داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7823 - 2023 / 12 / 12 - 07:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وإنكشف الستار وإنفضح المستور وفاحت الرائحة الكريهة للغزو الصهيوني البغيض لقطاع غزة وتداعياته على مجمل القضية الفلسطينية ,بهدف القضاء عليها وتصفيتها نهائيا بما يلبي الأهداف الصهيونية ومخططاتها التوسعية , إذ راحت وسائل الإعلام الغربية تروج لإستقبال النازحين من غزة في بلدانها, وهي التي كان معظمها بالأمس يعارض بشدة إستقبال النازحين السوريين الذين دفعتهم ظروف الحرب الصعبة التي دعمتها ومولتها حكومات بلدانهم , بدعاوى حقوق الإنسان زورا وبهتانا ,للنزوح الجماعي من مناطق سكناهم بحثا عن ملاذات آمنة . بينما تلاحق هذه الحكومات بشدة بدعاوى معاداة السامية , كل من يتحدث عن المجازر التي إرتكبتها وما زالت ترتكبها إسرائيل كل يوم في قطاع غزة جهارا نهارا , على مسمع ومرأى العالم أجمع بحق السكان المدنيين بما فيهم المرضى الراقدين في المراكز الصحية والمستشفيات , وبعضهم أطفالا خدج في الحاضنات الطبية , إذ يشير وزير الخارجية الأمريكي الديمقراطي أنتوني بلينكن في معرض تبريره لهذه الفضائع اللانسانية , بان الخسائر المدنية لا مفر منها في الحروب , بينما يتجاهل عن عمد أن ضحايا حرب إسرائيل على غزة من المدنيين بما فيهم الأطفال والنساء , ليست خسائر حرب عرضية , إنما هي عمليات إبادة مقصودة وبتخطيط مسبق , لتفريغ فلسطين بعامة وقطاع غزة بخاصة من سكانها الفلسطينيين , ليحل محلهم المستوطنون القادمون من شتى بقاع الأرض .
بألأمس كان السيد بلينكن يذرف دموع التماسح لضحايا الحرب الأوكرانية الذين قيل أنهم من المدنيين الذين سقطوا جراء الهجوم الروسي على القوات الأوكرانية , فأي إزدواجية إخلاقية ممقوتة هذه ؟ أليس بني البشر متساوون في الحياة والممات , أم أن هناك سادة يستحقون الحياة وعبيد يستحقون الموت في عرفهم ؟ . وهذا يذكرنا بمقابلة كانت قد أجرتها أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلنتون على برنامج 60 دقيقة، حيث سئلت "سمعنا أن نحو نصف مليون طفل عراقي ماتوا جراء الحصار المفروض على العراق , وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما هل الثمن يستحق؟" لتجيب أولبرايت قائلة: "أعتقد أن ذلك خيار صعب جدا ولكن نعتقد أن الثمن مستحق. أي منطق هذا هل ماتت ضمائر هؤلاء القوم ؟ . ولا عجب من هذا السلوك الإستعماري المتعحرف بحق الشعوب المغلوب على أمرها , فقد سبق لهم أن أباحوا لأنفسهم إستئصال شعوب برمتها لتصبح بعد ذلك ,أثرا بعد عين ليؤسسوا على أنقاضها دولهم العامرة المزدهرة من منطلق أن من يملك القوة , يملك الحق بالتصرف كما يشاء وكيفما يشاء , تماما كما يفعل المستوطنون الصهاينة القادمين من شتى بقاع العالم , اليوم بحق شعب فلسطين في غزة والضفة الغربية وفي كل مكان تطاله طائراتهم وصواريخهم ومدافعهم . وتبرر الحكومة الإسرائيلية ومناصريها هذه الأفعال الهمجية ضد المدنيين العزل , بأنها قد أوعزت لهؤلاء السكان تخلية أماكن سكنهم والإبتعاد عن المستشفيات والمراكز الصحية بوصفها أهدافا عسكرية , وهي بذلك تحملهم مسؤولية ما حل بهم , بينما يعرف القاصي والداني أن قوانين الحرب بين الدول المتحاربة ( إن كان غزو قطاع غزة حقا حربا وليس عملية إبادة ) , لا تجيز إستهداف المدنيين ومناطق سكنهم بأية عمليات حربية تحت أي ظرف أو أي مسوغ .
