قال عربي شقيق يتحدث العربية بطلاقة أن الجثث التي عرضتها القنوات الفضائية تعود لجنود أيرانيين قتلوا في حرب العراق مع أيران وليست جثث لعراقيين ، وقال آخر أن الجثث التي يتم أستخراجها لا يوجد دليل مادي واحد على أن صدام حسين هو الذي قتلها ، وفي تعقيب لمواطن عربي قال بعد أن بدأ كلامه بأسم الله وحمد الله وشكره على ماصار اليه الحال قال لافض فوه وماذا يريد أهل العراق من قائد يتأمر عليه نفر ضال غير أن يعمل فيهم أمر الله في القصاص العادل فيذهبون الى جهنم وتسجل له حسنة في الجنة عند الحساب .
وفي مداخلة في قناة عربية يقول أحد العرب أنه لم يستغرب من هذه القبور والجماجم لأن أهل العراق تعودوا على هذه الأعمال والأفعال ، كما علق آخر أن الأنشغال عن مقاتلة الغزاة الأمريكان وأخراجهم من بغداد عاصمة الخلافة العربية بتصوير الجثث والتحدث عنها مؤامرة تخدم الأمبريالية والصهيونية العالمية .
وكشف أحد المحللين من ذوي الكروش الكبيرة والعقول الصغيرة سراً خطيراً حين أكتشف أن الجثث تعود لعراقيين مسلميين قتلهم الشيعة في حرب البسوس .
وسأل صحفي عربي مواطنة عربية عن رأيها بالمقابر المعثور عليها في العراق ، فأجابت أن النساء ولودات ولن تنتهي الدنيا فما بالكم أقمتم الدنيا ولم تقعدوها ، وعلقت مواطنة من دولة أسلامية أنها تتمنى لو أن شعب العراق بأكمله أبيد بالسلاح الكيمياوي وبقي لنا قائد النصر لوحده هدية من الله للأمة العربية التي تشعر أنها كم بحاجة لمثل هذا القائد في هذا الزمن العصيب الذي تمر به امتنا العربية المجيدة .
وتحدث عربي بحرقة كون الأفلام الخاصة بالجثث تم أخراجها في ستوديوهات هوليود وأنها أفلام مفبركة وأصطناعية وأقسم قسماً غليظاً أنه لاصحة لكل ماتم تصويرة وبثه من القنوات ثم أدركته صلاة المغرب فأعتذر وقطع الأتصال .
وأتصل مشاهد عربي بفضائية مكتشفاً أن مشاهد القبور مكررة وأفلام معادة وأن القبور لاتتعدى العشرات ، وأضاف أن القضية عادية في منطقتنا العربية ولاتستدعي كل هذه الضجة .
لم أستغرب هذا الكلام وأنا أطالع بعض خفايا التاريخ العربي التي طمرت عمداً حتى لاتصل الى أسماع الأجيال اللاحقة ، لئلا تخدش أسماعها بقصص تناقض مايقولونه لنا ويكتبونه في قصص التاريخ المقلوب ، لم أستغرب وأنا أطالع عن هند بنت عتبة التي أشتهرت أنها أكلت كبد الشهيد الحمزة بن عبد المطلب ، لكن كتبة التاريخ العربي تخفي قيامها بنبش قبر أمنة بنت وهب والدة الرسول ومن ثم أستخراج عظامها وطحنها ومن ثم التهام العظام بعد طحنها ، وعلقت فوق ظفيرتيها عظمين من عظامها كانت متدلية من شعرها يوم أسلمت خوفاً لاطواعية وأيمانا بالدين الجديد حين فتح الرسول مكة وكانت بين يديه وأسأل نفسي عمن اخفى هذه الحقيقة ؟
لم أستغرب من كتاب التاريخ العربي الذي يلعنون ( أبن العلقمي ) زعماً أنه سلم مفاتيح بغداد الى الغزاة ، مع أنه لم يتصل بالغزاة وليس بيده قفل ولامفتاح ولاسلسلة ، وأنما كان القادة والخلفاء من أتصل بهم وفتح لهم البلاد خشية على أموالهم وغنائمهم وأرواحهم ومحظياتهم .
لم أستغرب حين يرسم الدعاة شجرة النسب المزعومة التي يندس الرئيس البائد بينها منتسباً زوراً في نسبه الى الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) وهو منه براء .
لم أستغرب حين نستمع لكلمات ( ماري أنطوانيت ) ملكة فرنسا لما سألت عن سبب ثورة الرعاع ، فلما أجيبت أنهم يريدون الخبز ، قالت لم لا يعطوهم الكيك بدلاً عنه .
ماري أنطوانيت كانت تتصل بالفقراء وتمنحهم الطعام وتبكي على حالهم قبل أن تحصدها المقصلة ولأنها عارفة بحقيقة الفقراء ، ولأن لها موقف سياسي معروف كان يجب أن تطالها حالة المقلوب في التاريخ .
وحقاً يجب أن لانكترث لكل هذا العدد من الشهداء في العراق ، وحقاً علينا أن لانهول الأمر على أخوتنا لئلا نزعج الضمير العربي وندنس الشفافية ونحول الأيام الهانئة للعرب الغارقة في أحلامها ونرجسيتها الى أضغاث مزعجة ونعكر صفوها وشاعريتها .
