عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 7834 - 2023 / 12 / 23 - 00:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه
اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى
خليل عبد الكريم
الحلقة الثانية والعشرون
4ـ النزوع إلى مفاخذة النسون: وإذ إنه مكون رئيسى فى بنية أولئك العُربان ـ فإنه لم يفاصلهم حتى فى ميادين القتال التى لا يشغل فيها المحارب سوى العراك والفر والكر ومنازلة العدو وعلى الأخص لو انه خرج لإعلاء كلمة ربه ونشر الديانة التى آمن بها ولرفع رايتها إلى أعلى .
ومن هنا ما انفكت استفهاماتهم واستيضاحاتهم تدور فى هذا المضمار.
وشكلت أسئلتهم لـ " الأمين" فى هذا المجال نسبة متميزة, ونحن لا تخالجنا ذرة من ريب فى أنه " ذو الخلق العظيم ومتمم مكارم الأخلاق" بشهادة القرآن كان لابد من أن يجيبهم ويلبى ما يجول فى خواطرهم لأنهم عسكره الذين بسيوفهم الباترة ورماحهم النافذة وخناجرهم القاطمة يحقق طابتين عزيزتين عليه أثيرتين لنفسه, ححبيبتين إلى فؤاده:
الأولى: نشر الديانة التى بشر بها { صحيح البخارى ـ باب الإيمان ـ حديث 24: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ }. [ وأخرجه مسلم فى صحيحه ايضًا ].
الآخر: إقامة الدولة التى مهد لها اجداده : قصىّ, وهاشم, وعبد المطلب.
6ـ هاجس الحصول على الغنائم والأنفال والأسلاب هو الذى هيمن على أتباع " الصادق الصادوق" وهم يخرجون بمعيته الشريفة فى اغزوات أو منفردين فى السرايا, وهذا ميراث متأصل فى نفوسهم من النشأة الباكرة والتربية المتقدمة, ويستحيل عقلاً وواقعًا أن يفارقوه أو يفارقهم فى البضع سنوات التى حظوا فيها بصحبة المصطفى فإن سنن الإجتماع ترفضه وتخبرنا عن أن غلف العادة التى ترجع إلى الصبا من أعسر الأمور التخلى عنه.
ومصداقيه أن واحدًا من أسبق الذين تابعوه على ديانته التى بشر بها حزن حزنًا دفينًا يعادل حزنه على مقتل أخيه لأن " المطاع" رفض أن يعطيه سيف أحد قتلى الأعداء فى غزوة بدر الكبرى.
{ عن محمد بن عبد الله الثقفى عن سعد بن أبى وقاص قال: لما كان يوم بدر قُتل أخى عمير وقُتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فأتيت به النبى ـ ص ـ قال: فاذهب فأطرحه فى القبض قال: فرجعت وبى ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخى واخذ سلبى .. } [ ( أسباب النزول ) للواحدى النيسابورى ص 155 / و ( لباب النقول ) للسيوطى ص 85 وذكر أن أحمد بن حنبل رواه فى مسنده / و ( المقبول ) للأزهرى ص 533 ـ مراجع سابقة ].
هكذا وجد هذا الصحابى على فقد سلبه أو حرمانه منه ما وجد على قتل أخيه, وهذا ينفحنا مؤشرًا على أن نفوس هؤلاء أسربت حب الغنائم والأسلاب, وتعليله أنها مصدر رئيسى لديهم فهم لا يعرفون الصناعة بل ويحتقرون من يزاولها ويسمونه قيْنًا أى عبدًا, وهناك قبيلة مضاربها قرب أثرب تسمى بنى سليم احترفوا صناعة الأسلحة وبالأخص السيوف فتهكم عليهم هؤلاء العَرَبة وسموهم بالقُيون أى العُبدان.
