|
البناء العضوي (الهيكل التنظيمي) لمنظمة التجارة العالمية
ماجد حاوي الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 16:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لما كانت منظمة التجارة العالمية شخصًا دوليا، فإن من البديهي، أن يتكون هذا الشخص من أجهزة أو هيئات تقوم بوظائف ومسؤوليات للوصول إلى الهدف العام للمنظمة، وتتوسل في ذلك بسلطات واختصاصات تمكنها من تحقيق الغرض الذي أنشئت هذه المنظمة من أجله. ويلاحظ إن منظمة التجارة العالمية تتضمن أجهزة متعددة عامة ومتخصصة، وهذا ما نص عليه ميثاقها أو اتفاقيتها المنشئة التي تعد قانونا أساسيا أو دستوريا بالنسبة للمنظمة ككل، ولكل جهاز من أجهزتها، ونستنتج من ذلك إن هذه المنظمة أخذت بمبدأ تعدد الأجهزة وتنوع الاختصاصات كمعظم المنظمات الدولية الأخرى، ولعل السبب الذي يكمن وراء ذلك هو عوامل التطور والحاجات الجديدة، وعالمية المنظمة من جهة، واعتبارات وعوامل التخصص (مبدأ التخصص) من جهة أخرى. وإن الأجهزة العامة في منظمة التجارة العالمية هي المؤتمر الوزاري والمجلس العام والأمانة. أما الأجهزة المتخصصة فهي المجالس واللجان. وبالنظر إلى أهمية جهاز تسوية المنازعات، وجهاز مراجعة السياسات التجارية. فسيجري التطرق اليهما كل على انفراد. أولا: الأجهزة العامة 1- المؤتمر الوزاري (Ministerial Conference): يعد المؤتمر الوزاري أعلى سلطة في المنظمة، ويتألف من ممثلين عن الدول الأعضاء كافة (وزراء التجارة أو التجارة الخارجية للدول الأعضاء) وفي هذا تجسيد لمبدأ المساواة. ويجتمع مرة كل سنتين على الأقل، إلا إن ذلك لا يمنع من ممارسة المؤتمر لاختصاصاته التي تمتاز بالعمومية والشمولية؛ أي بكل ما يتصل بأداء المنظمة لوظائفها فهو يملك سلطة اتخاذ القرارات في جميع المسائل التي تنص عليها أي من الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف إذا طلب أحد الأعضاء ذلك. ومع هذا الاختصاص فان هناك مواضيع محددة حصرا يكون البت فيها من اختصاص المؤتمر الوزاري وهي: (أ-الانضمام إلى المنظمة بقرار صادر عن المؤتمر الوزاري بأغلبية ثلثي الأعضاء. ب-تعديل الاتفاقية المنشئة والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف. ج-الإعفاء من الالتزامات للمؤتمر الوزاري في ظروف استثنائية أن يقرر بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء الإعفاء من التزام مفروض على أحد الأعضاء بموجب الاتفاقية المنشئة، أو أي من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف.) ويلاحظ إن اتفاقية مراكش اعتمدت عدة أنظمة في التصويت عند اتخاذ القرارات الأغلبية البسيطة أو المطلقة (نصف + 1) أو موصوفة (مقيدة أو مشددة) كالثلثين وثلاثة أرباع، وتوافق الآراء أو النظام التوافقي (Consensus) وهذا هو الأصل. اما الاغلبية بنوعيها والأجماع فهو الاستثناء في حالتين: إذا قضى نص الاتفاق المنشئ على ذلك. أو إذا تعذر الوصول إلى قرار عن طريق النظام التوفيقي. 2- المجلس العام (General Council): يتكون من ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة ويتولى مسؤوليات المؤتمر الوزاري في المدد الواقعة بين اجتماعاته (دورات انعقاده)، فضلا عن المهام الموكلة اليه بموجب الاتفاقية، وعليه فإن هذا المجلس يمارس اختصاصات عامة وشاملة كما يمارس اختصاصا إسناديا أو تفويضيا، ويضع القواعد التنظيمية واللوائح الإجرائية الخاصة به (قواعد إجراءاته)، ويقر كذلك قواعد عمل وإجراءات اللجان المختلفة التي ينشئها المؤتمر الوزاري وهي لجنة للتجارة والتنمية ولجنة لقيود ميزان الموضوعات