أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين المخزنية والبوليسية . جهاز البوليس السياسي .















المزيد.....


القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين المخزنية والبوليسية . جهاز البوليس السياسي .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7814 - 2023 / 12 / 3 - 18:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين المخزنية والبوليسية . جهاز البوليس السياسي .
1 / 2
منذ ان وجدت الدولة المخزنية ، منذ اكثر من 350 سنة ، وهي تستمد مشروعيتها الحقيقية فقط من القمع ، رغم تلويحها بالمشروعية الدينية ، من جهة لإقبار كل معارضة شريفة منافسة ، ومن جهة للتمكن من السيطرة على المجتمع الذي تسيطر عليه التقليدانية والمحافظة المغشوشة ، وتسيطر عليه كالمجتمع العربي العاطفة .
وحين الشروع في بحث مكانزمات القمع السلطوي ، يجدر التنبيه ان جميع الأنظمة المخزنية التي عرفتها الدولة العلوية كدولة سلطانية مخزنية ، وظفت أجهزة خاصة لقمع المجتمع ، ومنه قمع اية معارضة تخرج عن نمط الحكم المخزني ، عندما تدعو الى إصلاحه ، او الى الانقلاب عليه .. فالوسائل المستعملة في القمع ليست واحدة ، لأنها تختلف من نظام الى اخر ، لكنها تجتمع كلها على محور الفكرة الرئيسية التي هي القمع . وفي هذا المجال يصبح القمع باسم الدين ، هو السائد والمسيطر ، ويعلو حتى على دستور الملك الذي شرع له من السلطات والاختصاصات ، ما يجعله فوق الدولة لا تحتها ، فوق ( الشعب ) الرعايا لا مثلهم ولا ادنى منه .. فتبقى قوة أي نظام مخزني ، في درجة القمع الذي يتوفر له كسلاح ، للتحكم في المجتمع سواء بمقتضيات الدستور الذي هو دستور الملك ، او بمقتضيات عقد البيعة ، الذي يجعل العلاقة بين امير المؤمنين الراعي الكبير للدولة الرعوية ، مستمدة من الله ومن القرآن ، وليست مستمدة من ( الشعب ) الرعايا الذي يبقى ممثلهم الوحيد الأوحد الأمير ، الذي يستفرد بالحكم وحدة سواء بمقتضى الدستور ، او بمقتضى عقد البيعة الذي يجعل رئيس الدولة الراعي والامام والأمير مسؤولا فقط امام الله لا امام ( الشعب ) الرعايا .. وهنا تتجسد قوة النظام التي يسيطر بها على ( شعب ) الدولة ، وليس دولة ( الشعب )التي تتعامل معه مجرد رعية من رعايا السلطان ..
طبعا عندما نتحدث عن القمع ، فليس المقصود القمع كآفة ، او كمنزلق ، بل المقصود هو نوع الأجهزة التي تبطش وتقمع ، وهنا يصبح المقصود التعرف على أجهزة القمع المختلفة ، والمكانزمات التي تستعمل في القمع .
وبالرجوع لبحث ظاهرة القمع الذي يبقى وحده يؤسس مشروعية السلطان والسلطة ، سنجد ان رغم تعدد الأنظمة ضمن الدولة العلوية المخزنية ، كان القمع والأجهزة القمعية ، وحده يؤسس لمشروعية الدولة ، وضمنها لمشروعية النظام المرتبط باسم الحاكم الفعلي للدولة العلوية .. فنظام محمد السادس ليس هو نظام الحسن الثاني ، ونظام الحسن الثاني ، ونظام محمد السادس ، ليس هو نظام محمد الخامس وهكذا ..
قبل عصرنة الدولة المخزنية من قبل الحسن الثاني ، الذي أسس إدارة الامن بمفهومها الأوروبي ، من حيث الاسم ومن حيث البنايات ووسائل العمل ، وكان التأسيس في سنة 1956 ، بفترة متقاربة جدا مع تأسيس الجيش .. كانت أجهزة القمع قبل ( استقلال ) Aix-les Bains بيد فرنسا ، وفي الشمال بيد اسبانية . فالبوليس كان فرنسيا ، ولم يكن مغربيا . فالمغاربة الذين تعاملوا مع البوليس الفرنسي ، تعاملوا كمخبرين ، ولم يكونوا ابدا موظفين .
