أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - مصطفى القرة داغي - ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة















المزيد.....

ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 7822 - 2023 / 12 / 11 - 04:48
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


إن العمل الإرهابي الذي قامت به حماس في السابع من أكتوبر، جعل بقعة معاداة السامية، خصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، والتي كانت راكدة في قاع نفوس بعض شرائح المجتمع الألماني، من المهاجرين المسلمين أو الألمان، تطفو الى السطح وتظهر بشكل صادم في الشارع أو على مواقع التواصل. فقد صُدِمَت النُخَب الألمانية، السياسية منها والثقافية، التي كانت تعيش في عالم مثالي لا يمت لواقع محيطها وبلدها بصلة، بكيفية تبرير هجمات حماس الإرهابية في بلادها وباقي الدول الغربية، وإستغلال ديمقراطياتها لتسويق خطاب كراهية مخيف، على أنه حرية رأي ودفاع عن قضية!

لكن يبدو أن تصَدّعات الهوِيّة التي كان يتم تجاهلها وتغطيتها بكذبة الإندماج، بدأت تظهر في بنيان المجتمع الألماني. فمنذ ذلك التأريخ يعيش يهود ألمانيا وضعاً مُقلقاً مِن معاداة السامية، لم يتخيلوا يوماً بأنهم سيعيشونه، على خلفية ما يحدث من صراع في غزة، بين أُناس يحملون لهم كُرهاً أبدياً يَرضَعونه صِغاراً، وبين نظام مَحسوب عليهم، ويَحمل هويتهم الدينية، وتعُود تبِعات أفعاله عليهم. كذا الحال مع الكثير مِن المسلمين، الذين باتوا يشعرون بأنهم موضع شك، وفي خانة المعادين للسامية، وهُم ساميّون! لمُجرد إنتقادهم عُنف الحكومة الإسرائيلية. بل أن هنالك شباب مسلمين ويهود، ولدوا ونشأوا في ألمانيا، وليس غزة أو تل أبيب، جَمعتهم صداقة عُمُر تصَدّعت بسبب هذه الحرب وخِطاب الكراهية الذي يرافقها، والذي ينساق إليه الشباب، الأسرع تأثراً بالشعارات العاطفية التي تُدغدغ المشاعر وتثير الغرائز، فباتوا ينادون بعضهم بنبرة كراهية "يا يهودي"! و"يا "إسلامي"!

هناك أسباب كثيرة تقف خلف التركيز الإنتقائي على هذا الصراع دون غيره في الغرب، ووَراء أكمّة التحشيد الدِماغوجي الشَعبوي الذي نشهده اليوم بسَببه، ما ورائها من دَوافع، هي على الأغلب ليسَت إنسانية بحتة. فهناك العديد من الصراعات الدموية التي شهدها العالم، لكنها لا تحشِد الناس بنفس القدر، ولا تستفزهم بنفس الطريقة، ولا تخرج تظاهرات لتستنكرها ولا بنسبة1% من التظاهرات التي نراها منذ أسابيع في العديد مِن مدن ألمانيا، بحجة إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، دون أن تُشير ولو بشكل عابِر للعدوان الحَمساوي على إسرائيل! مَدفوعة لدى المسلمين بكراهية دينية تستند الى تَفاسير متطرفة للنصوص الدينية، ومدفوعة لدى الألمان بكراهية عِرقية لها خلفيتها في التأريخ الألماني لا تزال تجتذب نسبة من الألمان، قِلّة منهم مِن اليسار المَدفوع بعقدة العَداء لأمريكا وحلفائها، وجُلّهُم مِن اليمين الذي تطابقت رؤاه العنصرية اليوم مع الإسلاميين كما حدث قبل ثمانية عقود، حينما تحالف هتلر مع المفتي أمين الحسيني ليُرَوّج للنازية بين المسلمين! في مقابل وعده له بإخراج اليهود مِن فلسطين، وجعله حاكِماً عليها إذا إنتصر في الحرب، وهو ما لم يحدث، ومات الحسيني كَمَداً. كما أنهم، أي اليمين والإسلاميين ومَعهم اليسار، يجتمعون على الإيمان المطلق بنظرية المؤامرة، وتصديق كل ما يصدر عَُن منظّريها المُختلّين مِن تخاريف. ومِنها أن النخبة العالمية التي تسعى للتخلص من البشر، عبر إفتعال الأمراض والكوارث الطبيعية، والإبقاء على ما يُسمّى بالمليار الذهبي، هي يهودية!

