عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 7828 - 2023 / 12 / 17 - 00:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه
اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى
خليل عبد الكريم
الحلقة الثامنة عشر
فى يومى وعلى فراشى
عن عائشة قالت: ... فلما كان يوم حفصة, استأذنته أن تأتى أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا, فخرج ووجه يقطر وحفصة تبكى فعاتبته قائلة: أفى يومى وعلى فراشى, فقال أشهدك أنها علىّ حرام انظرى ولا تخبرى بهذا امرأة وهى عندك أمانة" [ المقبول من أسباب النزول: د/ أبو عمر الأزهرى ص 683 مرجع سابق ].
أما الواحدى فيطلعنا على الحوار الذى دار بين " متمم مكارم الأخلاق؟؟" وبين زوجته العدوية حفصة بنت عمر الذى مسّ مارية فى حجرتها وعلى فراشها " دخل رسول الله ـ ص ـ بأم ولده مارية فى بيت حفصة فوجدته حفصة معها فقالت: لم تدخلها بيتى ما صنعت بى هذا من بين نسائك إلا من هوانى عليه, فقال لها لا تذكرى هذا لعائشة هى علىّ حرام إن قربتها, قالت حفصة, وكيف تحرم عليك وهى جاريتك فحلف لها ألا يقربها , قال لها لا تذكريه لأحد " [ أسباب النزول للواحدى ـ ص 291 ـ مصدر سابق ].
وفى " المختصر": { قيل أصاب رسول الله مملوكته مارية القبطية فى بيت زوجه حفصة بنت عمر وفى يومها فوجدته حفصة فى ذلك فغارت فقال: ألا ترين بأن احرّمها فلا أقربها, قالت: بلى فحرمها على نفسه وقال: لا تذكرى ذلك لأحد} [ المختصر فى تفسير القرآن: مختصر من تفسير الإمام الطبرى ـ لابن صمادح التجيبى وأمهات كتب التفسير ـ تنقيح وتحقيق د/ عدنان زرزور ـ فى تفسير سورة التحريم ص 447 ـ الطبعة الأولى 1399هـ / 1979م ـ مؤسسة الرسالة بيروت ].
حفصة من بين الزوجات غير الجميلات نكحها " المعصوم من الناس" إرضاءً للعدوى ابن الخطاب الذى يعتبر بمثابة وزيره الثانى وقد عرضها قبله على كل من التيمىّ أبى بكر والأموى عثمان فرفضاها رغم شبابها الغض إذ لم تصل إلى العشرين وكثيرًا ما ردد أبوها على مسامعها أن " سيد الناس" لايحبها ولولا هو لطلقها ومع عدم اتسامها بالقسامة ورثت عن بنى عدىّ حدة المزاج ويبدو أنه لم يطق عشرتها وقد جمعت بين الأمرين فطلقها, لكنه سرعان ما راجعها, لأنه أدرك أن طلاقها سوف يغيّر قلب العدوىّ وهو من ركائز مجلس شوراه وله مناقبه.
وهى من اللائى استبقاهن على ذمته لأسباب أخرى بخلاف الرغبة فيهن كزوجات وتنضم إليها سودة بنت زمعة وأم حبيبة بنت أبى سفيان بعكس اللاتى استبقاهن لذواتهن بغض النظر عن أى اعتبار آخر وهنّ : عائشة وأم سلمة وزينب بنت حجش اللاتى تمتعن بحسن فائق ووضاءة بالغة وجمال فاتن وحلاوة آسرة وقسامة أخاذة.
وهذا يفسر قول العدوية: ما صنعت لى هذا من بين نسائك إلا لهوانى عليك. ومن المفسرين المحدثين اخترنا عبد الحميد كشك:
روى النسائى بسنده عن أنس أن رسول الله كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمّها فأنزل الله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ فى رحاب التفسير : للشيخ عبد الحميد كشك ـ الجزء الثامن والعشرون ـ 6 تفسير سورة التحريم ـ ص 7267ـ د. ت. ن. المكتب المصرى الحديث ـ القاهرة ].
ولعل القارئ لاحظ أن هذه المفسر الحديث اختصر الواقعة اختصارًا مخلاً بيد أنه لم يستطع أن يشكك فيها وأورد سندها.