لكن قبل مجيء فرنسا الى المغرب ، بدعوة من سلطان فاس كي تحميه وتحمي عرشه من ثورات القبائل البربرية التي رفضت الدولة العلوية ، لانها من جهة اعتبروا العلويين كاستعمار بطشه فات بطش الاستعمار الفرنسي ، ومن جهة لان الاستعمار العلوي ، هو من ادخل الاستعمار ( الحماية ) الفرنسي الى المغرب .
لكن قبل مجيء فرنسا الى المغرب بطلب من السلطان العلوي بفاس ، كانت أنظمة الدولة العلوية ، تعتمد في حكمها للمناطق التي تسيطر عليها على الجيش الذي استعمل في جلب الضرائب بقوة مفرطة . لكن كان هناك نوع من السلطة ، تؤدي أدوارا داخل القبائل اقبح من البوليس الفرنسي ، وهي سلطة " القُيّاد – الباشوات – الخلفان / خليفة / ، ولمْقدمين ، والشيوخ ، والجاري الذي كان يشتغل تحت سلطة لمقدم وسلطة الشيخ " . فهذه الهيئة التي لم تكن منظمة ، ولم تكن تخضع لقوانين خاصة بها ، كانت هي من يقوم بدور البوليس الفرنسي ، بل كانت تتعداه ، لأنها مشهورة بالتخويف ، وبالتحكم في الرعايا التي لم تثر مثل القبائل البربرية على ، لا على الدولة العلوية ، ولا على الحماية الفرنسية .. طبعا سينجح مجمع لمقدمين والشيوخ ، والجاري ، في ضبط الامن وسط العديد من القبائل التي كانت تنتهي بالخضوع الى فرنسا ، بدل الثورة عليها كدولة تحولت من خلال ممارساتها اليومية من نظام الحماية الى دولة استعمار ..
اذن . ان التطرق لموضوع القمع في المغرب ، سواء ضمن الدولة المخزنية السلطانية التقليدية ، او بعد تحديث الدولة السلطانية التي حافظت من حيث الأصل والجوهر على أجهزة القمع المختلفة مع الحسن الثاني الذي اعتبر بالبتريركي البتريمونيالي من خلال عقد البيعة ، او من خلال الدستور الذي استفرد فيه بسلطات أساسية قامعة ، جعلت منه وحده الدولة القمعية ، دون سواه من مؤسسات الدولة الاخريات التي كانت مجرد معاول يستخدمها الملك بصفته اميرا للمؤمنين ، لا بصفته ملكا يتقيد بأحكام الدستور الذي هو دستوره .
ان وضع كهذا يثير بالأساس عدة قضايا نظرية تمس أولا وقبل شيء ، التحليل الطبقي لتحديد طبيعة الطبقة الحاكمة التي تمارس القمع ، وطبعا الطبقات الكادحة التي تعاني من قمع أجهزة مولانا السلطان ، ومنها طبعا طبيعة الدولة كأداة وأجهزة قمعية بامتياز ، ومنها مسألة الديمقراطية عامة ، وضرورة التمحيص في مفاهيم " الامن " ، والحريات العامة والفردية الخاصة ..
