|
النهضة الصناعية الغربية تفتح الطريق واسعا ليوم القيامة
بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 7836 - 2023 / 12 / 25 - 10:21
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
النهضة الصناعية الغربية تفتح الطريق واسعا ليوم القيامة
تقديم :
تزخر مجالات العلوم المتنوعة بثنائيات مشهورة منها ما يرتبط بالكائنات الحية والعمليات الحيوية مثل تكوين الغذاء فى أوراق النبات من الماء وغاز ثانى أكسيد الكربون بواسطة أشعة الشمس ( الشمس / النبات) ، ومنها عملية التنفس التى يقوم فيها الأوكسوجين بحرق الغذاء لتوليد الطاقة واستمرار الحياة ( الأكسوجين / الغذاء)، ومنها ما يرتبط بالعلوم الهندسية وتطبيقاتها في مجالات العمارة والبناء والميكانيكا وغيرها، ومنها ما يتصل بالعلوم الإنسانية وفروعها الكثيرة كالتاريخ والمنطق والفلسفة وعلم النفس والاجتماع والفنون والآداب بل واللغات.
وتلك الثنائيات تبرز جملة الصلات التى بين طرفيها سواء من حيث المحتوى والجوهر أو من حيث البناء والشكل.
ومن هذه الثنائيات ( النبات / الإنسان) أو فيما بعد ( الزراعة / الفلاح ) التى ربما تكون أولى الثنائيات وأشهرها التى نشأت فى أعقاب التعرف علي الزراعة ولجوء الإنسان البدائى للاستقرار في وديان الأنهار.
ورغم أن النبات أسبق من الإنسان فى الظهور علي وجه الأرض استنادا إلى مستوى التدنى البيولوجى له مقارنا بالإنسان الذى استغرق ردحا أطول من الزمن مقارنا بالنبات ( فالأسبقية هنا ترتبط أصلا ببساطة التكوين البيولوجى للكائنات الحية ؛ ومن ثم ظهورالكائنات ذات التركيب الأبسط قبل الكائنات الأكثر تعقيدا في تركيبها البيولوجى ) .. فإن الدور القيادى لتطور الحياة كان للإنسان الذى أسهم من خلال تطور يديه وعقله وتغذيه علي البروتينات النباتية والحيوانية التى توفرت له فى الغابة ؛ ومن خلال الحرائق التى كانت تضطرم فى الأجزاء الجافة منها وتتعرض لدرجات حرارة عالية ومن ثم توفر وجبات لحم مشوية للإنسان. ولأن تلك الثنائية تكون مفتقرة لعنصر ثالث لتكتمل دائرة تعمير الأرض .. كانت الأرض الزراعية تمثل قاعدة المثلث الذى يجمعها مع النبات والإنسان لتصير الثلاثية المنطقية التى لعبت الدور الرئيسى فى نشر الحياة. فلا نبات دون أرض ولا استقرار للإنسان بعيدا عنها.. فالأرض عموما والزراعية خصوصا هى المأوى وهى الضرع ..وهى الأم والحماية..
ورغم أن التصنيف الفيزيائى للأرض يضعها فى جدول الصخور والأحجار والرمال والحصى والسلت والطمى ؛ إلا أن وظيفتها التى اكتشفها الإنسان من خلال التجربة أدرجها أو أضافها لجدول البيولوجيا إلي جانب جدول الفيزياء.
ومن هنا ولأن الجانب الأعظم من وظيفة الأرض كان استنبات البذوروتغذية النبات والحيوان والإنسان أى رعاية الكائنات الحية فى المملكتين النباتية والحيوانية ؛ كان من الخلل إدراجها خارج جدول الكائنات الحية لا لشئ إلا لأن الشئ لا يُصنّفُ من واقع طبيعته وتكوينه إلا لتمييزه عن غيره.. لكن توصيفة الأدق يكون من خلال وظيفته ودوره وفائدته لما يحيطه من أشياء تدفع الحياة للتنوع والاتساع وتحافظ على توازن عناصر البيئة..وتساعد الإنسان – الذى هو أرقى مفرداتها– فى تيسير الحياة وتطويرها والاستمتاع بها.