والمؤلفون المحدثون على بكرة أبيهم فى ضروب الإسلاميات ينهجون ذات النهج متوهمين أنهم على حق وأن سلفهم الصالح قد ذكروا الوقائع كما هى على ضلال وبداهة وهو منهاج فسيد علاوة على مجافاته للموضوعية والأمانة العلمية فهم ليسوا بأكثر تقوى ولا أشد ورعًا ولا أعمق إيمانًا من السلف.
لم يحب من الدنيا سوى الطيب والنسوان
بعد أن حلف " ذروة بنى هاشم" للعدوية ألا يقرب أم ولده مارية القبطية وهى بالوصف الذى جاء على لسان التيمية عائشة وهو فى ذات الوقت شديد الإعجاب بها وعامة النهار والليل عندها وهى فى نفس الحين أمته وسريته وجاريته وملك يمينه ومن حقه أن يأتيها ـ ينكحها ويعتليها ـ متى شاء فهذا حقه وحق أى مسلم. تسببت العدوية حفصة إذن بغيرتها الملتهبة ومزاجها الحاد فى أزمة لـ " سيد الأولين والآخرين" فإما ألا يأتى ناحية مارية وهى من من هى وإما أن يحنث بحلفه وحاشاه, أن يفعل, وهو إمام المتقين وصاحب الخلق العظيم والشمائل الكاملة والمناقب الشريفة !!! , مما لا يتصور معه أن يفعل.
وللإبانة عن وقع الضيق على نفس " الفدغم " [ الحسن الجميل والعظيم الجليل" سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد" للإمام محمد بن يوسف الصالحى الشامى المتوفى سنة 942هـ وهو المعروف بـ" السيرة الشامية" الجزء الأول ـ ص 612 ـ تحقبق د. مصطفى عبد الواحدـ الطبعة الأولى 1392هـ / 1972م ـ لجنة إحياء التراث الإسلامى ـ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر]. نذكر أنه لم يحب من الدنيا سوى الطيب والنسوان " عن الزهرى عن النبى ـ ص ـ قال: رأيت كأنى أُتيت بقدر فأكلت منها حتى تضلعت فما أريد أن آتى النساء أى ساعة إلا فعلت منذ أكلتها".
وعن مجاهد قال:{ أُعطى رسول الله ـ ص ـ قوة بضع وأربعين رجلاً كل رجل من اهل الجنة } أى فى الجماع. [ الخصائص الكبرى للسيوطى ـ الجزء الأول ص 168 ].
بيد أن القرآن المجيد لا يفاصله طرفة عبن , يعاضده فى كل موقف ويقف بجانبه فى كل حين فتظهر الآيتان الأولى والثانية من سورة التحريم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم }
إذن فما عليه إلا أن يكفر عن يمينه التى حلفها { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أى أوجب لكم الكفارة. [ تفسير غريب القرآن: لأبى محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة ـ تحقيق السيد أحمد صقر ـ ص 472 ـ الطبعة الولى 1398هـ / 1978م ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان // احكام القرآن : للإمام الفقيه عماد الدين محمد الطبرى المعروف بالكيا الهراسى ـ المجلد الثانى ـ الجزء الرابع ـ ص 425 ـ الطبعة الأولى 1403هـ / 1983م ـ وفى الهامش " انظر محاسن التأويل ـ ح/16 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت. ويؤكد الكيا الهراسى أنه: " لا إيمان فى مجرد التحريم" ].
ويذكر الشيخ عبد الحكيم كشك عند تفسيره لسوة التحريم ما يلى:
" وقال ابن جرير ( الطبرى شيخ المفسرين ) إن ابن عباس كان يقول فى الحرام يمين تكفرها ـ وقال ابن عباس " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة" يعنى أن رسول الله ـ ص ـ حرم جاريته فقال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } فكفر يمينه فصيّر الحرام يمينًا ورواه البخارى ومسلم والدارقطنى. [ فى رحاب التفسير : للشيخ عبد الحميد كشك ـ الجزء الثامن والعشرون ـ 6 تفسير سورة التحريم ـ ص 7267ـ د. ت. ن. المكتب المصرى الحديث ـ القاهرة ].