وبذات القدر سخروا من الزراعة والزراع وعندما امتهن بنو حنيفة الزراعة تهزأ هؤلاء الأعاريب بهم وقالوا عنهم: سيوفهم مساحيهم.
ولما غزوا العراق والشام ومصر وداسوا بخيولهم المباركة أراضيها واستعمروها واستوطنوها ونزحوا خيراتها تعالوا على اهلها ووسموهم ب ( العْلوج ) لأن عملهم الأصيل الزراعة ولم يستحوا أن الأموال الطائلة بكافة صنوفخا التى كسحوها من هذه البلاد ونقلوها إلى واديهم القفر الغير ذى زرع هى نتاج جهود وعرق الفلاحين أو ( العلُوج ).
ثم عود إلى السياق:
لخلو أيدى تبع " الموقر" من أى حرفة أو مهنة ولن بنى سخينة جردوهم من أموالهم التى درجوا على توظيفها فى التجارة. هذا من ناحية المنازيح أما بالنسبة لبنى قيلة فشأنهم كسائر العرب فى اعتبار حب الغنائم وتوابعها بمثابة الغريزة, لجماعه كله حدثت خناقة بين كبار الصحاب وصغارهم وشيبهم وشبيبتهم عليها وفى أول غزاة يخرجون فيها.
{ روى أن يوم بدر: الشبان قتلوا وأسروا والأشياخ وقفوا مع رسوا الله ـ ص ت فى المصاف, فقال الشبان:
الغنائم لنا لأننا قتلنا وهزمنا وقال الأشياخ:
كنا ردءًا لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا فلا تذهبوا بالغنائم دوننا فوقعت المخاصمة لهذا السبب} [ ( مفاتيح الغيب ) للرازى ـ المجلد السابع ـ ص 431 ـ مصدر سابق ].
أما القرطبى فيضع بين أيدينا رواية مشابهة أهميتها أن من ادلى بها هو واحد من المقدمين بين تبع ( العدة / الزخيرة ).
روى عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله ـ ص ت إلى بدر فلقوا العدو فلما هزمهم الله اتبعهم طائفة من المسلمين:
وأحدقت طائفة برسول الله ـ ص ت واستولت طائفة على العسكر والنهب, فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل, نحن الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم, وقال الذين أحدقوا برسول الله ـ ص ت ما انتم أحق به منا نحن أحدقنا برسول الله لئلا ينال العدو منه, وقال الذين استولوا على العسكر والنهب ما انتم باحق منا هو لنا نحن حويناه واستولينا عليه. [( الجامع لأحكام القرآن أو تفسير القرطبى ) للقرطبى ـ المجلد الرابع ص 2796 / و ( مرويات غزوة بدر ) جمع ودراسة وتحقيق أحمد محمد العليمى بارويز ـ ص 278, 279 الطبعة الأولى 1400هـ/1980م ـ مكتبة طيبة ـ المدينة المنورة ـ المملكة العربية السعودية. وهو رسالة نال بها المحقق درجة الماجستير من شعبة السُنَّة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ـ هذا الحديث فى مسند الإمام أحمد وفى هامش ص 279: قال البناء فى تعليقه على الحديث فى الفتح الربانى 14/73, قال الترمذى هذا حديث صحيح ثم قال وأورده الهيثمى وقال رجال أحمد ثقات ثم قال: أورده الحاكم فى المستدرك وصححه وأقره الذهبى ـ وبذلك يغدو هذا الحديث صحيحًا بعيدًا عن المطاعن ].
هكذا حولت الأنفال والغنائم والأسلاب الإخوة المتحابين الرحماء بينهم إلى خصوم ألداء يوشكون أن ينقلبوا إلى أعداء, ونلفت نظر القارئ إلى كلمة ( نهب ) وردت فى الخبر مرتين والنهب فى معاجم اللغة هو الإستيلاء على الشئ قَهْرًا واغتصابًا وغلبة.