كيف أدرك الفلاح نظام الطبيعة:
لقد أدرك الإنسان بحسه أهمية الأرض للنبات ؛ حتى وإن لم يتشكل له وعى بشأنها. فقد أحس بأنها تغذى النباتات .. بل وأحس أنها تحتفظ بالحرارة طيلة النهار لتدفئ له مهده فى الليل. ، ولأنه عرف أن هناك من عوامل الطقس ماهو قاسٍ على النبات كالبرد القارس والحر القائظ فقد تدخل بشكل غير جراحى في هذه العملية .. وساهم فى الحنو علي النبات من تلك القسوة بأن اختار لهذا النبات موسما لزراعته، ولنبات آخر موسما مختلفا يناسبه فى درجة الحرارة ونسبة الرطوبة وشدة الضوء وليونة التربة...إلخ. وبانتقال تلك الملاحظات والمشاهدات والأحاسيس للفلاحين جيلا بعد جيل تشكلت لديهم خصال تتسق معها .
وبمثل ما تشكلت تلك الخصال فى دائرة الحقول ..تخلقت خصال أخرى في دائرة القرى المتجاورة. منها ما يتعلق بماء النيل المستخدم في رى ظمأ الإنسان وعطش الأرض وفى استنبات البذور ورى المحاصيل الذى اعتبره الفلاح توأم الأرض وحرص على الحفاظ عليه وعدم تبديده؛ بنفس القدر الذى اتقى فيه مخاطر الفيضان العالى فى بعض السنوات غزيرة المطروتشارك مع جيرانه في درء إغراق قراهم ومحاصيلهم .. ومن هنا تشكلت لديه غريزة التعاون والتعاضد والتساند وامتدت إلي كثير من العمليات الفنية في زراعة ورعاية وحصاد المحاصيل.
ومن ناحية أخرى – وبسبب معاناة الفلاح من تعقيدات الانتفاع بالأرض دون امتلاكها ودون قواعد عادلة ومناسبة تحافظ علي حيازة دائمة لها وعلى حياة كريمة له ولأسرته.. وما رافق ذلك من دورللحكام وموظفيهم وسادة الريف وعُمَده ومشايخه من جباة الضرائب فى اقتطاع النصيب الأكبر من كدّه طيلة الموسم الزراعى.. كان لكل ذلك أثره البارز فى ابتداع الفلاح أساليب مضادة لاتقاء شرهم ومن تلك الأساليب التعامل الملتوى وغيرالمستقيم مع الجباة أسوة بأفعالهم وكرد فعل لها ؛ أو الانتقام منهم بحرق المحاصيل والهرب من القرية وعدم العودة إليها إذا ما أعيتهم الحيلة فى صدّ عدوانهم والتخلص من حصارهم ومطاردتهم .
ومن هنا كان التوجس والخوف من كل الغرباء والحيطة منهم مفتاح كل الخصال المتسمة بالإلتواء وعدم المباشرة واتخاذ وضعية حيوان القنفذ إزاء التعامل مع أى غريب عن حرفة الزراعة وعن القرية؛ ولا يقتصر فقط على صبية الحاكم و طفيلياته.
ولذا اتسم الفلاح المصرى بالجمع بين عدد من الخصال والصفات والميول المتعارضة ، وعمّق تلك المسألة تدخل الإيديولوجيا التى لعبت دورا سلبيا في فطرته خصوصا ما اتسم منها بالتعارض مع الطبيعة والعلم و التقدم ؛ وذلك بدفْعِه دفعا للصبر علي المكاره انتظارا لثواب أفضل.. فى زمن قادم.. أى فى علم الغيب ؛ أسهمت تلك الإيديولوجيا التى اارتدت ثوب القرارات السياسية فى مجالات الضرائب والأمن فى إيهام الفلاح بانها من تعاليم الإله ونزلت من السماء كالمطر بينما الحقيقة أنها مطامع الحكام وصبيانهم من جزازى الصوف وسالخى الجلد .. جباة الخرج صيغت على هيئة قرارات سياسية وتم ترويجها باعتبارها قضاء وقدر .