فعندما تمارس الأجهزة البوليسية القتل والاغتيالات ، باستعمال طرق شتى ، كالقتل الذي تعرض له مؤخرا الطبيب مراد صغير ، وهو اغتيال سياسي ، ومثل الاغتيال الذي كان ضحيته عبدالرزاق لمروري مع زوجته ، والمسؤولية عن هذا الاغتيال في الصباح الباكر ، يتحملها الجنرال حسني بنسليمان ، وادريس البصري ( DST ) ، وعامل ورززات .. واغتيال عبد السلام المؤذن في حادثة سير متقنة ، واغتيال عبد الله بها ورمي جثته في السابعة ليلا ، والليل يسدي سوداوية لونه على الساعة الخامسة وربع ، وقبله وفي نفس المكان تم اغتيال الزايدي ( واد الشراط ) ، واغتيال هشام المنظري بإسبانية ، وبتواطئي رئيس الحكومة الاسبانية عميل النظام البوليسي المغربي Jose Luis Zapatero ، الذي سلم علي اعراس المواطن المغربي البلجيكي الى البوليس السياسي المغربي DGST ، رغم تبرئته من تهمة الإرهاب من طرف محكمة الجنايات الاسبانية ، واغتيال المهدي بن بركة ، و عبد الله الودان شاعر بالحي الجامعي Port Royal بالعاصمة الفرنسية باريس ، واغتيال رئيس منظمة الجهاد الإسلامي عبد العزيز النعماني ، حيث استقل القطار من باريس الى Valence ، ولم يصل الى Valence ، ومحاولة الاغتيال التي فشلت لعبد الكريم مطيع ، والتامك لحسن الذي دهسته سيارة فياط 125، تابعة لخلية الاستعلامات العامة RG ، كان يقودها ضابط امن ممتاز اخ الحارس الكروي علال ، وللإشارة فحارس فريق الجيش قبل علال ، كان الجنرال حسني بنسليمان الذي له يد وضلع في اختطاف المهدي بن بركة ، وقتل واحراق جثة ضابط امن من DST محمد رفيق في سيارته ، والمسؤول عن مقتله مدير DST عبدالعزيزعلابوش ، ووالي ب DST محمد العشعاشي .. ... الخ .
فعندما يصبح الجهاز الأمني ، خاصة البوليس السياسي ، مجرما يقتل وبطرق مختلفة ، هنا تكون المعضلة الكبرى التي تساءل رئيس الدولة كملك هو الدولة ، وكأمير وراعي ، يتموقع فوق الدولة المخزنية .. فالإعدامات التي عرفها Pf1 و Pf2 و Pf3 لضباط وطنيين احرار ، ولمدنيين تم تنقيلهم الى سجن Tazmamart ، ومنهم حسين المانوزي الذي سلمته المخابرات التونسية مباشرة الى السفاح الجنرال احمد الدليمي ، ومولاي علي فخيم ، والاخوة Les Bourriquets الذين تم اختطافهم من Pf3 مباشرة الى Tazmamart ... ناهيك عن القتل تحت التعذيب في درب مولاهم الشريف كعبداللطيف زروال ، المهندس التهاني .... واللائحة طويلة وتطول ... بل حين يبلغ الاجرام قمته ، ليحصل تفجير الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، ويحصل تفجير مدريد Madrid في 11 مارس 2004 .. هنا يصبح السؤال مطروحا عن نوع الدولة ونوع النظام التي جرت كل هذه الجرائم باسمه . وهنا الم يكن الحسن الثاني من اصدر الامر شخصيا لاطلاق الرصاص على المحتجين في يونيو 1981 ، وفي يناير 1984 ، و مارس 1965 ، وفي انتفاضة سبتمبر 1990 ؟
اذن . وحتى نلم جيدا بالجهاز القمعي المخزني ، وحتى نستحضر جيدا الظروف العامة التي دخل فيها الاستعمار الفرنسي البلاد ، بهدف احتلالها عسكريا ، في جو من الثورات القبائلية البربرية ، المسلحة منها وغير المسلحة ، ضد السلطة المركزية المخزنية ، التي وضعتها القبائل البربرية ، وكل الشعب ، باستثناء القُياد ، و الباشوات ، والشيوخ ، ولمقدمين في قفص الاتهام ، على اثر التواطؤ المكشوف مع الاستعماريين ، مقابل حفظ مصالحها ، ومصلحة حفنة من الاقطاعيين الذين ترتكز عليهم . ولا تخفى الظروف التي تم فيها خلع السلطان عبد الحفيظ تحت الضغط الشعبي والنضال الجماهيري ، والفرصة الأخيرة التي أتيحت للملكية كنظام حُكْم ، في شخص عبد العزيز الذي لم تتم مبايعته ، الاّ تحت شروط محددة – كتابيا -- ، وعلى رأسها ، تحمل المسؤولية في العمل على توقيف التدخل الاستعماري ، وتنظيم الجهاد من اجل طرد الأجنبي الدخيل .