تتدعي الحكومة الإسرائيلية أن غزوها لقطاع غزة يعد أن أمطرته بآلاف القذائف الصاروخية وقذائف الطائرات الحربية على مدى أسابيع , جاء ردا على قصف بعض فصائل عزالدين القسام لبعض مستعمراتها فيما يعرف بغلاف غزة , وملاحقة رجال المقاومة الفلسطينية بهدف تصفيتهم نهائيا, بينما تتناقل بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي , مشروعا أمريكيا صهيونيا لتفريغ قطاع غزة من سكانه بقوة السلاح وإجبارهم على النزوح للعيش في مخميات على تخوم القطاع , تمهيدا لنقلهم إلى مصر بهدف توطينهم هناك بتمويل أمريكي , وتقديم مساعدات كبيرة لدعم الإقتصاد المصري المتهالك , تماما كما وعدوهم في أعقاب توقيع إتفاقات كمب ديفيد سيئة الصيت , بإقتصاد مصري مزدهر ومستقبل باهر والتي لم يحصد الشعب المصري شيئا من هذه الوعود .
ويأتي طرح هذا المشروع في إطار ما يعرف بصفقة القرن التي أعدها خبراء ستراتيجيون أمريكيون في عهد الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب الذي شهد عهده نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة خلافا لقرارات الشرعية الدولية , كما بذل جهودا محمومة بالوعيد والرعيد لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية , نجح في البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان , تحت غطاء تقارب الأديان الإبراهيمية ( اليهودية والمسيحية والإسلامية ) . ويمكن أن تندرج زيارة بابا الفاتيكان لمدينة أور السومرية مسقط النبي إبراهيم في هذا السياق .
نجم عن هذا الحراك المحموم تبادل الوفود الدبلوماسية والسياحية بين هذه الدول وإسرائيل , وفتح قنوات التبادل التجاري والتنسيق المعلوماتي والإستخباري فيما بينها , تمهيدا لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة فيما بينها أسوة بمصر والأردن , وكان مؤملا أن تلتحق بهذا الركب بقية دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى, بدءا بالمملكة العربية السعودية لولا حدوث عملية طوفان الأقصى التي نفذتها بعض فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الثاني التي أجهضت هذا التحرك حاليا . كما كان يجري الحديث على نظاق واسع إقامة حلف عسكري على غرار حلف شمالي الأطلسي ( الناتو ) , يضم إسرائيل والدول المطبعة معها بزعامة إسرائيل ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية , لمواجهة الجمهورية الإيرانية التي وصفوها بالخطر الحقيقي على أمن الدول العربية وأمن إسرائيل , مما يستدعي تضافر جهود الطرفين لردع هذا الخطر , تماما كما نجح حلف شمالي الأطلسي بردع الخطر الشيوعي المزعوم تجاه دول أوربا الغربية تحت مظلة الحماية الأمريكية . وعلى الرغم من سقوط النظام الشيوعي السوفيتي وتفكك دوله ومنظومة دفاعه العسكرية المعروفة بحلف وارشو , إلاّ أن حلف شمالي الأطلسي ما زال قائما حتى يومنا هذا .على الرغم من إنتفاء مبررات إستحداثه بإحتواء المد الشيوعي المزعوم . وهنا نقول أن العالم ليس بحاجة إلى أحلاف عسكرية وإشعال حروب وصراعات في عصر اسلحة الدمار الشامل التي تهدد العالم بأسره , وباتت تملكها الكثير من الدول والآخذ عددها بالتزاييد عاما بعد آخر , بل بحاجة اليوم للبحث عن حلول عادلة ومستدامة , تضمن للدول المختلفة حقوقها صغيرها وكبيرها على حد سواء .