ولجنة للميزانية والمالية والإدارة، وينعقد المجلس العام حسبما يكون ذلك مناسبا للاضطلاع بمسؤوليات جهاز مراجعة السياسة التجارية المشار اليها في آلية مراجعة السياسة التجارية. ويشرف المجلس العام على مجالس شؤون التجارة في السلع والبضائع وشؤون التجارة في الخدمات وشؤون التجارة في حقوق الملكية الفكرية. ويتمثل اختصاصه الإداري في اعتماد الأنظمة المالية وتقديرات الميزانية السنوية بأغلبية الثلثين. أما اختصاصه الرقابي فيتمثل في اضطلاعه، وكما أشرنا، بمسؤوليات جهاز مراجعة السياسات التجارية الذي يعين رئيسه ويضع قواعد إجراءاته، واتباع آلية مراجعة السياسات المذكورة وأخيرًا فإن اختصاصه الخطير وهو الاختصاص القضائي عندما يضطلع بمسؤوليات جهاز تسوية المنازعات. وفي إطار علاقة المنظمة بالمنظمات الدولية، فان للمجلس العام أن يضع أي ترتيبات ملائمة لتحقيق التعاون الفعال مع كل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية الأخرى التي لها مسؤوليات تتداخل أو تتصل بوظائف ومسؤوليات منظمة التجارة العالمية. 3- الأمانة: لمنظمة التجارة العالمية أمانة عامة مقرها جنيف) سويسرا (يرأسها مدير عام يتولى المؤتمر الوزاري تعيينه ويعتمد الأنظمة التي تحدد سلطاته وواجباته وشروط خدمته ومدة إشغاله هذا المنصب. ويمارس المدير العام صلاحية تعيين موظفي الأمانة ويحدد واجباتهم وشروط خدمتهم على وفق القواعد التي يقررها المؤتمر الوزاري. إن هذا الجهاز هو الجهاز الإداري للمنظمة الذي يضطلع بتسيير أمورها ويتكون من هيئة الموظفين الدوليين الذين يمارسون مسؤوليات دولية دون تعليمات من دول أو حكومات، ولهؤلاء الموظفين امتيازات وحصانات اسوه بممثلي الدول الأعضاء في المنظمات الدولية الحكومية، ومثل تلك الامتيازات والحصانات المنصوص عليها اتفاقية امتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947والغرض منها ضمان حيادية واستقلالية ونزاهة الموظفين الدوليين وعدم التأثير عليهم واحترام المركز القانوني لهم تمكينا لهم من أداء وظائفهم كما يجب وحسب مقتضيات الوظيفة الدولية، إلا انه يجب إلا تكون مثل هذه المزايا والحصانات وسيلة لعدم مراعاة قوانين الدول الأعضاء وأمنها. ثانيا: الأجهزة المتخصصة أو النوعية) الأجهزة الفرعية أو الثانوية ( إن الأجهزة المتخصصة في إطار منظمة التجارة العالمية هي على نوعين: المجالس واللجان فبالنسبة للمجالس هناك مجلس شؤون التجارة في السلع متعددة الأطراف (GATT-1994) الواردة في الملحق (1-أ) ومجلس شؤون التجارة في الخدمات ويتولى الإشراف على سير الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (اتفاقية الخدمات (GATS ومجلس شؤون الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (مجلس الملكية الفكرية) الخاصة باتفاقية الملكية الفكرية اتفاقية تريبس (TRIPs) وتعمل هذه المجالس تحت الإشراف العام للمجلس العام ويضطلع بالمهام التي تعهد اليها الاتفاقات الخاصة بكل منها والمجلس العام، وتضع قواعد إجراءاتها. والعضوية فيها مفتوحة لممثلي جميع الأعضاء وتجتمع هذه المجالس حسب الضرورة للقيام بمهامها. أما اللجان كأجهزة ثانوية أو فرعية فقد حددت الاتفاقات المنشئة لجانا منها ما تنشئه المجالس الثلاثة، ومنها ما ينشؤه المؤتمر الوزاري كلجنة التجارة والتنمية ولجنة القيود المطبقة بخصوص ميزان المدفوعات ولجنة للميزانية والتمويل والإدارة. وقد سبق إن أشرنا إلى هذه اللجان بمناسبة الكلام عن المجلس العام. وتستعرض لجنة التجارة والتنمية دوريًا، كجزء من مهامها، الأحكام المؤقتة الواردة في اتفاقات التجارة متعددة