ان تخاذل السلطان عبد العزيز في القيام بالمهمة الملقاة على عاتقه ، كنظام ، بل وارتماءه هو الاخر في أحضان الاستعمار ، هو الذي اجج انتفاضة الجماهير المغربية ، ودفع بها ، وحركها في اجاه العمل المباشر من اجل اسقاط هذا النظام .
وهنا . الا تعتبر الرعايا اليوم مع محمد السادس ، نفسها متخلفة وتراجعية ، رغم ان محمد السادس هو نسخة طبق الأصل لشخص عبد العزيز ، بل اكثر منه تلهفا في السيطرة على الثروة التي هي ثروة الرعايا المفقرين ؟
ومن الثابت تاريخيا ، ان تدخل القوات الأجنبية الفرنسية ، هو وحده الذي تمكن من توقيف الانتفاضة المسلحة الزاحفة من الجنوب ، كما تمكن من فك طوق الحصار العسكري الذي فرضه الشعب على العاصم فاس ، لإسقاط النظام المخزني المتواطئ مع الاستعمار الفرنسي ..
ننتقل مباشرة الى ظروف الاستقلال الشكلي ، لنؤكد خلاصة ثانية مرتبطة بالأولى ، وهي ان الاستعمار عندما اقبل على تغيير اساليبه تحت ضغط النضال الجماهيري ، بعد ما يناهز نصف قرن من الاحتلال المباشر ، والجأ الى أسلوب الاستعمار الجديد ، فان إنجاح هذا التحول كان يفترض بالنسبة اليه ، إيجاد طبقة محلية يعتمد عليها كوسيط – ومستغل في نفس الوقت – لتمديد استنزافه لخيرات البلاد الى ابعد مدى ممكن ، وشدها اليه بحبال التبعية ، مع ضرورة توفير الأدوات والأجهزة اللازمة لذلك ، ومن ثم اقباله على تسليم " شرعية الحكم " من جديد لحليفه المحلي .. وحرصه على صيانة أجهزة الدولة الاستعمارية كما هي ، وخاصة منها الأجهزة البوليسية القمعية .
وليس المبالغة في شيء القول بان الأجهزة البوليسية القمعية الراهنة ( بوليس عام ، بوليس سياسي ، مخابرات مختلفة ، الفرق الخاصة ، الإدارة ، الجهاز ( القضائي ) قضاء الامامة ... الخ ، هي في الأساس من صنع الاستعمار الفرنسي ، تم تسليمها ووضعها بين ايدي حلفاءه ، واستمر تطويرها وتجديد اساليبها بتأطير مباشر او غير مباشر ، من طرف الخبراء الأجانب الى يونا هذا .. ( فرنسا ، أمريكا ، إسرائيل ، ومنذ سنوات حتى جنوب افريقيا ) ..
لقد اعتبرت هذه الأجهزة كلها ، هي الضمانة الحقيقية والعملية ، زيادة على الضمانات الطبقية والسياسية لإنجاح خطة الانتقال الى مرحلة الاستغلال بأسلوب الاستعمار الجديد .
وهكذا ، فان أجهزة القمع المخزنية السلطانية الراهنة ، لم تكن في اصلها نتاجا محضا لتطور الصراع الطبقي الداخلي ، بل هي بالأساس أجهزة اوجدها الاستعمار لفرض استمرار النظام المخزني السلطاني البوليسي اللاشرعي تحت مظلته ، عن طريق العنف والاكراه ، علما بان النظام الاستعماري نفسه نظام لا شرعي من الدرجة الأولى ، ثم تمت " مغربتها " في مرحلة لاحقة ، مع استمرارها في نفس الوظيفة : حماية الشرعية المطعون فيها ، زيادة على توفير شروط النهب والاستغلال الفاحش ، من خلال ابعاد الجماهير عن مراكز التقرير ، وتزوير ارادتها ، وضرب نضالها ومقاومتها ، وباختصار : ضمان بقاء الحكم العشائري البتريركي ، البتريمونيالي ، الكمبرادوري ، السلطاني ، التقليداني ، الطقوسي ، الثيوقراطي ... الخ .. عن طريق القمع واللجم ، والعنف بشتى اساليبه الدونية المعروفة ..