وبهذا بلغ هذا الحديث قمة التوثيق وذروة التوكيد وقمة الصحة.
ومرة أخرى وليست أخيرة يهدى الذكر الحكيم آيتين كريمتين إلى خيرة خلق الله ترجان عنه الضائقة وتنتزعانه من الحرج وتنفحانه الحل السعيد فيعود إلى مملوكته المحبوبة المعْجبة مارية القبطية بعد أن كفرّ يمينه بل إنه يغدو حُكْمًا لكل مسلم بعده يحلف على إمرأته أنها حرام عليه.
[ 11 ]
حلف عائشة وصفية
نهى " أول من تنشق عنه الأرض" العدوية بنت ابن عبد الخطاب نهيًا قاطعًا أن تخبر أحدًا بما حدث وخاصة زوجاته وبالأخص عائشة التيمية وهذا حديث صحيح أورده الحافظ ( = ابن حجر العسقلانى ) فى الفتح والطبرانى فى تفسيره وابن جرير الطبرى فى التغسير والضياء المقدسى فى المختار وابن كثير فى تفسيره والهيثم بن كليب فى مسنده والسيوطى فى اسباب النزول والحاكم فى المستدرك وصححه الذهبى. [ المقبول فى اسباب النزول: للأزهرى ـ ص 678 وما بعده ].
وطاعة " أحمد" فرض واجب على كل مسلم ومسلمة بنص القرآن المجيد, بل إن هناك آيات تقرن طاعته بطاعة الله جل جلاله وهو شرف لم ينله من فبله أحد من الذين سبقوه, وحفصة تعلمه حق العلم وتعيه جيدًا فضلاً عن أنها زوجته ومن المنظور الإسلامى طاعة الزوجة لزوجها أمر مفروغ منه, ويوجد حديث محمدى شريف يخبرنا أنه لو الأمر بيده لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها.
إذن ما الذى وزّ العدوية على مخالفة ذياك النهى الصارم؟, فما إن غادرها حتى أرقلت إلى ابنة عتيق: عائشة تخبرها بالواقعة " فلما خرج نزعت الجدار الذى بينها وبين عائشة فقالت: ألا أخبرك؟ إن رسول الله ـ ص ـ قد حرَّم أمته " أى أنها لن تنتظر حتى تدخل على بنت التيمىّ من الباب بل نزعت الجدار الفاصل بينهما. هناك أكثر من سبب ودافع لهذا السلوك من قبل ابنة عمر:
يأتى فى مقدمها حدة أخلاقها وهذه تمنع صاحبها أو صاحبتها من السيطرة على نفسه ويندفع فيما يندّ عنه من أعمال من أقوال أو أفعال ـ هذا من ناحية ومن رجا آخر فإنها اعتبرت غِشيان " سيد ولد إسماعيل" لأمته على فرشها وفى حجرتها صدعًا لكرامتها وما درت أنه زوج غير عادى وأن هذا يعتبر من خصوصياته التى انفرد بها عن سائر المسلمين مثل استبقائه تسع زوجات على ذمته فى حين أن سائر تبعه لايحق لهم أكثر من أربه لقد دخل الديانة التى بشَّر بها نفر من العُربان لكل واحد منهم أكثر من أربع " بعضهم له عشر" فاضطر إلى مفاصلة الزوائد واقتصر على الأربع, ثم نؤوب إلى السياق.
أرادت العدوية من إخبار التيمية بالحادثة تحقيق غرضين:
أولهما: أن تتحبب إليها فهى تعرف منزلتها لدى " المزمل" فتحمل إليها بشرى تحريم مارية علبه التى ذكرت ابنة إبى بكر أنها ما غارت من واحدة من نسوانه مثلما غارت من القبطية الحسينةز
آخرهما: أن التيمية بمالها من مقام محمود لديه تساعدها على رأب الشرخ الذى أصاب كرامتها, إذ ليس للعدوية " حفصة" فى نفسه من الحظوة ما يمكنها من ذلك, بل لو أن لها أقل نصيب منها لما حدثت الواقعة من الأساس.