أن الدعاية النازية في العالم العربي خلال الحرب العالمية الثانية ساهمت بشكل كبير في معاداة السامية التي نعيشها اليوم. فمعاداة الساميّة تمثل مشكلة في العديد من الدول الإسلامية، ولعِب الصِراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين دوراً مهماً في ترسيخها وتأجيجها، إذ يلجأ البعض في الشرق الأوسط الى شعارات معادية للساميّة ليثير الكراهية لليهود، بحجة مناهضة الصهيونية. في أوروبا حيث تتمتع معاداة السامية بجذور أعمَق في تأريخ الفكر السياسي يكون الأمر معكوساً، فالعديد من المعادين للساميّة ينتقدون إسرائيل والصهيونية ليُغَطّوا على كراهيتهم لليهود. كما أن تزايد معاداة الساميّة بين المسلمين في ألمانيا يمثل مشكلة أيضاً. ففي عام2017 نُشِرت دراسة حول آراء اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط تجاه الإندماج والهوية واليهود والمحرقة، أشارت الى أن كلاً مِن مُعاداة إسرائيل والساميّة مُنتشرة على نطاق واسع بينهم. لذا يجب التصدي لهذا التشوه الفكري بشِدّة، وإيصال رسالة لا تقبل التأويل بأن ثقافة الكراهية لا مكان لها بالمجتمع الألماني، الذي لا ينبغي له أيضاً توجيه أصابع الاتهام بمعاداة الساميّة للمسلمين فقط، فليسوا هُم مَن قتل ستة ملايين يهودي. بالتالي تظل معاداة الساميّة مشكلة المانية قبل كل شيء، بدليل صُعود أسهُم حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المَعروف بتَهوينه لجرائم النازية، لأن بعض المفاهيم تبقى مخزونة في ذاكرة بعض المُجتمعات ولا وَعي أفرادها، الذين يتوارثوها جيلاً بعد جيل، رغم أن التصريح بكراهية اليهود يعتبر في ألمانيا جُرماً يُعاقب عليه القانون، مُنذ مجازر الأفران على يد النظام النازي. لكن سواء بوعي أو دون وعي، فإن كراهية اليهود موجودة، ساهم في تناميها إستقبال مهاجرين مِن مُجتمعات ترَبّت على أن هذه الكراهية دليل وطنية وتدَيّن، وهي بالنسبة لبعضهم واجب شرعي سيُسأل عنه يوم القيامة، بل إن بعضهم كل حلمه هو أن يَنال فرصة رَميهم في البحر، لأنه يعتقد بأن هذا الأمر سيَضعه في الجنة مع الأنبياء والأولياء والصديقين!