باختصار هى أوامر بشرية ولن تزول إلا بفعل البشر.. وهى علي العكس من دور إيديولوجيا أخرى تتسق مع العلم والطبيعة والعدل والتقدم.. وتدفعه لمقاومة التعسف والغبن والعدوان أولا بأول.
هذا وقد توارث الفلاحون المصريون– فيما مضى- العديد من الخصال والصفات المستقاة من الأرض والنبات وهو ما خلق بيئة ومناخا في تجمعاتهم مغايرة لما يسود في المناطق الحضرية نظرا لاختلاف المقدمات في كل منهما . كما لعب ذلك دورا في تشكيل نفسيته وطريقة تعامله مع عناصر بيئته من ناحية ومع الغرباء من ناحية أخرى.
وبالتبعية لعب دورا فى تحديد ما يسرّ الفلاح ويبهجه.. وما يضحكه ؛ وما يسوؤه ويحزنه، كما ساهم فى خلق الأدوات المستخدمة للتعبير عما يجيش في صدره في كل حالة منها.
ولكى يكون الفلاح راضيا عن معيشته لابد له من الحصول علي مقومات الحياة – على الأقل فى حدودها الدنيا ليطمئن علي مصدر رزقه واحتياجاته الأساسية وحقه في الحرية والكرامة والمستقبل المستقرالآمن.
ولأن الفلاح أدرك بحسه البديهية الاقتصادية الخالدة "الإنسان ينتج بأكثر مما يستهلك" فقد أدرك بالتالى أن " الحاجة التى يعانيها ليس هو المسئول عنها "؛ بقدر ما هى نتيجة مؤثر خارجى يتمثل فى اقتطاع جانب كبير مما ينتجه بالدرجة التى تجور علي الحد الأدنى من احتياجاته.. ومن هنا صار محتاجا للحرية وخصوصا حرية الاحتجاج .. وحرية التعبير والتنظيم إلى جانب حرية الاعتقاد والتمتع بالحياة دون تجاوز على حريات الآخرين.
وقبل أن ننتهى من هذا الأمر نشير إلى أن التاريخ المصرى القديم لم يذكر أى تمييز بين أفراد الشعب المصرى علي أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق باستثناء التمييز الطبقى الذى يضع حدودا وفوارق وحقوقا بين ( الطبقة الحاكمة المالكة والكهنة ) من جانب وبين عامة الشعب من جانب آخر. وعليه فتوفير تلك المقومات سينعكس علي الجانب الإنسانى للفلاح المصرى .
عن نظام الطبيعة ومخاطر اختلاله
نشأت الحياة علي الكرة الأرضية على مراحل تفصلها ملايين السنين، وقد بدأت علي هيئة طحالب تنمو فى مياه المحيطات علي بعد لا يقل عن10 / 13 مترا من سطح الماء ومثلت تلك المسافة السياج المائى الواقى من الأشعة فوق البنفسجية لضوء الشمس وأيضا المصفاة التى تسمح لأشعة الشمس المرئية بالنفاذ لتمد الطحالب بالطاقة وتساهم فى إتمام عملية التمثيل الضوئى التى ينطلق منها الأوكسوجين.
•ومن خلال هذه العملية وأشباهها يتراكم الأكسوجين مع غاز الأوزون ليصنع غلافا غازيا حول الكرة الأرضية يمثل سياجا متصاعد السُمْك لحماية الطحالب النامية في المحيطات من مخاطر تلك الأشعة القاتلة التى تتمكن عادة من تحليل الماء لعنصريه الهيدروجين والأكسوجين ..فيتبخر الأول للطبقات العليا للغلاف الجوى بينما يبقى الثانى في طبقاته الدنيا مع غاز الأوزون .
•وبإنتاج المزيد من الأوكسوجين والأوزون تزداد نسبتهما في الغلاف الجوى وترتفع القدرة علي حماية الطحالب (منتجة الأوكسوجين) القابعة تحت سطح الماء وفى نفس الوقت يقصُر العمق الذى تحتاجه الطحالب للحماية من الأشعة القاتلة من 10 / 13 مترا حتى يصل إلى مجرد 40 سنتيمترا .