وعلينا أن نتقدم للعرب كلهم دون أستثناء بالأدلة والمستمسكات التي تثبت أدعائنا وزعمنا ، وحين نعجز أن نجد البينة فاليمين على من أنكر .
لكننا وحدنا نعرف أن هذه الجثث لم تكن لجنود أيرانيين حيث لم تكن بين الجنود نساء وأطفال ، ولم يكن الأيرانيون يلبسون الملابس العراقية عند القتال ، ولاكان هناك سبب لربط أياديهم الى الخلف وأن تلتف العصبة على عيونهم وأن يدسوا المستمسكات الشخصية العراقية بين طيات ملابسهم . وقد أعيد رفات موتاهم ، وبغير هذا يترتب على ضمائركم البينة .
لم تكن الجثث العراقية المدفونة في مقابر مجهولة من أرض العراق وحدها أشارة الى عمق محنة العراق وشكل الموت الذي شرب أهلنا في العراق منه ، لم تكن افلام الفيديو التي تصور أعدام الشباب بالمتفجرات أو الدفن أحياء دليلاً على البشاعة والظلم حتى في طرق الموت التي ننتقيها نحن أهل العراق .
لم تكن جثث النسوة والأطفال وحدها تشير الى قسوة السلطة وتحجر القلوب حين تستحيل الى صخور صلدة لارقة فيها ، ونحن نتابع الركلات والضربات ثم أستلال المسدسات الأوتوماتيكية وتصويبها قرب الأصداغ والرؤوس ترسم الوشم البارودي وتسلب الحياة .
لم تكن المفارم البشرية التي تحول الجسد البشري الى خليط ثخين من سوائل تنزلق عبر أكياس النايلون تستقر في قاع دجلة دليلاً على سريالية الموت العراقي ، حين تختلط العظام بالملابس وتتعدد المقابر فتذوب عشقاً بتراب العراق يمتصها فتلتصق به .
حقاً تميزنا بنبش قبورنا كما قالت عنا صحيفة عربية ، وتمتعنا حين نقلنا رفاة أولادنا بأكياس النايلون ، ربما أصطحبناها معنا الى بيوتنا والى منتدياتنا ريثما يتوفر لها المكان المناسب للدفن ، ربما عرضناها على أخواننا نتحدث لهم عن شهادة الميت الأكاديمية وكفائته وأبداعه وطاقته العراقية التي لم تصب في خدمة الأمة العربية .
هل لم نزل جزء من الأمة العربية ؟
هل لم تزل جثثنا المدفونة سراً تحمل الهوية العربية أم سيتم تسفيرها ؟
لادليل لدينا غير موت أولادنا لعلهم أحبوا الموت وأشتهوا الأنتحار الجماعي ، لعلهم فكروا بحياة أخرى غير حياتنا ، ولعلهم خرجوا على تعليمات الخليفة وأمير المؤمنين وعبد الله المؤمن فأستحقوا القصاص العادل ، ورسموا للعدالة صليبها وللحق ميزانه ، لكنهم بقوا معصوبي العيون خشية أن ننظر الى عيونهم الجميلة ، فقد كان بينهم شابات وشباب أستحقوا الزفاف .
زغردن أيتها العربيات ، وأدبكوا أيها العرب العاربة ، أرقصوا فقد تناقص أهل العراق .
زغردوا أيها العرب من الرجال والنساء فقد أزف موعد زفاف أولادنا .
لماذا توقفت فضائيات الأخوة العرب عن بث الأغاني والمسرحيات الفكاهية ؟
فنحن في زمن كل مافيه يستحق الضحك والسخرية ويكتب بالمقلوب .
أشتركوا معنا في فرحنا وأتركونا في آتون ألمنا وحزننا ومأساتنا .
زغردن أيتها الماجدات فلم يعد الموت يعنينا ولاالفزع من فنائنا ولاالوجع من ألامنا ولاالحزن من فرقتنا ولاالرعب من خوفنا وموتنا ، تحولنا بقدرة هذا الزمن الهجين الى قطع من الأسفنج تمتص كل هذا الحزن والموت والرهبة وتختزنها كلها في بقايا العمر التي لن ننقلها للأجيال القادمة ، لئلا تتوسخ عقولها من قصص المقلوب من التاريخ والمبتور من الحقيقة .
وحقاً سيولد جيل جديد من العراقيين نمسح من ذاكرته كل وجع الأمة وأكاذيب الأمة والملتف تحت عباءة الأمة والمتستر خلف أردية الأمة .
ستلد النساء العراقيات جيلاً لايحمل في ذاكرته سوى كلمة الحق والصدق والجرأة في الموقف ونعلمه أن بيع الضمائر ممكن في كل المحلات التجارية العربية مثلما تباع السلع والكماليات والشرف العربي في هذا الزمن الرديء ، ونرسم له طريقنا العراقي ونترك له حرية الأختيار ونحكي له قصتكم وقصتنا أيها الأخوة العرب .