للخروج مِن دَوّامة هذا الصراع المُجتمعي الخطير الذي تعيشه ألمانياً، والذي يتصاعد ويجذب أناس مغيّبين جُدد يومياً.. يجب أولاً تعزيز ثقافة تقبّل الآخر، لكونه إنسان وليس لأنه من نفس الدين أو العِرق، على حساب ثقافة الكراهية. ومُكافحة معاداة الساميّة بين المسلمين وغير المسلمين، ومُحاكمة من يُثير الكراهية ويدعو للعُنف ولو بكلمة ضد المسلمين وغير المسلمين بقوة وحَزم.. ثانياً تفكيك عقلية القطيع، التي بدأت تنتشر في كل دول العالم، ومنها ألمانيا، والتي تغذيها مواقع التواصل التي باتت مَشاع لكل من هَب ودَب مِن المُختلين لتمرير وتسويق آديولوجياتهم بين الناس ووسط الشباب تحديداً، الذين يستقبلون كل ما يتابعونه فيها. لذا نراهم أكثر الناس إندفاعاً في التظاهُرات وتطرفاً في الشعارات التي تدعي الدفاع عن أهالي غزة، وهي في غالبيتها رسائل دَعم لحَماس وكراهية لليهود، إلا ما رحم ربي. وهنالك مثلهم طبعاً في إسرائيل. فالنظرة الإنسانية تتلاشى يوماً بعد آخر لصالح الإندفاع الأعمى والتطرف لأحد الجانبين، إذ يتِم التغاضي عن الحقائق لصالح فورة الإندفاع العاطفي، والنظر للصِراع بشكل غير موضوعي يزيده دموية.. ثالثاً وهو الأهم على المَدى البعيد، التعليم، إذ يَتعيّن على المؤسسات التعليمية تثقيف الأطفال وتوعيتهم بشأن معاداة الساميّة والمسلمين والأقليات عُموماً. فمنذ سقوط النازية، وإنتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يكن تدريس التاريخ والعلوم الاجتماعية يوماً أكثر أهمية مما هو عليه اليوم. لأنه مَن وضَع حينها أساس المجتمع الألماني الحُر الذي عرفناه خلال العقود الماضية، وهو نفسه من سيُساعده اليوم على تجاوز مِحنته الحالية، وعلى الصُمود مستقبلاً.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مليشيات إيران وسَعيها لتوريط العراق في حرب غزة
- مزاد مقاطعة المنتجات الغربية في الدول العربية والإسلامية
- حرب غزة.. الماريونيتات حَمساوية والأصابع إيرانية روسية
- لماذا تُكرِّر مَأساة الإمام الحسين نفسها عِراقياً؟
- -الحشد الشعبي- حصان طروادة الإيراني
- زيلنسكي الممثل الكوميدي الذي جعل بوتين يبدو أمامه كومبارساً
- قِمة التناقضات التي جَمَعت صَديق بوتين وعَدوّه في قاعة واحدة ...
- بوتين سيخسر معركة الأرض كما خسِر معركة الطاقة
- العراق بين براثن الإحتلال الإيراني في الذكرى العشرين للإحتلا ...
- مَضى عيد المرأة وعادت مجتمعاتنا السَقيمة لعادتها القديمة
- بوتين أمِن العقاب في جورجيا والقرم فأساء الأدب في أوكرانيا
- عام مِن الفشل الروسي في أوكرانيا
- عراق الأمس يَد تبني ويَد تزرع وعراق اليوم يَد تَقتُل ويَد تَ ...
- لقد فَقَع العراقيون في وَخ خليجي 25 الذي حَذّرنا منه!
- الأخضر السعودي فريق واعد يمضي نحو النجومية
- رئيس وزراء ملاك وسوبرمان، الصورة التي أفشَلت حَراك تشرين
- ميركل وهَزلها حول أخذ كلام بوتين على محمل الجِد!
- خط غاز نورد ستريم وغلطة ألمانيا التي بألف
- هشام سليم.. الفنان المُبدِع والأرستقراطي المُتواضِع
- رحل غورباتشوف وعَينه على سلام صَنعه هو وأضاعه خُلفاءه وحُلفا ...


المزيد.....




- السعودية.. تداول فيديو -إعصار قمعي- يضرب مدينة أبها ومسؤول ي ...
- أبرز تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول غزة وهجمات إيران وال ...
- مصرع 42 شخصا بانهيار سد في كينيا (فيديو)
- رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه -رغم التشهير بزوج ...
- -القاهرة الإخبارية-: مباحثات موسعة لـ-حماس- مع وفد أمني مصري ...
- مستشار سابق في البنتاغون: بوتين يحظى بنفوذ أكبر بكثير في الش ...
- الآلاف يحتجون في جورجيا ضد -القانون الروسي- المثير للجدل
- كاميرون يستأجر طائرة بأكثر من 50 مليون دولار للقيام بجولة في ...
- الشجرة التي لم يستطع الإنسان -تدجينها-!
- ساندرز يعبر عن دعمه للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ويدين جميع أش ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - مصطفى القرة داغي - ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة