعدات كل يوم. وتزيد المقاومة على ذلك، لتأكيد تحكمها بمجريات المواجهة وسيطرتها على الأرض، تصوير منجزاتها في تدمير آليات العدو وقنص جنوده، ثم بثها على الشاشات ليشاهدها العالم كله. بينما يدعي العدو انجازات وهمية كاذبة، لم يقدم في إثباتها دليلًا واحدًا. تأسيسًا على ما تقدم، يطفر سؤال جوهري: لماذا انهزمت الجيوش وتصمد المقاومة؟! في الإجابة قيل الكثير، ومنه التخلف العلمي والتقني، وغياب مفهوم المواطنة في واقع عربي يهيمن فيه الولاء للقبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب والعائلة، على حساب الإنتماء للدولة. وظهر رأي يقول بنزوع العقلية العربية إلى الهروب من مواجهة الحقيقة، وإعفاء الذات من المسؤولية، واللجؤ إلى تبرير الهزائم بالمؤامرات الخارجية. ولا نغفل ما يُقال بخصوص مركزية القدرية والغيبية والإتكالية في أنماط التفكير السائدة في واقعنا، ناهيك بالفساد وعدم تكافؤ الفرص والفقر. لا يخامرنا ظلٌّ من شك بأدوار هذه الأسباب منفردة ومجتمعة، لكن الرأي عندنا أن سبب الأسباب كلها يكمن في طبيعة الجيوش والنظم الحاكمة. الجيوش لم تنشأ لحماية الأوطان وتحرير الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، بل لحماية الأنظمة من شعوب يُفترض أنها شعوبها. أما الأنظمة، ففاقدة للشرعية بمعايير الحاضر، كونها لم تأتِ من خلال صناديق الإقتراع. وعليه، فإن المحددات الرئيسة لسياساتها ليس مواجهة العدو وتحرير الأرض بكل ما يترتب على ذلك من تضحيات وتحولات قد تؤدي إلى انهيارها، بل تنطلق من حسابات الحفاظ على كراسي الحكم وتوريثها. من هنا بالذات، نفهم لماذا لاحقت هذه الأنظمة سراب سلام وهمي بدأت مسرحيته في مدريد سنة 1991، وتهافتت على تطبيع مجاني مع العدو في ظل موازين قوى فاقعة الميل لصالحه. لم تكن الغاية من توقيع "اتفاقيات سلام وتطبيع" مع العدو، استعادة الحقوق المغتصبة، بل انقاذ المأزوم من هذه الأنظمة ونشدان حماية العاجز منها عن حماية نفسه. لقد أكدت مسارات الصراع مع الكيان الصهيوني اللقيط، على مدار 75 عامًا، أن أنظمةً على هذه الشاكلة، غير مؤهلة أصلًا لخوض حروب تردع عدوَّا وتحرر أرضًا. أما المقاومة، فإنها بمنجاة من أسباب هزائم الجيوش والأنظمة. المقاومة إرادة، لذا فإنها ذات حاضنة شعبية تضمن ديمومتها وتعاظمها. أما استعدادها للتضحية وتمسكها بحقوق شعبها وتشبثها بأرضها، فإنها أهم مصادر قوتها فعاليًّة وأكثر أسلحتها فتكًا. صفوة القول، المقاومة تتكئ على قوة الحق ومنها تنهل، بينما يمتح الاحتلال من حق القوة، وبه يتسربل. قوة الحق، في الجانب الصحيح من التاريخ دائمًا. لذا، تعلو ولا يُعلى عليها في النهاية وتكون لها الكلمة الفصل في حسم الصراع، كما يعلمنا التاريخ.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|