|
في البحث عن تصور بديل لمعارضة طبقية مستقلة
بشير الحامدي
الحوار المتمدن-العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 13:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ... أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى." مقتطف وثيقة "أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة" لنعوم تشومسكي.
ـ 1 ـ دعنا من الموقف الساذج السطحي الذي يعتبر أن نقد قيس سعيد لا يمكن إلا أن يصبّ في مصلحة الخوانجية والذي يواجه به كل ناقد لسياسة قيس سعيد وبالتالي فلا مجال لأي نقد وما علينا سوى إعلان ولائنا له والبحث عن مسوغات لسياساته وتبرير لإجراءاته فهو في آخر التحليل كما يزعم أصحاب هذا "الرأي" أفضل من الخوانجية وخلّص الشعب التونسي من سيطرتهم وبعث الأمل من جديد في شعب كان يعاني الأمرين ولا حول ولا قوة له أمام نفوذ الخوانجية والدائرة النهابة التي شكلوها وأحاطوا أنفسهم بها. ودعنا كذلك من الموقف الثاني الذي لا يقل سذاجة عن الأول والذي يرى أن كل سلطة تشهر عداءها للخوانجية هي سلطة يجب دعمها بغض النظر عن طبيعتها وعن النظام السياسي الذي سترسيه وحقيقة الدولة والأجهزة والطبقة التي ستبسط بواسطتها نفوذها. مثل هذين الموقفين في الحقيقة لا يستندان إلى أي منطق يمكن مناقشته فالخوانجية سقطوا وانتهوا بالصورة التي ظهروا بها بعد 2011 ومن صعد بدلهم ليس الشعب بل واحد من الذين جاء بهم الانتقال الديمقراطي وفرضته أوضاع الأزمة التي انتهى إليها بعد عشر سنوات وهويحكم بما تتطلبه مصلحة السيستام وتغير موازين القوى بين ممثليه السياسيين وليس الشعب. وفي الحقيقة لا شيء تغير فالدولة هي الدولة والنظام هو النظام والسياسات هي السياسات والأجهزة هي الأجهزة وحتى أساليب وأشكال السيطرة هي نفسها. وما لا يريد أن يدركه أنصاره أو ربما يدركونه ولكن السذاجة أو المصلحة وبعض العمى السياسي والفكري هو الذي يجعلهم لا يرون ما وراء الأكمة...ووراء الأكمة ما وراءها ... فالدولة هي الدولة وعلى امتداد كامل تاريخها لم تكن غير مؤسسة بيد من يمتلك السلاح أو يتوافق مع من يملكه وما القانون والقضاء و"السياسة" في الأخير إلا الغطاء الذي اُستعمل لضرب الخصوم. ليس هناك قضاء محايد. جهاز القضاء دائما يكون في صف من في السلطة. ليس هناك بوليس محايد. البوليس دائما عصا قمع بيد الدولة والمتنفذون فيها. ما لا يريد الوقوف عليه أنصار قيس سعيد هو استبدال الثورة بالدولة... هو هذا الانقلاب الكبير المتواصل الذي حصل على 17 ديسمبر أولا في 2011 عبر الالتفاف على مطالب "الشعب" وتحويلها لمجرد مطلب ديمقراطي رث أنتج كما نعرف جميعا ديموقراطية الخوانجية الرثة الفاسدة وثانيا في 25 جويلية 2022 عبر إلغاء هذه الديمقراطية واستبدالها بديمقراطية الاستفتاءات الرثة هي أيضا التي يعدّها شق من البرجوازية المتنفذة وينفذها قيس سعيد باسم "الشعب يريد" عن طريق أجهزة الحاكم بوليس وقضاء. ـ 2 ـ في بوليفيا سنة 1997" أرغم البنك الدولي الحكومة البوليفية على إمضاء عقد بموجبه يتم نقل ملكية شركة المياه العامة مستخدما للمقايضة دينا لبوليفيا بمبلغ 600 مليون دولار. وبعد مناقصة غريبة جرت عام 1999 لم يشارك فيها إلا طرف واحد ، أسندت إدارة المياه إلى شركة غير معروفة ووقع العقد في ظروف غاية في السرية ..." وبانتقال الملكية إلى هذه الشركة زادت الأسعار بمعدل 200 بالمئة وأصبح على العامل الذي لا يتجاوز أجره 60 دولارا أمريكيا في الشهر أن يدفع فاتورة للمياه تبلغ 15 دولارا ..." ولكن في مدينة كوتشابنبا 600.000 نسمة أين وقع التفويت في شركة المياه لصالح شركة أمريكية لم يستسلم السكان بل شكلوا حركة للمواطنين سموها " لجنة التنسيق من أجل الدفاع عن الماء و الحيا ة " شاركت فيها تعاونيات إدارة المياه وأيضا عمال المصانع و المهندسون و الفلاحون و المدافعون عن البيئة و سكان الأحياء الفقيرة ونقابيون ... وبعد صراع مرير ومعارك عنيفة ضد حكومة بوليفيا ومن ورائها شركة المياه الجديدة ورفض تسديد معاليم استهلاك الماء وتفاديا لتوسّع الانتفاضة رضخت الحكومة لمطلب المواطنين وألغت عقد التفويت في شركة المياه وفرض على الشركة القديمة التي تستغل الماء أن تعلن " أن الماء ثروة اجتماعية لا سلعة تخضع لقانون السوق". ـ 3 ـ هذه هي المعارك التي تنتظرنا ويجب الانخراط فيها. هكذا فعلوا في جمنة قبل عشر سنوات. وهكذا حاولوا في الكامور أيضا وفي قرقنة ضد شركة بتروفاك وفي أولاد جابالله في أول العام 2021 وهكذا