هنا دخل " قطب الأقطاب" فى أزمة جديدة أعقبت الأولى وجاءت مُصلية لها, فقد تحالفت التيمية مع العدوية إذ تخبرنا كتب السيرة المعطار والأحاديث المحمدية الشريفة أنه" كانت عائشة ابنة أبى بكر وحفصة تتظاهران على سائر نسونه" وترسّخت الأزمة على ركيزتين:
أ ـ أنهما ابنتا وزيريه ومستشاريه والمساس بهما كطلاق أو ظهار ... إلخ, لن يمر بسهولة بل سوف يخلف وراءه ندوبًا بل جروحًا غوائر فى شتى المناحى السياسية والأمنية والعصبية خاصة أنه يمر بمرحلة دقيقة وسبق أن ذكرنا أن العدوىّ أفلتت من فيه عبارة من جراء حدة مزاجه وشت بحقيقة مكانتها وهى قوله لها : لولاى لطلقك".
ب ـ ان عائشة أحب زوجاته إليه وأصغرهن سنًا وهى فى حدود الخامسة عشرة إبان ذاك ومن اجملهن وكيف لا تغدو كذلك فأبوها أبو بكر له لقب شى بالوسامة والقسامة وهو " عتيق" وقد درجت سيدة نسون قريش خديجة فى حياتها على مناداته به كما أن وادلة عائشة (أم رومان) امتازت بعينين حوراوين بل بالغتى الحَوَر ( = شدة بياض العين مع شدة سوادهما والعرب تفضله فى المرَة ), وهناك أثر يقول: من سره أن ينظر إلى حور عينى الجنة فلينظر إلى عيني أم رومان.
إذن مفارقة هذه الزوجة الجارية الصبية ذات الوضاءة البالغة أمر فيه عَنَت لأى زوج فما بالكم بـ " الأمين" الذى كثيرًا ما ردد أنه ما حبب إيه من دنيا إلا الطيب والنساء و" أنه كان النبى ـ ص ـ يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشر قلت لأنس " وهو راوى الحديث" أو كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدث أنه اُعطى قوة ثلاثين " [ أخرجه البخارى عن طريق أنس ـ وهو خادم " خير البرية" وأعرف الصحاب بأحواله].
كما أخرج ابن سعد عن مجاهد وطاوس واقتصر على عُجُز الحديث " أُعطى رسول الله قوة أربعين رجلاً فى الجماع" [ هذه الأحاديث أوردها فى " الخصائص الكبرى" السيوطى ـ المجلد الأول ـ فى باب للآية فى الجماع ص 167 ـ مصدر سبق لنا ذكره ].
وهكذا تتوالى الأزمات وتظل تزحف حتى تصل إلى عقر داره كأنما لا يكفيه الأعباء الثقال التى يحملها وهو يبشر بديانة جديدة ويُعلى بنيان دولة أجداده وكل واحدة منهما تنوء بها كواهل العصبة من الرجال الأقوياء الأشداء.
ويتشوف " خليفة الله" إلى ما يفك هذه العقدة وإلى نهاية سعيدة تحفظ عليه سلام بيته ولا تبعد زوجته الحبيبة عنه ويظل وزيراه المخلصان على سابق العهد بهما.
ولا يبطئ الهدى المجيد كما عوده وكالبدر فى منتصف الشهر تظهر الآيات الكريمات { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ سورة التحريم 3, 4 ].
وقبل أن نمضى فى التحليل الموضوعى أو التنقير والتنقيب نضع فى بؤبؤ عين القارئ أن النص الحكيم خاطب اثنتين " جاء بالمثنى" .. تتوبا .. قلوبكما وتظاهرا. حقيقة أن كلمة قلوب جاءت بالجمع إنما ضمير الخطاب أو المخاطب ورد بالتثنية !!!!!!!.
وهما حصرًا وتحديدًا التيمية والعدوية " أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال: عائشة وحفصة" [ المقبول للأزهرى ص 684 مصدر سبق ذكره].
وهكذا قطعت جهيزة قول كل خطيب أى لم تعد هناك ذرة من ريب أن المتظاهرتين هما ابنة عتيق وبنت ابن الخطاب الذى نقل عنه حِبر الأمة ابن عباس الخبر.
