ماجد حاوي الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7821 - 2023 / 12 / 10 - 17:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوكل المجتمع الدولي إلى لجنة القانون الدولي* وضع نظام قانون دولي لموضوع عديمي الجنسية وقد أشارت اللجنة في ملخص " تاريخ وضع اتفاقيات انعدام الجنسية " إلى أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية أبرزت دراسة أعدتها الأمم المتحدة عدداً من الحالات المرتبطة بالحماية سواء بالنسبة لعديمي الجنسية أو اللاجئين.
وصدر قرار عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عينت بموجبه لجنة خاصة لدراسة صياغة اتفاقية بشأن وضع اللاجئين والأشخاص عديمي الجنسية واقتراح حلول لانعدام الجنسية. وقد قامت اللجنة بصياغة اتفاقية بشأن وضع اللاجئين وكان من المقرر أن يتم إدراج المسائل المتعلقة بالأشخاص عديمي الجنسية في بروتوكول خاص يلحق بهذه الاتفاقية حيث لم تكن حالات اللجوء وحالات انعدام الجنسية تتميز كثيراً عن بعضها البعض على المستوى الدولي وكانت كلتا الفئتين تحظيان بحماية الهيئات الموكلة بالعمل مع اللاجئين, وقد تم في عام 1954 تحويل اقتراح البروتوكول الخاص بالأشخاص عديمي الجنسية إلى اتفاقية كاملة خاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية حيث تضمنت تعريفاً حصرياً لعديمي الجنسية فكانت هي الوثيقة الأساسية التي ترعى وضع الأشخاص عديمي الجنسية وتضمن حقوقهم وعلى الرغم من إن مشكلات اللاجئين وعديمي الجنسية تتشابه أحيانا فضلاً عن التداخل بين هذه الفئات أو_ مسببات معاناتها_ في ظروف أخرى إلا إنها رغم ذلك فئات متباينة.
أولا: تعريف عديم الجنسية
يصبح الشخص عديم الجنسية عندما تتخلى عنه قوانين الجنسية في كافة دول العالم فلا تمنحه أي دولة الصفة الوطنية، وبهذا المضمون تم تعريف عديم الجنسية وفقا لآراء الفقهاء والقانون الدولي والتشريعات الوطنية كما يلي.
1. التعريف الفقهي لعديم الجنسية : كان للفقه دور في تعريف الشخص عديم الجنسية ومنهم الفقيه (اوبنهايم) الذي يقول إن الشخص عديم الجنسية هو كالسفينة التي لا تحمل علماً وتتخبط في عرض البحر فلا يسمح لها بالدخول إلى المياه الإقليمية لدولة معينة كونها لا تحمل علم أية دولة والذي هو دليل تمتعها بجنسية دولة ما, فالسفينة التي ليس لها علم هي سفينة بلا جنسية, وهذا الوصف ينطبق على الفرد عديم الجنسية الذي لا يتمتع بجنسية أي دولة يدعي انتمائه لها فهو في مركز قلق داخل الدولة الموجود على إقليمها ويبدو كالسفينة التي لا تستطيع أن ترسو على شاطئ معين. أما الفقيه(weiss) فقد عرف الأشخاص عديمي الجنسية على أنهم "الأشخاص الذين لا ينتمون إلى دولة معينة بمقتضى جنسيتها، ومحرمون قانوناً من حمايتها". كما عرفه الفقيه (فاليري) بأنه "إنسان طفيلي يعيش على حساب مواطني الدولة التي يوجد على إقليمها، بل هو شخص خطر يهدد أمن تلك الدولة", وقد عرفه الدكتور احمد عبد الكريم سلامة على أنه "وضع قانوني لشخص لا يتمتع بجنسية أية دولة على الإطلاق" وعرفه آخرون على انه "هو فرد لا يتوفر بشأنه إي من شروط اكتساب أية جنسية في العالم أجمع".
2. تعريف عديم الجنسية في القانون الدولي: عرفت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية لعام 1954 عديم الجنسية بأنه “الشخص الذي لا تعتبره أية دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها". ومن خلال هذا التعريف يتضح أنه تعريف قانوني بحت لا يشير إلى نوعية الجنسية ولا الطريقة التي تمنح بها الجنسية ولا السبيل إلى الحصول على الجنسية. ويشير التعريف ببساطة إلى إعمال القانون الذي تعرف بموجبه تشريعات الجنسية بدولة ما بصورة قانونية أو تلقائية من يكون له حق الجنسية وبالتالي يعرف عديم الجنسية تعريفاً سلبياً على أنه " الشخص الذي ليس مواطناً لأي دولة وفقاً لقوانينها". كما عرفت المادة الأولى فقرة (و) من الاتفاقية بشأن الإعادة لعام 2006 المبرمة بين الجماعة الأوربية والاتحاد الروسي عديم الجنسية على أنه "أي شخص لا يحمل جنسية الاتحاد الروسي أو واحدة من الدول الأعضاء، والذي لا يوجد لديه دليل على أنه يحمل جنسية أي دولة أخرى". وقد عرفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الشخص عديم الجنسية بأنه " الشخص الذي لا يرتبط_ بموجب القوانين الوطنية_ بالرابطة القانونية للجنسية مع أي دولة" أي حالة الفرد الذي لا يعتبر مواطناً من قبل أي دولة، وبما إن الدولة هي الطرف الأخر في رابطة الجنسية إلى جانب الفرد فأن وجود طرف دون الأخر كوجود الفرد دون دولة يرتبط بها برابطة الجنسية يجعله بلا دولة، وبالتالي بلا جنسية. وان هناك بعض الفئات التي تم استبعادها من نطاق تطبيق الاتفاقية لأسباب خاصة (رغم حقيقة كونهم عديمي الجنسية) وذلك بسبب عدم استحقاقهم للحماية أو أنهم ليسوا بحاجة إليها كونهم يتلقون حماية أو مساعدة من برامج قانونية محددة، أو من وكالات الأمم المتحدة الأخرى من غير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. والوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي ينطبق عليها هذا الشرط حالياً هي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط وتستبعد فئات أخرى بسبب تمتعها بحقوق وواجبات المواطن في البلد الذي يقيمون فيه وهذا يعني انه إذا حصل شخص عديم الجنسية على الإقامة في دولة ما, وتم منحه حقوقاً تتجاوز تلك التي تقضي بها اتفاقية 1954 وخاصة إذا كانت حقوقاً اقتصادية واجتماعية كاملة تعادل ما يتمتع به المواطن من حقوق وتوفرت له الحماية من الترحيل والطرد عندئذ لا تكون هناك حاجة لتطبيق أحكام الاتفاقية على ذلك الفرد برغم كونه عديم الجنسية. وفئات أخرى تم استبعادها من نطاق تطبيق الاتفاقية أعلاه بسبب عدم استحقاقهم الحماية الدولية بناءً على ما اقترفوه من أفعال إجرامية فردية كمجرمي الحرب والمجرمين الخطيرين غير السياسيين وحالات مماثلة، ويبقى الآخرون غير المحميين في معظمهم خارج نطاق الاتفاقية.
3. تعريف عديم الجنسية في التشريعات الوطنية : عرفت بعض الدول عديم الجنسية بموجب تشريعاتها الوطنية ومنها قانون الجنسية البريطانية الذي عرفه بأنه "كل فرد ليس مواطن بريطاني أو مواطن الأراضي التابعة لبريطانيا والأراضي ما وراء البحار وليس مواطن لأية دولة أخرى". وأيضا قانون أوكرانيا بشأن المركز القانوني للأجانب وعديمي الجنسية عرف الشخص عديم الجنسية على أنه "الشخص الذي بموجب القانون المعمول به لم يتم التعرف عليه كمواطن من قبل أي من الدول". كما عرفت المادة الثانية من القانون الأذربيجاني الخاص بالمركز القانوني للأجانب وعديمي الجنسية لعام 1996 عديم الجنسية على أنه "الفرد الذي ليس مواطن جمهورية أذربيجان ولا مواطن البلدان الأخرى". والمادة الثالثة من قانون المواطنة الاتحادي للاتحاد الروسي برقم (62 لسنة 2002) تعرف عديم الجنسية أنه "الشخص الذي ليس مواطن الاتحاد الروسي والذي لا يوجد دليل على انه حائز لجنسية دولة
أجنبية أخرى". كما عرف قانون جمهورية مولدوفا الخاص بالمركز القانوني للأجانب وعديمي الجنسية لعام 1994 في المادة الثانية على إن عديم الجنسية هو "الفرد من غير مواطني جمهورية مولدوفا وليس له دليل على العودة إلى إي دولة أخرى كفرد معترف به، أي لا ينتمي لأية دولة". يتضح من خلال هذه التعاريف الوطنية أنها مستوحاة من تعريف عديم الجنسية الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية لعام 1954 ومطابقة له، مؤكدة على إن الفرد عديم الجنسية هو من لا ينتمي إلى أية دولة وبالتالي لا يحمل أية جنسية.
ثانيا: تمييز عديم الجنسية عن الحالات الأخرى
1. تمييز عديم الجنسية عن اللاجئ: خلال العشرينات من القرن الماضي كان من الشائع ألا يميز بين من لا يتبعون إلى إي دولة أي عديمي الجنسية وبين اللاجئين وكانت الفئتان على السواء مشمولتين بمفهوم الافتقار إلى حماية حكومة بلد منشأهم، أو الافتقار إلى حماية إي حكومة أخرى عن طريق الحصول على جنسية جديدة. فتعني كلمة اللجوء " asylum " وهي كلمة لاتينية من أصل يوناني " asylon" وتعني الشيء غير القابل للأسر أو المكان الذي يمكن للفرد اللجوء إليه بهدف طلب الحماية، وقد يكون هذا المكان مقدس كالمعبد أو الكنيسة.... حيث درج الأفراد في الماضي على اللجوء إلى هذه الأماكن هرباً من الملاحقة. ولتفادي الخلط بين عديم الجنسية واللاجئ عملت الأمم المتحدة جاهدة في سبيل التمييز بينهما فصاغت الاتفاقية الدولية الخاصة بمركز اللاجئين لعام 1951 والتي عرفت اللاجئ في المادة الأولى/ ألف -2 بأنه "ألف- لأغراض هذه الاتفاقية تنطبق لفظه لاجئ على 2- كل شخص يوجد نتيجة أحداث وقعت قبل 1/كانون الثاني/ يناير/1951, وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو أرائه السياسية خارج بلد جنسيته, ولا يستطيع, أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد, أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف, إن لا يعود إلى ذلك البلد فإذا كان الشخص يحمل أكثر من جنسية تعني عبارة "بلد جنسيته" كلاً من البلدان التي يحمل جنسيتها, ولا يعتبر محروماً من حماية بلد جنسيته إذا كان, دون إي سبب مقبول يستند إلى خوف له ما يبرره لم يطلب الاستضلال بحماية واحد من البلدان التي يحمل جنسيتها". فاللاجئ وفقاً لهذا التعريف هو شخص يتمتع بجنسية دولة معينة ولكنه هجرها مستقراً في إقليم دولة أخرى. بحيث لا يستطيع العودة إلى دولة جنسيته خشية اضطهاده أو معاقبته وذلك بسبب جنسيته أو عقيدته أو انتماؤه إلى طائفة اجتماعية معينة أو بسبب مذهبه الاقتصادي أو أفكاره السياسية. وفي كلمة للأمين العام للأمم المتحدة ذكر فيها إن هؤلاء اللاجئين لا يغادرون ديارهم عن طواعية بل يرغمهم على ذلك الصراع أو الاضطهاد وهم في العديد من الحالات يهربون طلباً للأمن والحماية وسعياً وراء سبل سد احتياجاتهم الأساسية، وقد أسفر ذلك بالنسبة لعشرات الملايين من الناس عن نفي لاقوا فيه من المشقة مالا يمكن وصفه. فاللاجئ يتمتع بحماية الدولة التي يقيم بها، بالنظر إلى انه يحمل جنسيه دولة أجنبية معينة، لا يمكنه العودة إليها، وهذا على خلاف انعدام الجنسية، فعديم الجنسية لا يتمتع بأية جنسية على الإطلاق، كما إن الدولة التي يتواجد بها لا تمنحه حمايتها، بل لا ترغب في استقراره على إقليمها غالباً وعليه فلا يصح القول بأن اللاجئ هو شخص منعدم الجنسية بحكم الأمر الواقع.
2. تمييز عديم الجنسية عن الأجنبي: يرى فقهاء القانون الدولي الخاص إن الأجنبي في دولة معينة هو الشخص الذي لا يتمتع بجنسيتها، وهو لا يتمتع بالصفة الوطنية سواء أكان يحمل جنسية دولة أخرى أو كان عديم الجنسية وسواء أكان مقيماً على إقليمها أو لا يقيم عليه ويرى جانب من الفقه إن عديم الجنسية يعد أجنبيا ولكن من نوع خاص إذ إن عدم انتمائه إلى أية دولة يوجب أن تعامله الدول التي يوجد فيها على نحو مختلف عن معاملتها للأجانب العاديين ذوي الجنسيات المعروفة، وأنه يكفي لمعرفة الأجنبي في إي دولة الرجوع إلى تشريعها الذي يحدد الوطني، فصفة الأجنبي سلبية تقابل صفة الوطني فيكفي أن تحدد الصفة الأخيرة حتى يمكن تحديد الأولى. فنجد قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 قد عرف الأجنبي" بأنه غير العراقي" وقد اعتمد قانون الجنسية النافذ رقم26 لعام 2006 هذا الاصطلاح في المواد 15,14,13,12,11,9,8,7,6 وقد عرف هذا القانون في المادة 1/ب العراقي بأنه "الشخص الذي يتمتع بالجنسية العراقية " أي إن الأجنبي هو غير العراقي، أما الفقرة الخامسة من المادة الأولى من قانون إقامة الأجانب العراقي النافذ رقم 118 لسنة 1978 فقد عرفت الأجنبي بأنه "كل من لا يتمتع بالجنسية العراقية ". فالأجنبي يحمل جنسية دولة معينة ويكون موجوداً في دولة أخرى كسائح أو مقيم دائمي أو مسافر، ويتم تنظيم مركزه القانوني على أساس جنسيته وتكون علاقته بدولته اعتيادية فهو يحمل جنسية محددة أي ينتمي إلى دولة معينة، بينما عديم الجنسية لا يحمل جنسية إي دولة فهو أجنبي عن جميع الدول فصفة الأجنبي بالنسبة له مطلقة وليست نسبية كالأجنبي العادي. وبناءً على هذا التحديد يكون للأجنبي مركز قانوني محدد ينظمه قانون كل دولة سواء من حيث حقوقه والتزاماته ويكون لكل دولة الحرية في تحديد مركز الأجانب على إقليمها، أما عديم الجنسية فلا يتمتع بهذا المركز ومن ثم لا يمكنه المطالبة بحقوق الأجانب. وقد أوضحت محكمة القضاء الإداري في مصر هذا الفارق بين الأجنبي وعديم الجنسية في حكمها الصادر في 18/1/1955 مقررة أنه "إذا صح إن عديم الجنسية ينطوي في المدلول العام لمعنى الأجنبي فلا ريب إن صفة الأجنبي بالنسبة إليه ليست نسبية كما هو الحال فيما يتعلق بالأجنبي العادي، وإنما هي مطلقة إذ الواقع أنه أجنبي عن جميع الدول. وهو بهذا الوصف لا يتمتع بأي نظام قانوني دولي مما يتمتع به الأجنبي المعتبر عضواً أصيلا في مجتمع معين يستمد منه الرابطة القانونية القائمة على انتمائه إلى هذا المجتمع...". وحسبما تقدم يكون الأجنبي شخصاً موجوداً فعلاً في بلد غير بلده وجوداً عارضاً أو مؤقتاً ينتهي بنهاية محددة، أو وجوداً دائماً أو غير محدد بزمن في كلتا الأحوال وجود الأجنبي في غير بلد جنسيته يكون البلد المضيف مضطراً إلى وضع قواعد تطبق على أحواله القانونية بإزاء ما يطبق على الوطني. أما عديم الجنسية فيخضع لنظام قانوني خاص يتم بموجبه تنظيم مركزه داخل الدولة التي يوجد فيها وتمنحه بعض الحقوق على سبيل التواضع من جانبها (إي الدولة) ويكون من حق الدولة أن تحرمه منها أو تمنحه حقوقاً اقل من الحد الأدنى المعترف بها للأجنبي ولا تتحمل الدولة أي مسؤولية عن خرقها لهذا الحد الأدنى للحقوق. فضلاً عن انه ليس بمقدور عديم الجنسية أن يستفيد من أية معاهدة مبرمة بين الدول التي يقيم فيها وأية دولة أخرى تقرر لمواطني الدولتين المتعاهدتين امتيازات خاصة في نطاق الحقوق الخاصة بمركز الأجانب، أي لا يتمكن عديم الجنسية من الاستفادة بالحق المتوقف على شرط المقابلة بالمثل لأنه لا ينتمي إلى إي دولة تقابل تلك الدولة لهذا الحق الذي متعته به على عكس الأجنبي الذي يمكنه التمتع بحق معين إذا كانت دولة الأجنبي تسمح لرعايا تلك الدولة بالتمتع بالحق نفسه.
#ماجد_حاوي_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