كانت ستتطور احتجاجات في السنوات الأخيرة ضد منظومة الانقلاب بشقيها. هذه هي المعارك التي افتتحها 17 ديسمبر ولكن للأسباب التي ذكرت توقفت وتراجع زخم الانخراط فيها وترك المجال واسعا أمام قوى الانقلاب عليه لرسكلة المنظومة القديمة والتفرد معها بالحكم ونقل الصراع إلى الفوق بين مؤسسات النظام وبين مراكز النفوذ المالي والاقتصادي المتصارعة فيه على الهيمنة ودبّ العطب في كل مناحي الحياة وعمّ الفساد والتهريب وكان لابد من حلّ ولابد من تفوق شق على الشق الآخر. فالبرجوازية التونسية وبعد أن أفلس تقريبا كل ممثليها السياسيين كان لا بد لها من منقذ يعيد ترتيب الأدوار والمواقع بين مختلف فئاتها. ولم يكن هناك أفضل من قيس سعيد ليقوم بكل ذلك دون أن يهدد مصالح الطبقة ككل. وكانت هوجة 25 جويلية وإعلانه دخول البلاد في وضع استثنائي يتم بموجبه تفرده بكل النفوذ وهي خطوة رتبت وترتب لنفوذ شق من البرجوازية التونسية لم يعد يتحمل هيمنة حزب حركة النهضة على كل الحياة السياسية لا بل حتى وجود معارضات ملونة عبر تغيير القوانين الانتخابية وتغيير النظام السياسي لنظام رئاسي ولما لا التجييش باسم الثورة و إصلاح المسار وفتح الطريق لإرساء مشروع حكم "الشعب يريد" ولما لا القيام ببعض الإجراءات الفوقية التي لا تطال جوهر القضايا المطروحة التي تتطلب حلولا جذرية لا يقدر عليها سعيد الذي يتحرك من داخل السيستام وبأجهزته وكلنا يعرف مدى ارتباط هذه الأجهزة بمنظومة الفساد وبشقوق الطبقة المهيمنة وبمعاداتها لأي تغيير جذري منذ بورقيبة وبن علي إلى العشر سنوات الأخيرة. ـ 4 ـ لا حديث اليوم عن المديونية ولا حديث عن سياسة التقشف غير المعلنة ولا حديث عن غلاء الأسعار الجنوني ولا حديث عن التشغيل ولا حديث عن الاتفاقيات المبرمة مع الشغيلة ولا حديث عن المحاسبة التي تطال الأموال التي نهبت على امتداد سبع عشريات ولا حديث عن ثروات البلاد التي تذهب لجيوب عدد من العائلات دون غيرها ولا حديث عن المناولة ولا حديث عن اصلاح التعليم ولا حديث عن حقيقة الأوضاع الصحية ولا حديث عن الفلاحة والسياحة وماهي السياسات التي ستطبق وكل ما هناك حديث غائم بتحريض مبطن عن شيطان ما يقبع في مكانما مسؤول عن كل هذا التدهور... لتحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ولإبقاء الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى." بهكذا إلهاء يتم تحويل الثورة إلى الدولة وتدفع الجموع العريضة للوقوف ضد مصلحتها التاريخية والموضوعية في الإطاحة بالنظام الفاسد. 08 ديسمبر 2023
#بشير_الحامدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبيدوا -الأشرار- فالعالم سيكون أفضل حين يبادون...
-
رايتنا الوحيدة التي تستحق أن نبقى من أجلها
-
المقاومة واستراتيجيات التحريك
-
ماذا بعد طوفان الأقصى...؟؟؟
-
إلى سيدات غزة: سيداتي لم يبق لكن غير هذا
-
طوفان الأقصى أو -معارك المقاومة غير المتكافئة-
-
حول التقسيم الإقليمي الجديد لتراب الجمهورية التونسية
-
خواطر بعد قراءة نص طارق القيزاني -يايا شذرات من وجع الذاكرة-
-
تونس: إحياء نواتات المقاومة القطاعية المستقلة هو المهمة الأو
...
-
مقطع قصير من الفصل الأول من الكتاب الثاني من ثلاثية -ورقات م
...
-
تونس: ثلاثون سؤالا وسؤال بعد العملية الإرهابية التي جدت أخير
...
-
إنها الحرب على الأغلبية
-
مات اليسار التونسي ولم يكتسب أي نفوذ داخل الجماهير لأنه كان
...
-
بشير الحامدي سيرة داتية
-
تونس: رأي حر في مسلسل فلوجة الذي يبث على قناة تلفزية تونسية
-
المضللة
-
تونس ـ هل قدرنا أن نقف إما في صف سلطة استبدادية غاشمة أو في
...
-
أوهام الحشود في ظل غياب حركة اجتماعية مستقلة
-
تونس ـ قيس سعيد يهيئ للمعركة مع بيروقراطية الاتحاد العام الت
...
-
حول استبدال الإصلاحية أو الثورة بالدولة
المزيد.....
-
من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله
...
-
أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
-
مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا
...
-
أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
-
-يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
...
-
كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
-
محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
-
-توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس
...
-
بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|