أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس شتواني - سيغموند فرويد: اليهود قتلوا موسى














المزيد.....

سيغموند فرويد: اليهود قتلوا موسى


إلياس شتواني
باحث وشاعر


الحوار المتمدن-العدد: 7821 - 2023 / 12 / 10 - 20:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في كتابه " موسى و التوحيد"، يبتدأ سيغموند فرويد طرحه، من خلال مقاربة سيكولوجية للتاريخ، بفكرة صادمة مفادها أن موسى شخصية مصرية، فالكلمة موسى نفسها هي مصرية تعني الطفل. يقرن فرويد قصة ميلاد موسى بشخصية سارجون الأكادي، مؤسس بابل حوالي 2800 ق.م. الملاحظ أن نفس نمط القصة يتكرر مع شخصيات تاريخية أخرى كقورش، رومولوس، أوديب، كارنا، باريس، برسيوس، هيراقليس، جلجامش، الخ. يؤكد فرويد على أن أن أصل خرافة موسى مصرية حيث أُنذر فرعون، عن طريق حلم، أن إبن إبنته سيشكل خطرا عليه في يوم من الأيام و على ملكه. و لهذا أمر فرعون بأن يلقى الطفل فور ولادته لمياه النيل. أنقذ اليهود موسى و ربوه و كأنه واحد من صلبهم. في رأي فرويد، تم تعديل خرافة موسى لدوافع دينية و قومية صرفة. كان موسى، بالتالي، في أصله مصريا نبيلا جعلت منه الأسطورة شخصية يهودية.

يؤكد فرويد على أن الديانة اليهودية تعود بجذورها إلى الدين المصري بإمتياز. بالرغم من تاريخ مصر الديني المتنوع و المتعدد الآلهة (Polytheistic)، فقد شهد تاريخ الحضارة المصرية، بالضبط في عهد السلالة الثامنة عشرة، أي في حوالي السنة 1375 ق.م، ملكا شابا عرف في الأول بإسم أمنحوتب الرابع ثم غير بعد ذلك إسمه إلى أخناتون. كان أخناتون طيلة حكمه، و الذي دام 17 سنة، يدين بدين التوحيد (Monotheism) و يرفض ديانات التمائم و السحر و الطقوس التي تمثلت في ديانات عديدة من أهمها ديانة أمون (إله المدينة ذي رأس الكبش)، رع (إله الشمس ذي رأس الصقر)، و ديانة أوزيريس (إله الأموات).

حاول اليهود طمس العقيدة القديمة، و ذلك، كما يقول فرويد، عن طريق الإنسلاخ الكلي من فكرة الخلود أو وجود الحياة بعد الموت الذي كانت تشكل أساسا لكل ديانات مصر القديمة. موسى وهب دينا جديدا للعبرانيين، و وطد أيضا عادة الختان المصرية الأصل التي سيكون لها الباع الأطول في تمييز الشعب اليهودي عن باقي الشعوب و الأعراق، و تثبيت فكرة "شعب الله المختار". يجدر هنا الإشارة أيضا إلى أن سبب كراهية اليهود للخنزير يعود إلى قصة خرافية مفادها أن الاله «ست»، الخنزير الأسود، قد جرح الرب «حوريس».

لعل موسى كان في الواقع نائبا لأخناتون على الإقليم الواقع عند الحدود المصرية (أرض جاسان) و الذي كان تعيش فيه بعض القبائل السامية منذ أيام الهكسوس. فمن هذه البقعة الجغرافية و من قوة هذه القبائل المهمشة أراد موسى أن يخلق شعبه الجديد. كان موسى شخصية حربية، كما يروي يوسيفوس مع تعديل طفيف، له مآثر عدة في الحبشة، إضطره حسد و مكر الفرعون الجديد، حورمحب، و حاشيته على الهجرة و الخروج من مصر، باحثا عن تعويض لما شهدته العقيدة الجديدة من طمس و خسران.

موسى كان أجنبيا غريبا لا يفهم لغة العبرانيين، لا يستطيع التواصل معهم دون وسيط أو مترجم (موسى كان "ثقيل الفهم و اللسان" سفر الخروج - الإصحاح الرابع). كان اليهود قبل الدين التوحيدي يعبدون إله يدعى يهوه، هذا الإله هو إله البراكين إقتبسه العبرانيون من قبيلة المديانيين العرب المجاورة. يؤكد فرويد على أن أصل ديانة العبرانيين هي ديانة موسى التوحيدية، لكنه يضيف أنه، على إمتداد 800 سنة بين "الخروج" التوراتي و تدوين عزرا و نحميا للنص التوراتي، حدث توافق رجعي أدى إلى العودة إلى الديانة الموسوية الأصلية.