وعن السيوطى:
{ روى أبو داود والنسائى وابن حبّان والحاكم عن ابن عباس قال: قال النبى ـ ص ـ من قتل قتيلاً قله كذا وكذا ومن أسر أسيرًا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإننا كنا لكم رِدءًا ولو كان منكم شئ للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبى ـ ص ـ .. } [ لباب النقول للسيوطى ص85 ].
هذا الحديث رواه أبو داود والنسائى وهما من اصحاب الصحاح الستة وكذا الحاكم فى المستدرك وهو من دواوين السنة المحمدية المعتبرة وقد جاء به ذكر الاختصام صراحة.
كما أورده عمر الأزهرى فى المقبول وأضاف فى أسانيد الحديث المذكور بخلاف ما رقمه السيوطى:
صححه الحاكم وأقره الذهبى وأورده البيهقى فى الدلائل وابن أبى شيبة فى المصنف والطبرى فى تفسيره ( قال الشيخ شاكر فى عمدة التفسير: رواه الطبرى بثلاثة أسانيد صحاح إلى ابن عباس, وكذا زاد ابن كثير نسبته فى تفسيره لابن مروديه )
وذكر الأزهرى أن إسناده صحيح. [ المقبول لأبى عمر نادى الأزهرى هامش ص 336 ].
هكذا أمسى اختصام بل عراك الصحابة على الغنائم حقيقة تاريخية موثقة لا يمارى فيها إلا لجوج ولا يجادل بشأنها إلا خصيم ولا يحاج فيها إلا شكِس.
بعد هذا أصبح اللبيب بغير شك ضيق الصدر من تخاصمهم الذى أوضحته لنا هذه الأخبار الصحيحة بيد أن القرآن المجيد لا يذره يعانى هذه الحُروجة فتقبل آية كريمة هى الأولى من سورة الأنفال: { ... يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
وهكذا فُض الاشتباك بين تابعيه وارتفع عن صدره الكريم الضيق وقسمها عن بَوَاء أى عن مساواة ورضى المتنازعون, وكيف لا يفعلون والتقسيم جاءت به آية صريحة على المقاس أمرتهم بالتقوى وإصلاح ذات البين وبطاعة " المشير" وعلقتها على الإيمان وقرنتها بطاعة الله جل جلاله.
{ فبمجرد أن نزل الوحى بإرجاع ذلك إلى الله ورسوله سلموا الأمر وانقادوا للحق واطاعوا الله ورسوله } [ ( مرويات غزوة بدر ) احمد بارويز ص 273 ].
وبذا على الدوام يثبت القرآن العظيم أنه مع " المُخبِت" لايغفل عنه طرفة عين ويؤكد لنا فى كل حين الحكمة من إشراقه منجمًا.
لقى المسلمون فى حنين فى اول المعركة هزيمة نكراء كما حدث فى أحد لولا شجاعة " الشديد" ونفر قليل معه وثباتهم وعدم فرارهم كما فعل الكثير من الصحابة الأجلاء المقربين فلما انهزمت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرًا عظيمًا. [ المغازى للواقدى ـ الثالث ـ ص 915 ].
وغنموا مغانم جزيلة حتى إن عددًا من المؤرخين والإخباريين ومصنفى كتب السيرة المحمدية المعطاءة لكل خير يذهب إلى أنهم لم يحظوا بمثلها فى أى غزوة أو سرية ومن بينها سبايا كثيرات من نسوان وفتيات وصبايا قبيلة هوازن وإذ إن " المكىّ المكين" أدرى بنفسيات تبعه فقد وزّع عليهم أنصبتهم على الفور وفى ذات الموقع وكأنما يحدّث نفسه " لِمَ خرجوا معى إذن؟"و وعلى الرغم من انهم فى بدّى المعركة انكشفوا انكشافًا مريعًا وولوا الأدبار ومنحوا عدوهم أكتافهم وظهورهم وأمعنوا فى الهروب حتى إن أبا سفيان بن حرب قال متهكمًا عليهم ( لا ننتهى هزيمتهم حتى البحر ). [ ذات المصدر ص 910 ].
وفاز عدد وفير من الصحبة كل منهم بواحدة أو اثنتين من السبايا الوضيئات فتلمظت شفاهم ولم ينتظروا حتى يصلوا بهن إلى يثرب مع أن المسافة قصيرة وعزموا النية وعقدوا الخناصر وأجمعوا الأمر على مفاخذتهن غِبّ تسلمهن بيد أن أولئك السبايا أبدين قدرًا من المكر وشطرًا من المخادعة ونصيبًا من المخاتلة تهربًا بقدر ما يستطيعن من هتك أعراضهن وهن الحرائر بنات النسب والحسب والشرف, فكلما اقترب صاحبى من واحدة منهن أخبرته أنها ذات بعل , فعكرن عليهم مزاجهم وأذهبن بهجتهم وأطفأن شعلة غريزتهم وفرحهم وتلهفهم و شبقهم لأن معناه الإنتظار ختى تحيض ولو حيضة واحدة وهى " حيضة الاستبراء" أى خلو الرحم من اى شئ علق به حتى يغدو الولد ابن الصحابى حقيقة لا فرضًا.
إزاء ذلك وقع الأتباع فى خاص باص فإما أن يعتلوهن وفى هذا مخاطرة لنسبة الولد إليهم وإما أن يتريثوا حتى تحيض المملوكة وهو لا طاقة بهم على الإنتظار ولا استعدادًا لديهم للبث ولا صبر عندهم على المُكث.
فماذا يفعلون إزاء هذه المشكلة التى أهمتهم وأررقتهم وأقضت مضاجعهم؟.
ليس أمامهم إلا باب " العالم" كيما يلوذوا بجنابه ويقفوا على أعتابه ويطرقوا أبوابه:
{ روى مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصبنا سبايا من سبئ أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبى ـ ص ـ [ ( لباب النقول ) للسيوطى ص 50 ـ مصدر سابق].
الحديث ورد فى اربعة من كتب الصحاح الستة وفى مقدمتها صحيح مسلم المًصلى ( التالى ) لصحيح البخارى.
كما أن راوى الحديث أبو سعيد الخدرى ذكر أن السبايا ذوات بعول حقيقية لا مجرد ادعاء منهن.
وجاء به الواحدى فى ( أسباب النزول ) برواية الخُدرى أيضًا [ ص 98].
وذكره الأزهرى فى ( المقبول ) بذات رواية السيوطى التى نسخناها قبل سطور وأضاف الآتى:
{ إسناده صحيح ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه واحمد فى المسند وأبو يعلى فى مسنده والبيهقى فى السنن والطبرى فى التفسير والسيوطى فى الدر المنثور ونسبه أيضًا ( = السيوطى لا الأزهرى ) للفريانى وعبد الرازق والطيالسى وعبيد بن حميد [ المقبول للزهرى ص 206 ].
لكن المصنف الأزهرى رقم معلومة على درجة عميقة من الأهمية وهى أن مُسلمًا فى الصحيح أورد فى كتاب الرضاع باب = جواز وطء السبية بعد الإستبراء [ ذات المرجع والصفحة ] , أى أن استبراء رحم الجارية أو المملوكة أو الأمة شرط لإمتطائها.
ومن المفسرين القدامى أو السلف القاضى البيضاوى لقول أبى سعيد الخدرى أصبنا يوم اوطاس سبيًا ولهن ازواج فكرهنا أن نقع عليهن فسالنا النبى ـ ص ـ [ تفسير البيضاوى ص 108].
ومن المحدثين الشيخ عبد الحميد كشك إذ أورد الخبر ذاته بحروفه. [ فى رحاب التفسير لعبد الحميد كشك ج/5 ص 878 ـ مرجع سابق ].