•ويشيرعلماء الأحياء الدقيقة والكيمياء إلي أن وصول نسبة غاز الأوكسوجين فى الغلاف الجوى إلي 1% من نسبته الحالية ؛ منذ 600 مليون سنة كان النقطة الحرجة التى دشنت انفجار الحياة وازدهارها بل وتشعبها، وظهور الآلاف من أنواع الكائنات الحية فى ظاهرة أقرب للمفاجأة بينما كان السبب الحقيقى هو أن تلك النسبة الى بلغها الأكسوجين فى غلاف الأرض كانت الحد الذى ظهرت فيه عملية التنفس كوسيلة جديدة لتوليد الطاقة بعد أن كانت قاصرة علي عملية التخمر..حيث أن كليهما عبارة عن عملية احتراق مستقلة منتجة للطاقة ؛ لكن التنفس يتفوق فى إنتاجه علي التخمر بنسبة تتراوح بين30 /50 مرة ؛ وهو ما مثل تطورا كيفيا فى حجم الطاقة الناتج من التنفس.
•هذا وقد وفرغازا الأوكسوجين والأوزون معا حماية كافية للحياة عندما بلغت نسبة الأوكسوجين 10% من نسبته الحالية فى الغلاف الجوى وهنا تحديدا انتقلت الحياة من المياه إلى اليابسة بادئة بالنباتات والحيوانات الضخمة.
•ولأن الأرض تعرضت لكثير من الأحداث التاريخية والوقائع كالزلازل والبراكين والاختلالات الكونية مثل سقوط الأجرام الصغيرة كالكويكبات والشهب والمذنبات حيث اسهم ذلك فى القضاء علي أنواع حيوية كاملة مثل الحيوانات الضخمة والأشجار الفارعة ، كما أسهم أيضا فى اختلالات بيولوجية وبيئية أفضت لظهور أنواع جديدة من النباتات والحيوانات بسبب حدوث الطفرات الجينية ..إلخ وعموما تناقص معدل تلك الاختلالات لكنه عاد للظهور فى القرون الخمسة الأخيرة بسبب نواتج وآثار الثورة الصناعية وتوجهاتها . التنوع البيولوجى والتوزن البيئى ركيزتان اساسيتان لسلامة الحياة وتواصلها
تقوم الحياة الراهنة علي ركيزتين أساسيتين: •هما التنوع البيولوجى الذى شكل أساسا للتكامل بين احتياجات ووظائف الكائنات الحية وبين التغيرات المحدودة في النظام الكونى.
• والتوازن البيئى الذى هو توازن ديناميكى وليس استاتيكيا أى متغير يعبر عن ذلك التنوع الحيوى ويشذب الاختلالات المحدودة في تلك الاحتياجات والوظائف. أما بشأن الاختلالات الكبرى فالأمر يحتاج لتَشكُل توازن جديد بحسابات واعتبارات مختلفة عما يجرى مع هذه الاختلالات المحدودة. ويتمثل ذلك التوازن البيئى الديناميكى المقصود فى الأمثلة والعمليات التالية: لأن نظام الطبيعة تكمُل وتُتمّم أجزاؤه بعضَها البعضُ، لذا تتخلق داخله آلية تتيح لها استمراره وتواتره :
•فطحالب المحيطات والبحار تنتج الأوكسوجين الذى تتنفسه كل الكائنات الحية.
•والنباتات تستهلك ثانى اكسيد الكربون لإنتاج الغذاء وتوليد الطاقة .
• أما الكائنات الحية الدقيقة ( كالبكتريا) فتتكفل بأجسام الكائنات الحية التى تموت وتعيدها للأرض بعد تحليلها إلى عناصرها الأولية.
• والبذور المتساقطة من الأشجار والنباتات تنبت بديلا لما انتهى عمره.. وهكذا.
•ولقد أحس الفلاح بذلك التكامل وتلك الآلية دون أن يعرف أسبابها العلمية .. لأن أدوات الإدراك المعرفية لديه أدنى من أن تمكنه من ذلك .