يفترض فرويد، و هي النقطة التي أثارت جدلا كثيرا، أن اليهود قد قتلوا موسى، الشخصية المؤسسة و الزعيم الروحي. فقد تمرد اليهود يوما ما على موسى و إغتالوه و ألغوا ديانة اتون كما فعل المصريون تماما. ما حدث بعد ذلك هو أن العبرانيين إنصهروا مع باقي القبائل المحيطة بهم، و هناك في منطقة خصبة تسمى قادش، إعتنقوا تحت تأثير المديانيين العرب ديانة إله البراكين، ديانة يهوه، و قاموا بعد ذلك بغزو أرض كنعان.

يسمي فرويد الفترة التي تلت إغتيال موسى بفترة "الكمون"، فهي فترة تميزت بسقوط العقيدة الموسوية و إنحطاط قيمة الطقوس و العامل الأخلاقي لدى العبرانيين. لقد شكلت فترة الدين الموسوي ما يسميه فرويد "بالمأثور"، هذه الفكرة لم تنقضي، بل ترسخت في اللاوعي الجمعي للعبرانيين على إمتداد قرون طويلة، تجلت في اخر تمظهراتها، في رأي فرويد، في مفهوم الخطيئة الأصلية المسيحي، حيث تتجلى بكل وضوح الجريمة التي إقترفت ليس فقط بحق موسى، بل بحق الذات الإلهية (مفهوم الإله الأب كأول مظهر من مظاهر القوة و الأخلاق) و التي لا سبيل إلى التكفير عنها إلى بالموت وحده. المجموعات البشرية، يؤكد فرويد، تحتفظ بإنطباعات الماضي في شكل مأثورات و بقايا ذاكرية لاشعورية.

يميز فرويد بين "الأنا الحقيقي" و ال "هذا". ال "هذا" هو أقدم من الأنا الذي إنفصل عنه تحت وطأة الظروف الخارجية. في ال "هذا" تتصارع غرائزنا الجنسية البدائية، حاملة معها سيرورات تطورية لاشعورية خلفتها تجارب أسلافنا. ينتمي المكبوت إلى ال "هذا"، و يخضع بذلك لقوته و سطوته. يستنتج فرويد أن البشر قد عرفوا في الماضي أبا بدائيا و أنهم قتلوه شر قتلة.

البشر تشعر بحاجة ضرورية إلى سلطة عليا تسيطر عليها و تسير أمورها. يفسر فرويد هذه النزعة بفكرة "الإنجذاب نحو الأب"، هذا الشعور ينقل إلينا منذ طفولتنا مأثورا دمويا و مأساويا، فكرة مفادها أن الإنسان فيما مضى قد قتل الأب الأسطوري و تغلب عليه. هذا الأب البدائي قد عاقب أبنائه فيما مضى بالختان، حيث كان كل من يقبل بهذا الرمز تحت السيطرة و المشيئة الأبوية، حتى ولو كان سينشأ عن ذلك أسوأ الآلام و أشنع التضحيات.

خلاصة كتاب فرويد أن الدين التوحيدي الموسوي لم يمارس أي نوع من السلطة على العبرانيين إلا يوم تحول إلى مأثور. يوم أعطى موسى العالم كله فكرة إله واحد، فإنه في الواقع لم يأت بشيء جديد، و إنما أعاد للحياة حدثا قديما و مأثورا يرجع إلى الأزمنة الغابرة من تاريخ الأسرة الإنسانية، حدث غاب عن الذاكرة الجماعية للبشرية منذ أقدم العصور.



#إلياس_شتواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق الإسلامية (3): الخوارج
- الفرق الإسلامية (2): المرجئة
- الفرق الإسلامية (1): الماتريدية
- مصر مهد المدنية (2)
- بوابة الموت
- عندما بكى الشيطان
- ما ألقى الشيطان في أمنيتي (4)
- ما وراء الكون
- إلى شجرة الصبار
- الصوت في داخلي
- ما ألقى الشيطان في أمنيتي (3)
- مصر مهد المدنية (1)
- الشعوب تود شرب دماء الملوك
- الصنم الصحراوي
- يوم إرتقى الإنسان فأصبح حيوانا
- نهاية الأسطورة
- جالاتيا التي نفخت فيها من روحي
- الفلسفة الحديثة (21): صموئيل ألكسندر
- الفلسفة الحديثة (20): هنري برجسون
- الفلسفة الحديثة (19): وليم جيمس


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلياس شتواني - سيغموند فرويد: اليهود قتلوا موسى