أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل عيدان - أخلاق القيم














المزيد.....


أخلاق القيم


عقيل عيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 09:44
المحور: المجتمع المدني
    


من المفردات الشائعة في مجتمعاتنا العربية، مفردتا (الواقعية) و(المثالية). فطالما أطلقت هاتان اللفظتان خلال النظر الأخلاقي للتمييز بين سلوك وسلوك، وبين اتجاه واتجاه، أو بين نظرة ونظرة؛ فهذا رجل واقعي ، وذاك رجل مثالي ، وهذا اتجاهه أو نظرته إلى الحياة والأشياء واقعية ، وذاك اتجاهه أو نظرته إليها مثالية .
بل كثيراً ما مزجت المثالية بمعنى الخيالية ، بما يعني بعدها عن معطيات الواقع . فكأنما يفترض هذا التمييز وجود هوّة سحيقة تفصل بين الواقعية والمثالية ، بل كأنه يبيح اعتبار وجهين مختلفين من وجوه السلوك الخلقي .
في تقديري ، إن الأخلاق لا تعرف ولا يمكن لها أن تعرف غير المثالية ، لأنها في جوهرها تقويمٌ وتكييف للواقع لا تقرير له . ونحن حين نطلب إلى إنسان أن يكون واقعياً وغير مثالي ، إنما نطلب منه التخلي عن السلوك الخلقي للانسياق في تيار الواقع الذي قد يكون فاسداً ، أي ندعوه بصراحة تافهة إلى انتهاج سبيل السوء .
فالواقعية ما هي إلاّ "بدعة" مصدرها الحيلة، وصيغة مزيفة للعمل الخلقي، ابتُكِرت لتبرير كل ما هو غير خلقي، ووأد المثل الإنسانية الخالدة في سبيل إحراز النجاح الرخيص، وهي لا تستطيع أن تجد الحياة في غير ذهن سقيم أو نفس تخلّت عن معناها .
على أم هذه "البدعة" في النظر الخلقي تجد مسوّغاً لها في حياة العرب الاجتماعية . في هذه الحياة الاجتماعية وحدها تستطيع أن تلمس شأناً كبيراً متفاقماً لما يُحتمل وصفه بالواقعية في مجال الأخلاق، بحيث يكون الضدّ التام المقابل لمعنى المثالية ؛ وفيها فقط تنفصل هذه الواقعية عن المثالية، إذ ترى الواقع بعيداً جداً عن المثال .
أما إذا نظرت إلى ما حول نطاق هذه الحياة ، وخرجت إلى المجتمعات الغربية مثلاً ، فإنك تفتقد هذه الواقعية فلا تعثر لها على أثر ، وإنما تجد مثالية فقط بالمعنى الصحيح ، أو بعبارة أخرى، تجد المثالية هي الواقعية، والواقعية هي المثالية، فهما هناك صنوان أو أخوان لا يختلفان ولا يفترقان، بحيث أنه لا يبعد عن الواقع إلاّ النفعيّ الذي جهل القيم الروحية وتنكّر لقيمته كإنسان .
إن هذا الاختلال في النظرة الخلقية في مجتمعاتنا العربية ، تحمل وِزرَه اعتباراتهم الأخلاقية التقليدية ، التي تنكّرت مع الزمن للقيم الروحية وتجاهلتها ، وقصرت العمل الخلقي على التقيّد بالتعاليم والنصوص الزجرية ، وهي في الحقيقة ما لا يقوى على الاستقرار في النفوس .
بل إن هذه الاعتبارات ازدادت تفسّخاً وتصدعاً حيت احتكت بالحضارة الغربية ، فتأثّرت بها تأثراً معكوساً نتج عن فساد تمثّل هذه الحضارة ، وذلك ما ينبغي أن نعتبره مشكلة أساسية في حياة الكيان العربي .
لقد "غزت" الحضارة الغربية أو الحديثة المجتمعات العربية بوسائل عدة، فبهرت أبصارهم بقشورها العائدة إلى بعض العادات والأزياء وأساليب السياسة الماكرة ونحوها، وبقليل من عناصرها كالآلات والحرب والسلاح والمذاهب السياسية ، ولكنها حجبت عن أعينهم تلك العوامل الأقل بروزاً فيها، كالأخلاق، والقيم الإنسانية، وجدارة الفرد، وشأن المرأة، والبحث العلمي ، وحرية الفكر ، وغيرها من المثل التي نهضت عليها ، والتي تشكّل روحَها وعصَب حياتها .
فالحضارة الراهنة تعيش اليوم في المجتمع العربي جسماً بغير روح، وروحها هي الأخلاق المستوحاة من تمثّل القيم الروحية كافة، ودون أي وسيط كالنصوص والقواعد الموضوعة، أي مع الحرية الإنسانية الخالصة .
لا بد للمجتمعات العربية ، لكي يأخذوا بأسباب الحياة الحقة ، من انتهاج "أخلاق القيم" هذه . ولئن تنكرت النفس العربية لهذه الأخلاق أو فاتها الإلمام بها حتى اليوم ، فأمامها الحضارة الحديثة ، فهي في جوهرها خير مثال عينيّ لها، وما عليها إلاّ أن تعيد النظر في هذه الحضارة، لكي تبلوَها وتدرك كوامنها، وتتمثلها تمثلاً سوياً لا يشوبه إبهار أو اعتباط.



#عقيل_عيدان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الديموقراطية؟
- استعادة لذاكرة الإنسان
- يقظة اللغة العربية
- الكواكبي في مصر
- المرأة الجديدة
- خواطر من أخبار المرأة العربية في التاريخ
- الخوف يصنع التاريخ
- الحدس أو عين العقل
- ما هي الدولة ؟
- أن تكون ديوجين
- الباحثون عن التنوير
- العقيدة في حياة الإنسان
- الثقافة أو الدور المتبقي لنا
- حرب العقول .. من العقل التنويري إلى العقل المحاصر
- أي حوار ديني نريد؟
- هل من طبقية بين البشر؟
- النقد وتأسيس العقلانية
- الوعي الاجتماعي وعناصر الزمن الثلاثة
- الجامعة فضاء النشاط التنويري
- ما هي العدالة ؟


المزيد.....




- لازاريني: انهيار الأونروا سيحرم جيلا كاملا من أطفال فلسطين م ...
- اعتقال نحو 100 متظاهر مؤيد لفلسطين بعد اقتحام برج ترامب في ن ...
- نيويورك: وقفة في برج ترامب تندد باعتقال طالب بجامعة كولومبيا ...
- ألمانيا تحقق مع مشتبه بهم في تهم تتعلق بالعمل القسري والاتجا ...
- ليبيا: الأمم المتحدة تحذر من المعلومات المضللة وخطاب الكراهي ...
- الأمم المتحدة: حرب السودان هي أسوأ أزمة إنسانية وهناك 30 ملي ...
- يونيسف: 1.3 مليون طفل دون الخامسة بالسودان يعيشون في بؤر الم ...
- -لم نعد أمريكا بعد الآن-.. شاهد كيف علق سيناتور أمريكي على ا ...
- سيناتور ينتقد اعتقال الناشط الفلسطيني محمود خليل.. ويوجه رسا ...
- الأمم المتحدة: سنرحب بأي اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل عيدان - أخلاق القيم