الأطراف لصالح البلدان الأقل نموًا، علما إن العضوية في هذه اللجان تكون مفتوحة لممثلي جميع الأعضاء. ويلاحظ إن هذه اللجان تتسم بالدوام ولم تتحدد طبيعة العلاقة بينها وبين المجالس، بيد إن إشراف المجلس العام عليها يضمن تنسيق العلاقة بينهما، وهناك لجان في نطاق الاتفاق بشأن القيود الفنية وفي نطاق الاتفاق بشأن إجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة، ولجنة قواعد المنشأ فيما يتعلق بالاتفاق بشأن قواعد المنشأ والتي تتكون من ممثلين عن كل الدول الأعضاء. ومن المفيد أن نشير إلى إن أي خلاف يحصل أثناء ممارسة اللجنة أو الجهاز لعمله يحل من جهاز تسوية المنازعات، وكل هذه الأجهزة واللجان تعمل داخل الإطار المؤسسي للمنظمة كما تقوم بإحاطة المجلس العام بأنشطتها كافة بصورة منتظمة. ثالثًا: جهاز تسوية المنازعات: Dispute Settlement Body (DSB) وهو أحد الأجهزة الرئيسية التي تمتد ولايتها لتشمل مجالات التجارة في السلع والخدمات والملكية الفكرية بشكل متكامل والذي يعبر عن جانب من مهام المنظمة بالاستناد إلى وثيقة التفاهم المتعلقة بالقواعد والإجراءات التي تنظم تسوية المنازعات والمشار اليها باسم) تفاهم تسوية المنازعات) الوارد في الملحق (2) من الاتفاقية المنشئة. وتتضمن وثيقة التفاهم 27 مادة وثلاثة ملاحق تغطي الاتفاقية المنشئة والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف) السلع، الخدمات، حقوق الملكية الفكرية ( والاتفاقيات التجارية عديدة الأطراف (الطائرات المدنية، المشتريات الحكومية، منتجات الألبان، لحوم الأبقار (ولا يملك جهاز تسوية المنازعات اتخاذ إجراء، أو أن يتدخل بشأن أي نزاع إلا برضا أطراف النزاع ولهذا مظاهر؛ كالتسوية الفورية والمشاورات وتشكيل لجان للخبراء. حسب جات 1947 والتوفيق والمساعي الحميدة والوساطة والاستئناف والتحكيم. وللجهاز دور مركزي في إتمام حل المنازعات من خلال تشكيل أو تحديد جدول زمني Time Table هو زمن التحكيم، وجهاز الاستئناف الخاص بالنظر في استئناف أحكام فرق التحكيم بعد استنفاد إجراءات التشاور والتفاهم بحسن نية. وفي هذا الخصوص لا ينكر ذلك التأثير أو التأسيس لهذا النظام في اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA) النافتا) المبرم عام 1992 بين دول أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة – كندا – المكسيك) يلاحظ إن تفاهم تسوية المنازعات في اطار منظمة التجارة العالمية، أوجب على جميع الأعضاء في حالة نشوء نزاع ممارسة إجراءات تسوية المنازعات من الأعضاء بحسن نية مما يعكس الطابع الرضائي أو الارتضائي طوعا واختيارا بهدف الحفاظ على حقوق الأطراف والتزاماتهم المترتبة بموجب هذه الاتفاقيات، وحماية القواعد الدولية التجارية لمصلحة أعضاء المنظمة دون الخروج على القواعد المعتادة في القانون الدولي الأمر الذي يعني إن هناك ربطًا بين هذا القانون والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات. لا شك إن آلية تسوية المنازعات التجارية الخاصة بجهاز تسوية المنازعات في إطار المنظمة تعكس أو تعبر عما يمكن تسميته بالقانون المرن أو الميسور (Soft Law) الذي يعتمد على عناصر الإرادة أو الاختيار، وحسن النية والتراضي وانعدام التحديد الدقيق، والقابلية للتبلور والتطور، وكل ذلك للتوصل إلى تسوية وضمان الحقوق واحترام التعهدات والالتزامات، وتحقيق التوازن في أحكام فرق التحكيم في تسوية المنازعات التي تتسم بالطبيعة الإلزامية، بعد تبنيها من قبل جهاز حل المنازعات، مما يقتضي إتاحة الفرصة في استئناف أحكام فرق التحكيم لضمان تسوية عادلة ورصينة للنزاع. علمًا أن (مهمة المحكم هي الفصل في مسألة ما إذا التنازلات أو الالتزامات المراد تعليقها من قبل الشاكي تعادل أم لا الأضرار الناتجة عن المخالفات التي ارتكبها العضو المدان) والتأكد من مدى تطابق قرارات فرق التحكيم مع الأحكام القانونية المنصوص عليها في الاتفاقات ذات الصلة والتفسير القانوني السليم لها من الناحيتين الشكلية والقانونية دون الخوض في الجوانب الموضوعية لقرارات فرق التحكيم. وبشأن الجزاءات اللازمة لضمان تنفيذ الاتفاقات الدولية وإلزام الدول على اتباع السلوك الصحيح في تنفيذ التزاماتها فان جهاز تسوية المنازعات لا يقوم بإيقاع الجزاء بنفسه، بل يفوض الطرف المتضرر القيام بهذه المهمة، وهذا ما لا يحقق العدالة والمساواة عندما تكون الأطراف غير متكافئة وعندما لا يكون اثر جزاءات من الدولة القوية والغنية كأثر جزاءات صادرة من دولة ضعيفة فقيرة وهكذا فان الغاية من فرض الجزاءات ليس مجرد توقيعها، وإنما لضمان التنفيذ للاتفاقات الدولية وقد اعتمد اتفاق التفاهم المنشئ لآلية فض المنازعات الدولية التجارية في كيفية تنفيذ تقارير الخبراء أو تقرير هيئة الاستئناف تبعا لما يلي: - 1- الامتثال: (Compliance) يجب على الطرف المخل أن يمتثل فورا لتوصيات فريق الخبراء أو الهيئة الاستئنافية، وإذا لم يكن باستطاعته العمل بالتوصيات فورا، جاز لجهاز تسوية المنازعات منحه مهلة معقولة للتنفيذ عند طلب ذلك، وعند رفض الامتثال يصار إلى التعويض. 2- التعويض (Compensation) يجوز للطرف المدعي طلب التعويض إذا لم يمتثل الطرف المخل للتوصيات خلال فترة معقولة، كما يمكن للأخير – أي الطرف المخل – أن يعرض التعويض من تلقاء نفسه، وعند رفض الامتثال ودفع التعويض يصار إلى تعليق أو وقف التنازلات والالتزامات. 3- تعليق أو وقف التنازلات والالتزامات التفويض باتخاذ إجراء مضاد (Suspension of Concessions) حيث يجوز للطرف المضرور أن يطلب من جهاز تسوية المنازعات تخويله اتخاذ إجراء مضاد يتمثل بتعليق التنازلات أو أية التزامات أخرى بموجب الاتفاق بغية التأثير في تجارة الطرف المخل أو المخالف. ويلاحظ أنه لا توجد جزاءات فعالة عن الامتناع عن التنفيذ بعد تعليق التنازلات كالفصل أو الطرد من منظمة التجارة العالمية، ولا نحسب ذلك إلا استجابة لطبيعة ومتطلبات التجارة الدولية ومرونة قانونها الذي يترك لإرادة الأطراف أو الأعضاء حيزا كبيرا، وان بدا تعليق التنازلات أيضا إجراء انتقاميا واقعيا أو تدبيرا مضادا في سلم الجزاءات الدولية التجارية. 4- جزاءات أخرى: تعد الجزاءات السابقة إجراءات مؤقتة يتم اللجوء اليها في حال عدم تنفيذ التوصيات والقرارات خلال فترة زمنية معقولة مع التأكيد على انه لا التعويض ولا تعليق التنازلات أو غيرها من الالتزامات أفضل من التنفيذ الكامل لتوصية ما بتعديل إجراء لجعله يتوافق مع الاتفاقات المشمولة. ومن الجدير بالذكر، إن التعويض يكون إراديا ولا يخل بالتزام الدولة الخاسرة تنفيذ أو إعمال قرار فريق التحكيم. ومنذ إنشاء المنظمة وحتى عام 2000 لم تصادف قضية قبل فيها الطرف الخاسر التعويض كبديل عن تنفيذ القرار الصادر بسحب الإجراء المخالف. من الأهمية أن نشير هنا إلى أن تطبيق مبدأ تحريم القيود الكمية على كل من الصادرات والواردات، وبصفة خاصة، نظام الحصص؛ أي إجازة وضع القيود الكمية على التجارة الدولية مع دولة معينة، قد أثار المنازعات والشكاوى بين الدول، وهناك ما يزيد على ثلاثمائة نزاع تجاري عرض على جهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية. ومن المهم أيضا، أن نشير إلى أمثلة تطبيقية على النزاعات