أما الفلاحون الذين تلقوا قدرا كافيا من العلم وارتقت لديهم أدوات المعرفة والتجربة والوعى فقد تمكنوا من فهم وتفسير ذلك التكامل وتلك الآلية لذلك قصروا تدخلهم فى نظام الطبيعة علي ما يساعد ذلك النظام على الاستمرار ويعود عليهم بالفائدة.
أما من وَلّدت لديهم الأنانية والإيديولوجيا المعادية للطبيعة والتقدم الرغبة فى الاستحواذ وقادتهما المطامع الخاصة للتدخل الفج فى نظام الطبيعة ؛ فقد أفضى ذلك لاختلالات خطيرة أصابت بالأضرار ذلك النظام.
النهضة الصناعية الغربية تفتح الطريق واسعا ليوم القيامة
لا يمكن طرح ذلك العنوان استنادا إلى حرب الإبادة والإفناء التى يشنها حكام الغرب الأوربى والأمريكى على الشعب الفلسطينى منذ ثمانين يوما بواسطة النازيين الجدد فى الكيان الصهيونى وصبيانهم فى الحكومات العربية فحسب والتى لم يحدث مثلها فى العلن أو فى التاريخ بل بسبب ما يشاهده العالم ويعيشه منذ الحرب العالمية الثانية من كوارث سابقة الإعداد والتخطيط والتجهيزوبنوايا سوداء سيئة طالت كل النظام العالمى الراهن، للدرجة التى ابتدعت فيها تخليق ونشر مسببات الأمراض أونقل عدواها عمدا لقطاعات واسعة من العالم .. وهى بالقطع أكثر توحشا وانعداما للأخلاق من الحروب.
لذا لعب تدخل الإنسان في نظام الطبيعة دورا سلبيا تعانى منه الكائنات الحية ومنها الإنسان بشكل متصاعد منذ عصر النهضة الصناعية حتى الآن ؛ مما ولد اختلالات خطيرة اسهمت فى الإضرار البالغ بنظام الطبيعة القائم مثل ( ثقب الأوذون ) الذى أدى لوصول كميات متصاعدة من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للأرض ونجم ذلك عن الزيادة المفرطة في عمليات احتراق الوقود الأحفورى ( كالخشب والفحم والبترول وأشباهها ) وانبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون منها الذى يُضْعف سياج (الأوكسوجين / الأوذون ) الحامى لقشرة الأرض.. ومن ثم يسمح للأشعة القاتلة بالوصول إليها.
لذا فكلما زادت عمليات الاحتراق زادت نسبة ثانى أكسيد الكربون في الجو وتناقصت كمية (الاكسوجين والأوذون) فى السياج الواقى لها واتسع ثقب الأوذون وتضاعفت كمية الأشعة فوق البنفسجية النافذة للأرض.. فترتفع درجة حرارتها عن معدلاتها.. حتى تصل لدرجة الاشتعال. ولقد شعرت شعوب العالم بالارتفاع الواضح في درجة الحرارة خلال السنوات العشر الأخيرة عما كانت قبل ذلك.
كما أدى ذلك التدخل إلى اجتثاث مساحات شاسعة من الغابات والمساحات الخضراء فى مختلف القارات التى تمد الكائنات الحية بالأوكسوجين؛ وتحد من قيظ الصيف ومن ارتفاع درجات الحرارة. واستبدالها بزراعة محاصيل العلف كفول الصويا لتصنيع الوقود الحيوى أو الزراعى( Agro Fuel ) الذى يفاقم عمليات الاحتراق وانبعاث غازات الكربون مما يدفع ثقب الأوذون للاتساع.. وهكذا.
أضف لذلك الإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية المصنعة والمبيدات الزراعية للحشرات والحشائش وتزايد المخاطر الناجمة عن استعمالها سواء لمن يتداولونها أو يستخدمونها أو يستهلكون المحاصيل المعالجة بها.
وكذا استخدام مياه الصرف الصحى والزراعى فى رى المزروعات دون معالجتها التى أسهمت مع العامل السابق فى انتشار أوبئة الفشل الكلوى والكبدى والسرطان وغيرها.
وهناك من المخاطر ما هو محتمل وربما وشيك جراء الظاهرة المقلقة ( الاحتباس الحرارى) والتى تهدد بإذابة جليد البحار المتجمدة فى القطبين وما يتوقع من إغراق مناطق ساحلية مأهولة بالسكان وتعرض مدن بعض السواحل لعمليات قضم متواترة من مياه البحر وكذلك مدن دلتا بعض الأنهار التى تصب جانبا كبيرا من مياهها في البحر .. إلخ.
الأرض الزراعية ووظيفتها الإنسانية والاجتماعية والنبات ككائن حى يملك بعضا من مقومات البشر
الأرض شئ والأرض الزراعية شئ آخر وإن كان أصلهما واحد، وما يفرقهما عديد ٌ من السمات مثل الصلابة والنعومة وتباينات التركيب الفيزيائى والكيماوى فضلا عن فوارق الوظيفة .
ومع أننا نشاهد كثيرا ظهورعديد من النباتات البازغة عشوائيا فى ثنايا الجبال ومفاصل الصخور إلا أن هناك فارقا آخر يميزها وهو تلازمها مع الماء العذب.. سواء من المطر أو الأنهار السطحية أو الجوفية.. فلا أرض زراعية دون ماء عذب.. بمعنى أن الماء العذب يمنح الأرض قيمتها كمهد للاستنبات والزراعة ، ويبرز دورها كمصدرأساسى للغذاء والكساء والدواء والاستقرار، ويضفى عليها وظيفتها الاجتماعية في كثير من المناطق والبلدان التى يغلب على تكوينها الطبيعى الصخورُ والصحراءُ وعلي مسطحها الضِيق والاكتناز منسوبا لعدد السكان.
وتلك الوظيفة الاجتماعية تفرض منطقها وحكمها علي استخدام الأرض الزراعية فى المناطق التى تعتبر مساحتها أقل من أن تفى باستهلاك سكانها من المنتجات الزراعية.. وهذة الوظيفة هى خضوع كل الأنماط القانونية لحيازة الأرض الزراعية ( كالملكية الخاصة ، الحيازة ، الاستئجار، وضع اليد ، الانتفاع المستديم أو المؤقت ، الحكر..إلخ ) للوفاء أولا بإنتاج الغذاء والدواء.. وبمعنى أبسط وأوضح خضوع استخدام الأرض الزراعية للحفاظ علي حياة السكان أولا .
صحيح أن هناك بعض الزراعات تتم فى الأوساط المائية لكنها لأنواع محددة هى النباتات المائية ونصف المائية أو تجرى دون استخدام تربة من قشرة الأرض لكنها لا تشكل المصدر الرئيسى للزراعة والغذاء بل تمثل الاستثناء الذى يثبت القاعدة ..
ومن هنا ظهرت الوظيفة الإنسانية للأرض الزراعية باعتبار ثالث الثالوث الأقدم على وجه الكرة الأرضية (الإنسان، النبات ، الأرض ) أو ( الفلاح ، الزراعة ، الأرض) ومنها تخلّقت وظيفتها الاجتماعية. وننوه في هذا المقام إلى أن ذلك المثلث بأضلاعه وزواياه الثلاث المتساوية هو الذى أبقى علي الحياة حتى الآن ؛ فالنبات أسبق الكائنات الحية فى الوجود .. أما الإنسان فقد ظهر فيما بعد ولعب دوره القيادى متأخرا عن قرينيه وبدون الكرة الأرضية بشقيها ( اليابسة ، والمسطحات المائية ) ما ظهر النبات والإنسان أى أن الأرض عموما هى حاضنتهما وأمّهما، والنبات هو ما صار غذاء بقية الكائنات الحية بما فيها الإنسان و الحيوان ، والإنسان هو ما استزرع البذور وطوّر النبات ونشر الزراعة وابتدع الاستقرار وإنتاج الخيرات.