ونذكر القارئ بما سبق أن أسلفناه فى المقدمة أن المحدثين يتعكزون على السلف وياخذون بمقولاتهم دون غضافة أو تعليق أو تفنيد.
ثم نختم بعمدة مؤرخى الغزوات:
وأصاب المسلمون يومئذ سبايا فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهن ولهن أزواج فسالوا النبى ـ ص. [ المغازى للواقدى ج/3 ص919 سبق لنا إثباته ].
بعد أن أم التبع " أكرم خلق الله" يسألونه حلاً لهذه المعضلة الجنسية التى اهمتهم واكربتهم وأزمتهم وهو ينقه موقعها فى نفوسهم أمسى الموقف دقيقًا, فمن ناحية هناك " حيضة الإستبراء" التى يتعين عليهم أن ينتظروها ومن ناحية اخرى هو يعلم مدى لهفتهم على وطئ السبايا أو الصبايا الوضيئات, فإذا أباح لهم الوطء جاء ذلك مخالفًا لقاعدة شرعية مستقرة هم يعرفونها والواجب عليهم أن يُذعنوا لها وألا يطلبوا مخرجًا من هذه الزنقة. وإذا أمرهم بالتربص والإنتظار أصابهم أمره بالنكد والتمرد إذ حال بينهم وبين المتعة التى يلهثون وراءها , وهو من عمق الحصافة والحرص على عسكره وغزاته بحيث يدرك أن إدخال الغم على صدورهم لا يعد من حسن السياسة.
وهنا يقتحم القرآن دائرة الأزمة ويحاصرها ويطوقها ويقضى عليها:
فأنزل الله تعالى الآية: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ النساء: 24 ]. [ المغزى للواقدى ج/3 ص 919 ].
وفى تفسير البيضاوى : ( فاستحللناهن وإياه عَنَى الفرزدق بقول: وذات أنكحتها رماحنا : حلال لمن يبنى بها لم تطلّق ) [ ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل المسمى تفسير البيضاوى ) ص 180 مصدر سابق ـ وكذلك ( أسباب النزول ) للواحدى النيسابورى ص 98 ـ مصدر سابق].
وفى المقبول: ( يعنى السبية من المشركين: تصاب لابأس بذلك ) [ المقبول فى ألسباب النزول : لأبى عمر نادى للأزهرى ـ ص 207 ].
ويبدو أن البعض منهم تحرّج وربما دفعه لذلك خشيته أن السبية قد علقت من زوجها فأخذ يعزل أى يهريق ماءه خارج الرحم فسألوا النبى ـ ص ـ يومئذ عن العزل فقال: ليس من كل الماء يكون الولد, وإذا أراد الله أن يخلق شيئًا لم يمنعه شئ . [ فى رحاب التفسير : لعبد الحميد كشك ص 878 ].
وبهذه الآية الكريمة حُلت المشكلة وبداهة ان أصحاب السبايا الجميلات عمهم الفرح والسرور وفرحوا بالتفخيذ.
وبها يزيدنا القرآن حجة أنه دائمًا مع " الصبور " لايدعه طرفة عين وأنه معه فى ترحاله .
5ـ إن من يطالع بإمعان السيرة المحمدية التى هى المثل الأعلى لكل مسلم ويقرؤها بروية ويدرسها بعناية يزداد إعجابًا بصاحبها لأن صبره فاق صبر أيوب على رزالات عدة من تابعيه وسخافاتهم وجهالاتهم, ومرده إلى أن مجتمعهم بدائى جنسى وبيئتهم متخلفة ووسطهم أمى , والمدنية غائبة والثقافة مفتقدة إلا فى نفر قليل يسيطرون بها على وجدانهم وحياتهم وإنشاء دولتهم المرجوة.