--- التقتيل الجماعي ، الاغتيال ، الاختطاف والإرهاب : أسلوب القمع المباشر .
ان النظام السلطاني المخزني البوليسي ، يلجأ الى هذا السلاح الفتاك ، كلما مال ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية ، وانتفضت هذه الأخيرة للتعبير عن سخطها والدفاع عن حقوقها وعن وجودها المهدد ، إمّا في شكل انتفاضة شعبية ، او من خلال خوض النضال السياسي وصياغة شعاراته الثورية الصائبة وفقا لأهداف استراتيجية واضحة . اذ ذاك يتخذ النظام قراره السياسي في اعلى مستوى ، لتسخير اجهزته القمعية لممارسة أساليب العنف المباشر الآتية :
1 ) التقتيل الجماعي ، كما رأينا بشكل خاص في مجازر الريف سنة 1958 ، ومؤخرا مع ناصر الزفزافي ، والدارالبيضاء سنة 1965 ، وفي سنة 1981 ، والشمال وبالجنوب في يناير 1984 ، وفي فاس دجنبر 1990 ، زيادة على مختلف الانتفاضات الفلاحية ذات الطابع المحدود ، والتي ووجهت بنفس طريقة التقتيل هذه ، والتي أودت بحياة المئات من المواطنين الاحرار ، ان لم نقل الآلاف منهم .. ولا ننسى الجرائم ضد الإنسانية في الصحراء الغربية ، حيث يوجد اكثر من 522 شخصا في عدد المفقودين.
وتجدر الإشارة الى ان هذا الأسلوب له امتداداته وجذوره في الطريقة التي كان يوجه بها النظام المخزني ، مقاومة الجماهير في المناطق الخارجة عن سيطرته ، ما سمي ب " بلاد السيبة " ، غير متردد في تنظيم الحرب – بالمعنى الحرفي للكلمة – ضد الجماهير وتسخير جيشه الذي كان يتكون من المرتزقة للهجوم على القبائل ، ومحاولة اخضاعها عسكريا ، ونهبها نهبا تاما ، وممارسة التقتيل الجماعي في حقها .وكانت هذه الوسيلة وسيلته الوحيدة لضمان بقاءه واستمراره .
ونفس الهم في التسلط والبقاء ، والخوف من المستقبل ، هما اللذان يجعلان النظام الحالي يلتجأ لنفس الأسلوب ، بالضبط عندما يهدد في وجوده ، وتطرح الجماهير أهدافها الاستراتيجية والمستقبلية الواضحة ، وتناضل وتتعبأ من اجلها .
وليس من قبيل الصدف ان نراه ، خلال قمعه الدموي ضد الانتفاضات الشعبية ، يركز بشكل خاص على تقتيل الشباب والأطفال ، كما شاهدنا حلال انتفاضتي الدارالبيضاء 1965 و 1981 ، وعند انتفاضة يناير 1984 . فهم رمز المستقبل وقوته البشرية في نفس الوقت . كما انه ليس من الصدفة كذلك ، ان يعبر الحكم صراحة عن فزعه وخوفه ورعبه الدائم من نضال الشباب وتحركهم . وهذا مثلا ما عبر عنه الخطاب الرسمي غداة احداث 1965 ، واحداث 1984 ، عندما ذهب الى تنبيه وتحذير رؤساء الأحزاب السياسية من خطر الشباب الذي قال عنه ، انه يهدد جيل برمته ، سواء محكم او كقيادات وطنية .