بالأمس قاموا بشيطنة روسيا تجاه أوربا الغربية ,واليوم يقومون بشيطنة إيران تجاها الدول العربية , وأهدافهم لم تتغير في الحالتين تسخير قدرات وموارد تلك البلدان لمصلحتهم وضمان هيمنتهم علىها , وإلهائها بصراعات دينية وطائفية وأثنية لتبقى كلمتهم هي العليا . ومن هنا تفتقت عقليتهم عن مشروع أسموه بصفقة القرن , أي الصفقة التي ستقضي على القضية الفلسطينية وتصفيتها من جذورها لصالح الصهاينة دون وجع رأس .
نصت صفقة القرن على وجود مرحلة انتقالية من أربعة أعوام، وذلك انتظاراً لمتغيرات سياسية ستدفع السلطة الفلسطينية إلى التخلي عن موقفها الرافض للخطة حالياً، وإعلان سيطرة إسرائيل على( 30 %) من الضفة الغربية ضمن المناطق التي تعرف باسم "ج"، وفق تصنيفات اتفاق أوسلو المبرم عام 1993، وستبقى مدينة القدس موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة؛ بضم جميع مستوطنات الضفة الغربية التي يزيد عددها عن( 100) مستوطنة بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلة.
وضمن هذا السياق يمكننا فهم التحرك الأمريكي المحموم وغير المسبوق , بدعم الغزو الإسرائيلي لقطاع غزو حيث لم يكتفوا بمده بالمال والسلاح والعتاد فضلا عن بوارج حربية أمريكية راسية قبالة ساحل غزة , وكأن إسرائيل قد تعرضت لغزو دولة عظمى , وليس هي من تقوم بغزو قطاع فلسطيني صغير تحاصره منذ عقود وتحرمه من جميع مقومات الحياة من غذاء وماء ودواء , إذ يحضر رئيس الولايات المتحدة ألأمريكية القوة الأعظم في العالم , جوبايدن والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وقادة أوربيين آخرين , إلى ميدان القتال للإشراف على مخططات الغزو الإسرائيلي ومتابعة سير تنفيذ عملياته , وكأن بلدانهم قد تعرضت لغزو فضائي . وفوق هذا وذاك تعارض وقف إطلاق النار في هدنة إنسانية حضيت بإجماع دولي في مجلس الأمن والجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة بما فيها أمينها العام , لإسعاف جرحى الغزو الإسرائيلي وإيصال الماء والغذاء والدواء لسكان غزة الذين شردتهم القوات الغازية في متاهات الصحراء . وهنا نقول أن مسؤولية الدول الكبرى وبخاصة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن , حفظ الأمن والسلم الدوليين والسعي الدؤوب لتهدئة النزاعات المستعرة بين الدول , لا صب الزيت على النيران المشعلة , وعدم الإنحياز لطرف على حساب الطرف الآخر على أقل تقدير .
وأخير نشدد على أيدي الشعب الفلسطيني الصابر المرابط في أرضه الفلسطينية , وبرغم كل ما يتعرض له من ظلم وتعسف وتهجير من القريب قبل البعيد , دون ناصر أو نصير , ومقاومة كل محاولات التهجير والتوطين في دول أخرى , ووعودهم بحياة ومستقبل أفضل , فليس هناك مكان بديل أفضل من الوطن وبخاصة إذا كانت فلسطين الآباء والأجداد هي الوطن , وهذا يقتضي أن يوحد الفلسطينيون صفوفهم على كلمة سواء وأن يصروا على حقهم بإقامة دولتهم الفلسطينية الحرة المستقلة دون وصاية أو منة من أحد, ويستلزم ذلك منهم المزيد من الصبر والصمود والثبات في أرضهم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا . وما النصر إلاّ من عند الله .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