وأظهر ما نتصبت فبه بداوتهم وتمثلت فى حُشيتهم وبرزت فيه جفاوتهم أسئلتهم السمجة واستفساراتهم السقيمة واستيضاحاتهم المستهجنة واستبياناتهم المرذولة ... إلخ.
( عن ابن عباس كان قوم يسألون رسول الله ـ ص ـ استهزاء فيقول الرجل من أبى؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتى؟ .. ) [ ( لباب النقول) للسيوطى ص 78 , وقال إنه فى صحيح البخارى / و ( أسباب النزول ) للواحدى النيسابورى ص 141 وذكر أيضًا أن محمد بن إسماعيل البخارى قد رواه / و ( المقبول ) للأزهرى ص 310 / وأكد أنه فى صحيح البخارى وأضاف أن إسناده صحيح وأن الطبرانى رواه فى الكبير والطبرى فى التفسير والسيوطى فى الدر المنثور وأنه زاد نسبته لابن مردويه وابن أبى حاتم / و ( التسهيل لعلوم التنزيل ) لابن جزئ الكلبى ص 189 ].
وهكذا ثبت ركاكة وتفاهة عصبة من صحبه من واقع حدي رواه البخارى فى صحيحه ونقلته عنه مصادر من ذوات الرتب العوالى.
وعدد هؤلاء ليس ضئيلاً بل هو مفرطح ومفرشح ووسيع. مما حث " المُتبتل ؟؟" على أن يعتلى المنبر وهو غاضب للغاية ويخطب بشأن هذه السخافات لدرجة أن العدوىّ ابن الخطاب اعتبرها فتنة واستعاذ من شرها:
{ روى أنس أنهم سألوا النبى ـ ص ت فأكثروا المسالة فقام على المنبر فقال: لا تسألونى عن شئ ما دمت فى مقامى هذا إلا حدثتكم به, فقام عبدالله بن حذافة السهمى ـ وكان يُطعن فى نسبه ـ فقال يا نبى الله من أبى ؟ فقال أبوك حذافة بن قيس. وقال سراقة بن مالك, ويروى عكاشة بن محصن يارسول الله: الحج علينا فى كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله ـ ص ـ حتى أعاد مرتين أو ثلاثًا فقال ـ ص ت ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم, والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لتركتم ولو تركتم لكفرتم, فآتوا منه ما استطعتم, وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه. وقام آخر فقال يا رسول اله أين أبى؟ فقال فى النار, ولما اشتد غضب الرسول ـ ص ـ قام عمر وقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًأ .. } [ مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: للإمام فخر الدين الرازى ـ ج 6 ـ عند تفسيره المائدة 164 مصدر سابق / والمقبول للأزهرى ص 311 وقال إنه صحيح الإسناد أورده ابن جرير اطبرى رواه فى تفسيره وكذا ابن كثير وفى تفسيره والسيوطى فى الدر وأضاف لما رقمه الرازى على لسلن العدوى : ... ونعوذ بالله من سوء الفتن ].
الذكر الحكيم هل يترك الحنيف يعانى هذا المسلك الجانح والفعل المنفلت من أولئك الصحابة الذين بلغت شدة خشالتهم وكثافة تنطعم دفعه إلى ذروة الغضب وهو مضرب المثل فى الحلم والقدوة والصبر؟؟.
لاشك أن الإجابة ستجئ بالسلب استقراء من مواقف القرآن العظيم معه فأهداه آية كريمة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [ سورة المائدة: 10 ].
وفيها إعلام لهؤلاء النفر ولغيرهم بالكف عن ولوج هذا الدرب, وإذ أنه نهى جاء به الفرقان فلا مجال إذن للنقاش فيه أو مخالفته , وبذا استراح " السابق بالخيرات" من هذه المشكلة التى بعثت الغيظ إلى ذاته الشريفة وهكذا يتم تدخل القرآن فى الوقت المناسب لأنه يعاين عن كثب كافة شئونه وأوضاع.
يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