2 ) الاغتيالات : الاغتيال يستهدف أساسا المناضلين السياسيين او المثقفين او النقابيين الذين يشكلون رمزا للنضال السياسي الثوري ، ويجسدون طموحات الجماهير الكادحة في التغيير الجذري ، وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ، زيادة على ما يقومون بهمن نضال شخصي صائب وفعال ، ويقدمونه من تضحيات في سبيل ذلك ، وما يلعبون من دور أساسي في توجيه النضال الشعبي ، وانارة الطريق امامه ، وصياغة أهدافه البعيدة والقريبة ، بالكلمة وبالكتابة ، او من خلال الممارسة العملية في الساحة النضالية ..
وهذه كانت حالة المهدي بن بركة ، وعمر دهكون ، وبنونة وغيرهم كثيرون مسنين وشبابا ، ذوي صوت كبير او صغير ، من هذا الاتجاه السياسي او ذاك .. كلهم شهداء الشعب المغربي وابناءه البررة ، دخلوا سجل التاريخ بالعشرات ، قبل ان توضع أسماءهم في السجل الأسود لجرائم النظام الشنعاء .
واذا كان النظام البوليسي المخزني ، يلجأ الى اغتيال هذه الطينة من المناضلين ، القياديين منهم والقاعديين ، فلان نضالهم السياسي والاجتماعي ، لا يقل أهمية وخطورة بالنسبة اليه عن الانتفاضات والانفجارات الشعبية الواسعة ، بل يلتقي معها في نفس التوجه : التوجه الاستراتيجي مرة أخرى ، الذي يرعبه ويهدده ، والذي يتوجب قمعه بأشرس الوسائل وأكثرها بدائية في نفس الوقت : الاغتيال ، القتل ، التقتيل الجماعي .
3 ) الإرهاب المقنن على صعيد الدولة : ان هذا الإرهاب يشمل مجموعة من الممارسات والأساليب ، تمهد للأساليب الاجرامية السالفة الذكر ، او تكملها ، ومن بينها : الاختطافات المنظمة ، والتي تجري في واضحة النهار ، وبتحد كامل للرأي العام الداخلي والخارجي ، والتعذيب الوحشي الذي يتعرض له المعتقلون السياسيون ، والذي اودى بحياة العديد منهم ، داخل السجون الرسمية ، كما في المعتقلات السرية ، وكذا أساليب التخويف والانتقام التي لا تمس المواطن المعني لوحده ، بل تذهب الى تشريد عائلته واقاربه ظلما وتعسفا ، والاعتقالات والمحاكمات الصورية التي يزخر بها تاريخ الاستقلال الشكلي ، سواء منها المحاكمات السياسية الكبرى " محاكمة مراكش ، محاكمة الدارالبيضاء ، محاكمة الضباط الوطنيين الاحرار ، وضباط الصف ، والجنود بالقنيطرة ... الخ ، او تلك التي استهدفت المناضلين افردا وجماعات ، والتي لم تتوقف وتيرتها خلال هذه الحقبة ، سنة تلوى أخرى . ولا يجب ان ننسى معتقلي الحركة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الموزعين على سجون دولة الرعب ..
والحقيقة ان إحصاء كاملا لنتائج هذا القمع العنيف والمباشر خلال الذي عرفه المغرب ، يحتاج الى مجهود خاص ، ويتطلب مجلدا كاملا ، إذا ما أراد الإحاطة بكل احداث التقتيل الجماعي ، والاغتيال والاختطاف والتعذيب ، والمحاكمات الصورية ، والإجراءات الانتقامية التي تعرض لها شعبنا خلال هذه الحقبة السوداء التي لا تزال مستمرة بالمحاضر البوليسية المزورة التي يشرف عليها شخصيا مدير البوليس السياسي الامي والبليد .