لكن البشر لا يتساوون فى الدور والوظيفة والفعالية والإيجابية والحرص علي امتداد الحياة ومقاومة كل ما يحد من تواصلها ؛ لأن هناك من اكتشف مسببات وجراثيم الأمراض وقاومها وساعدعلي تجنبها والوقاية والعلاج منها، وهناك أيضا من ابتدعها وخلّقها ونشرها ودمر بها حياة كثير من سكان الأرض ، وأيضا من ابتدع وسائل لتقويض الحياة وقضى في دقائق معدودة علي حياة مئات الألوف أو الملايين منهم دون مبرر. وحتى من ينتجون الخيرات من البشر منهم من ينتجون الغذاء ويقدمونه لمن يحتاجونه، وهناك من يلقى بالفائض منه فى المحيط برغم معرفتهم بوجود من يتضورون جوعا أو يموتون من نقصانه فى العديد من أركان المعمورة.. لكنه رأى أن مستوى أرباحه أهم لديه من حياة ملايين الجوعي فانحاز لأرباحه.
باختصار فالثالوث الأهم فى نشأة الحياة واستمرارها هو (الإنسان ، النبات ، الأرض ) أو بلغتنا الحديثة ( الفلاح ، الزراعة ، الأرض الزراعية ) ، وهناك من سكان كل شبر فى الكرة الأرضية من نهجوا على منوال ذلك الثالوث لاقتناعهم به فاستحقوا أن يُدْرجوا ضمن أعضائه ؛ لأن تقييم الأمور والبشر لا يكون علي أساس المهنة بل استنادا للدور والوظيفة والفعالية والإيجابية والحرص علي امتداد الحياة واستقرارها.
تبقى كلمة أخيرة في هذا العرض عن النبات أقدمِ الكائنات الحية وعميدِها الذى يتصور البعض أنه مجرد موضوع للاستهلاك أى للغذاء، أو للاستظلال به من قيظ الصيف، أولتجميل الطرق والشوارع وشرفات المؤسسات والمنازل .. لكن الحقيقة الأهم أظهرتها الأبحاث التجريبية والعلمية فى المعامل وقاعات الدراسة.
فهو كأى كائن حى آخر يتغذى وينمو ويُخرِج ويَنضُج ويتحرك ويتناسل وينتج الثمار والبذور ليحافظ علي نوعه فلا ينقرض. بل إنه يدافع عن نفسه إن تعرض للخطر ويبتكر المحاولات والحيل ليتمدد حتى عبر الحواجز متوسطة الصلابة كالحوائط الأسمنتية.
والأهم من كل ذلك أنه يحس ويشعر ويتألم ومن ثم يحب ويكره .. ونكرر يحب ويكره بل ويقرأ آلام البشر. والكثير من تلك الخواص والسمات ملازمة له منذ بداية ظهوره بينما بعضها الآخر ظهر إثرانتقاله وتطوره من وضع لآخر ومن مرحلة لأخرى .. لكن اكتشافها لم يتحقق إلا في القرن العشرين، ونشرتها المجلات العلمية وترجم بعض موضوعاتها الأستاذ راجى عنايت .
وبالبحث الدقيق في ملاحظات بعض الفلاحين المستنيرين عن زراعاتهم وعن الطريقة التى يتعاملون بها معها نجد برهانا علي ما أكدت عليه التجارب العلمية المشار إليها.
خاتمة :
خلاصة القول أن المعطيات المتعددة الموجودة في الوسط الفلاحى قد شكلت الأساس العلمى لجملة من الحقائق العلمية؛ التى خلقت مناخا بيئيا واجتماعيا مغايرا تماما لما هو قائم فى المدينة ؛ وهو ما يُعَدّ السبب الأهم فى اختلاف نفسية الفلاحين وطرق تفكيرهم عما عداهم من السكان في المدن. وأنتج رؤية مغايرة للحياة والمستقبل.
وبرغم ذلك فقد عادت التدخلات البشرية من القائمين علي الصناعة الحديثة وممثليهم المهنيين والسياسيين ومن استخدام التكنولوجيا فى العمل الزراعى؛ لتعيد صياغة المجتمعات الزراعية بشكل جديد ؛ وتضيق الفوارق البارزة بين السكان فى الريف والمدينة؛ وتسلب من الفلاحين كثيرا من قيمهم وخصالهم المتسقة مع النظام الطبيعى بركيزتيه (التنوع البيولوجى، والتوازن البيئى ).