التجارية المشار إليها، كشكوى الهند ضد نظام استيراد بولندا للسيارات في 4/10/1994 وشكوى الاتحاد الأوربي ضد الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تقييد استيراد السمك من هولندا في 5/6/1994، وشكوى الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين بخصوص تقييد استيراد المنسوجات في 6/9/1996 وتجدد النزاع التجاري بين هاتين الدولتين واستمراره لغاية 2005، ومن خلال دراسة المائة شكوى الأولى، التي تم تقديمها إلى جهاز تسوية المنازعات التجارية في المنظمة، فإن غالبيتها - وبنسبة 80% منها -تقدمت بها الدول المتقدمة) الولايات المتحدة الأمريكية، الجماعة الأوربية، كندا، اليابان (وعليه، فإن نسبة ما تم تقديمه بمعرفة الدول النامية هي 20% أما الدول المشكو منها فكانت 70% دول متقدمة، و30% دول نامية. أما موضوع النزاعات فكانت في أغلبها تمس الإجراءات غير التعريفية في دقائقها الفنية، أو إجراءات السلامة الصحية، أما الإجراءات التي تخص المنتجات الزراعية، والمنسوجات فتأتي بعد ذلك. ففي نزاع الولايات المتحدة الأمريكية مع فنزويلا والبرازيل في قضية الكازولين فربحت كل من فنزويلا والبرازيل القضية وذلك بموجب قرار فريق التحكيم (Panel) وتأييد هيئة الاستئناف (Appellate Body) للقرار وتبني، جهاز تسوية المنازعات لذلك في 20 مايو/أيار 1996 استنادًا إلى أن الولايات المتحدة قد خرقت مبدأ المعاملة الوطنية، الذي قررته اتفاقية الجات، وذلك بإقامة معدلات ومستويات مختلفة لحماية البيئة من شأنها التفرقة في المعاملة بين الكازولين المنتج محليا وذلك المستورد من كل من فنزويلا والبرازيل، وعلى أساس خفض التلوث البيئي. وفى نزاع اليابان من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوربي من جهة أخرى، في 14 شباط/فبراير 1997، والذى تضمن اتهام اليابان بتقييد استيراد الخمور من خلال تبنيها أسلوب ضريبي يحابي المشروبات الكحولية الوطنية على مثيلاتها المستوردة، وبما يعد مخالفا لالتزامات اليابان، وفقا للمادة 3/2 من كات 1994، وقد أيدت هيئة الاستئناف في 4-5 تشرين الأول/أكتوبر 1996 قرار فريق التحكيم بوجوب قيام اليابان بتعديل الوضع بسحب الإجراءات المخالفة بتعديل تشريعاتها الضريبية في هذا الخصوص وفى نزاع المنسوجات بين كوستاريكا والولايات المتحدة صدر قرار فريق التحكيم في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 لصالح الأولى تأسيسًا على أن القيود التي فرضتها الولايات المتحدة بالنسبة لاستيراد المنسوجات القطنية مخالفة لاتفاقيات الجات. ولم يثبت أن الواردات القطنية من كوستاريكا أحدثت أو هددت بحدوث أضرار جسيمة للصناعة الأمريكية. وقد تأييد قرار فريق التحكيم في هذا النزاع بقرار هيئة الاستئناف في 10 فبراير/شباط 1997. وفى النزاع حول استيراد المنسوجات من الهند، بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية ربحت الهند قضيتها ضد الولايات المتحدة، وذلك بقرار فريق التحكيم في 6 كانون الثاني/يناير 1997؛ الذي تأييد بقرار هيئة الاستئناف في 25 نيسان/أبريل 1997. أما نزاع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا من جهة والسوق الأوربية من جهة أخرى فيما عرف بقضية اللحوم ومنتجات اللحوم) الهرمونات) فيتلخص في اتهام الدولتين المذكورتين للسوق بأنها -أي السوق -قد أقامت حظرا على استيراد اللحوم ومنتجاتها من الماشية المعالجة هرمونيا) هرمونات التسمين) خلافًا لما تقضي به المادتان 3/1 و5/1 من اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الإجراءات الصحية. وقد صدر قرار فريق