الآيتان السابقتان طلبتا منهما الكف عن التظاهر ضد " الخاتم" . بان خيرتهما بين أمرين:
الأول: التوبة عن التظاهر مما يمنح دلالة أنها خطأ أو غلطة لايجوز الإقدام عليها وحتى الإقتراب منها بل مجرد الهم بها, ولقد فسر الشيخ محمد سيد طنطاوى رأس مؤسسة التقديس بمصر " صغت قلوبكما" انها مالت عن الحق. وهو تعبير أوعر من الخطأ. [ معاجم اللغة تخبرنا عن معنى تظاهروا أى اجتمعوا معًا لإعلان الرضا أو السخط عن أمر يهمهم ].
أما ابن صمادح التجيبى فى " المختصر" فيدرج هذه العَمْلة تحت بند البَغى بالسوء لـ " سابق العرب" إذ نص على ما ياتى: وليه وناصره عليهما وعلى كل من بغاه بسوء. [ المختصر فى تفسير القرآن: مختصر من تفسير الإمام الطبرى ـ لابن صمادح التجيبى فى تفسير سورة التحريم ].
الآخر: فى حالة الإصرار على التظاهر ضده فإن ربه ناصره ومؤيده وجبريل والملائكة وكل مؤمن صالح.
وهو جمع كريم وفى ذات الوقت قوى مكين لاطاقة لبشر مهما بلغ به الجبروت ووصل به العُتُوّ وأعماه الظغيان أن يتحداه ويواجهه فما بالك بإمرأتين أولاهما لم تجاوز الرابعة عشرة إلا بقليل والأخرى ناهزت العشرين, وحققت الآيتان مراد " المتوكل" وكفَّت الزوجتان عن التظاهر بل لم تفكرا فى العودة إليه أبدًا.
{ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } هذا خطاب لعائشة وحفصة وتوبتهما مما جرى منهما ... ومعنى صغت أى مالت عن الصواب وقرأ بن مسعود : زاغت. والمعنى إن تتوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة ... { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ } والمعنى إن تعاونتما عليه ـ ص ـ بما يسوؤء من إفراط الغيرة وإفشاء سره ونحو ذلك فإن له من ينصره ومولاه ... " [ كتاب التسهيل لعلوم التنزيل: للإمام العلامة محمد بن أحمد بن جزئ الكلبى ـ الجزء الرابع ص 131 عند تفسير سورة التحريم ـ الطبعة الثانية 1392هـ / 1973م دار الكتاب العربى ـ بيروت ـ لبنان ].
وأورد الزمخشرى الخبر الذى مفاده أن ابن عباس سال عمر بن الخطاب: من هما؟ فقال: عجبًا يا ابن عبباس, كأنه كره ما سال عنه ثم قال: هما حفصة وعائشة, ونضيف أنه هنا قدّم حفصة على عائشة.
ثم استطرد الزمخشرى مفسرًا: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب فى مخالصة رسول الله ـ ص ـ من حب ما يحبه وكراهة ما يكره, وقرأ ابن مسعود: فقد زاغت و" إن تظاهرا" وإن تعاونا " عليه" بما يسوؤه من الإفراط فى الغيرة وإفشاء سره فلن يعدم هو من يظاهره وكيف يعدم المظاهر من الله مولاه: أى وليه وناصره... فما يبلغ تظاهر امراتين على من هؤلاء ظهراؤه.
[ الكشاف للزمخشى ـ المجلد الرابع ـ ص 131 عن تفسيره لسورة التحريم ـ مصدر سابق ].
ومن المتيقن أنه بعد أن تابت التيمية والعدوية وكفتا عن التظاهر ضده ثاب إليه هدوؤه وراحته النفسية. وأثبت القرآن المجيد أنه يكلؤه بعنايته ويحوطه برعايته ويشمله باهتمامه ويتولى تفريج ما يعرض له من هموم وما ينتابه من غموم وما يمسَّه من كروب على كافة المستويات, وهذا من رجا ومن آخر تتبدى حكمة نزوله منجمًا أى مفرقًا بدخوله فى علاقة جدلية مع الواقع المعاش إن من جهته أو من ناحية تبعه أو من جانب الأشخاص الفاعلين فى المجتمع كما سوف نرى ونحن نتابع مسيرته المدهشة المُعجبة.
يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