ومن هنا كان لجملة التدخلات السياسية : ( كالاستعمار ، وتجريد الفلاحين من أراضيهم ،ورفع الضرائب، ورفع الدعم عن مستلزمات الزراعة والقروض ، وخفض الجدوى الاقتصادية للزراعة، وحرمانهم من حقوق الاحتجاج والتعبير والتنظيم..إلخ )
والتدخلات القانونية والاقتصادية : ( للسطوعلى المواد الخام والأسواق، والاتفاقات التجارية المجحفة ، وعمليات الإلحاق والتبعية .. وغيرها.)
والبيئية : (كاجتثاث الغابات ، وإنتاج الوقود الحيوى من الحاصلات الزراعية ، واستخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات بشكل متجاوز وكثيرا مايخالف القانون والصحة العامة).
والصحية : كتخليق ونشر مسببات الأمراض (كالكورونا، وأنفلوانزا الطيور، وأنفلوانزا الخنازير)
والاجتماعية ( كالتمييز بين سكان البلد الواحد ، وبين شعوب المنطقة أو القارة الواحدة علي أسس طائفية أو عرقية أوجنسية أو دينية أو طبقية) .
وكل تلك التدخلات أفضت لنتائج وآثار كارثية هائلة في إفساد نظام الطبيعة بركيزتيه ( التنوع البيولوجى، والتوازن البيئى ) من ناحية ؛ وسلب الفلاحين كثيرا من خصالهم وسماتهم الفطرية من ناحية أخرى؛ علاوة علي الانتقاص من حقوقهم الأساسية الثابتة وحرياتهم المتنوعة، والخنق المتصاعد لتلقائية شعوب الأرض وإنسانيتهم.
لذا بات من الضرورى الشروع فى وقف تلك التدخلات بوضع يد البشر علي الأسباب الحقيقية لما يعانونه من هموم ومعضلات وعلى الأدوات والوسائل الكفيلة بإزاحتها والتخلص منها.
24 ديسمبر 2023 بشير صقر
#بشير_صقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر من أيام الثورة .. من الدفاتر القديمة
-
وأخيرا.. تقرير خبير قضائى ينصف فلاحى الإصلاح الزراعى بالبحير
...
-
الدولة تختطف مؤتمر الكاتدرائية للتضامن مع الانتفاضة (9) .. م
...
-
الدعوم وإلام ترمز ومن تسلمها وعلي من جرى توزيعها من الفلسطين
...
-
لجنة رعاية جرحي انتفاضة عام2000 المعالجين في مصر(7) تجاوزت ح
...
-
عن الاستجابات الجماهيرية لدعم الأشقاء في فلسطين(6) النساء دا
...
-
تنويعات من الدعم السياسى والفنى والرياضى المصرى والعربى والد
...
-
القافلة السادسة ( المجمعة ) لدعم الشعب الفلسطينى .. تتحدث عن
...
-
تأسيس اللجنة الشعبية للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية عام 200
...
-
الإرهاصات الأولى لدعم الشعب الفلسطينى فى ريف مصرومدنها الإقل
...
-
رسالة للجنة مناصرة الشعب الفلسطينى/ مصر
-
مشاهد لا تُنسي من ذاكرة اللجنة الشعبية لدعم انتفاضة الأقصى ع
...
-
متى وكيف تم تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي فى مصر..؟!
-
بلاغ للنائب العام بمصر بشأن اراضى الإصلاح الزراعي بمحافظة ال
...
-
مقال قديم بعنوان جديد .. أى التوقعات تحققت وأى التحذيرات صدق
...
-
رسالة قديمة لعلى فؤاد قاعود
-
عن أزمة نادى الزمالك المستوطنة ومشكلة فريق الكرة
-
في كمشيش : قوات تنفيذ الأحكام تدفن امس قانون الإصلاح الزراعي
-
تعليق علي بوست جوليا روبرتس وصورتها دون ماكياج
-
للأرض الزراعية قدسيتها والفلاحون الأحق بحيازتها
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|