التحكيم في 18 آب/أغسطس 1997 لصالح الدولتين تأسيسا على أن الإجراءات الصحية للسوق أعلى من المعدلات الدولية وفقًا لاتفاقية الجات المتعلقة بالإجراءات الصحية، وأن التحريم الذي فرضته السوق لا مبرر له، وقد اعتمد المجلس في 13 شباط/فبراير 1998 قرار هيئة الاستئناف الصادر في 16 كانون الثاني/يناير 1998 قضايا الإغراق؛ Dumping الذي يعني، وكما حددته الفقرة (1) من المادة (6) من اتفاقية جات 1994 ومن إدخال منتج ما في تجارة بلد آخر بقيمة أقل من قيمته العادية في بلد تصديره، وفي هذه الحالة يعتبر هذا المنتج مغرقا، نشير إلى اتهام الاتحاد الأوربي لمصر بإغراق أسواقه، حيث قدم الاتحاد ست قضايا ضد الواردات المصرية من بين إحدى عشرة قضية إغراق؛ ولذلك فرض رسوم مكافحة الإغراق على بعض المنتجات القطنية عام 1997، كذلك اتهمت جنوب أفريقيا مصر بإغراق أسواق منتجاتها من أواني الألمنيوم المنزلية. ومن جانب مصر، فقد قامت بعض أفرع صناعتها برفع عدد من قضايا الإغراق ضد الواردات الأجنبية من السلع المثيلة كالشكوى الخاصة بإغراق كل من رومانيا، وأوكرانيا، ولاتفيا لأسواق منتجات شركة الإسكندرية للحديد والصلب من حديد التسليح، وقيام شركة السكر والتقطير المصرية بتقديم شكوى بإغراق منتجاتها، وانتهى التحقيق إلى إثبات ذلك وتم فرض رسم تعويضي حسب قواعد مكافحة الإغراق (Code Anti-Dumping). وفى نزاع السوق الأوربية من ناحية، والولايات المتحدة وبعض دول أمريكا الجنوبية) الأكوادور، هندوراس، والمكسيك) والمعروف بقضية الموز (The Banana Case) بشأن استيراد الموز وبيعه وتوزيعه، قرر فريق التحكيم أن نظام السوق الأوربية الذي يعطي ميزات أفضلية لاستيراد الموز من بعض دول أفريقيا ودول المحيط الكاريبي غير متوافق بل ومتعارض مع الالتزامات التي تفتضيها اتفاقية جات 1994 والاتفاقيات المرتبطة به، وأيدت هيئة الاستئناف هذا القرار في 9 أيلول/سبتمبر 1997، كما قام المجلس باعتماده في 15 أيلول/سبتمبر 1997. أما قضية المجلات الدورية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكند والتي تتلخص في اتهام كندا بخرقها التزاماتها الدولية بالنسبة للدوريات المستوردة، حيث فرضت بدون مبرر ضرائب على دخول الإعلانات الأمريكية المنشورة في المجلات المطبوعة في كندا، ومنحها معدلات وأسعار بريدية مدعومة للمجلات والجرائد الكندية، بحيث خرقت مبدأ المعاملة الوطنية، فقد أصدر فريق التحكيم بشأنها قرارا تحكيميا لصالح الولايات المتحدة ضد كندا، وذلك في 14 آذار/مارس 1997، ثم تأييد هذا القرار من هيئة الاستئناف في 30 حزيران/يونيو 1997 وفى نزاع الولايات المتحدة الأمريكية مع السوق الأوربية حول اتخاذ الأولى في 1/10/1997 بعض الإجراءات الحمائية لاستيراد القمح (فرض قيود كمية على الاستيراد) انسجاما مع اتفاق أمريكا الشمالية للتجارة الحرة) نافتا (قرر فريق التحكيم في 31 تموز 2000، أن القيود التي فرضتها الولايات المتحدة، وبالذات المادة 2/1 والمادة 4/2 من اتفاقية Safeguards هي إجراءات مخالفة للاتفاقيات الملحقة باتفاقية منظمة التجارة العالمية كالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT-1994)(م1 و م 19) وقد أوصى فريق التحكيم جهاز تسوية المنازعات أن يطلب من الولايات المتحدة سحب الإجراءات المخالفة مع تعديل القيود التي أعطت كندا ميزات معينة (طبقًا لاتفاق نافتا) وقد أيدت هيئة الاستئناف في 22 كانون الأول/ديسمبر 2000 قرار فريق التحكيم. في ضوء ما تقدم يرى البعض أن كسب دول نامية أو من العالم الثالث لمنازعات تجارية ضد دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، دليل