سنكتفي اذن بالتأكيد هنا على ان هذا النوع من القمع ، يسلط أضواء كافية ، من خلال الوقائع والاحداث المعاشة ، على طبيعة الحكم والنظام القائم بالمغرب ، كحكم مطلق بوليسي دكتاتوري ، لم ولن يسمح طواعية بانتقال ولو جزء بسيط من السلطة الفعلية الى ايدي الجماهير ، ولن يقبل سوى الواجهات والمؤسسات الشكلية التي تخدم نفس النظام ونفس الحكم ، او تغطي على طبيعته وتمنحه التبريرات اللازمة لأجل التسلط والبقاء . الا ان أسلوب العنف والقمع المباشر هذا ، لا يمكن للنظام ان يمارسه بشكل دائم ، وفي كل وقت وحين ، لانه يشكل في الحقيقة سلاحا ذا حدين ، غالبا ما يعود عليه بنتائج عكسية ، من خلال تأجيج التناقض الأساسي بين النظام ، واوسع الجماهير الشعبية ، وترسيخ سخط ونقمة هذه الأخيرة ، فضلا عن تنمية التناقضات الداخلية للحكم نفسه ، وخلخلت اجهزته ، وتأثرها بانعكاسات التناقض الأساسي المذكور . ومن ثم فان النظام يعتبر هذا الأسلوب الاجرامي ، بمثابة السلاح الفتاك المفضل ، لكنه السلاح الذي يستعمل عند الضرورة فقط . أي عندما يشرع ميزان القوى في التحول بشكل ملموس لصالح الشعب ، جماهيريا وسياسيا .. في حين انه يستعمل مجموعة من الأسلحة القمعية المتنوعة والمتجددة باستمرار ، والتي تكتسي خطورة وفعالية مماثلة من خلال استعمالها الدائم والمستمر في مستويات مختلفة ومتنوعة كذلك ..
( يتبع )



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آن الأوان لاستبدال العمامة برأس حقيقي ..
- الناس على دين ملوكها
- دور الطقوس والتقليدانية في استمرارية النظام المخزني البوليسي ...
- ما العمل في وضع كالذي نحن فيه عربيا وجغرافيا محليا ودوليا ؟
- هل هاجمت جبهة البوليساريو الجنوب الشرقي للمغرب
- الموقف الديمقراطي من المسألة الديمقراطية
- هل اتفاقية مدريد ، اتفاقية قانونية ؟ 14 نونبر 1975 / 14 نونب ...
- هل ما يجري اليوم بالسمارة ، حرب تحرير ام إرهابا ؟
- تم الترويج لأفكار من قبيل إقامة الدولة الصحراوية بثلث الأراض ...
- التطبيع مع دولة إسرائيل
- هل تأجيل أم الغاء المملكة العربية السعودية للقاء القمة العرب ...
- الدولة الجبرية الاقطاعية الاستبدادية البوليسية
- مدينة السمارة تتعرض لهجوم بمقذوفتين
- هل - الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب - منظ ...
- بعد ضربة مدينة - سمارة - هل يلجأ النظام المخزني البوليسي الى ...
- ماذا ينتظر المنطقة المغاربية ؟
- تحليل قرار مجلس الامن 2703 بشأن نزاع الصحراء الغربية .
- جمهورية بلا جمهوريين ، وجمهوريون بلا جمهورية
- هل تعرضت مدينة سمارة لضربة ؟
- ماذا يجري بمحكمة العدل الاوربية


المزيد.....




- بلو آيفي كارتر تتألق في جولة والدتها بيونسيه -Cowboy Carter- ...
- سوريا: ما حصيلة المواجهات في صحنايا والسويداء وما الاتفاق ال ...
- غارات إسرائيلية في اليمن بعد يوم من سقوط صاروخ باليستي على م ...
- إسرائيل تستعد لتوسيع عملياتها في غزة.. وعائلات الرهائن: يعرض ...
- مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز تدين الاعتداءات الإسرائيلية ...
- المبادرة المصرية تطالب نيابة أمن الدولة بإسقاط اتهامتها الجد ...
- عقيلة صالح: تشكيل حكومة موحدة في ليبيا يحظى بترحيب دولي ويعد ...
- الجيش الإسرائيلي يشن غارات تستهدف مناطق على الحدود السورية ا ...
- شولتس يوجه رسالته الأخيرة لزيلينسكي
- تسريبات عبرية عن اتفاق إسرائيلي مع حماس في الدقيقة الـ 90 بو ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين المخزنية والبوليسية . جهاز البوليس السياسي .