على أن نظام تسوية المنازعات في ظل المنظمة، إنما شرع لمصلحة جميع الدول الأعضاء بغض النظر عن قوتهم الاقتصادية ولكنه يستدرك بالقول إن المشكلة الكبيرة أمام الدول النامية، هي تكاليف اللجوء إلى نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية الباهظة للغاية، والسؤال الذي يواجه واقعا أو جوابا يشتمل على طرفي نقيض: حق الدول النامية في اللجوء إلى نظام تسوية المنازعات أولا مع تعذر أعماله جراء التكاليف الباهظة لغرض ممارسة الحق المشار إليه ثانيًا يعني، عمليًا، أن ممارسة الحق والتمتع به يرجح كفة الدول الغنية أو القوية اقتصاديا، ويدعو إلى التساؤل عمن وضع هذا التناقض وهذه المعادلة الصعبة؟ ولماذا؟ رابعًا: جهاز مراجعة السياسات التجارية سبق أن أشرنا إلى إن المجلس العام في منظمة التجارة العالمية يضطلع بمسؤوليات جهاز مراجعة السياسات التجارية؛ وذلك بهدف الرقابة على احترام وتنفيذ التزاماته المحددة بموجب اتفاقية مراكش وملاحقها وعدم انتهاكها من خلال الألية التي نظمت بموجب الملحق رقم (3) للاتفاقية المذكورة. وللمجلس العام أيضا تعيين رئيس هذا الجهاز، ووضع قواعد الإجراءات واتباع الية مراجعة السياسات المذكورة وكل ذلك يفيد الرقابة وهذا يثير مسائل تمس حقوق الدول وواجباتها كمسألة التدخل لحماية حقوق الأنسان أو لاعتبارات إنسانية ومبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، وعدم جواز التذرع بالقانون الداخلي للتخلص من الالتزامات الدولية، والحق إن التدخل الإنساني لم يتطور بعد إلى مرحلة الحق أو المبدأ القانوني الدولي وان امكن قبوله أو اللجوء اليه ففي حدود الاعتبارات الإنسانية الصرفة، وبحسن نية مع الاحترام الدقيق لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وهذه مبادئ أساسية في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة، ويتعين مراعاتها أيضا حيال مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي وفق مبدأ عدم جواز التمسك أو الاحتجاج بالقانون الداخلي للتهرب أو التحلل من الالتزامات الدولية.
#ماجد_حاوي_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعتماد المستندي - شريان الحياة للتجارة الدولية
-
القضاء العراقي يضع الخطوة الأولى لإنشاء المحاكم الافتراضية
-
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل المحامين يومًا ما؟
-
تأثير النزاع المسلح الروسي الأوكراني على تحقيق أهداف التنمية
...
-
أثر التطور التكنولوجيا على مهنة المحاماة
-
(التشريعات العراقية والحفاظ على الجنسية الفلسطينية)
-
التجارة الدولية والتنمية المستدامة: صديق أم عدو؟
-
حق ضحايا الاتجار بالبشر في الحصول على تعويض... وفق لأحكام بر
...
-
دعم الموقف القانوني لضحايا الاتجار بالبشر من خلال منحهم أذون
...
-
مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر... وفق احكام بروتوكول منع وقمع و
...
-
إعادة الضحايا الاتجار بالبشر إلى أوطانهم او منحهم حق اللجوء
-
مسؤولية الشخص المعنوي عن جريمة الاتجار بالبشر
-
أحكام تسليم المجرمين في القانون الدولي
-
التعاون الدوليِّ في ميدان تحقيق العدالة الجنائية من خلال إرس
...
-
الطبيعة القانونية للجنسية
-
موقف الشريعة الإسلامية من فكرة الجنسية وتطورها التاريخي
-
الاتجار بالبشر لغرض الاستغلال الجنسي
-
الاتجار بالبشر لغرض نزع الأعضاء البشرية
-
تفسير عقد البيع الدولي وإثباته وفقا لاتفاقية فيينا لعام 1980
-
الاتجار بالبشر لأغراض التجارب الطبية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|